أنيس المجتهدين - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

أنيس المجتهدين - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مؤسسة بوستان كتاب
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-09-0281-3
ISBN الدورة:
978-964-09-0284-4

الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

ودوّنها الأصحاب ، لا أنّ كلّ خبر يرويه الإمامي يجب العمل به (١) ، وذلك لما عرفت من تصريح الشيخ بعدم اعتبار القرائن المفيدة للعلم.

والتأييد الذي ذكره لا يدلّ على مطلوبه أصلا ؛ لأنّ وجوده في اصول الأصحاب لا يوجب إفادة العلم ، وإلاّ لم يحصل هذا الاختلاف بينهم حتّى أنّ كثيرا ما يناقض واحد منهم نفسه في كتابين ، بل في كتاب واحد. فالحقّ أنّهم أيضا كانوا مثلنا في عدم تمكّنهم لتحصيل القرائن المفيدة للعلم إلاّ في قليل.

نعم ، هذا التمكّن كان حاصلا لأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام.

فصل [١١]

للعمل بخبر الواحد شرائط أكثرها يتعلّق بالراوي ، وبعضها يتعلّق بغيره.

والثاني ثلاثة أمور :

الأوّل : وجوده في أحد الكتب المعتبرة للشيعة ، كالكتب الأربعة ، أو غيرها ممّا ثبت حجّيّته عندنا.

والثاني : عدم وجود معارض أقوى منه من الآيات ، أو الأخبار ، أو الأدلّة العقليّة ، أو الإجماعات المنقولة. ولعلّك تعرف تفصيل ذلك في موضعه (٢).

والثالث : عدم مخالفته لعمل الأصحاب ، فلو لم يعمل به أحد من الأصحاب لا يجوز العمل به ، كما ورد أنّ المستحاضة إذا أخلّت بالأغسال تقضي صومها دون صلاتها (٣).

ولو كان مخالفا للشهرة يجوز العمل به بشرط أن يكون الظنّ الحاصل منه أقوى من الظنّ الحاصل منها ، ولو عكس لا يجوز (٤) ؛ لعدم جواز ترجيح المرجوح ، وهو يختلف باختلاف المرجّحين ، وملاحظة القرائن الخارجيّة.

__________________

(١) قاله الشيخ حسن في معالم الدين : ١٩٧ و ١٩٨. وفيه : « لتظهر مخالفتهم لرأيه فيه ».

(٢) راجع ج ٢ ، ص ٩٧٣ ، في التعادل والتراجيح.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٤ ، ح ١٩٩١.

(٤) في « ب » : « لم يجز ».

٢٤١

وأمّا الأوّل ، فامور :

منها : العقل ، فلا يقبل رواية المجنون إجماعا ؛ ووجهه ظاهر.

ومنها : البلوغ ، فلا يقبل رواية الصبيّ وإن كان مميّزا ؛ لأنّه عرف عدم حرمة الكذب عليه ؛ لعلمه بأنّه غير مكلّف ؛ فلا يبالي به مطلقا ، فلا يحصل ظنّ بصدقه. ولو قبل روايته لزم قبول رواية الفاسق بطريق أولى ؛ لأنّه يعلم أنّه لو كذب أثم فربّما منعه ذلك ، بخلاف الصبيّ ؛ فلا داعي له إلى الصدق ، وربّما وجد له المانع عنه.

والقول بقبول رواية المميّز (١) ـ على ما ذهب إليه بعض العامّة (٢) قياسا على جواز الاقتداء به ـ لا يخفى ضعفه.

هذا إذا كان السماع والرواية قبل البلوغ. أمّا لو وقعت بعده وإن كان قبله ، فيقبل قطعا ؛ لأنّ المقتضي له موجود ـ وهو كونه عدلا ضابطا لما يرويه ـ والمانع الذي اشير إليه (٣) مفقود ، ولذا قبل الصحابة رواية ابن عبّاس وغيره (٤) ممّن وقع له التحمّل قبل البلوغ والرواية بعده ، ولم يسأل أحد منهم في رواية منه بأنّ التحمّل بها كان قبل البلوغ ، أو بعده؟

وقد ورد به الأخبار من طريق الشيعة ، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٥) ، ورواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام (٦) ، وغيرهما (٧).

وكيفيّة التفريع : أنّه لا يقبل رواية الصبيّ مطلقا (٨). والقول بقبول شهادته في الجراح والقتل بالشروط المعروفة ـ كما ذهب إليه أكثر أصحابنا ، وأجمع عليه أهل المدينة (٩) ـ

__________________

(١) معالم الدين : ١٩٩.

(٢) راجع إرشاد الفحول ١ : ١٣٩ وفيه : « نقل القاضي الإجماع على ردّ رواية الصبيّ. واعترض عليه العنبري وقال : بل هما قولان للشافعي في إخباره عن القبلة ، كما حكاه القاضي حسين في تعليقه ... قال الفوراني : الأصحّ قبول روايته ... ».

(٣) وهو عدم البلوغ.

(٤) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٦ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٦٤ ، وشرح البداية : ١٢٧.

(٥) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٨ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، ح ٤.

(٦ و ٧) راجع العدّة في أصول الفقه ١ : ١٤٩.

(٦ و ٧) راجع العدّة في أصول الفقه ١ : ١٤٩.

(٨) أي ولو كان مميّزا.

(٩) ادّعى ابن الحاجب الإجماع المذكور في منتهى الوصول : ٧٦ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٦٤.

٢٤٢

خارج ؛ للنصوص (١). ولعلّ السرّ فيه الاحتياط في الدم ، على أنّ منصب الرواية أعظم ؛ إذ الثابت منها شرع عامّ في بني آدم ، ومضمونها يستمرّ إلى انقراض العالم.

