أنهم لِما يصابون من
مصائب صابرون ، وبما يرميهم الاعداء من نوائب قانعون ، بل فرحون بما آتاهم الله من
فضله وهم يستبشرون ، وللجنّة يشتاقون ، لِما تكشفت في قلوبهم حقائق الإيمان ، وتجلّت
لهم بدائع آيات الرحمن ، وما أعدّ لهم من الخيرات في الجنان.
فالدنيا للمؤمنين ليست بدار بقاء ومقام
، إنّما دار تمحيص وامتحان (
أحسِبَ
الناسُ أنْ يُتركوا أنْ يقولوا آمَنّا وهُم لا يُفتَنونَ.
ولَقد فَتَنَّا
الّذين مِنْ قَبلِهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذينَ صدقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبينَ
) .
فكلّما كانت البلوى والإختبار أعظم ،
كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألم يأت عن الرسول صلىاللهعليهوآله
: « ما اُوذي أحد مثل ما اُوذيت »
وورد عن الصادق عليهالسلام
: « إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الأمثل فالأمثل » من الأوصياء والأولياء ، الّذين نزلت
أنفسهم منهم في البلاء ، كما نزلت في الرخاء ، فهم بالغنى غير فرحين ، وبالفقر غير
مغتمين.
ثمّ إنّ البلاء على أنواع وأحوال :
فمرّة يكون للعقاب والنكال لما اقترفه
المرء من الموبقات ، فيبتلى بالامراض والعاهات ، أو تلف الأهل والأولاد ، وجار سوء
وتنغيص اللذّات ، أو تسلّط سلطان فيفرق الأحباب ويشتّت الجماعات ، قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : « إنّ
الله يبتلي عباده عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات ، وحبس البركات ، وإغلاق خزائن
الخيرات .. »
مشيراً إلى ما ورد في الذكر الحكيم : (
وَلَنَبْلُوَنَّكُم
بشيء مِنَ الخوف والجوع ونقصٍ مِنَ الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ
... ) أو في قوله سبحانه : ( ولقد أخَذْنا آلَ فرعونَ بالسنينَ ونقصٍ من
الثمرات ... )
وهذا ديدن
الدنيا ، فكم جمحت بطالبها وأردت راكبها ، وخانت الواثق بها ، وازعجت المطمئنّ
إليها ، فلا تدوم أحوالها ، ولا يسلم نُزّالها ، فجمعها إلى انصداع ، ووصلها إلى
انقطاع.
ومرّة يكون البلاء تمحيصاً للذنوب ورفعاً
للدرجات ( وليمحّص الله الّذين آمنوا
ويمحق الكافرين )
وقد قال الإمام علي عليهالسلام
: « الحمد لله الذي جعل تمحيص
__________________