______________________________________________________
« وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً » (١) و « يَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً » (٢) و « مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » عن ثوابه وكرامته « يَجْعَلْ صَدْرَهُ » في كفره « ضَيِّقاً حَرَجاً » عقوبة له علي تركه الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الإيمان وسالبا إياه القدرة عليه ، بل ربما يكون ذلك سببا داعيا له إلى الإيمان فإن من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعيا له إلى تركه ، وقد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن شرح الصدر ما هو؟ فقال صلىاللهعليهوآله : نور يقذفه الله في قلب المؤمن ، فينشرح له صدره ، وينفسخ قالوا : فهل لذلك من أمارة فيعرف بها؟ قال صلىاللهعليهوآله : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله.
وثانيها : أن معنى الآية من يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه جزاء له على إيمانه واهتدائه ، وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في : اهدنا الصراط المستقيم « وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » أي يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر ، وتركه الإيمان « يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها ، بإقامته على كفره.
وثالثها : أن معنى الآية من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة ، ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه « يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » لمكان فقد تلك الزيادة لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه ، اقتضى في الكافر ما يضاده ، وتكون الفائدة في ذلك الترغيب في الإيمان والزجر عن الكفر ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : إنما سمي قلب الكافر حرجا لأنه لا يصل الخير إلى قلبه ، وفي رواية أخرى : لا تصل الحكمة إلى قلبه ، ولا يجوز أن يكون
__________________
(١) سورة محمد : ١٧.
(٢) سورة مريم : ٧٦.