ويقبل قول من روى أو شهد حين البلوغ وإن كان وقت التحمّل غير بالغ.

فعلى هذا ما ذكره الصدوق من عدم الاعتماد على رواية محمّد بن عيسى اليقطيني عن يونس بن عبد الرحمن (٢) ـ لو كان السرّ فيه أنّه أخذ الروايات عنه قبل البلوغ كما فهمه بعض المتأخّرين (٣) ـ لا يكون له وجه ؛ لأنّه كان حين الأداء بالغا.

ومنها : الرشد ، فلا يقبل رواية السفيه ؛ ووجه اعتباره ظاهر.

وهل الأصل الرشد حتّى يقبل رواية من جهل رشده ، أو السفاهة حتّى تردّ؟ ويمكن ترجيح الأوّل ؛ نظرا إلى أنّ الرشد أكثر ؛ فإنّ أكثر الناس إذا بلغ يكون رشيدا. وربما رجّح الثاني (٤) ؛ نظرا إلى أنّه طار ، فلا بدّ من العلم به ، وهذا الحكم جار في كلّ حكم يشترط فيه الرشد ، فتأمّل.

ومنها : الإسلام ، فلا يقبل رواية الكافر وإن كان من أهل القبلة ، كالغلاة ، والمجسّمة ، والخوارج.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ كون (٥) قبول الرواية تنفيذ حكم على المسلمين ، فيمنع آية التثبّت (٦) ؛ فإنّ الكافر فاسق بالعرف المتقدّم (٧). يدلّ عليه الاستقراء ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ )(٨) ، مع أنّه لو حمل على ما يراد في

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٤٢ ، أبواب الشهادات ، الباب ٢١ و ٢٢.

(٢) ذكر النجاشي في رجاله : ٣٣٣ ، الرقم ٨٩٦ في ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى عن الصدوق عدم اعتماد ابن الوليد على رواية محمّد بن عيسى ، عن يونس إذا تفرّد بالحديث. وقال الصدوق في الفقيه ٢ : ٩٠ ذيل الحديث ١٨١٩ : « كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ـ قدّس الله روحه ـ ولم يحكم بصحّته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح ».

(٣) لعلّه جدّ البهبهاني. قال المحقّق السيّد عليّ القزويني في حاشية قوانين الاصول ١ : ٤٥٧ : « نقله ـ أي وجه ردّ روايات محمّد بن عيسى ـ الوحيد البهبهاني على ما حكى عنه في تعليقة رجاله عن جدّه ». وقال بعد أسطر : « وقوله ـ أي قول صاحب قوانين الاصول ـ : وما ذكره بعض الأصحاب انتهى تعريض على جدّ البهبهاني ».

(٤) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨.

(٥) في النسختين : « وكون » ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) وهي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٧) أي عند القدماء.

(٨) المائدة (٥) : ٤٧.

٢٤٣

العرف المتأخّر ـ وهو المسلم المرتكب لإحدى الكبائر ، أو المصرّ على الصغائر ـ يثبت المطلوب بمفهوم الآية.

ويدلّ عليه أيضا أنّ قبول الرواية يوجب التعظيم ، والكافر يستحقّ الإهانة ، والرواية من المناصب الجليلة ، فلا يليق الكافر بها.

وفيهما تأمّل لا يخفى.

ويتفرّع عليه : عدم قبول رواية من كان من إحدى الفرق المذكورة ، كسهل بن زياد (١) ، وأبي الخطّاب (٢) ، وابن أبي العزاقر (٣) ؛ لكونهم من الغلاة ، وغيرهم كما هو مذكور في كتب الرجال.

ومنها : الإيمان ، وقد اعتبره أكثر المتأخّرين ؛ لآية التثبّت (٤). وهو ينافي عمل الطائفة بما رواه الطاطريّون ، وبنو فضّال ، وابن بكير ، وسماعة ، وعثمان بن عيسى ، وأضرابهم ، كما قال الشيخ (٥).

والقول بأنّه لم يعلم عمل الطائفة بأخبار هؤلاء (٦) ، ممّا ينادي كتبهم بخلافه. والظاهر أنّ المنكر له إنّما ينكر باللسان وقلبه مطمئنّ بالإيمان.

يرشدك إلى هذا أنّ العلاّمة اعتبر الإيمان في التهذيب (٧). ونقل عنه أنّه ردّ رواية أبان بن عثمان ؛ لكونه ناووسيّا محتجّا بآية التثبّت (٨) ، وقال : لا فسق أعظم من عدم الإيمان (٩) ، مع أنّه رجّح في الخلاصة قبول روايات جماعة كثيرة من أرباب المذاهب الفاسدة (١٠).

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٥ ، الرقم ٤٩٠.

(٢) هو محمّد بن مقلاص ( مقلاس ). رجال الشيخ : ٣٠٢ ، الرقم ٣٤٥.

(٣) هو محمّد بن علي الشلمغاني. رجال الشيخ : ٥١٢ ، الرقم ١١٤.

(٤) وهي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٥) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٥٠.

(٦) والقائل هو المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٤٩.

(٧) تهذيب الوصول : ٢٣٢.

(٨) وهي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٩) نسبه الشيخ حسن إلى العلاّمة ( نقلا عن فوائد والده على خلاصة الأقوال حكاية عن فخر المحقّقين ) في معالم الدين : ٢٠٠.

(١٠) خلاصة الأقوال : ٧٤ و ١٧٧ و ١٩٥ ، ومن الجماعة : أبان بن عثمان الأحمر ، وعليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، وعبد الله بن بكير.

