اظهار مظلوميته كلما سنحت له فرصة ذلك ، وقد انطلق موقفه عليهالسلام من منطلقين أحدهما موضوعي يفرضه منطق الأشياء ، إذ لا بد من وجود نظم إداري معين للمجتمع يكون مرجعية لعموم الناس ، بغض النظر عن الطبيعة المعيارية لهذا النظم ، وفي هذا الصدد يحدد الأمير (صلوات الله عليه) مقاييس ذلك حينما يقول : لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ، ويستمتع فيها الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل ، ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو ، وتأمن به السبل ، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برٌّ ، ويستراح من فاجر ، (١) والمنطلق الثاني ينطلق من ناحية فكرية من نفس المنطلق الأول ولكن مع اعطاء الواقعيات السياسية أولوية في التعامل مع الطموحات والأهداف العامة ، وهنا تسمعه بأبي وأمي وهو يتحدّث بمنطق يؤسسه على قاعدة أن الأمير الفاجر وإن كان فاجراً ، ولكن ظلمة في العادة متوجّه إلى خاصة المجتمع لا إلى عامته ، والخاصة في العادة قادرة على تحمل أعباء خصوصيتها ، أو قل قادرة على الارتفاع إلى درجات المسؤولية التي تترتب على خصوصيتها ، ومع هذه القاعدة لا ينسى التأكيد على بيان حقيقة الظلم الذي لحق به من غيره ليوضّح الواقع المعياري للأمير الذي تسالم معه ، ولهذا يقول (صلوات الله عليه) : لقد علمتم أني أحقّ الناس بها من غيري ، والله لأُسلِمَنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلّا عليَّ خاصة. (٢)
وعليه فإن بيعة الاجبار والإكراه والرضوخ لواقعيات الحياة التي لا تسمح للشرعية أن تتنفس لا يمكن أن تكون بيعة عن إرادة ورضا ، ولا تخطئته بعدم قتاله للشيخين عن الحق الذي تركه فهو أمر تفرضه الواقعيات السياسية وطبيعة المصالح التي تعتمل في ذهن الأمير ، والمتفحّص الخبير لا
____________________
(١) نهج البلاغة : ٤٤ خ ٤٠.
(٢) نهج البلاغة : ٦١ خ ٧٣.