التعارض والتزاحم وان المكلّف ملزم بالأخذ بأحسن ما انزل ، ولمّا كان التعارض فيما انزل غير معقول فيتعين القول إما باختصاص تصدّي الآية الشريفة لحالات التزاحم أو انّ المراد مما انزل هم الأعم من القرآن الكريم وسائر الأدلة ـ فإن التعارض حينئذ معقول ، وذلك كما لو تعارض خبر ثقة مع ظهور آية ـ أو يكون المراد من التعارض هو التعارض الصوري بين متشابهات الآيات ومحكماتها فالأحسن حينئذ هو الأخذ بالمحكمات ، والأحسنية هنا بلحاظ المكلّف لجهله بالمراد من المتشابهات.
الاحتمال الثالث : انّ الآية تخاطب الكفار أو العصاة وتعظهم باتباع أحسن ما انزل اليهم ، فقد انزل اليهم التهديد والوعيد بالنار والعذاب كما انزلت اليهم البشرى بالمغفرة عند ما ينيبون الى ربهم ويتوبون اليه من قبل ان يباغتهم العذاب.
والأحسنية هنا بلحاظهم حيث انّ الاوفق بحالهم هو التوبة والإنابة لانها تستوجب المغفرة. ويمكن ان يستظهر هذا المعنى بواسطة سياق الآية الشريفة ( وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ... ) (١٣) ، وهذا المعنى استظهره الشيخ محمد جواد مغنية رحمهالله.
وأوفق احتمال يناسب دعوى دليلية الآية الشريفة على حجية الاستحسان هو الاحتمال الثاني إلاّ انّه مع مخالفته لظهور الآية الشريفة لا تثبت به الدعوى.
أما مخالفته لظهور الآية الشريفة فواضح بملاحظة سياق الآية وسابقتها والتي تليها ، فهي تأمر بالإنابة والرجوع الى الله تعالى قبل فوات