٢٤٤

وبالجملة ، الحقّ عدم اشتراط الإيمان ، والآية لنا لا علينا ؛ لأنّه تعالى أمر بالتثبّت عند خبر الفاسق ، وهو الفحص والتفتيش حتّى يظهر الصدق أو الكذب ، وهو كما يكون عن حال الخبر ـ بأن يستعلم كيفيّته عن مخبر آخر ، أو القرائن الخارجيّة ـ فكذا يكون عن حال المخبر بأن يستعلم حاله في الصدق والكذب ، فإن ظهر أنّه ثقة ، متحرّز عن الكذب ، يظنّ صدق الخبر بدلالة التبيّن ، وهو المطلوب.

وتخصيص التبيّن بالأوّل لا دليل عليه.

فإن قلت : على هذا يلزم قبول رواية الكافر إذا كان متحرّزا عن الكذب بعين ما ذكرت.

قلت : نعم ، إلاّ أنّه مخصّص بالإجماع ، وعمل الطائفة.

فإن قلت : على ما ذكرت يلزم جواز جمع التوثيق والتفسيق ، وهو يوجب عدم الوثوق بعدالة أكثر الموثّقين من أصحابنا.

قلت : توثيق أرباب الرجال مساوق للتعديل ، مع أنّ الفائدة في معرفتهم ليست إلاّ العلم بصدقهم أو كذبهم ، فإذا علم صدقهم من الإيمان والتوثيق ، فلا يهمّنا معرفة حالهم في باقي صفاتهم ، ولا يثمر لنا فائدة أصلا.

ويمكن الجواب عن الآية بمنع صدق الفاسق على المخطئ في بعض الاصول بعد بذل جهده ؛ نظرا إلى العرف المتأخّر (١) ، وحينئذ يثبت من المفهوم قبول رواية المخطئ في بعض الاصول إذا كان مسلما ، وردّ روايته إذا كان كافرا ، والفارق هو الإجماع.

ومنها : العدالة ، وهي في الأصل تعديل القوى النفسانيّة وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعضها (٢) ؛ فإنّها لمّا كانت كالمتناقضة كانت الفضيلة في تعديلها ، فيحصل من تعديل القوّة العاقلة فضيلة الحكمة ، ومن تعديل القوّة الشهويّة فضيلة العفّة ، ومن تعديل القوّة الغضبيّة فضيلة الحلم (٣) والشجاعة ، وإذا حصلت هذه الفضائل ، تحصل منها ملكة هي تمام

__________________

(١) أي في معنى الفسق.

(٢) في « ب » : « بعضها على بعض ».

(٣) لم يرد في « ب » : « الحلم ».

٢٤٥

الفضائل الخلقيّة ، وهي العدالة في عرف العقلاء ، أي الملكة المقتضية لاستواء الأفعال واستقامتها.

وعرّفت شرعا في المشهور بأنّها ملكة في النفس تمنعها عن الكبائر ، والإصرار على الصغائر ومنافيات المروءة (١).

وقيل : كيفيّة راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة (٢).

والظاهر أنّ المراد من التقوى الاجتناب عن الكبائر ، والإصرار على الصغائر ، فلا فرق بين التعريفين. وإن كان المراد منه ما هو فوق ذلك ، فغير مسلّم ، وليس عليه دلالة شرعيّة ، ولا عرفيّة ، ولا لغويّة.

والغرض أنّ للتقوى مراتب ، واحدة منها الاجتناب المذكور. والعدالة ليست إلاّ الهيئة النفسانيّة الملازمة له ، صرّح به الأكثر (٣) ، ودلّ عليه خبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام ، حيث قال : « ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار » (٤) ، ولا ينافيه صدره ، وهو قوله : « أن يعرفوه بالستر والعفاف ، والكفّ عن الفرج ، والبطن واليد ، واللسان » ؛ لثبوت التلازم بين الاجتناب المذكور والعفاف ، والكفّ.

وقيل : محافظة دينيّة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، ليس معها بدعة. وتتحقّق باجتناب الكبائر ، وترك الإصرار على الصغائر ، وبعض الصغائر (٥) ، وبعض المباح (٦).

وقوله : « دينيّة » لإخراج الكافر.

وقوله : « ليس معها بدعة » لإخراج المبتدع.

والحقّ عدم الاحتياج إليهما ؛ لخروجهما من (٧) « ملازمة التقوى ».

__________________

(١) كما في معالم الدين : ٢٠١.

(٢) قاله الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٣٩٨ ، والعلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٢٠ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢.

(٣) منهم الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٣٩٨.

(٤) تهذيب الأحكام ٦ : ٢٤١ ، ح ٥٩٦.

(٥) لم يرد في « ب » : « وبعض الصغائر ». ولكنّه موجود في المصدر.

(٦) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٧ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٦٧.

(٧) أي من جهة ملازمة التقوى ، أو يكون « من » بمعنى الباء.

٢٤٦

ويعلم من هذا أنّ ذكر العدالة يغني عن ذكر الإسلام والإيمان ، إلاّ أنّه لمّا كان لكلّ واحد منها دلائل خاصّة وفوائد مختصّة ، ذكر بعنوان على حدة. فالصحيح من الحدود ما ذكر أوّلا وثانيا بالعناية (١) المذكورة.

ثمّ لا يخفى أنّ معرفة (٢) نفس الملكة غير ممكنة لأحد غير صاحبها ؛ لكونها نفسيّة خفيّة ، فمعرفتها لا تتحقّق إلاّ بمعرفة ما يدلّ عليها ، وهو الاجتناب المذكور. ومعرفته إنّما تتحقّق بالمعاشرة الباطنيّة ، أو التواتر ، أو شهادة عدلين. والاكتفاء في معرفتها بظاهر الإسلام ـ كما قيل (٣) ـ ضعيف ؛ لأمر الشارع (٤) بمعرفة العدالة ، كما دلّ عليه الخبر المذكور (٥) ؛ ولأنّ المقصود من اعتبارها معرفتها ، وإلاّ لم تكن له فائدة. وظاهر الإسلام ليس نفس العدالة ، ولا لازما (٦) لها حتّى يكتفى بمعرفته عن معرفتها ، ومع التغاير لا يدلّ عليها.

