والواقع فإننا نتلمّس في الآية الكريمة : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (١) ، وكذا قوله : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢) ، وتبعاً لما توصلنا إليه في مبحث العلاقة بين الرسالة والذات ، فإن ذات الرسول صلىاللهعليهوآله لا يمكن أن تكون إلاّ نفساً رسالية ، وفي خصوصية قوله : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) تتضح المسألة بشكل أكثر ، إذ إن وجود كلمة (أَبْنَاءَنَا) في الآية الشريفة السابقة يظهر أن الرسول إذا لم يك أبا أحد من الرجال ، فإن المراد بالأبناء هنا المعنى الرسالي للكلمة علاوة على الصلة الرحمية.
وبهذا يمكن القول بأن هذه النفس المشار إليها وهؤلاء الأبناء والنساء هم المعين الذي يمكن به أن يدلّنا على الامتداد الذي نبحث عنه ، خاصة وأن اتفاق النفس مع الأبناء والنساء على أن يلعن الله الكاذبين ، يجعلهم في درجة الصدق المحض ، وهو أحد مظاهر العصمة ، وذلك لأن الآمر بلعن الكاذبين في الآية الكريمة هو الله ، والله لا يأمر بذلك من يصدق عليه اللعن بأن يتصدّى للعن نفسه ، فلا تغفل!
وبالعودة إلى أسباب نزول الآية نجد كما يحدّثنا الزمخشري فيقول بأن أسقف نجران لما دعاه الرسول صلىاللهعليهوآله إلى المباهلة اجتمع به قومه فقام أحدهم قائلاً : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمّداً نبي مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا الف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعلي يمشي خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا.
____________________
(١) آل عمران : ١٤٤.
(٢) الأحزاب : ٤٠.