أنيس المجتهدين - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

أنيس المجتهدين - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مؤسسة بوستان كتاب
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-09-0281-3
ISBN الدورة:
978-964-09-0284-4

الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ السبب إذا كان مدحا أفاد الوثاقة ، يوجب التثبّت وحصول الظنّ بالصدق ، فيجب قبوله وإن لم يثبت منه العدالة. والبصير يعلم أنّ المعتبر في قبول الخبر صدق مخبره ، ولا مدخليّة لسائر أفعال الجوارح والاعتقاد ، كما صرّح به الشيخ في العدّة (١). فإذا عرف صدقه ، كان خبره مقبولا وإن كان فاسد العقيدة ، ومذموما في بعض الأفعال. وإن لم يعرف صدقه ، لم يكن خبره مقبولا وإن كان صحيح الاعتقاد وممدوحا في بعض الأفعال. والسرّ في اشتراط العدالة هو استلزامها الصدق ، واستبعاد اجتماع الفسق بالجوارح مع الصدق.

ثمّ الحجّيّة والقبول إذا لم يكن شاذّا ولا معارضا بغيره ، ومع الشذوذ والمعارضة يجب الطرح وطلب المرجّح.

وعمل طائفة من الأخباريين بالأخبار الشاذّة (٢) ؛ بناء على عدم حجّيّة الإجماع عندهم ، وستعلم الحال (٣).

هذا ، وأمّا الضعيف بأقسامه ، فلا ريب في عدم كونه مقبولا وإن كان قويّا ؛ والسرّ ظاهر.

نعم ، الحقّ أنّه إذا انجبر بعمل الأصحاب سيّما القدماء منهم ، يكون مقبولا ؛ لحصول التثبّت والعثور على كونه معتمدا عليه ، وليس الحجّة حينئذ هو عمل القوم ؛ لأنّه ليس حجّة إذا لم يكن إجماعا ، بل الخبر المنجبر ؛ لما ذكر (٤). ولا استبعاد بعد الدليل في عدم حجّيّة أمر ، وصيرورته حجّة بعد اقترانه بأمر آخر وإن لم يكن هو حجّة مستقلّة.

فائدة

المشهور بين العامّة والخاصّة التسامح في أدلّة السنن ، فيقبلون الخبر الضعيف في المستحبّ والمكروه ، ونحو المواعظ والقصص إذا لم يبلغ الضعف حدّ الوضع. وهو حقّ.

لنا : ما رواه الفريقان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من بلغه عن الله فضيلة فأخذها وعمل بما

__________________

(١) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٣٤.

(٢) حكاه الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٣٩٥.

(٣) راجع بحث الإجماع ص ٣٦٧.

(٤) أي لحصول التثبّت.

٢٦١

فيها إيمانا بالله ورجاء ثوابه ، أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك » (١).

وما روي في الكافي بسند حسن ، وفي المحاسن بسند صحيح عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه ، كان له أجره وإن لم يكن على ما بلغه » (٢). وفي معناهما أخبار أخر (٣) ، فالعمل بالأدلّة الضعيفة في السنن ليس حقيقة بها ، بل بما ذكر مع اعتضاده بالشهرة القويّة.

والإيراد عليه بوجوه :

منها : أنّه إثبات أصل بظاهر.

وقد عرفت جوازه (٤) ، سيّما إذا كان الظاهر معتضدا بعمل المعظم.

ومنها : أنّ المفهوم من الأخبار أنّه إذا روي ثواب لعمل ففعل رجاء له ، يثاب وإن كان ما روي خلاف الواقع ، لا إذا روي أصل العمل من دون رواية ثوابه ، فلا يلزم منها جواز العمل بالسنن التي لم يرو ثوابها ، كما هو شأن أكثرها.

وجوابه : أنّها لا تنفكّ عن أمر الشارع بها ، وهو يستلزم الثواب ، فمن امتثل الأمر رجاء للثواب يؤتى به.

ومنها : أنّ الثواب كما يترتّب على المستحبّ يترتّب على الواجب أيضا ، فلا وجه لتخصيصها بالأوّل.

وجوابه : أنّ الثواب إنّما يستلزم رجحان الفعل فقط ، ولا دلالة له بإحدى الثلاث على فساد في تركه ، فإن عمّم الثواب بحيث يشمل الواجب يلزم اعتبار هذا القيد في بعض الأفراد مع أنّ الأصل عدمه. فالمفهوم من الأخبار حينئذ جواز العمل في المستحبّ برواية العدل ، والفاسق ، والمجهول ؛ نظرا إلى تعميم البلوغ والسماع ، والأوّل روايته مسموعة في الوجوب والتحريم أيضا ، فبقي روايتهما مقصورة في المستحبّ. فإذا ورد أمر بطريق

__________________

(١) عدّة الداعي : ٢٠ ، وكنز العمّال ١٥ : ٧٩١ ، ح ٤٣١٣٢ و ٤٣١٣٣.

(٢) راجع : المحاسن ١ : ٩٣ ، ح ٥٢ و ٥٣ ، والكافي ٢ : ٨٧ ، باب من بلغه ثواب على عمل ، ح ١.

(٣) المحاسن ١ : ٩٣ ، ح ٢ ، والكافي ٢ : ٨٧ ، باب من بلغه ثواب على عمل ، ح ٢ ، وثواب الأعمال : ١٦٢ ، وعدّة الداعي : ٢٠.

(٤) في ص ١٩٥ ـ ١٩٦ ، فصل ٤.

٢٦٢

ضعيف كان فعله مستحبّا لنا ، بمعنى أنّ الحكم بالنسبة إلينا الاستحباب ؛ للأخبار المذكورة لا أنّ الأمر يقتضيه. وهذا هو السرّ في حمل الفقهاء الأوامر الواردة بطرق (١) ضعيفة على الاستحباب.

وربما يقال : إنّ الأوامر الواردة بطرق (٢) ضعيفة والمعارضة بغيرها ، لمّا احتملت الوجوب ـ وإن لم يكن ثابتا ـ ينبغي فيها الاحتياط ، وهو مستحبّ عند الأكثر ، فلذا يحملها الفقهاء على الاستحباب. وهذا في الحقيقة دليل على حدة على جواز التسامح في أدلّة السنن.

ثمّ فهم العمل بالمكروه من الأخبار المذكورة ؛ بناء على أنّ سماع شيء من الثواب يشمل الفعل والترك.

هذا ، واحتجّ الخصم بآية التثبّت (٣).

والجواب : أنّ بينها وبين الأخبار المذكورة عموما وخصوصا من وجه ، فيجب تخصيص أضعفهما بالأقوى ، ولا ريب في أنّ القوّة للأخبار ؛ ولاستفاضتها واعتضادها بالشهرة القويّة ، وبما ذكرنا (٤) أخيرا (٥) ، مع أنّ المفهوم من الآية عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبّت ، والعمل به فيما نحن فيه ليس عملا بلا تثبّت ، بل به للأخبار المعاضدة بعمل المعظم ، فلا تعارض.