والاكتفاء بحسن الظاهر ـ أي كون الظاهر مأمونا بستر العيوب ، كما قال به جماعة (٧) ، ودلّ عليه بعض الأخبار (٨) ـ إن أمكن إرجاعه إلى ما اخترناه (٩) ، فلا كلام ، وإلاّ فالقول به مشكل ؛ لما ذكرناه (١٠).

__________________

(١) قيد لقوله : « ثانيا » والمراد من العناية المذكورة هو تفسير التقوى الواقع في التعريف الثاني بالاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر ، كما قال في هامش « أ » : « أي كون المراد من التقوى الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر ».

(٢) والمراد معرفة تحقّق الملكة ووجودها ، لا معرفة مفهومها.

(٣) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ٣١٢ ، المسألة ١٠. ونسبه العاملي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٦٠ إلى ظاهر مسالك الأفهام أو صريحها.

(٤) في « ب » : « الشرع ».

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٦.

(٦) في هامش « أ » بدل « لازما » : « مستلزما. ل ظ » وهو الصحيح.

(٧) منهم : السبزواري في كفاية الأحكام ١ : ١٤٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٢٣ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٦٦ ، ونسبه أيضا إلى صاحب مصابيح الظلام في حاشيته على المعالم.

(٨) منها ما في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٤١ ، ح ٥٩٦ ، الفقيه ٣ : ٢٤ ، ح ٦٥. ومنها مرسلة يونس في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٨٣ ، ح ٧٨١.

(٩) في هامش « أ » : « أي كون المراد منه المعاشرة وأخويها المذكورة ».

(١٠) في هامش « أ » : « من كونه ليس نفس العدالة ولا مستلزما لها ».

٢٤٧

ثمّ إنّه قد اضطرب عبارات القوم في تعريف الكبيرة. والصحيح أنّها ما توعّد عليه الشرع بخصوصه ، وقد دلّ عليه الخبر المذكور (١). ولها تعريفات أخر أيضا صحيحة (٢) ، إلاّ أنّها ترجع إلى ما ذكر.

وهي (٣) كثيرة كلّها يتعلّق بالضروريّات الخمس ، أعني : مصلحة الأديان ، والنفوس ، والعقول ، والأنساب ، والأموال.

والإصرار على الصغائر إمّا فعليّ ، وهو المواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر. وإمّا حكميّ ، وهو العزم على فعله ثانيا وإن لم يفعل. ومعرفة الإصرار موكولة إلى العرف.

ثمّ صاحب المروءة هو الذي يسير سيرة أمثاله في زمانه ومكانه.

وقيل : الذي يتحرّز عمّا يسخر عنه (٤).

وقيل : الذي يصون نفسه عن الأدناس ، ولا يشينها عند الناس (٥).

ووجه اعتبارها ظاهر ؛ لأنّ تركها إمّا لأجل خبل ونقصان ، أو لقلّة مبالاة وحياء ، وعلى التقديرين يرفع عنه الاعتماد والثقة.

وإذا علم العدالة بإحدى الطرق ، تستمرّ إلى أن يعلم المزيل. ولا شبهة في زوالها بمجرّد ارتكاب إحدى الكبائر ، أو الإصرار على الصغائر ، أو ترك المروءة ، وتعود بالتوبة ، وتثبت (٦) بإحدى الطرق (٧).

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٤٦.

(٢) قيل : هي كلّ ذنب توعّد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز. وقيل : هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّا ، أو صرّح فيه بالوعيد. وقيل : هي كلّ معصية تؤذن بتهاون فاعلها بالدين. وقيل : كلّ ذنب علم حرمته بدليل قاطع. وقيل : كلّ ما عليه توعّدا شديدا في الكتاب أو السنّة. راجع : الأربعون للبهائي : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الحديث الثلاثون ، وذخيرة المعاد : ٣٠٤ ، ومجمع البحرين ٣ : ٤٦٦ و ٤٦٧.

(٣) ضمير « هي » راجع إلى الكبائر لا تعريفات. عن ابن عبّاس : هي إلى السبعمائة أقرب إلى السبعة : تفسير الطبري ٥ : ٢٧. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الكبائر أحد عشر ... » مجمع البحرين ٣ : ٤٦٧. وحكي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٨٥ عن الشهيد الثاني : « وفي الروض والروضة أنّها إلى السبعمائة أقرب ». ولم نعثر عليه في روض الجنان ولكن موجود في الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٣ : ١٢٩.

(٤ و ٥) حكاهما الشهيد الثاني في مسالك الأفهام ١٤ : ١٦٩.

(٦) أي التوبة.

(٧) في هامش « أ » : « أعني المعاشرة ، أو التواتر ، أو شهادة عدلين ».

٢٤٨

ثمّ اشتراطها في قبول الرواية هو المشهور بين الأصحاب (١). ويدلّ عليه آية التثبّت (٢).

واكتفى الشيخ بكون الراوي ثقة متحرّزا عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه ، وادّعى عمل الطائفة بأخبار جماعة هذه صفتهم (٣).

