على الرغم من تصاعد الدعوات التجديدية في أوائل هذا القرن والتي رمت إلى الخروج على نظام القصيدة العربية ، والتخلص من التزامات الوزن والقافية ، فقد ظل شعراء النجف ـ ومن بينهم الشيخ الفرطوسي ـ محافظين على بحور الشعر المعروفة ينظمون فيها قصائدهم غير آبهين بالأنماط الأدبية المستحدثة مثل الشعر الحر والشعر المنثور.
ولعل هذا يعود إلى الثقافة العربية الأصيلة التي نهل شعراء النجف من معينها ، ونموا قرائحهم برائع نتاجها وجليل آثارها حتى بات فرضاً على الشاعر النجفي أن يفي لهذه اللغة حقها ويحفظ لها صنعها الجميل.
ولا شك أنّ استخدام الأوزان العربية الموروثة تحكم نسيج القصيدة إحكاماً فنياً ، وتنسق جرس الألفاظ من حيث الموسيقى الخارجية والداخلية ، وتمد القصيدة بالقوة والحركة ، وهذا ما أكد الشيخ الفرطوسي على توفره في قصيده وشعره.
ومن الملاحظ أنّ الشاعر كان يكثر من استخدام البحور الأكثر شيوعاً واستحكاماً في العربية كـ « الطويل » و « الكامل » و « البسيط » و « الوافر » و « الخفيف » ، بينما ترك البحور المضطربة كالمتدارك وهو « بالشكل الذي ذكره العروضيون ، وزن مضطرب ، لا يمكن أن تنظمه قاعدة ، ويغلب على ظن بعضهم أنّ الخليل لم يجهله ، وانما أهمله ، فاذا صح ذلك فهو لموضع الاضطراب فيه » (١).
وهذا لا يعني أنّ الشاعر صبّ اهتمامه على الأوزان والبحور القديمة دون
__________________
١ـ مصطفى جمال الدين : الايقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة ، ص ١٣٩.