وليس من شأن السماء البكاء ، ولا من
طبيعة الأرض أن تكون باكية ، دلالة على إرادة الاستعمال المجازي عقلا ، فالمساء
على حقيقتها والبكاء على حقيقته وكذلك الأرض ، ووصف السماء والأرض بأنهما يبكيان ،
أو نفي بكائهما كما في الآية ، يقتضي أن هذا الإسناد ألصق في تصور الفجيعة ، وأبلغ
في تصوير النازلة ، وذلك حينما أخذ هؤلاء على عجل دون أهبة أو استعداد.
ونظير هذا كثير في المجاز العقلي من
القرآن.
٤ ـ علاقة المجاز العقلي في القرآن
والمراد بعلاقة المجاز العقلي في القرآن
ههنا ، وجه الاستعمال المجازي وسببه الداعي اليه ، والركيزة المقتضية التي يستند
اليها هذا المجاز ، ولك أن تتجوز في ذلك فتقول : إن العلاقة هنا هي المسوغ الفني ،
أو المبرر الاستعمالي لهذه الصيغة المجازية دون الأصل الحقيقي.
ولقد توسع علماء البلاغة القدامى
والمحدثين ـ بالتبعية ـ في إيراد مبررات هذه العلاقة ، وتفننوا بالتقسيمات المضنية
، وتعللوا بالتخريجات المنطقية تارة ، والكلامية أخرى ، والنحوية سواهما ، حتى
بلغوا بذلك حد الإفراط ، مما ذهب برونق هذه العلاقة المتينة وبهائها ، فبدلا من
حصرها ، وتسليط الأضواء على مضمونها ، لجأوا الى التفصيلات المملة ، والأسماء
المخترعة ، فكانت السببية مثلا ، والمسببية ، والزمانية ، والمكانية ، والفاعلية ،
والمفعولية ، والمصدرية وأضراب ذلك من نماذج علاقة المجاز العقلي.
وكانت : تسمية الكل باسم الجزء الذي لا
غنى عنه في الدلالة على ذلك الكل ، وتسمية الجزء باسم الكل ، وتسمية المسبب باسم
السبب ، وتسمية السبب باسم المسبب ، وتسمية الشيء باسم ما كان عليه ، وتسميته باسم
ما يكون عليه أو يؤول اليه ، وإسناد الفاعلية أو الصفة الثبوتية للزمان ، ووضع
النداء موضع التعجب ، وإطلاق الأمر وإرادة الخبر به ، وإضفاء الفعل الحسي على
الأمر المعنوي ، والتغليب : بإعطاء الشيء حكم غيره ، وأضراب ذلك من نماذج علاقة
المجاز اللغوي المرسل.