ثمّ بعض الأصحاب (٦) جوّز الرجوع إلى أخبار العامّة في السنن ؛ نظرا إلى ما ذكر.

وهو مشكل ؛ لما ورد من المنع عن الرجوع إليهم ، والعمل بأخبارهم (٧).

وكيفيّة التفريع ظاهرة ؛ فإنّه يحكم باستحباب الوضوء لتلاوة القرآن ؛ لبعض الأخبار الضعيفة (٨) ، وحمل المصحف (٩) ؛ للشهرة والتعظيم ، وزيارة القبور ؛ للشهرة.

__________________

(١ و ٢) في « ب » : « بطريق ».

(١ و ٢) في « ب » : « بطريق ».

(٣) هي آية النبأ في سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٤) في « ب » : « ذكر ».

(٥) وهو موافقة التسامح في أدلّة السنن للاحتياط المستحبّ. راجع ص ٢٦١.

(٦) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٥٣.

(٧) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، ح ١ وما بعده.

(٨) مثل ما في قرب الإسناد : ٣٩٥ ، ح ١٣٨٦ ، والخصال ٢ : ٦٢٧ ، حديث الأربعمائة ، ح ١٠ ، وعدّة الداعي : ٣٢٩ ، باب تلاوة القرآن ، ووسائل الشيعة ٦ : ١٩٦ ، أبواب قراءة القرآن ، الباب ١٣ ، ح ١ ـ ٣.

(٩) لم أجد ما دلّ على استحباب الوضوء للحمل. نعم ورد استحبابه في التعليق. راجع : تهذيب الأحكام ١ : ١٢٧ ، ح ٣٤٤ ، ووسائل الشيعة ١ : ٣٨٤ ، أبواب الوضوء ، الباب ١٢ ، ح ٣.

٢٦٣

وقيل : ورد به رواية أيضا (١). وقس عليها أمثالها.

تذنيب

قيل : تنويع الخبر إلى الأنواع المذكورة (٢) لم يكن في عرف القدماء ، بل كان دأبهم العمل بالصحيح فقط. وهو في اصطلاحهم ما اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، واعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه. إمّا بوجوده في كثير من الاصول المعروفة ، أو بتكرّره في أصل أو أصلين بطرق مختلفة.

وإمّا باندراجه في أحد الكتب التي عرضت على الأئمّة عليهم‌السلام ، وأثنوا على مؤلّفها (٣) ، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي المعروض على الصادق عليه‌السلام (٤) ، وكتابي (٥) يونس بن عبد الرحمن (٦) والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريّ عليه‌السلام (٧).

أو بوروده عن أحد الجماعة التي (٨) أجمعوا على تصديقهم ، أو تصحيح ما يصحّ عنهم ، أو العمل بروايتهم ، كزرارة ، وصفوان بن يحيى ، وعمّار الساباطي وأضرابهم.

أو بأخذه من الكتب التي اعتمد السلف عليها سواء كان مؤلّفها (٩) من الإماميّة ـ ككتاب الصلاة لحريز ، وكتب ابني سعيد وعليّ بن مهزيار ـ أو غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي وأمثاله.

وعلى هذا جرى المحمّدون الثلاثة ، حتّى أنّ الشيخ في العدّة جعل من علامة صحّة الأخبار موافقتها لأدلّة العقل ، أو لنصّ الكتاب ـ إمّا خصوصه ، أو عمومه ، أو دليله ، أو معناه ، أو صريحه ، أو فحواه ـ أو للسنّة المقطوع بها ، أو لما أجمعت الفرقة

__________________

(١) يظهر من ذكرى الشيعة ١ : ١٩٣ ، ومدارك الأحكام ١ : ١٢ ، أنّ فيه رواية. ولم أظفر على الرواية.

(٢) الصحيح ، والحسن ، والموثّق ، والضعيف. والقائل هو البهائي في مشرق الشمسين : ٢٤ ـ ٣٢.

(٣) كذا في النسختين. والأولى : « مؤلّفيها ».

(٤) رجال النجاشي : ٢٣١ ، الرقم ٦١٢.

(٥) في « ب » : « كتاب ».

(٦) رجال النجاشي : ٤٤٧ ، الرقم ١٢٠٨.

(٧) اختيار معرفة الرجال : ٥٣٧ ، ح ١٠٢٣.

(٨) كذا في النسختين. والأولى : « الذين » ، كما في فائق المقال للبصري : ٢٩.

(٩) كذا في النسختين. والأولى : « مؤلّفوها ».

٢٦٤

عليه. إلى أن قال : فهذه القرائن تدلّ على صحّة متضمّن أخبار الآحاد لا على صحّتها في نفسها (١).

والتنويع المذكور إنّما حدث من المتأخّرين ؛ لما خفي عليهم أكثر الامور المذكورة ، ولم يمكنهم تحصيل القرائن الميسّرة للقدماء. وأوّل من قرّره العلاّمة ، أو ابن طاوس على اختلاف النقلين (٢).

ثمّ ربما طعن بعض الناس على هذا الاصطلاح (٣).

ولا ريب أنّه نشأ عن قلّة التدبّر ؛ فإنّ الفرق بين الأقسام الأربعة والحكم بحجّيّة بعضها دون بعض ممّا يدلّ عليه الكتاب (٤) ، كما عرفت (٥). وفي أخبارنا أيضا ما يدلّ عليه (٦). ولا مجال للكلام على التسمية ، سيّما مع المناسبة.

والحقّ : أنّه كان متعارفا عند القدماء أيضا ؛ فإنّ الكشّي ، وابن الغضائري ، والنجاشي ، والشيخ منهم ، مع أنّهم يقولون في كتبهم : فلان « ثقة » أو « عدل » أو « صالح » أو « صحيح الحديث » أو « ضعيفة » وأمثالها. وهذا بعينه مراد المتأخّرين من الأنواع الأربعة.

والامور المذكورة المتعارفة عند القدماء إنّما هي من القرائن المفيدة للعلم أو الظنّ ، وهي أيضا ممّا يصحّ الاعتماد عليه لمن تمكّن من تحصيله (٧). فالقدماء لمّا تمكّنوا من تحصيلها ، يعتمدون عليها في تمييز الحديث وعلى التنويع المذكور أيضا ؛ لعدم المنافاة. والمتأخّرون لمّا لم يتمكّنوا من تحصيلها ، قصروا تميّزه على الثاني.

__________________

(١) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٤٤ و ١٤٥.