وهو حقّ ؛ نظرا إلى حصول التبيّن وظهور الصدق كما تقدّم (٤) ، إلاّ أنّ ثبوت الصدق مع ظهور الفسق بعيد ؛ لأنّ المجاهر بالفسوق لا يوثق بما يظهر (٥) من تحرّجه عن الكذب. فإن فرض الثبوت ، يكون قول الشيخ صحيحا ، ويكون تخصيصا لعموم اشتراط العدالة لا نفيا له. فالنافي له من ذهب إلى قبول خبر مجهول الحال (٦) ، كما هو ظاهر جماعة من أصحابنا (٧) وطائفة من العامّة (٨). وفساده ظاهر ؛ لأنّ القبول مشروط بمعرفة العدالة (٩) وهو ينافيه ؛ ولأنّ الفسق مانع ، فيلزم العلم بعدمه ، كالكفر والصبا.

وليس الأصل العدالة ، بل الفسق ؛ لكونها طارئة ، وكونه أكثر ؛ ولأنّ العمل بالظنّ ممنوع ؛ للظواهر ، خرج ما خرج وبقي (١٠) الباقي ، على أنّه لا يفيد الظنّ ؛ لاستواء صدقه وكذبه ما لم يعلم عدالته.

وبهذا يظهر ضعف الاحتجاج (١١) بقوله عليه‌السلام : « نحن نحكم بالظاهر » (١٢) ، وهذا ظاهر ؛ إذ يوجب ظنّا.

__________________

(١) كما في معالم الدين : ٢٠١.

(٢) هي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٣) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٣٤.

(٤) في ص ٢٤٥ وفي هامش « أ » : « من أنّ التثبّت تحقيق من حال المخبر ».

(٥) في « ب » : « ظهر ».

(٦) أي من حيث التحرّز عن الكذب أيضا ؛ فإنّه إن احرز التحرّز عنه مع الفسق ، فهو قول الشيخ فضلا مع الجهل بالفسق.

(٧) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٨ ، ومعالم الدين : ٢٠٠.

(٨) نقله ابن الحاجب عن أبي حنيفة في منتهى الوصول : ٧٨ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٢٠٠.

(٩) هذا يشبه بالمصادرة.

(١٠) في « أ » : « يبقى ».

(١١) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨.

(١٢) نقله الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٤٠٧ ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨ ، والعلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الاصول ٣ : ٤٢٦ ، قال الشوكاني في إرشاد الفحول ١ : ١٤٨ و ١٤٩ : « أمّا الاستدلال من قال بالقبول بما يروونه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن نحكم بالظاهر » ... لا أصل له ». وذكره في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٨٦.

٢٤٩

احتجّ الخصم (١) : بآية التثبّت (٢) ؛ حيث جعل وجوبه مشروطا بالفسق ، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط (٣).

وجوابه : منع انتفاء الشرط ، بل انتفى العلم به. وانتفاء العلم بالشيء لا يستلزم انتفاءه في الواقع ، وهو الشرط.

فإن قيل : الظاهر أنّ الشرط هو معلوميّة الفسق وظهوره ، ومجهول الحال ليس فسقه معلوما.

قلت : الحقّ أنّ المراد بالفاسق هو الفاسق (٤) بحسب الواقع ونفس الأمر ، لا من سبق علم المخاطب بفسقه ؛ فإنّ الشروط والصفات التي تعتبر في مواضع الحاجة هي الواقعيّة والنفس الأمريّة ، لا المعلومة عند المخاطب. مثلا إذا قال أحد : « فلان عالم فاضل » ، يكون مراده أنّه كذلك في الواقع لا بحسب اعتقاد المخاطب. وإذا قال : « أكرم كلّ عالم » يكون أمرا بالمخاطب (٥) بإكرام من كان كذلك في الواقع ، لا من تعلّق علمه السابق بأنّه كذلك ، فيجب على المخاطب الفحص في مجهول الحال حتّى يظهر حاله. ولا يقدح عدم تطابق ما علم بالفحص مع الواقع في بعض الأحيان ؛ لأنّ المراد بواقعيّة كلّ شيء ما اقتضاه الدليل الذي بإزائه.

وأيضا لو لم يكن كذلك ، لما صحّ أن يطلب المخاطب الدليل على شيء ممّا يخبره المتكلّم ؛ لأنّ ما يخبره على وفق اعتقاده ، ولا يجوز لأحد طلب الدليل (٦) على شيء يلقى إليه على أنّه معتقده. فالشرط في الآية هو الفسق الواقعي ، وانتفاء العدالة الواقعيّة ، ولا يتحقّق واسطة بينهما ؛ فإنّ كلّ فرد من الإنسان في الواقع إمّا عادل أو فاسق ، وتوسّط مجهول الحال بين من يعلم فسقه و [ من يعلم ](٧) عدالته.

__________________

(١) في هامش « أ » : « الذاهب إلى قبول خبر المجهول ».

(٢) هي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.

(٣) ذكره ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨.

(٤) لم يرد في « ب » : « هو الفاسق ».

(٥) كذا في النسختين. والأولى : أمرا للمخاطب.

(٦) هذا بالنسبة إلى وجود الاعتقاد كذلك. وأمّا طلب الدليل على حدوث الاعتقاد ، فهو جائز.

(٧) أضيف بمقتضى السياق. والمراد بين من يعلم فسقه ومن يعلم عدالته ، لا بين العادل والفاسق.

٢٥٠

فعلى هذا يلزم الفحص في مجهول الحال حتّى يظهر فسقه ، أو عدالته (١).

هذا ، مع أنّ التعليل في الآية يدلّ على ما ذكر (٢) ؛ لأنّ الوقوع في الندم بظهور كذب المخبر إنّما يحصل من قبول خبر من لا يبالي بالكذب (٣) ، ويكون له هذه الصفة في الواقع ، ولا مدخليّة لسبق العلم في ذلك.

