المجتمع المكي ، فلا أجد مصدراً أصدق أنباءً من القرآن الكريم ، فهو أبلغ نصاً وأوضع مفهوماً من جميع المصادر الأخرى.
لقد عرض القرآن الكريم في بعض آياته لوحات تصوّر (حال الحياة العربية) ، قبيل الإسلام وبعده في شتى أنحاء الجزيرة العربية وبواديه فسمّى (الأعراب) كما ورد ذلك في القرآن المجيد في عشر آيات تنديداً بمعظمهم ، ولم يرد تسميتهم (بالعرب) ولا مرّة واحدة ، نعم إنّما وردت النسبة إلى العرب مدحاً في وصف القرآن ولغته ، فمن الجدير بالذكر التنبّه إلى وجوب الفرق بين العرب والأعراب ، ولمّا كانت فترة ما قبل الإسلام تسمى (الجاهلية) وتلك فترة كتبت عنها أقلام تفاوت أصحابها زماناً ومكاناً ، وفهماً وإيماناً ، ولم تسلم أحكامهم غالباً من الجنوح العاطفي بين إفراط وتفريط ، وإن استند بعضهم إلى آي القرآن الكريم ، ولكنه أساء فهم المعنى فلم يفرّق ـ مثلاً ـ بين العرب والأعراب ، كما لم يراع طبيعة المكان والزمان ، ولا بين الحاضرة والبادين من الأعراب.
(ولكي نكون منصفين في الأحكام ، عادلين غير ظالمين ، علينا التفريق بين الأعراب وبين العرب ، فما يقال : عن الأعراب يجب ألّا يتخذ قاعدة عامة تطبّق على العرب ، لما بين العرب والأعراب من تباين في الحياة النفسية والعقل.
ثم علينا لكي نكون منصفين أيضاً أن نفرق بين عرب وعرب. لما أصاب عرب كل أرض من أرض العرب من أثر تركه الأجانب فيهم... والامتزاج والاندماج يؤثران بالطبع في أخلاق أهل المنطقة التي وقعا فيها) (١).
_______________________
(١) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٤ / ٢٩٨ ط الأولى بيروت.