(٢) راجع : خاتمة وسائل الشيعة ٣٠ : ٢٦٢ ، السادس عشر. والمراد بابن طاوس هو شيخ العلاّمة أحمد بن طاوس ، وفي توضيح المقال : ٥١ : « وشيخه محمّد بن أحمد بن طاوس » وهو خطأ.

(٣) منهم الحرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة ٣٠ : ٢٦٢.

(٤) كآية النبأ في سورة الحجرات (٤٩) : ٦. ووجه دلالة الكتاب على التنويع هو تقسيم الراوي إلى الفاسق والعادل.

(٥) تقدّم في ص ٢٣٤.

(٦) والمراد بهذه الأخبار ما دلّ على جرح بعض الرواة من حيث الاعتقاد والجوارح ، وتعديل بعضهم ، وهي مبثوثة في رجال الكشّي. راجع اختيار معرفة الرجال : ٤٩٥ ، ح ٩٥٠ ، و ٥٣٧ ، ح ١٠٢٣.

(٧) تذكير الضمير باعتبار الموصول في « ممّا ».

٢٦٥

فصل [١٣]

الأقسام الأربعة تسمّى اصول الحديث ، وله أقسام أخر باعتبارات مختلفة ، وكلّها يرجع إليها ، وهي كثيرة ، ونذكر منها ما هو أكثرها دورانا وفائدة.

المسند : وهو ما اتّصل سنده بالمعصوم ، بأن يكون كلّ واحد من الرواة أخذه ممّن هو فوقه حتّى يصل إلى المعصوم من غير سقوط واحد منهم. فخرج باتّصال السند المنقطع بأقسامه ، كما يأتي (١). وباتّصاله إلى المعصوم الموقوف على غيره إذا جاء بسند متّصل ؛ فإنّه لا يسمّى مسندا في العرف.

وبعضهم (٢) يطلق المسند على المتّصل مطلقا.

وهذا القسم ممّا تشترك فيه الأنواع الأربعة ، فهو بالإطلاق ليس حجّة.

والمتّصل ـ ويقال له الموصول أيضا ـ : وهو ما اتّصل سنده بالمعصوم أو غيره ، فهو أعمّ من الأوّل مطلقا ؛ لصدقه على الموقوف على غيره ، بخلافه.

وربما خصّ عند الإطلاق بما اتّصل (٣) سنده إلى المعصوم أو الصحابي دون غيرهما. وأمّا عند التقييد ، فلا كلام في جواز إطلاقه على ما اتّصل بغيرهما ، كقولهم : هذا متّصل الإسناد بفلان.

وهذا القسم إذا كان متّصلا بالمعصوم ، فكالأوّل (٤) ، وإذا كان موقوفا على غيره ، فليس حجّة مطلقا.

والمرفوع : وهو ما اضيف إلى المعصوم بالإسناد المتّصل أو المنقطع ، سواء كان قولا صريحا ، كقول الراوي : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الصادق عليه‌السلام أنّه قال كذا.

أو فعلا صريحا ، نحو : رأيته عليه‌السلام يفعل كذا.

__________________

(١) في ص ٢٦٨ وما بعدها.

(٢) نسبه الصدر إلى البهائي في نهاية الدراية : ١٨٦.

(٣) في « ب » : « بالمتّصل ».

(٤) أي في حجّيّته تفصيل. ويأتي فيه الأنواع الأربعة الأصليّة.

٢٦٦

أو تقريرا صريحا ، نحو : فعلت بحضرته عليه‌السلام كذا ، ولم يذكر إنكارا منه مع عدم تصوّر تقيّة.

أو قولا في حكم الصريح ، كأقوال أصحاب المعصومين فيما لا مدخليّة للاجتهاد فيه ، كإخبارهم عن الثواب والعقاب على فعل مخصوص ، وعن كيفيّة الجنّة والنار وأمثالها ؛ فإنّ هذا في حكم قولهم : قال المعصوم كذا ، وكذا قولهم : أمرنا بكذا ، أو نهانا عن كذا ، أو السنّة كذا.

أو فعلا كذلك ، كأفعالهم التي لا مدخليّة للاجتهاد فيها ، كالصلاة بالهيئة الخاصّة ؛ فإنّ هذا كإخبارهم بأنّ المعصوم فعل كذا.

أو تقريرا كذلك ، نحو إخبارهم بأنّهم كانوا يفعلون في زمن المعصوم كذا ممّا يبعد خفاؤه عنه ، فإنّه في حكم أن يقولوا : فعلنا بحضرته كذا ؛ لأنّه يبعد مداومتهم على فعل من عند أنفسهم من غير علم المعصوم به ؛ فإنّ توفّر دواعيهم على السؤال ينافيه.

ومن المرفوع قول الراوي : فلان رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إلى واحد من الأئمّة عليهم‌السلام ؛ فإنّه لاتّصاله بالمعصوم يسمّى مرفوعا وإن كان منقطعا بالنسبة إلينا.

ثمّ المرفوع أعمّ من المسند مطلقا ؛ لأنّ كلّ مسند مرفوع ولا عكس كلّيا ؛ لافتراقه عنه في حالة انقطاعه.

وبينه وبين المتّصل عموم وخصوص من وجه ؛ لاجتماعهما في المسند ، وافتراق المتّصل عن المرفوع فيما اتّصل إسناده بغير المعصوم ، وعكسه فيما اضيف إلى المعصوم بإسناد منقطع.

ويظهر منه حال المرفوع في الحجّيّة وعدمها ؛ لأنّه إذا كان إسناده منقطعا لا يكون حجّة كما يأتي (١). والمادّتان الأخيرتان (٢) قد عرفت حالهما.

والموقوف : وهو ما روي عن أصحاب المعصومين عليهم‌السلام قولا أو فعلا ، متّصلا أو منقطعا ،

__________________

(١) في ص ٢٦٩.

(٢) إحداهما : المرفوع المتّصل سنده إلى المعصوم عليه‌السلام ، ففي حجّيّته تفصيل فهو كالمسند. والاخرى : المرفوع الموقوف وهو غير حجّة مطلقا. راجع ص ٢٦٦.

٢٦٧

صحيحا أو غيره. هذا إذا أخذ مطلقا. وأمّا عند التقييد : فيطلق على غيرهم أيضا ، فيقال : وقفه على فلان ، إذا لم يكن من أصحابهم. ومنه قول الراوي : كنّا نفعل كذا ، أو : لا يرون بذلك بأسا ، إذا لم يضف ذلك إلى زمان المعصوم ، وإذا علم وقوعه فيه ، فهو من المرفوع الحكمي ، كما عرفت (١). وهو مباين للأوّل والثالث (٢).

وبينه وبين الثاني (٣) عموم وخصوص من وجه ؛ ووجهه ظاهر. وهو ليس بحجّة. نعم ، يصلح للتأييد.

