الصحيح هو التفصيل ، أي انّ بعض الأحكام الوضعيّة مجعول استقلالا وبعضها منتزع عن الأحكام التكليفيّة. وهناك مبنى آخر تبنّاه صاحب الكفاية رحمهالله.
ونكتفي في المقام بتصوير المباني الأربعة :
المبنى الاوّل : ولعلّه المبنى المشهور كما يظهر من عبائر الشيخ الأنصاري رحمهالله ، وحاصله : انّ المشرع لاحظ حكما لا يتّصل بفعل المكلّف بنحو الاقتضاء أو التخيير وقدّر لهذا الحكم موضوعا ثمّ جعل ذلك الحكم وبنحو الاستقلال على موضوعه المقدّر ، فلم يكن ذلك الحكم منتزعا عن حكم تكليفي.
فلو كانت جميع الأحكام الوضعيّة مجعولة بهذا النحو من الجعل لكان ذلك مصحّحا لدعوى انّ الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفيّة من جهة انّ جعلها تم بواسطة الشارع ابتداء واستقلالا ، بمعنى انّ الشارع لاحظ الحكم الوضعي وما يترتّب عليه من آثار ثمّ جعله ابتداء على موضوعه المقدّر الوجود كما هو الشأن في جعل الأحكام التكليفيّة على موضوعاتها المقدّرة الوجود.
فالزوجيّة مثلا من المعتبرات الشرعيّة الوضعيّة التي تمّ جعلها بواسطة الشارع استقلالا ، بمعنى انّ الشارع جعل الزوجيّة عند اتّفاق تحقّق موضوعها خارجا ، فهي وان كانت مستلزمة شرعا لمجموعة من الآثار والأحكام التكليفيّة إلاّ انّ الملحوظ أولا وبالذات هو الزوجيّة ، والاعتبار انّما انصبّ عليها ابتداء ، وترتب الآثار والأحكام التكليفيّة عليها انّما هو من باب ترتب الأحكام على موضوعاتها ، فالزوجيّة بعد جعلها واعتبارها تصبح موضوعا لمجموعة من الآثار والأحكام ، فالزوجيّة إذن ليست بمعنى وجوب التمكين على الزوجة ووجوب النفقة على الزوج بل انّ الزوجيّة تعني جعل العلقة الخاصة من قبل الشارع استقلالا عند ما يتّفق تحقّق موضوعها