______________________________________________________
القرآن لما انتهى إلى قوله : « مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ » (١) أن معنى موليكم أولى بكم وأنشد بيت لبيد شاهدا له :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها |
وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة ، ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه والرد لتأويله غيره من أهل اللغة ممن أصاب ، وما غلط فيه على عادتهم المعروفة في تتبع بعضهم لبعض ورد بعضهم على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردا له كأنه قول الجميع.
ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى : « وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ » (٢) أن المراد بالموالي من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحق به.
وقال الأخطل :
فأصبحت مولاها من الناس بعده |
|
وأخرى قريش أن تهاب وتحمدا |
وروي في الحديث أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وكلما استشهد به لم يرد بلفظ مولى فيه إلا معنى أولى دون غيره.
قال المبرد بعد أن ذكر تأويل قوله تعالى : « بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا » (٣) والولي والأولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم.
وقال الفراء في كتاب معاني القرآن : الولي والمولى في كلام العرب واحد ، وفي قراءة ابن مسعود : إنما موليكم الله ورسوله ، مكان « وليكم » وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل : والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام ، أولهن المولى المنعم ، ثم المنعم عليه المعتق ، والمولى الولي ، والمولى الأولى بالشيء ، وذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها ، وبيت لبيد ، والمولى : الجار ،
__________________
(١) سورة الحديد : ١٥.
(٢) سورة النساء : ٣٣.
(٣) سورة محمد : ١١.