لا يقال : ما ذكرت من عدم الواسطة إنّما هو فيمن بعد عهده عن ابتداء زمان التكليف ، وأمّا قريب العهد به فيمكن أن لا يكون في الواقع فاسقا ؛ لعدم صدور معصية عنه ، ولا عادلا ؛ لعدم حصول الملكة له بعد ، فلا يجب التثبّت عند خبره ، فلا تدلّ الآية بالإطلاق على اشتراط العدالة.

لأنّا نمنع وجود مثله في الواقع ، ومع التسليم لا يمكن العلم به ؛ لأنّه موقوف على العلم بانتفاء جميع المعاصي ، ومنها الصفات الباطنة (٤) ، والعلم بانتفائها لا يمكن إلاّ من علامات الملكة ، والفرض أنّها لم توجد ، على أنّ التعليل المذكور (٥) يدلّ على عدم قبول خبر مثله ، كما لا يخفى.

وقبول شهادة الأعرابي ـ لمّا أسلم وشهد بالهلال (٦) من دون فصل مع عدم الملكة له ـ لم يثبت عندنا ، وإن صحّ ، كان خاصّا بموضعه ؛ لدليل من خارج.

واحتجّ الخصم أيضا : بقبول شهادة المجهول في تذكية الحيوان ، وطهارة المحلّ والماء وإباحة المال ، ورقّ جاريته وأمثالها (٧).

وجوابه : أنّ هذا لموافقتها (٨) للأصل. فلو قطع النظر عنها (٩) لكان الحكم فيها أيضا التذكية ، والطهارة ، والإباحة بالشروط التي اعتبرها الفقهاء. ولذا لا يسمع شهادته في نجاسة الماء ،

__________________

(١) لم يرد في « ب » : « أو عدالته ».

(٢) وهو إمّا اعتبار العدالة أو التحرّز عن الكذب.

(٣) في « ب » : « الكذب ».

(٤) في كون الصفات الباطنة متعلّقة للحكم الإلزامي تأمّل.

(٥) وهو احتمال الوقوع في الندم.

(٦ و ٧) راجع منتهى الوصول : ٧٨.

(٨ و ٩) الضميران راجعان إلى الشهادة. والمراد بالأصل بالنسبة إلى غير الطهارة هو حمل فعل المسلم وقوله على الصحّة وفيها استصحاب الطهارة أو قاعدتها.

٢٥١

وحرمة المال ، وأمثالهما. ولو سمع في بعضها ، يكون خارجا بالنصّ.

وكيفيّة التفريع : أنّه يجب ردّ خبر كلّ فاسق ومجهول ، وشهادتهما إلاّ إذا انضمّ إليهما قرائن خارجة (١) تدلّ على الصدق ، فيقبل لذلك. أو بلغ عدد المخبرين حدّا يحصل معه العلم.

ويتفرّع على أنّ الأصل الفسق : إلحاق مجهول الحال بالفسّاق في الوصايا ، والأوقاف ، والنذور ، والأيمان ،

والتعليقات ، وغيرها. فإذا قال : « لعدول المسلمين » أو « للمسلمين غير الفسّاق كذا » بعنوان الوصيّة أو غيرها ، لا يكون شيء لمن لم يظهر حاله بعد الفحص.

والقول بأنّ الأصل أنّ الصبيّ إذا بلغ ، بلغ عدلا حتّى يظهر خلافه (٢) ، واه ؛ لما عرفت (٣) من توقّف العدالة على وجود الملكة الراسخة ، وهو موقوف على مضيّ زمان حتّى يصير ملابسة التقوى والمروءة ملكة ، مع أنّ وجودها يتوقّف على امور كثيرة من فعل واجبات (٤) وترك (٥) المحرّمات. فوجود (٦) الفسق لا يتوقّف إلاّ على أمر واحد ، فعلا كان أو تركا (٧). ولا شبهة حينئذ في كونه أصلا وراجحا ؛ لكونه أسهل وجودا ، وأقرب وقوعا.

وأيضا : الفسق يتحقّق بأمر عدمي ، والعدالة تتوقّف على الوجودي ، فكما أنّ الأصل في الحادث العدم ، فكذا فيما كان ثبوته متوقّفا على العدم بالنسبة إلى ما يتوقّف ثبوته على الوجود.

وأيضا : مقتضي الفسق القوّة الشهويّة والغضبيّة ، وهما طبيعيّتان (٨) ، ومقتضي (٩) العدالة

__________________

(١) في « ب » : « خارجيّة ».

(٢) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٨.

(٣) في ص ٢٤٦.

(٤) كذا في النسختين. والأولى : « الواجبات ».

(٥) في « أ » : « بترك ».

(٦) في « ب » : « ووجود ».

(٧) أي فعل حرام واحد ، أو ترك واجب واحد.

(٨) في « ب » : « طبعيّتان ».

(٩) ظاهر العبارة هنا يدلّ على أنّ العدالة تنشأ من التزام التكاليف ، وذلك بقرينة المقابلة مع الفسق ، وقوله : « والعدالة تتوقّف على الوجودي » ، مع أنّ العدالة قد مرّ أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى.

٢٥٢

التزام التكاليف الشرعيّة ، وهي ليست بطبيعيّة ، والأصل ما يقتضيه الطبع. ولا يعارضه ما روي أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة (١) ؛ لأنّ المراد منه معرفة التوحيد.

ومنها : الضبط ، وليس المراد منه عدم السهو أصلا ؛ لأنّه لا يوجد في غير المعصوم ، بل رجحان الذكر على السهو ، ولا خلاف في اشتراطه ؛ إذ مع التساوي أو المرجوحيّة لا يحصل الظنّ بصحّة ما رواه ؛ إذ ربما يسهو فيزيد ، أو ينقص بحيث يضطرب به معنى الحديث ، أو يبدّل لفظا بآخر إلى غير ذلك ممّا يختلف به الحكم.

