الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعى قلبه ووقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال فقال ابن عباس ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال لا فقلت هاهنا هلكت وأهلكت.
______________________________________________________
ولا يرى الملك عند إلقاء الحكم « ووقر في سمعه » كوعد أي سكن وثبت « ثم صفقك » أي الملك وهو كلام الباقر عليهالسلام ، والصفقة : الضربة يسمع لها صوت.
قوله : ما اختلفنا ، لعل غرضه أن الله يعلم المحق منا والمبطل ، تعريضا بأنه محق ، أو غرضه الرجوع إلى القرآن في الأحكام ، وأنه لا يلزم أن يكون في الأمة من يعلم المختلف فيه ، فأجاب عليهالسلام بأن القرآن لا يرفع الاختلاف ، وبعبارة أخرى إذا كان الحكم مردودا إلى الله وليس عند الله في الواقع إلا حكم واحد ، فكيف تحكمون تارة بأمره وتارة بضده ، وهل هذا إلا مخالفة لله في أحد الحكمين التي هي سبب الهلاك والإهلاك.
ثم اعلم أن هذه المناظرة بين أبي جعفر عليهالسلام وابن عباس لا بد أن يكون في صغره عليهالسلام وفي حياة أبيه عليهالسلام إذ ولادة أبي جعفر عليهالسلام كانت سنة سبع وخمسين ، ووفاة ابن عباس سنة ثمان وستين ، ووفاة علي بن الحسين عليهماالسلام سنة خمس وتسعين.
ثم إنه لا خلاف بين الإمامية في أن ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى انقراض الدنيا ، وفي كل منها يكون تنزل الملائكة والروح ، وإليه ذهب أكثر العامة ، قال المازري (١) : أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث وكثرة رؤية الصالحين لها ، وقال عياض : وشذ قوم فقالوا كانت خاصة بهم فرفعت. « انتهى »
__________________
(١) المأزري منسوب إلى مأزر وهي بليدة بجزائر صقلية ، والمأرزي هو عبد الله محمّد بن على التميمي من فقهاء العامة ومحدّثيهم ، له شرح كتاب صحيح مسلم وسماه كتاب المعلم بفوائد كتاب مسلم ، وعليه بني القاضي عياض كتاب الإكمال وهو تكملة لهذا الكتاب ، توفي سنة ٥٣٦. قاله الوجدي في دائرة المعارف.