ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، وقد كانت نذرت حين اُصيب ابناها باُحد لئن قدرت على رأسه لتشربنّ في قحفه الخمر فمنعتهم الدَبر (١) ، فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتّى نمسي فتذهب عنه. فبعث الله الودي فاحتمل عاصماً فذهب به ، وقد كان عاصم أعطى الله عهداً أن لا يمسّ مشركاً ولا يمسّه مشرك أبداً في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ممّا امتنع منه في حياته (٢).
ثمّ كانت غزوة بئر معونة على رأس أربعة أشهر من اُحد ، وذلك أنّ أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة قدم على رسول الله بالمدينة فعرض عليه الاِسلام فلم يسلم ، وقال : يا محمّد إن بعثت رجالاً إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال : «أخشى عليهم أهل نجد».
فقال أبو براء : أنا لهم جار.
فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلاً ، وقيل : في أربعين رجلاً ، وقيل : في سبعين رجلاً من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمّة ، وحرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة. فساروا حتّى نزلوا بئر معونة ـ وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ـ فلمّا نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عامر بن الطفيل ، فلمّا أتاه لم ينظر [عامر[ في كتابه حتّى عدا على الرجل فقتله ، فقال : الله أكبر فزت
__________________
(١) الدَبر (بالفتح) : جماعة النحل. قال الاصمعي : لا واحد لها ، ويجمع على دُبورٍ. قال لبيد :
بأبيض من أبكارِ
مُزنِ سحابةٍ |
|
وارى دُبورٍ شارهُ
النحل عاسلُ |
«الصحاح : ـ دبر ـ ٢ : ٦٥٢».
(٢) انظر : المغازي للواقدي ١ : ٣٥٦ ، وسيرة ابن هشام ٣ : ١٨٠ ، والطبقات الكبرى ٢ : ٥٥ ـ ٥٦ ، وتاريخ الطبري ٢ : ٥٣٩ ، ودلائل النبوة للبيهقي ٣ : ٣٢٨ ، والكامل في التاريخ ٢ : ١٦٨.