المقتضي ، فتأمّل.
وكان بإمكان هذه الحيرة أن تتلاشى لو قورنت مزايا الطفل الذي أوتي النبوة وكلّم الناس في المهد صبياً ، وبين مقتضيات هذه الآية ، وبين حالة قد يحسّها الكثير من الناس وهي انعكاسات حالة الصفاء الروحي وما يترتب عليها لدى عامة الناس ، فمن المسلّم به ان هذه الحالات تؤدي إلى ما يسميه أهل العرفان بالفتح الرباني هو انهمار العلم بطرق إيحائية وإلهامية وليست كسبية ، وكلما ازدادت معها ألطاف الإلهام وغيرها.
فمما لا ريب فيه أن حدثاً ما قد حدث في عالم الذر ، وأن ما حصل ترك في قلب الإنسان حصيلة معرفية شاملة ، وهذه الحصيلة هي النور الذي تحدّثت عنه الآيات التي سبق الحديث عنها ، أو هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ومثلما رأينا احتجاب النور بسبب وجود الحواجز التي تعترضه ، كذلك هذا النور أو هذه المعرفة معرّضة بطبيعتها إلى خطر الاحتجاب لأسباب كثيرة منها ما للإنسان دخل مباشر بها كالذنوب وسائر ما يلهي الإنسان ويشغله عن رؤية هذه الحقيقة كوساوس الشيطان وأهواء النفس وما إلى ذلك ، ومنها ما لا دخل مباشر للإنسان في وجوده ، ولكنه ورثه من عوامل متعددة منها تلوث النطف وسائر ما يدخله الآباء وأسلافهم من متغيرات على سلامة النطفة ، مما يجعل المولود منها مولوداً مع مسبّقات وراثية تركت على قلبه نتيجة لتصرفات الآباء والأسلاف ، ولا يقدح ذلك بالعدل الإلهي ، فهذه المؤثرات لا علاقة لها بالإرادة التي هي محك الحساب الإلهي في عقابه وجزائه والتي يمكن لها أن تنتج نتاجاً طيّباً من الأرض الخبيثة ، والعكس صحيح أيضاً.
فالإنسان الذي يولد نتيجة لهذه المؤثرات يولد وعلى قلبه حجب تمنع عن بصيرته رؤية ذلك النور الذي ترك في القلب ليمثل استعداداً تكوينياً ، وليمثل في نفس الوقت حافزاً مهماً لبواعث الإرادة لديه كي ينطلق في مهمة الكمال لازاحة ما علق بقلبه من الرين والصدأ ، وهذا هو الذي يجعل القرآن