والمنقطع : ويقال له المقطوع أيضا. وله في عرفهم إطلاقان :

أحدهما : أنّه ما روي عن التابعي ـ أي مصاحب أصحاب المعصومين ـ من أفعالهم وأقوالهم ، موقوفا

عليهم ، متّصلا كان أو منقطعا. فهو مغاير (٤) للأقسام المتقدّمة سوى المتّصل والموقوف المقيّد ؛ فإنّ (٥) بينه وبين المتّصل عموما وخصوصا من وجه ؛ ووجهه ظاهر. وأخصّ من الموقوف المقيّد ؛ لأنّه يشمل غير التابعي أيضا ، والمقطوع يختصّ به.

هذا ، والظاهر من طريقة أصحابنا أنّهم لم يفرّقوا بينه وبين الموقوف.

وثانيهما : ما لم يتّصل إسناده إلى المعصوم على أيّ وجه كان ، ويقال له : المنقطع بالمعنى الأعمّ.

فإن حذف واحد أو أكثر من أوّل إسناده ، سمّي معلّقا ، كقول الشيخ : روى محمّد بن يعقوب ... ، أو روى زرارة عن الباقر عليه‌السلام. ومنه ما حذف كلّ أسناده ، كقولهم : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو قال الصادق عليه‌السلام ونحو ذلك.

أو من وسطه ، سمّي منقطعا بالمعنى الأخصّ.

أو من آخره ، سمّي مرسلا. ومنه ما روى عن المعصوم من لم يدركه بواسطة نسيها ، أو تركها عمدا ، أو سهوا ، كقولهم : عن رجل ، أو عن بعض أصحابنا.

__________________

(١) راجع ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٢) أي المسند والمرفوع.

(٣) أي المتّصل.

(٤) أي مباين.

(٥) تعليل للاستثناء.

٢٦٨

وما حذف من أسناده أكثر من واحد اختصّ باسم المعضل ـ بالضاد المفتوحة المعجمة ـ فهو أخصّ من المنقطع بالمعنى الأعمّ مطلقا.

وبينه وبين كلّ واحد من الأقسام الثلاثة عموم وخصوص من وجه.

وكلّ واحد من الثلاثة مباين للأخيرين والمنقطع العامّ.

وكلّ واحد من أقسامه مباين للمسند ، والمتّصل ، والموقوف ، والمنقطع بالإطلاق الأوّل. وأخصّ من المرفوع مطلقا.

والنسبة بهذا الوجه إذا اعتبر إضافته إلى المعصوم ، كما هو الظاهر من عرفهم ، وإن لم تعتبر ، فتختلف في بعض الموادّ. وكيفيّته ظاهرة.

ثمّ القطع في الإسناد إن كان معلوما بسهولة ، سمّي واضحا. وإن كان خفيّا لا يدركه إلاّ الماهر ، سمّي مدلّسا.

واعلم أنّ المنقطع بأقسامه لا يخرج عن الصحّة والقبول إذا عرف المحذوف وكونه ثقة ، كقول الشيخ والصدوق : محمّد بن يعقوب ، أو أحمد بن محمّد وغيرهما ممّن لم يدركاه ، ولكنّهما ذكرا في آخر كتبهما طريقهما إليه ؛ فإنّه في قوّة المذكور. وإن لم يعرف فليس مقبولا ، معلّقا كان ، أو منقطعا بالمعنى الأخصّ ، أو مرسلا.

وقد وقع الخلاف في الأخير على أقوال (١) : ثالثها : القبول إذا كان معاضدا بدليل آخر وإن كان عمل الأكثر ، أو علم أنّ المرسل لا يروي إلاّ عن ثقة.

وبعد ما علم اشتراط عدالة الراوي في قبول روايته ، يظهر فساد القول بالقبول مطلقا ، وهو ظاهر.

ويرد على أوّل جزءي القول الثالث : أنّ العمل حينئذ بالمعاضد الذي هو الحجّة دون المرسل ؛ لأنّ الشرط المذكور يدلّ على عدم حجّيّته مطلقا.

نعم ، يمكن أن يقال بحجّيّته حينئذ ؛ نظرا إلى حصول التبيّن والعثور على ما يدلّ على كونه مقبولا ، كما تقدّم في الخبر الضعيف (٢).

__________________

(١) تأتي في ص ٢٧٠.

(٢) راجع ص ٢٦١.

٢٦٩

ويظهر الفائدة (١) في صيرورتهما دليلين عند المعارضة لدليل واحد ، فيرجّح بهما.

وهذا الإيراد والتوجيه والفائدة آتية (٢) فيما إذا قيل بحجّيّة المرسل إذا وجد مسندا من وجه آخر.

وعلى ثاني جزءيه : أنّ حصول العلم المذكور إن كان من الاستقراء لمراسيله ، والاطّلاع من خارج على أنّ المحذوف فيها ثقة ، فهو في معنى الإسناد. وإن كان من إخبار الراوي بأنّه لا يرسل إلاّ عن الثقة ، فمرجعه إلى الشهادة بعدالة المجهول. وسيجيء (٣) ما فيه (٤). وإن كان من وجدانها مسانيد من وجوه أخر ، فقد عرفت (٥) ما فيه.

هذا ، مع أنّ القطع بتحقّق أحد الامور الثلاثة في جميع مراسيل راو واحد مشكل ، فالحكم بحجّيّة مراسيل ابن أبي عمير ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، وصفوان بن يحيى من أصحابنا ؛ نظرا إلى الأمر الأوّل غير ثابت ؛ لأنّا لم نتفحّص عن جميع الوسائط المحذوفة عن مراسيلهم حتّى نعلم أنّها ثقات ، بل لسنا متمكّنين من هذا الفحص ، وكذا حال المتقدّمين علينا.

وحجّة من قال بحجّيّة مراسيلهم قول الشيخ في العدّة :

وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا ، نظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم (٦).

__________________

(١) أي بين مقتضى الإيراد ومقتضى التوجيه ؛ فإنّ مقتضى الإيراد هو عدم حجّيّة المرسل وانحصار الحجّيّة في المعاضد. وأمّا مقتضى التوجيه : فهو حجّيّة المرسل أيضا كالمعاضد ، فعند وجود المعارض الواحد يقع التعارض بين حجّة وحجّتين بناء على التوجيه ، وبين حجّة واحدة وحجّة واحدة بناء على الإيراد. واعلم أنّ هذا يفيد فيما إذا قلنا بمرجّحيّة الأكثر عددا ، وإلاّ فلا تظهر الفائدة.

(٢) في النسختين « آت » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في ص ٢٨٤.

(٤) كذا في النسختين. والأولى : « فيها ».

(٥) في ص ٢٦٦ من أنّ المسند ممّا يشترك فيه الأنواع الأربعة فليس مجرّد كون الخبر مسندا مساويا للحجّيّة.