ويعرف ضبطه بأن يذكر أشياء كثيرة مرّة بعد اخرى من غير تغيّر يختلف به المعنى ، وأن يعتبر رواياته بروايات الثقات المشهورين بالضبط والإتقان ، فإن وافقهم (٢) غالبا ولو في المعنى ، عرف أنّه ضابط ، وإلاّ علم اختلاله.

والحكم بصحّة الحديث بمجرّد توثيق علماء الرجال رواية (٣) من غير نصّ على ضبطهم لاندراجه (٤) في لفظ « ثقة » فإنّهم يريدون به العدل الضابط ؛ لأنّه من الوثوق ولا وثوق بمن لا ضبط له. وهذا هو السرّ في اختيار هذا اللفظ من سائر ألفاظ التعديل.

ولقائل أن يمنع ذلك ؛ فإنّ التصفّح يعطي عدم ضبط طائفة صرّحوا بتوثيقهم ؛ فإنّهم ذكروا أنّ حبيب بن معلّى الخثعمي ثقة ثقة (٥) ، مع أنّه روي في الفقيه أنّه سأل حبيب بن المعلّى أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « إنّي رجل كثير السهو ، فما أحفظ عليّ صلاتي » (٦). انتهى. والظاهر أنّه الخثعمي لا السجستاني ؛ لعدم رواية الصدوق عنه كما يظهر عن مشيخته ، فعلى هذا لا منافاة بين الاعتماد بقول رجل يكون سهوه أكثر من ذكره ، أو مساويا له. والسرّ فيه : أنّ من هذا شأنه يكون كثير المراجعة والمذاكرة ، وشأنه الإثبات في أصل جامع عند السماع ، فلا يفوت منه شيء.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢ ، باب فطرة الخلق على التوحيد ، ح ٤.

(٢) كذا في النسختين. والأولى : « فإن وافقتها » ـ بقرينة « ولو في المعنى » ـ كما في قوانين الاصول ١ : ٤٦٣.

(٣) كذا في النسختين. والصحيح : « رواته » بقرينة « ضبطهم ».

(٤) متعلّق بمقدّر خبر لقوله : « الحكم ».

(٥) رجال النجاشي : ١٤١ ، الرقم ٣٦٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٥ ، ح ٧٨١. ليس فيه : « عليّ ».

٢٥٣

ولا يخفى أنّ هذا الكلام لا يخلو عن قوّة ، إلاّ أنّه لا ينفي اشتراط الضبط ، بل المراد منه أنّ معنى الضبط أعمّ ممّا ذكر (١).

وربّما قيل (٢) : إنّ المراد من كثرة السهو في الصلاة لا ينافي كثرة الذكر في الرواية ، فتأمّل.

ثمّ الحرّيّة ، والذكورة ، والعدد ، والبصر ، والإكثار من رواية الحديث ، والعلم بالفقه ، أو العربية ، أو معنى الحديث ، وكون الراوي معروف النسب ، وعدم القرابة والعداوة ليست من الشروط. فيقبل رواية العبد ، والانثى ، ورجل واحد ، والأعمى ، ومن روى حديثا واحدا فقط ، وغير العالم ، ومجهول النسب ، ويقبل من الوالد ما للولد ، ومن العدوّ ما على العدوّ. كلّ ذلك للأصل ، وعمل الصحابة ومن بعدهم.

وربما دلّ على بعضها نصّ بخصوصه ، كما دلّ على قبول رواية غير العالم قوله عليه‌السلام : « نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، فأدّاها كما سمعها ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه » (٣).

وبعضهم اشترط [معرفة] العربيّة (٤) ؛ نظرا إلى أنّ غير العالم بها يلحن ويصحّف كثيرا ، فيدخل في جملة قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كذب [عليّ] معتمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» (٥) فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلحن قطّ ، وكذا الأئمّة عليهم‌السلام وقد قالوا : «أعربوا كلامنا؛ فنحن قوم فصحاء» (٦).

وقد اعتبر بعض الشروط المذكورة في الشهادة (٧) مختلفة في الخلاف ، والوفاق ،

__________________

(١) ما ذكر هو رجحان الذكر وعلى هذا يشمل معنى الضبط كثرة المراجعة والمذاكرة أيضاً وإن كان مرجوح الذكر.

(٢) ذكره القمّي في قوانين الاصول ١ : ٤٦٣ وفيه : « يمكن أن يقال في وجهه : إنّ كثرة السهو في الصلاة لا تنافي الضبط في الرواية ».

(٣) الكافي ١ : ٤٠٣ ، باب ما أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصيحة لأئمّة المسلمين ... ح ١ ، وكنز العمّال ١٠ : ٢٢٨ و ٢٥٨ ، ح ٢٩٢٠٠ و ٢٩٣٧٥.

(٤) منهم أحمد البصري في فائق المقال : ٣٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣ ، والكافي ١ : ٦٢ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١.

(٦) الكافي ١ : ٥٢ ، باب رواية الكتب والحديث ، ح ١٣.

(٧) مثل العدد ، والذكورة ، والحرّيّة ، وعدم القرابة ، وعدم العداوة في الجملة.

وممّا دلّ على اعتبار العدد في الجملة ما في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٦٩ ، ح ٧٢٤.

وممّا دلّ على اعتبار الذكورة في الجملة ما هو مذكور في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٦٩ ، ح ٧٢٤.

وممّا دلّ على اعتبار الحرّيّة في الجملة ما في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٤٩ ، ح ٦٣٧ و ٦٣٨ ، والاستبصار ٣ : ١٦ ، ح ٤٥ و ٤٦.

