النبى صلىاللهعليهوسلم قراءة كل من المختلفين وقطع بأنها كذلك أنزلت من عند الله وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء فإن اختلاف القراء كل حق وصواب نزل من عند الله وهو كلامه لا شك فيه واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادى والحق فى نفس الأمر فيه واحد فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب فى نفس الأمر نقطع بذلك ونؤمن به ، ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم إنما هو من حيث إنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به ، وملازمة له ، وميلا اليه ، لا غير ذلك. وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به ، فآثره على غيره ، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به ، وقصد فيه ، وأخذ عنه ؛ فلذلك أضيف اليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأى واجتهاد.
وأما فائدة اختلاف القراءات وتنوعها فإن فى ذلك فوائد غير ما قدمنا من سبب التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة
ومنها ما فى ذلك من نهاية البلاغة ، وكمال الاعجاز وغاية الاختصار ، وجمال الايجاز ؛ إذ كل قراءة بمنزلة الآية ؛ إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان فى ذلك من التطويل ومنها ما فى ذلك من عظيم البرهان وواضح الدلالة إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق اليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف بل كله يصدق بعضه بعضا ، ويبين بعضه بعضا ، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد ، وما ذاك إلا آية بالغة ، وبرهان قاطع على صدق من جاء به صلىاللهعليهوسلم.
ومنها سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة إذ هو على هذه الصفة من البلاغة