(٦) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٥٤.

٢٧٠

واستدلالهم من هذا الكلام في موضعين :

أحدهما : أنّه شهد بأنّ هؤلاء لا يروون إلاّ عن ثقة.

وفيه : أنّ مرجعه إلى شهادة عدل على عدالة المجهول ، وفيه (١) ما سيجيء (٢) ، مع أنّا نرى أنّهم كثيرا ما يروون عن الضعفاء.

وثانيهما : أنّه ظهر منه أنّ الطائفة عملت بمراسيلهم.

وفيه : أنّ عملهم لم يبلغ حدّا يكون حجّة. كيف؟ وليس حال من تقدّم على الشيخ في هذا معلومة لنا ، ومن تأخّر عنه بين تابع له كالعلاّمة (٣) في بعض كتبه ، ومتوقّف فيه كالمحقّق (٤) ، ومخالف له كصاحب البشرى (٥) وجلّ من تأخّر عنه.

هذا ، مع أنّا نرى أنّ بعض مراسيلهم ممّا لم يعمل به ، أو عمل به الأقلّ.

نعم ، يمكن القول بحجّيّة مراسيلهم التي عمل به المعظم ؛ نظرا إلى ما قلنا في الخبر الضعيف (٦) ، وحينئذ لا فرق بين مراسيلهم ومراسيل غيرهم.

وذهب الشافعي إلى قبول رواية سعيد بن المسيّب ؛ نظرا إلى الأمر الثالث ، وقال : إنّي اعتبرتها ، فوجدتها مسانيد من وجوه أخر (٧).

وقد عرفت (٨) ما فيه ، مع أنّ اعتباره لا ينتهض حجّة لأحد.

فظهر ممّا ذكر أنّ الحقّ عدم القبول مطلقا.

واحتجّ القائلون بالقبول مطلقا ـ وهم الحنفيّة (٩) ، والمالكيّة (١٠) ، ورؤساء المعتزلة (١١) ، ومحمّد بن خالد البرقي (١٢) من قدماء أصحابنا ـ بوجوه :

__________________

(١) كذا في النسختين. والأولى : « فيها ».

(٢) في ص ٢٨٥.

(٣) ذهب إليه في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٥٩.

(٤) معارج الاصول : ١٥٦.

(٥) كما في شرح البداية : ٩٥. وصاحب البشرى هو السيّد أحمد بن طاوس ، ولم نعثر على كتابه.

(٦) تقدّم في ص ٢٥٥.

(٧) راجع : الخلاصة في اصول الحديث : ٦٦ ، وتدريب الراوي ١ : ١٩٩.

(٨) في ص ٢٦٦ من أنّ كون الخبر مسندا ليس مساويا لحجّيّته ؛ لأنّه يجري فيه الأنواع الأربعة.

(٩ ـ ١١) نسبه إليهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٣٦ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٠٩ ، وتهذيب الوصول : ٢٤٠.

(١٢) نسبه إليه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٥٩.

٢٧١

منها : إجماع الصحابة والتابعين على قبول المراسيل. واحتجّوا على ثبوته بقول بعض الصحابة : كلّ ما نسنده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعنا منه ، ولكنّا لا نكذب عليه (١).

وبأنّ كثيرا ما يسند صحابي خبرا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يصرّح بأنّه لم يسمعه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل من صحابي (٢) آخر.

وبأنّ روايات ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقبولة مع أنّه لم يرو عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أربعة أحاديث ؛ لصغر سنّه (٣).

وبأنّ بعض التابعين أسند خبرا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا سئل عنه قال : أخبرني به سبعون بدريّا (٤).

والجواب : أنّ هذه القضايا ـ على فرض ثبوتها ـ لا تدلّ على تحقّق الإجماع.

ومنها : أنّ رواية العدل عمّن سكت عنه تعديل له ؛ لأنّه لو روى عن غير عدل ولم يبيّن حاله ، لكان ملبّسا وهو ينافي العدالة (٥).

وجوابه : منع التلبيس ؛ لأنّه يعلم أنّ حكم المرسل عند السامعين حكم الضعيف ، مع أنّه يمكن أن ينساه ولم يعلمه بعينه فأرسل عنه ؛ لعدم خلوّه عن فائدة ، فإنّه يعلم أنّ المرسل يصلح للتأييد ، غاية الأمر أنّ روايته عنه تعديل له ، ومرجعه إلى شهادة العدل على عدالة مجهول العين.

ويعلم (٦) ما فيه.

ومنها : أنّ إسناد الحديث إلى المعصوم يستلزم اعتقاد صدقه ؛ لأنّ إسناد ما هو الكذب عنده إليه ينافي العدالة ، ولا ريب أنّ حديث غير العدل كاذب عند العدل ، فيجب أن يكون المحذوف عدلا حتّى يعتقد صدقه ، وحينئذ يجب قبوله (٧).

وقد ظهر جوابه ممّا ذكر.

ولهم وجوه ضعيفة أخر (٨) تركناها لظهور فسادها.

__________________

(١) هو البراء بن عازب كما في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٦٥.

(٢) هو أبو هريرة والفضل بن عبّاس وابن عمر ، كما في المصدر.

(٣) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٦٦.

(٤ و ٥) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٦٦ و ٤٦٧.

(٦) راجع ص ٢٨٥.

(٧ و ٨) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٦٥ ـ ٤٦٨.

٢٧٢

تتميمات

الأوّل : ليس من المرسل عندنا ما يقال فيه : عن الصادق عليه‌السلام قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا ؛ ووجهه ظاهر.

الثاني : قطع الحديث بالإرسال ونحوه عمدا حرام أو مكروه ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم » (١). وقول الصادق عليه‌السلام : « إيّاكم والكذب المفترع » ، قيل له : وما الكذب المفترع؟ قال : « أن يحدّثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدّثك » (٢).

وعلى هذا فالظاهر أنّ استعمال القطع في كلام قدمائنا المحدّثين وقع سهوا أو نسيانا.

الثالث : قيل : لو أسند راو حديثا إلى النبيّ مرّة وأوقفه غيره على الصحابي ، فهو متّصل (٣) ؛ لجواز أن يكون الصحابي رواه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة وذكره عن نفسه على سبيل الفتوى اخرى ، فرواه كلّ منهما بحسب سماعه أو سمعه ، يرويه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنسي وظنّ أنّه ذكره عن نفسه.

وكذا لو أسنده إلى النبيّ تارة وأوقفه هو على الصحابي اخرى ؛ لما ذكر (٤).

نعم ، لو أرسله أو أوقفه مدّة طويلة ثمّ أسنده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تلك المدّة ، فهو يقدح في اتّصاله (٥) ؛ لأنّ نسيانه في تلك المدّة بعيد. اللهمّ إلاّ أن يكون له كتاب يرجع إليه فيذكر ما نسيه (٦).

