الدستور الأول .. ففي كل الحالات ثمة حاجة لشيء معصوم أو شبهه.
وقد تخطىء هذه المجموعة الحضارية أو تلك في إصابة مصداق العصمة وقد تصيب ، غير إن السلوك الاجتماعي الحضاري يبقى يتوخى جهة معصومة يتم الرجوع إليها لحسم المنازعات ، ويؤمل منها أن تصيب الواقع بعيداً عن المؤثرات التي قد تشطّ بمبتغيات العدالة الاجتماعية ، بصورة لو تأمّل الإنسان فيها لوجد أن الحاجات إلى العصمة تكاد تكون كالشعور الفطري لهذه المجتمعات.
وقد تداول أهل الكلام من الإسلاميين مفهوم العصمة بما لم يتناوله غيرهم ، رغم أنهم ليسوا سبّاقين إلى فكرته العامة ، إذ تجد آثاره في المجتمعات الدينية السابقة لهم جلية وواضحة ، ولكن اسقاطات الصراع السياسي الناشب من جراء مخلّفات السقيفة وما أودى بالنتيجة إلى نشوء المذاهب الطائفية على أعتابه ، ومن ثم تصارعها في ما بينها ، جعل مفهوم العصمة مثله مثل غيره من المفاهيم الإسلامية يعيش في أتون هذه الصراعات ، وبالتالي ليتمخض مقال المتكلمين الإسلاميين في العصمة عن جدل أوصلهم في الكثير من الأحيان إلى تناقضات جمّة ، وأطاح بقدسية المفهوم التي يجدها بعضهم كقدسية النص القرآني.
ومن خلال الاستقراء الواقعي لهذه المقالات تجد أن عقدتها الحقيقية في هذا المفهوم تكمن في ارتباطه اللصيق مع فكر مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، فهذه المذاهب التي أخرجتها السياسة لتكون المبرر الفكري والتعبوي للسلاطين الذين تعاقبوا على حكم هذه الأمة ، وجدت نفسها بشكل تلقائي في أتون الصراع ضد مدرسة أهل البيت عليهمالسلام والتي كانت تمثل قطب المعارضة السياسة الأخطر على كافة الهيئات التي حكمت بمقتضيات ومجريات السقيفة الذي أعقب وفاة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فعلى الرغم من اختلاف المشارب الفكرية بين هؤلاء المتعاقبين على الحكم ، غير إن هذا القطب حظي من الجميع بكل أنواع التنكيل والاضطهاد السياسي والفكري