تأخير البيان ولا يلزم ذلك في الثاني. وأيضا الحكم بالنسخ في الثاني يستلزم إلغاء الخاصّ بالكلّيّة ، والحكم به في الأوّل لا يستلزم إلغاء العامّ بالكلّيّة.
وإن جهل (١) التاريخ ، فالحقّ أنّه يكون مخصّصا أيضا ؛ لأنّ العلماء لم يزالوا يخصّصون العامّ بالخاصّ مع عدم علمهم بالتاريخ (٢) ؛ ولأنّه لا يخرج في الواقع عن أحد الأقسام المتقدّمة وقد حكم بالتخصيص في الجميع ، إلاّ إذا تأخّر الخاصّ وكان وروده بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، وفي صورة الجهل ينفى هذا الاحتمال بالأصل. ولو قطع النظر عنه ؛ لأصالة تأخّر الحادث ، نقول : لا ريب في وقوع التردّد بين التخصيص والنسخ ، وقد بيّنّا رجحان الأوّل على الثاني عند احتمالهما (٣) ؛ على أنّ في صورة الجهل احتمالات ، واحد منها يحتمل النسخ والبواقي لا تحتمل إلاّ التخصيص ، ويلحق الشيء بالأكثر الغالب ، فذلك أيضا يرجّح التخصيص. هذا.
وقيل : أثر هذا الإشكال ـ على تقدير ثبوته ـ عند الإماميّة سهل ؛ لأنّ جهل التاريخ لا يكون إلاّ في الأخبار ، ولا يكاد أن يوجد في القرآن ؛ لأنّ تاريخ [ نزول آيات القرآن ] (٤) مضبوط ، واحتمال النسخ لا يتصوّر في أخبار العترة ؛ لعدم تصوّره بعد انقطاع الوحي ، فينحصر في خبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو قليل (٥).
ويشكل ذلك بوجود الخاصّ كثيرا في كلام العترة ، والعامّ في الكتاب أو خبر النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ولا ريب أنّ الخاصّ وروده حينئذ بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، فلقائل أن يقول : إنّ ابتداء النسخ لا يتصوّر منهم ، لا إبداؤه وإظهاره ؛ لأنّهم عليهمالسلام كانوا حملة جميع الأحكام ، وخزنة مسائل الحلال والحرام ، وقد أودعهم النبيّ صلىاللهعليهوآله جميعها ، فيمكن أن يكون انتهاء بعض الأحكام ونسخه بعد زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله وقد أسرّ صلىاللهعليهوآله ذلك إليهم ولم يظهر لجميع الامّة ؛ لمصلحة رآها ، فإذا حضر هذا الزمان بيّن وصيّه فيه حكم النسخ.
__________________
(١) هذا عدل قوله في ص ٨١٤ : « وعلى الأوّل » فهو بمنزلة قوله : « وعلى الثاني ».
(٢) راجع باب العامّ والخاصّ.
(٣) تقدّم في ص ٨١٦.
(٤) أضفناه من المصدر.
(٥) قاله الشيخ حسن في معالم الدين : ١٤٦.