ولا يخفى أنّ الوقف على الصحابي في الصورتين وإن احتمل ما ذكر ، إلاّ أنّه ليس على سبيل القطع ، فالحكم بكونه متّصلا مشكل.

__________________

(١) ما وجدته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم ورد عن عليّ عليه‌السلام كما في الكافي ١ : ٥٢ ، باب رواية الكتب والحديث ، ح ٧.

(٢) معاني الأخبار : ١٥٧.

(٣) في هامش « أ » : « أي بالمعصوم ».

(٤) في هامش « أ » : « يكون سنده متّصلا بالمعصوم ».

(٥) في هامش « أ » : « أي اتّصال سنده بالمعصوم ».

(٦) قاله البصري في المعتمد ٢ : ١٥١ ، والعلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٦٩.

٢٧٣

ومن أقسام الحديث : المعنعن

وهو ما يقال في سنده : فلان عن فلان إلى آخره من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع.

قيل : وقد كثر استعمال « عن » في الإجازة (١).

والصحيح أنّها تستعمل في الأعمّ منها ومن القراءة والسماع.

والمعنعن متّصل إذا أمكن اللقاء وأمن التدليس بأن لا يكون معروفا به.

وقد وقع الخلاف في اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ، وكونه معروفا بالرواية عنه. والحقّ عدمه ؛ نظرا إلى حمل فعل المسلم العدل على الصحّة.

ويشترط في قبوله أن لا يكون ضعيفا ؛ فإنّه يعمّ الأنواع الأربعة.

والمقبول : وهو ما تلقّوه بالقبول والعمل بمضمونه من أيّ أقسام كان (٢) ، كحديث عمر بن حنظلة في حال المتخاصمين (٣). وربما جعل من أقسام الضعيف ؛ لكون الصحيح مقبولا مطلقا.

والمستفيض : وهو ما زاد نقلته على ثلاثة ، أو اثنين عند بعض (٤). ويسمّى المشهور أيضا. وقد يطلق المشهور على ما شاع العمل به عند أهل الحديث. وهو يعمّ الأنواع الأربعة ، فيشترط في قبوله أن لا يكون ضعيفا.

وعالي السند : وهو ما قلّت واسطته مع اتّصاله. سمّي عاليا لبعده عن الخلل بقلّة الوسائط ، ولذا عدّ من المرجّحات. والمراتب متفاوتة في ذلك ، فما قرب إلى المعصوم أعلى ممّا بعد عنه. والغالب أنّ ما يروى عن معصوم متأخّر أعلى من متقدّم.

وأشرف العلوّ قرب الإسناد من المعصوم ، ثمّ من أئمّة الحديث كالكليني وأمثاله. ويسمّى الأوّل علوّا مطلقا ، والثاني علوّا نسبيّا. وقد كان طلب العلوّ سنّة عند السلف ، ولذلك يسافرون إلى البلاد البعيدة عند المشايخ لطلبه.

والمسلسل : وهو ما تتابع رجال إسناده كلاّ أو بعضا على أمر كالاسم ، نحو المسلسل

__________________

(١) قاله ابن الصلاح في مقدّمته : ٦٢.

(٢) أي سواء كان صحيحا ، أو حسنا ، أو موثّقا ، أو ضعيفا.

(٣) تهذيب الأحكام ٦ : ٢١٨ ، ح ٥١٤.

(٤) نسبه الشهيد الثاني إلى البعض في البداية في علم الدراية : ٢٩ ، وشرح البداية : ٦٣.

٢٧٤

بالمحمّدين ، أو الأحمدين ، والمسلسل بالآباء بأن يروي كلّ واحد من الرواة عن أبيه.

وكالصفة ، نحو المسلسل بالتشبيك بالأصابع والمصافحة.

وقد يكون التسلسل بقول كلّ واحد منهم : « سمعت » أو « سمعت والله ». وأسبابه كثيرة ، ولا فائدة يعتدّ بها في ذكرها.

والشاذّ والنادر : وهو ما رواه الثقة وكان مخالفا لما رواه الأكثر ، وربما عمل به بعضهم.

والراوي للشاذّ ربما كان أعدل أو أضبط من راوي المشهور ، وحينئذ لا يلزم ردّه ؛ لأنّ في كلّ منهما رجحانا من وجه فيتعارضان ، فيلزم الفحص لاستنباط الترجيح ، وربما حصل للشاذّ عند مرجّح ، وإن انعكس (١) ، فمردود ؛ ووجهه ظاهر.

وإن رواه غير الثقة فيسمّى منكرا ، ويجب ردّه. وقد يطلق (٢) الشاذّ عندنا على ما لم يعمل به أصلا.

والغريب : وهو إمّا غريب إسنادا ومتنا معا ، وهو ما تفرّد برواية متنه واحد.

أو إسنادا فقط ، وهو ما عرف متنه من جماعة من الصحابة ومن في حكمهم ، وانفرد واحد بروايته عن غيرهم.

أو متنا فقط ، كالحديث المفرد إذا اشتهر ، فرواه عمّن تفرّد به جماعة كثيرة ، ويصير حينئذ غريبا مشهورا.

قيل : ومنه حديث : « إنّما الأعمال بالنيّات » (٣) ، فإنّه غريب في طرفه الأوّل ؛ لما قيل : إنّه رواه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحد من الصحابة. ومشهور في طرفه الآخر ؛ لتكثّر الرواة فيه (٤).

وقيل : ليس منه ؛ لأنّه رواه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من الصحابة (٥).

ويدخل في الغريب ما اشتمل على لفظ غامض مشتبه بعيد عن الفهم ؛ لقلّة استعماله في

__________________

(١) أي إن كان راوي المشهور أعدل.

(٢) في « أ » : « يطلق ».

(٣) كنز العمّال ٣ : ٧٩٢ ـ ٧٩٤ ، ح ٨٧٧٩ ـ ٨٧٨١.

(٤) ذهب إليه الشهيد الثاني في البداية في علم الدراية : ٣٢ ، وشرح البداية : ٨٠. ونسبه الصدر إلى محمّد بن عبد الحيّ في نهاية الدراية : ١٦٠.

(٥) ذهب إليه الداماد في الرواشح السماويّة : ٢٠٤ ، ونسبه فيه إلى رهط من العلماء ، ونسبه الصدر إلى الفاضل الدربندي في نهاية الدراية : ١٦١.

٢٧٥

الشائع من اللغة ، ويسمّى بالغريب لفظا. وهو يعمّ الأنواع الأربعة. فلا يخفى القسم المقبول منه عن غيره.

والمضطرب : وهو ما اختلف راويه فيه إسنادا ، كأن يروي تارة عن رجل ، وتارة عن آخر.

