العقول التي تتهم هذه الذات المقدسة بكشفها لعيوب هي في الكثير من الأحيان حتى في أشد الأقوال جرأة على الساحة المقدسة للأنبياء عليهمالسلام لم تأخذ صورة العمل الخارجي الذي يترك أثره في الواقع الاجتماعي أو الذاتي ، وإنما بقيت حديثاً في القلب أو أثراً يرتسم في الوجه ، وأي كشف أعظم وأفدح من كشف يتم من قبل الله سبحانه وفي كتابه المرسل إلى كل الأزمان والأوطان؟! أتراهم يريدون أن يقولوا بأن الله تعهد بالطعن على أنبيائه؟! أم تراهم يرون الله سبحانه وتعالى قد جعل الطعن على أنبيائه مفردة ثابتة من مفردات الهداية الربانية؟! لا سيما إذا لاحظنا أن عدد ما يحصوه من هذه الآيات يحتل حيّزاً من الآي القرآني ، ما لكم كيف تحكمون؟!!
إن الله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه بالستر وحضّ على أن تتخلّق بأخلاقه ، وبلّغ أنبياءه عباده بأن الله يأمر بالستر ويجب الساترين ، فلم تراه يعمد لفضح أسرار أنبيائه كما يزعم هؤلاء؟! وأي قيمة موضوعية تكمن في عملية هذا الفضح لعملية الهداية الربانية؟! فلو أخذنا صورة الفظائع التي يروونها عن يوسف أو داود عليهماالسلام والتي يقشعر البدن لمجرد ذكرها كمثال ، لا ستوجب كلاً منهما التعزير ، فضلاً عن التوهين والإزراء ، أتراه يحدثنا عن أحسن القصص في سورة يوسف ليقدّم لنا من بعد ذلك بطل هذه القصص الحسنة بصورة مقذعة الوصف كما تتحدث روايات القوم ، (١) فتراه مهمّاً بالزنا يجلس من المرأة المحصن مجلس الواطىء لها بعد أن يخلع سراويله ، والناسي لذكر ربه فلا يذكره إلا أن تذكّره العامة على اغوائه بذلك تبعاً لحيائها من الأصنام ، والخائن للأمانة مع من أحسن وفادته ، والضعيف بشخصيته الذي لا يقوى على مجابهة اغراءات امرأة؟! أترى في ذلك رسالة حياء وهو الذي أمر بالستر؟! أم رسالة عفّة وهو الذي أمر بأن لا تشيع
____________________
(١) انظر تفاسيرهم في موضع آية : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْ لاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) من سورة يوسف.