الذي هو مجمع المعارف والحقائق ومسجود الملائكة وأشرف المخلوقات.
وكانت النار متكبرة فخُلق منها الشيطان الرجيم ، فلابدَّ أن يكون الانسان متواضعاً في جميع اُموره من أكل ولبس وشرب وجلوس وقيام ومعاشرة الناس ، وطاعة الله وما شاكل ، ولا يطلب العلوّ والرفعة والتفوّق في الأمور ولينظر إلى أصله كيف كان ، حيث كان منياً يُمنى يتغذّى من دم الحيض ، وبعد خروجه إلى الحياة الدنيا نجده يحمل في جوفه أنواع النجاسات والقاذورات من دم وبلغم وبول وغائط وغير ذلك مما ينفر الانسان حين انفصالها منه.
ثم يصير بعد الموت جيفة لا شيء أشدّ عفونة منه ويمتلىء جسمه بالدود والقروح ، هذه أوساخ الجسم ، وأمّا أوساخ الروح بسبب الأخلاق الذميمة والجهل أنكى منه بمئات الآلاف.
فجدير بهذا الانسان الاعتراف بالنقص والعجز دائماً ، وكلّما ازداد الانسان كمالاً ازداد علمه بنقصه وعجزه فيزداد تواضعاً كما هو ظاهر من أطوار الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام.
وبما انّ التواضع عمل العباد ، والرفعة والعلوّ لله تعالى فكلّما ازداد الانسان تواضعاً في أعماله رفعه الله تعالى أكثر ، وكلّما تكبر وترفّع ـ وهو ليس بلباسه ـ أذلّه الله أكثر ، كما ورد في خبر صحيح عن أبي عبدالله عليهالسلام أنّه قال : انّ في السماء ملكين موكّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه (١).
وقال عليهالسلام في حديث آخر : فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليهالسلام : يا داود كما انّ أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله
____________
١ ـ الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٢ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٢٦ ح ٢٤ باب ٥١.