أو متنا بأن يروي مرّة هكذا واخرى بخلافه ، كما جاء في حديث الدم المشتبه بالقرحة (١).

وقد يكون الاضطراب من راو واحد ، كهذا الحديث ، فإنّه مرفوع إلى أبان في الجهتين. وقد يكون من متعدّد فيروي كلّ واحد بخلاف ما رواه الآخر.

وتحقّق الاضطراب إنّما إذا تساوى الروايتان من حيث ضبط راويهما وحفظهما وعدالتهما ، أمّا لو رجّحت (٢) إحداهما على الاخرى بوجه من الوجوه ، فلا اضطراب. فعلى الأوّل لا يمكن العمل بإحداهما ، فيجب الرجوع إلى الأدلّة الخارجيّة ، وعلى الثاني يلزم العمل بالأرجح.

والمقلوب : وهو حديث ورد عن راو فيروى عن غيره ليرغب فيه ، كما إذا رواه محمّد بن قيس ، أو محمّد بن عيسى ، فيروى عن محمّد بن مسلم ، أو أحمد بن محمّد بن عيسى. وقد يتّفق ذلك في أسانيد التهذيب (٣).

وقد يقع القلب في كلّ الطريق وهو حرام ، ومن عرف به سقطت عدالته. وقد يقع القلب من بعض العلماء لامتحان بعض آخر ، كما اتّفق من بعض العلماء في بغداد لامتحان البخاري ، وكيفيّته معروفة (٤). وقد يقع القلب في المتن ، والماهر يعرفه.

والمدرج : وهو الذي ادرج فيه كلام بعض الرواة ، فيظنّ أنّه منه. ويقال للزائد : المدرج ، وللحديث : المدرج فيه ، وحكمه ظاهر.

والمزيد : وهو ما زاد على غيره من الأحاديث المرويّة في معناه.

والزيادة إمّا تقع في المتن ، فهو مقبول إذا وقعت من الثقة ولم يكن لها معارض ؛ لجواز

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٤ و ٩٥ ، باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة ، ح ٣.

(٢) في « ب » : « ترجّحت ».

(٣) قال الشهيد الثاني في شرح البداية : ١٠١ : « وكثيرا ما يتّفق ذلك في إسناد التهذيب ».

(٤) راجع تاريخ بغداد ٢ : ٤.

٢٧٦

أن يطّلع على شيء لم يطّلع عليه الآخرون ، وعدالته تمنعه من الكذب ، فهو في حكم الحديث المستقلّ.

أو في الإسناد ، مثل أن يسنده وأرسلوه ، أو يوصله وأوقفوه. وهو أيضا مقبول بالشرط المذكور ؛ لما ذكروا.

والمصحّف ، ويقال له المحرّف أيضا : والتصحيف إمّا يقع في الإسناد ، كتصحيف بريد بالباء الموحّدة المضمومة ، بيزيد بالياء المثنّاة ، أو في المتن ، وهو ظاهر. أو في المعنى ومثّل له بما روي أنّه صلّى إلى عنزة ـ وهي حربة نصبها بين يديه سترة ـ فتوهّم رجل من بني عنزة (١) أنّ المراد منها قبيلته ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى إليهم ، وهو تصحيف معنوي. والتنبّه للتصحيف فعل الحذّاق المهرة ؛ وبعد التفطّن به يلزم تصحيحه.

والمعلّل : وهو ما فيه سبب خفيّ قادح فيه ، ولا يستخرجه إلاّ اولو الأفهام الثاقبة ؛ وبعد التفطّن به يلزم ردّه.

والناسخ والمنسوخ : وهذا فنّ يصعب معرفته ، ولذلك ربما ادخل فيه ما ليس منه ، وجعلوا من طرق معرفته النصّ ، أو الإجماع ، أو التأريخ. والظاهر عدم وجوده في أخبار أئمّتنا عليهم‌السلام ، كما نبّه عليه بعض المحقّقين (٢).

والموضوع والمختلق : وهو شرّ أقسام الضعيف ، ولا يحلّ روايته إلاّ لتبيّن حاله ، ويعرف الوضع بإقرار واضعه ، أو بشهادة من يوثق به ، أو بركاكة لفظه أو معناه ، أو بغير ذلك من أسباب يعرفها المؤيّدون.

وقد كثر الوضع للأخبار حتّى أنّ قوما جوّزوه (٣) للترغيب والترهيب ، وكم من فساد واختلال حدث في الإسلام لأجل ذلك ، ومن وفّق بمعرفته لا يزلّ ، ولكنّها ليست شريعة لكلّ وارد ، بل لا يطّلع عليها إلاّ واحد بعد واحد.

__________________

(١) الحديث في صحيح البخاري ١ : ٨٠ و ٨١ ، ح ١٨٥ ، وصحيح مسلم ١ : ٣٦٠ ، باب سترة المصلّي ، ح ٢٥٠ / ٥٠٣. والرجل على ما في فائق المقال : ٢٢ أبو موسى [ محمّد ] بن المثنّى العنزي ، كما في مقدّمة ابن الصلاح : ١٧٠ ، وشرح البداية : ٨٢.

(٢) نسبه الصدر إلى فخر الدين محمّد بن الحسن ابن العلاّمة الحلّي في نهاية الدراية : ٣٠٧.

(٣) نسبه الشهيد الثاني إلى الكراميّة في شرح البداية : ١٠٢ و ١٠٥.

٢٧٧

والمضمر : وهو ما طوي فيه ذكر المعصوم ، كأن يقول الراوي عن المعصوم : « سألته » ولم يسمّه. وهذا القسم غير معروف عند العامّة ، وإنّما يفعله أصحابنا للتقيّة. وهو يعمّ الأنواع الأربعة إلاّ أنّه قيل : هو مضعّف للحديث مطلقا (١) ؛ لاحتمال أن يكون المسئول عنه غير الإمام.

والحقّ : أنّ مضمرات كلّ واحد من الأجلاّء المخصوصين بواحد من الأئمّة عليهم‌السلام ـ كزرارة ، وفضيل بن يسار ، ومحمّد بن مسلم ، وعليّ بن مهزيار وأضرابهم ـ في قوّة المصرّحات ؛ لأنّا نعلم من حالهم أنّهم لا يعتمدون في الأحكام إلاّ على الحجّة القائم في عصرهم ، ولا يسألون غيره ، فيتعيّن المسئول عنه.

وربما قيل : مطلق الإضمار غير قادح ؛ لأنّ القرينة قائمة بأنّ المراد الإمام ؛ لأنّ جميع الرواة لا يعتمدون على أحد سوى المعصوم (٢).

والوجه في الإضمار إمّا التقيّة ، أو قطع الأحاديث بعضها من بعض ؛ فإنّ الراوي كان يصرّح باسم المعصوم في أوّل الرواية ثمّ يقول في أثنائها : وسألته ، فلمّا حصل القطع توهّم الإضمار.

