أقول : وعلينا الآن أن نستذكر أوّلاً ما مرّ بنا من أخبار البلاذري الثلاثة ، ولنعيد النظر فيها ، ونرى فيها ما اتفقت عليه وما اختلفت فيه ثمّ نبيّن رأينا في دلالاتها ، فنقول :
أ ـ إنّ الخبر الأوّل والثالث يتفقان في ذكر سبب موت الإمام ( عليه السلام ) وأنّه شرب عسلاً بماء رومة فمات منها (؟) وما أدري لماذا مات الإمام من شرب العسل الممزوج بماء رومة؟ ورومة أسم بئر بالمدينة زعم الأمويون أنّ عثمان اشتراها وتصدّق بها على المسلمين كما زعموا أنّه سقط فيها خاتم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الّذي كان يلبسه عثمان (؟) وزعموا وزعموا ، والآن زعم معاوية أنّ ماءها إذا مزج بالعسل تفاعل حتى يصير سماً (؟) فشرب منه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ومات من شربته (؟).
ب ـ والخبر الأوّل والثاني يتفقان في مكان اللقاء بين ابن عباس ومعاوية وهو كان بمكة.
ج ـ بينما يتفق الثاني والثالث في صيغة تعزية معاوية : لا يسوءك الله ... وفي جواب ابن عباس له : لا يسوؤني الله ما أبقاك يا أمير المؤمنين (؟) وهذا بيت القصيد في مدح أبي يزيد.
د ـ كما أنّهما يختلفان في مقدار المال الّذي أمر به معاوية ، ففي الخبر الثاني مائة ألف درهم وفي الخبر الثالث ألف ألف درهم.
ومهما يكن فإنّ معاوية لم يدع مدح ابن عباس يذهب هدراً ، بل أرسل إليه ما يشتري به ذمته (؟) أليس هذا هو المطلوب كما يبدو من عرض البلاذري لأخباره ، وكأنّه يرتأي أنّ اللقاء كان بمكة ، حيث ساق ذلك بإسناد ، بينما ذكر الخبر الثالث مرسلاً عن سماع ولم يفصح ممّن سمعه (؟) فهو ساقط بالمرّة ، ونعود إلى إسناد الخبرين الأولين.