وصعد المنبر وهو مغضب (١) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي.
وقال : الحمدلله الذي لا يفره المنع والجمود (٢) ولا يكديه الاعطاء والجود إذ كل معط مستقص سواه ، وكل مانع مذموم ما خلاه (٣) وهو المنان بفوائد النعم وعوائد المزيد والقسم (٤) عياله الخلائق ضمن أرزاقهم ، وقدر أقواتهم ، ونهج سبيل الراغبين إليه والطالبين ما لديه ، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل ، الاول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده والرادع أناسي الابصار عن أن تناله أوتدركه (٥) ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال ، ولو وهب تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار (٦) من فلز اللجين والعقيان ، ونثارة الدر وحصيد المرجان ما أثره ذلك في وجوده (٧) ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر
____________________
(١) لعل غضبه عليهالسلام لعلمه بان غرض السائل وصفه بصفات الاجسام كما يزعم أكثر العوام ويناسبه بعض كلمات الخطبة ، اولانه سأل بيان كنه حقيقته سبحانه او وصفه بصفات أبلغ وارفع مما نطق به الكتاب والاثار لزعمه أنه لا يكفى في معرفة الله تعالى ، ويشعر بذلك بعض ألفاظ الخطبة.
(٢) وفر الشئ : أتم وكمل. ولا يكديه اى لا يفقره.
(٣) لانه منع على وفق المصلحة.
(٤) اضافة الفوائد إلى النعم بيانية؟ ، والعوائد إلى المزيد من قبيل اضافة الموصوف إلى الصفة أى عوائده المزيدة على العباد.
(٥) أناسى : جمع انسان ، وانسان العين هو مايرى وسط الحدقة ممتازا عنها في لونها.
(٦) أبدع عليهالسلام في تسمية انفلاق المعادن عن الجواهر تنفسا. كالحيوان يتنفس فيخرج من صدره الهواء. فان أغلب ما يكون من ذلك بل كله عن تحرك المواد الملتهبة في جوف الارض إلى الخارج والتعبير بالتنفس يناسب تكون المعدنيات من بخار الارض. كما أبدع أيضا في تسمية انفتاح عن الدر ضحكا.
(٧) العقيان : ذهب الخاص يثمو في معدنه. ونثارة الدر ـ بالضم ـ ما تناثر منه. وحصيد المرجان : محصوده وذلك اشارة إلى أن المرجان نبات. وأنفده بمعنى أفناه.