وهنا اصطلاحات أخر ذكرها بعض (٣) :

كرواية الأقران : وهي رواية راو يساوي المرويّ عنه في السنّ. أو اللقاء وهو الأخذ عن المشايخ ، كرواية الشيخ عن المرتضى مع أنّهما أخذا عن المفيد.

والمدبّج : وهي رواية راو عمّن يروي هو عنه أيضا ، كرواية الصحابة بعضهم عن بعض ، وهي أخصّ من الاولى.

ورواية الأكابر عن الأصاغر ، كرواية الصحابي عن التابعي.

ومنها : رواية الآباء عن الأبناء ، كرواية العبّاس عن الفضل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الصلاتين بالمزدلفة (٤).

__________________

(١) استظهر أخيرا كون المسئول بقرينة المقام هو الإمام كما قاله أبو سعيد جمال الدين في منتقى الجمان ١ : ٣٩ ، راجع : وصول الأخيار : ١٠٢ ، ونسبه الصدر إلى والد البهائي في نهاية الدراية : ٢٠٦.

(٢) قاله أبو سعيد جمال الدين في منتقى الجمان ١ : ٣٩.

(٣) ذكرها الملاّ عليّ كني في توضيح المقال : ٢٧٦.

(٤) انظر مقدّمة ابن الصلاح : ١٨٤ ، وتدريب الراوي ٢ : ٣٥٦.

٢٧٨

وإنّما تعرّضنا لذكر هذه الأقسام مع عدم جريان العادة بذكرها في كتب الاصول ؛ لكثرة فائدتها للباحث عن الأخبار.

فصل [١٤]

يعرف عدالة الراوي إمّا بالاختبار بالصحبة المتأكّدة والمعاشرة الباطنيّة ، أو باشتهارها بين أهل العلم والحديث ، وبشهادة القرائن المتكثّرة المتظاهرة ، أو بالتزكية.

ومعرفة عدالة الرواة لنا منحصرة بالأخير وإن أمكن في بعضها بالثاني أيضا ، كأكثر مشايخنا وفقهائنا المشهورين.

ولا خلاف في ثبوت العدالة بالعدلين ، وقد وقع الخلاف في ثبوتها بالواحد. والحقّ عدم ثبوتها به وفاقا لجماعة من المحقّقين (١) ، وخلافا للأكثر.

لنا وجوه :

منها : أنّه شهادة ، فيجب التعدّد كسائر الشهادات.

والمعارضة بأنّه خبر فيكفي الواحد كسائر الأخبار ، مندفعة بمعرفة الفرق بين الخبر والشهادة ؛ فإنّهما يشتركان في أمر وهو الإخبار عن العلم. وينفردان في أنّ المخبر عنه إن كان عامّا غير مختصّ بمعيّن ، فهو الرواية ، كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢) ، فإنّه شامل لجميع الخلق في كلّ زمان. وإن كان لمعيّن فهو الشهادة ، كقوله : أشهد بكذا لفلان. ولا ريب أنّ ما نحن فيه من قبيل الثاني ، وستعلم (٣) لهذا الفرق مزيد توضيح.

ومنع كلّيّة الكبرى ـ نظرا إلى الاكتفاء بالواحد في بعض الشهادات ـ مدفوع بأنّه للنصّ (٤) ، مع أنّه في غاية القلّة ، مع وقوع الخلاف فيه.

ومنها : أنّ مقتضى اعتبار العدالة حصول العلم بها ، وهو إمّا بالصحبة المتأكّدة ، أو بالاشتهار ،

__________________

(١) نسبه ابن الحاجب إلى القاضي في منتهى الوصول : ١٦٩ ، وقاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٥٠ ، وأبو سعيد جمال الدين في منتقى الجمان ١ : ١٦.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ، ح ١٤٤.

(٣) يأتي في ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٤) كعمل علي عليه‌السلام بخبر المقداد ، وعمل الصحابة بخبر عائشة في التقاء الختانين. راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٣٨.

٢٧٩

وإنّما اكتفي بالبيّنة ؛ لأنّها تقوم مقامه شرعا ، فغير ذلك ساقط عن الاعتبار إلاّ بدليل.

ومنها : أنّ التعديل من شروط ثبوت الأحكام الشرعيّة ، والتصفّح يعطي بأنّ العلم بحصول أكثر شروطها يتوقّف على شهادة العدلين وإن اكتفي في المشروط بالواحد.

احتجّ الخصم بوجهين :

أحدهما : أنّه لو لم يكتف به في التعديل يلزم مزيّة الفرع على الأصل ؛ لأنّه فرع الرواية ويكتفى فيها بالواحد (١).

واجيب بالتزامه ، ولا منع فيه ، ولا بدّ لنفيه من دليل ، مع أنّ مزيّة الفرع على الأصل ثابتة في تعديل الشاهد ، فإنّ بعض الحقوق يثبت بشهادة الواحد ، بل بالمرأة الواحدة في بعض الموادّ ، كربع ميراث المستهلّ ، وربع الوصيّة ، مع أنّ تعديل كلّ منهما يتوقّف على عدلين (٢).

واورد عليه بأنّ البديهة حاكمة بأنّ الاحتياط في الشرط لا يزيد على مشروطه ، ومواضع التخلّف في الشهادة للنصّ (٣).

والجواب عن هذا الإيراد وأصل الحجّة يظهر من الدليل الأوّل والثالث.

ومنه يظهر أنّ مرجع حجّتهم إلى القياس الذي يكون الحكم في الأصل أقوى منه في الفرع دون العكس حتّى يثبت الحكم من باب الأولويّة ، ومثل هذا القياس لم يقل بحجّيّته أحد من العامّة فضلا عن الخاصّة ؛ لأنّهم يشترطون في حجّيّته المساواة بين الفرع والأصل في الحكم ، وهنا ليس كذلك.

ثمّ الأكثر على أنّ الفرع كما لا يزيد على أصله ، فكذلك لا ينقص عنه أيضا ، بل يلزم المساواة بينهما ، فيثبت (٤) كلّ واحد من الجرح والتعديل بقول العدل الواحد في الرواية ؛ للاكتفاء به فيها ، وبقول العدلين في الشهادة ؛ للزومهما فيها ، فتعديل كلّ واحد كأصله من غير نقصان ، ولا الافتقار (٥) إلى زيادة.

__________________

(١) حكاه العلاّمة في المصدر.

(٢) التزم به أبو سعيد جمال الدين في منتفى الجمان ١ : ١٦.

(٣) تقدّم في ص ٢٧٩.

(٤) في « أ » : « فثبت ».

(٥) كذا في النسختين. والأولى : « ولا افتقار ».

٢٨٠