يصل إلى الطبقة
المستضعفة من الجند ، لم يكن إلا أقل القليل ، مما لا يكفي لسد خلتهم ، ورفع
خصاصتهم ، بل كان محدوداً جداً ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى ، مع أنهم كانوا هم
وقود تلك الحروب ، وهم صانعوا النصر والظفر فيها .. وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد
افتتحت أرضهم بالأمس القريب. ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات ، حسبما تقدم
بالنسبة لأهل افريقية ، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه
الحروب مصدر عيش لهم ، يحصلون عن طريقه على المال ، مهما كان ضئيلاًوزهيداً ، وذلك
مما يرضيهم بطبيعة الحال ، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام
وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام ، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية
..
وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في
بعض الفترات .. ولكنها لا تلبث أن تنتهي ، وسرعان ما تسحق ، أمام الضربات الماحقة
ن التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ.
وعلى كل حال .. فإن الحرب من أجل
الغنائم والأموال ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، وكأنني أتذكر ـ
وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن
الفريق الآخر إسلامه ، فلا يلتفتون إليهم ، ويعتبرونهم كاذبين ، وذلك طمعاً في
أموالهم ونسائهم.
وقد نجد آثار هذه الظاهرة ، حتى في زمن
الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
أيضاً ، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد ، ولا
تفاعلوا مع الأسلام وأحكامه على النحو المطلوب. بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات
الجاهلية ن والأطماع الدنيوية ، فيقول الحارث بن مسلم التميمي : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرسلهم في سرية ، قال :
« فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي ،
وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا؟
فقالوها.