هذا. ولا يبعد أن يقال : إنّهما يفيدان العموم شرعا وإن قطع النظر عن إفادتهما للعلّيّة ، وإلاّ لزم الإبهام المنافي للحكمة.
احتجّ القائل بالتكرّر بلفظه بوجهين :
أحدهما : أنّه قد ثبت تكرّر الأوامر الشرعيّة المعلّقة بتكرّر ما علّقت عليه ، كقوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا )(١) ، و ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا )(٢) ، وكالآيتين المتقدّمتين (٣) ، والاستقراء يدلّ على أنّه فهم التكرار من نفس التعليق دون العلّيّة (٤).
والجواب : أنّه لو فهم من مجرّد التعليق ، لفهم من جميع التعليقات مع أنّه لا يفهم من أكثرها ، كما في الأمثلة المذكورة وآية الحجّ (٥). والإيراد بأنّ عدم فهم التكرار فيها بالقرينة مشترك ، فما فهم فيه التكرار إنّما فهم من العلّيّة لا من التعليق ، وما لم يفهم فيه التكرار فلقيام القرينة على عدم اعتبار التعليل ، والاستقراء يدلّ عليه.
نعم ، يمكن ادّعاء فهم التكرار في التعاليق الشرعيّة في غير العلّة ؛ لما ذكرناه (٦).
وثانيهما : أنّ الحكم لو تكرّر بتكرّر العلّة ، فيتكرّر بتكرّر الشرط بالطريق الأولى ؛ إذ الشرط أقوى من العلّة ، لانتفاء الحكم بانتفائه ، بخلاف العلّة ؛ لجواز أن يخلفها علّة اخرى (٧).
والجواب : أنّ تكرّر شيء بتكرّر آخر لا يترتّب على اقتضاء عدمه لعدمه ، كما في الشرط ، بل على اقتضاء وجوده لوجوده ، كما في العلّة.
واحتجّ القائل بعدم التكرّر مطلقا بما لا يفهم منه التكرار من الأمثلة المحقّقة في العرفيّات (٨).
__________________
(١) النور (٢٤) : ٢.
(٢) المائدة (٥) : ٦.
(٣) تقدّمنا في ص ٦٢٦.
(٤) حكاه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٢٨٥.
(٥) آل عمران (٣) : ٩٧.
(٦) تقدّم في ص ٦٢٧.
(٧) حكاه الغزالي في المستصفى : ٢١٤ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٨٢ ، والأسنوي في نهاية السؤال ٢ : ٢٨٣ و ٢٨٤.
(٨) حكاه الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٠٦ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٨١ ، والمؤلّف رحمهالله أخذ بمفاهيم الأدلّة.