فالرماني الذي يعبر عن المجاز
بالاستعارة ، ويضع الاستعارة في التطبيق موضع البحث ، إنما ينظر اليها باعتبارها
عملا مجازيا يستدل به على وقوع المجاز في القرآن من وجه ، وعلى دلائل الإعجاز
القرآني من وجه آخر.
ويبدو ان نظرة البلاغيين في القرن
الرابع من الهجرة كانت متحدة في هذا المقياس بأطاره العام ، فهذا أبو هلال العسكري
(ت : ٣٩٥ هـ) قد أشار الى المجاز بمعناه الواسع ونظر له من القرآن الكريم في صنوف
الاستعارات القرآنية ، وقد أوضح رأيه في التنصيص على ذلك بقوله : «ولا بد لكل
استعارة ومجاز من حقيقة ، وهي أصل الدلالة علة المعنى في اللغة» .
ويهمنا من هذا القول أنه جعل المجاز
قسيما للحقيقة ، واعتبر الاستعارة كذلك لا فرق بينهما وبين المجاز ، وكانت
تطبيقاته في هذا المنهج إستعارات القرآن.
والحق أن أبا هلال كان ذا حدس إستعاري ،
وحس بياني ، وذائقة بلاغية ناضجة فيما أورده من شواهد قرآنية في هذا المقام ، ففي
قوله تعالى : ( وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً
منثورا (٢٣)
) .
يقول أبو هلال : « حقيقته عمدنا ، وقدمنا أبلغ ، لأنه دلّ فيه على ماكان من إمهاله
لهم ، حتى كأنه كان غائبا عنهم ، ثم قدم فأطلع على غير ما ينبغي فجازاهم بحسبه ، والمعنى
الجامع بينهما العدل في شدة النكير ، لأن العمد الى إبطال الفاسد عدل ، وأما قوله ( هباءً
منثورا )
فحقيقته أبطلناه ، حتى لم يحصل منه شيء ، والاستعارة أبلغ ، لأنه إخراج ما لا يرى
الى ما يرى ».
وكان السيد الشريف الرضي ( ت : ٤٠٦ هـ )
قد ألف كتابين في المجاز : لهما أهمية نقدية وبلاغية في البحث البياني في القرآن
وعند العرب وهما : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» و « والمجازات النبوية » ، وكان
__________________