المقام الثاني : في أنّ الأمر بالموسّع ليس عين النهي عن ضدّه العامّ والخاصّ ، ولا يستلزم شيئا منهما أيضا بوجه.
بيانه : أنّ الأمر الموسّع ـ سواء تعلّق بموقّت موسّع ، أو مطلق موسّع ، وسواء قيّد بوقت خلوّ المأمور عن الضدّ أو لا ـ لا يدلّ بوجه على لزوم إيقاع مدلوله قبل حين التضيّق ، فلا وجه لدلالته بوجه على النهي عمّا يضادّه ، وكيف يحكم بالنهي عن ضدّ ما لا يجب فعله؟! وأدلّة الاستلزام في المضيّق مبنيّة على تسليم تحتّم إيقاع المأمور به؟
وأيضا لو دلّ على النهي ، لزم من إيجاب واجب موسّع تحريم كلّ ما هو ضدّ له من الواجبات والمستحبّات والمباحات في وقته ، وليس كذلك.
ثمّ لمّا كان كلّ من الموسّع والمضيّق على قسمين (١) : الموقّت ، والمطلق. أمّا الموسّع الموقّت ، فكالظهر ، وغير الموقّت ، فكالنذر المطلق وما وقته العمر. والمضيّق الموقّت ، كالصوم ، وغير الموقّت ، كإزالة النجاسة عن المسجد ، وأداء الدين ، والحجّ ، فيحصل من جعل كلّ من الأربعة مأمورا به وكلّ من البواقي ضدّا بحسب التركيب الثنائي عشرة أقسام : كلّ مع مثله ، وهو أربعة. ومع غيره وهو ستّة. فإذا كان المأمور به أحد الموسّعين والضدّ أحد الأربعة ، يحصل من التركيب الثنائي سبعة أقسام. وكذا إذا كان المأمور به أحد المضيّقين والضدّ أحد الأربعة ، وتداخل أربعة أقسام في الصورتين. ولا يلزم من الأمر النهي عن الضدّ في شيء من الأقسام السبعة للصورة الاولى ؛ لما ذكر. كيف؟ ولو لزم ذلك لزم تحريم أداء الدين ، وإغاثة المظلومين بعد زوال الشمس ، وكذا النوافل والأكل والشرب ؛ لأنّ القول يوجب تحريم كلّ ما هو ضدّ للمأمور به ، سواء كان واجبا ، أو مستحبّا ، أو مباحا.
__________________
(١) ليس هذا التقسيم على ما ينبغي ، فإنّ الموسّع والمضيّق من أقسام الموقّت ، فإنّ الواجب إمّا موقّت أو غير موقّت ، أي مطلق. والموقّت إمّا موسّع أو مضيّق ، والمطلق ـ أي غير الموقّت ـ إمّا فوري أو غير فوري. فالفور والتراخي أمر ، والتوقيت والإطلاق أمر آخر خلطهما المصنّف رحمهالله ، أو له اصطلاح خاصّ. وعلى ما ذكر المصنّف رحمهالله يمكن أن يكون واجب مضيّقا مطلقا ، إلاّ أن يريد من الضيق الفوريّة ، أو كان الواجب مطلقا غير موقّت وغير فوري ولكن ظنّ المأمور بموته قبل فعله.