ثم أي دلالة يريد أهل هذا المنطق أن يسوّقوها في وسط الفكر الإسلامي ، فهل يريدون القول بأن الله لم يجد في البشر فضيلة تجعلهم يتخلصون من الكيد الضعيف للشيطان ، ويندفعون لمتطلبات العشق الإلهي تاركين أهواءهم النفيسة الدنيوية وراء ظهورهم لأنهم رأوا في الأهواء الأخروية غنىً؟!
أم يريدون القول بأن النفس البشرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى تركها دون لطف منه ودون هداية فاستولى عليها الشيطان فاحتاجت إلى عاصم يجبرها على الفعل والترك؟!
والحديث عن الاستحقاق بالتفضل لا يحلّ هذه المشكلة ولا ينهيها ، بل يضاعفها ، فهو يجعل الثواب والعقاب مرتهن بارادة جزافية على طريقة مذهب الأشاعرة ، فالاستحقاق وإن كان تفضلاً من الله أساساً ، ولكن الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بأن لا يساوي بين المؤمن والفاسق والعالم وغيره كما يظهر من قوله تعالى : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ) (١) وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تشير إلى أن مبدأ المفاضلة وفق مؤهلات الأشخاص وصفاتهم كما في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (٤) ، هو مبدأ متسالم عليه في القرآن كما هو الأمر عند سائر العقلاء.
وتبقى مسألة العصمة في حال الطفولة ، إذ نجد انها هي الأخرى لا
____________________
(١) السجدة : ١٨.
(٢) فصّلت : ٤٠.
(٣) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : ١٤.
(٤) الزمر : ٩.