وممّا دلّ على اعتبار عدم القرابة في الجملة ما دلّ على عدم قبول شهادة الولد على الوالد. الفقيه : ٣ : ٤٢ ، ح ٣٢٨٦.

وممّا دلّ على اعتبار عدم العداوة ما في الفقيه ٣ : ٤٠ ، ح ٣٢٨١.

٢٥٤

والتقييد ، والإطلاق ، كما ذكرت في كتب الفروع (١) ، والفارق النصّ.

تنبيه

بحث الاصولي في الخبر إمّا في متنه ، أو في سنده.

والمتن : ألفاظه التي يتقوّم بها المعاني. وبهذا الاعتبار ينقسم إلى نصّ ، وظاهر ، ومجمل وغيرها ، كما تعلم (٢).

والسند : طريق المتن ، أي مجموع الرجال الذين رووه واحدا بعد واحد حتّى يصل إلى صاحبه ، وسمّي طريقه سندا ؛ لاعتماد العلماء عليه في معرفة صحّته وضعفه. مأخوذ من قولهم : « فلان سند » ، أي معتمد عليه.

والإسناد : هو ذكر طريقه حتّى يصل إلى صاحبه ، وكثيرا ما يطلق الإسناد على السند ، والسرّ أنّ الطريق باعتبار كونه معتمدا للعلماء يسمّى سندا ، وباعتبار تضمّنه رفع الخبر إلى قائله يسمّى إسنادا.

ويختلف اسم الخبر باعتبار سنده في القوّة والضعف ، والاتّصال والقطع ، ونحوها كما يأتي (٣). ويترتّب عليها جواز العمل وعدمه ، والتراجيح المقرّرة.

فصل [١٢]

الخبر إن كان رواته إماميّين ممدوحين بالتوثيق فصحيح. وبدونه كلاّ أو بعضا مع توثيق الباقي فحسن. وإن لم يكونوا إماميّين كلاّ أو بعضا مع توثيق الكلّ فموثّق. وما سوى الثلاثة ، فضعيف.

فيشمل (٤) ما في طريقه غير إماميّ مجروح بالكذب أو فسق آخر ، أو ممدوح بغير التوثيق ، أو مسكوت عنه ؛ وإماميّ مجروح بالكذب أو فسق آخر ، أو مسكوت عنه ؛

__________________

(١) راجع الدروس الشرعيّة ٢ : ١٢٣ ـ ١٣٢.

(٢) تأتي في ج ٢ ، المبحث الثالث ، الباب الرابع إلى الباب السادس.

(٣) يأتي في الفصل ١٢.

(٤) الضمير المستتر راجع إلى الضعيف.

٢٥٥

والمسكوت عنه مذهبا مع كونه مذموما بالكذب أو فسق آخر ، أو ممدوحا بغير التوثيق ؛ و (١) المسكوت عنه مطلقا.

وربّما خصّ الأخير باسم المجهول. والأمر فيه هيّن ؛ لكونه قسما من الضعيف ، مخصوصا بهذا الاسم لمناسبة له ، بل لا نمنع إطلاق المجهول على بعض آخر من أقسام الضعيف ، وهو ما في طريقه المجهول من جهة واحدة.

وقد يسمّى الموثّق ، ومرويّ الإماميّ غير الممدوح ولا المذموم ـ كنوح بن درّاج ، وأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، وأمثالهما ـ قويّا.

وقد يطلق الصحيح على جملة من الأسناد جامعة للشرائط وإن اعتراه بعد ذلك إرسال أو قطع ، فيضاف إلى راو معيّن جمع السند إليه الشرائط ، سواء كان هو بصفة رجال الصحيح ـ وهو الأكثر ـ كما يقال : صحيحة ابن أبي عمير عن رجل ، أم لا ، كما يقال : صحيحة أبان بن عثمان.

ومن هذا القبيل ما في كتب الرجال أنّ طريق الفقيه إلى خالد بن نجيح ، ومعاوية بن ميسرة ، وعائذ الأحمسي وغيرهم ممّن لم يوثّق ، صحيح.

وقد لا يضاف ، بل هكذا يقال : روى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن رجل. والمقصود أنّ لفظ « الصحيح » كما يطلق على جميع السند الجامع للشرائط ـ كما يقال : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، وروى زرارة في الصحيح عنه (٢) ـ يطلق على بعض منه يكون جامعا لشرائط الصحّة وإن حدث بعده ما ينافيها ، كما ذكر (٣). وهذا الحكم آت في كلّ من الموثّق والحسن.

واعلم أنّ لكلّ واحد من الأنواع الأربعة درجات مختلفة :

فالصحيح الذي رواه الفقيه الورع الضابط ـ كابن أبي عمير وزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهم ـ أصحّ ممّا رواه غيرهم.

__________________

(١) في « ب » : « أو ».

(٢) في « ب » : « عنه عليه‌السلام ثمّ ».

(٣) تقدّم آنفا : « وإن اعتراه بعد ذلك إرسال ».

٢٥٦

والحسن الذي رواه الممدوح كثيرا ـ كإبراهيم بن هاشم ـ أحسن من غيره.

والموثّق الذي رواه من له توثيق متين (١) ـ كعليّ بن فضّال وأبان بن عثمان ـ أقوى من غيره.

والضعيف إذا كان جميع رواته فاسدي المذهب ، مجروحين بالكذب أيضا ، أضعف ممّا بعض رواته كذلك ، وهو أضعف ممّا كان بعض رواته فاسد العقيدة وإن لم يكن مجروحا بالكذب ، وهو أضعف ممّا كان بعض من في طريقه مجهولا مطلقا. وقس عليها أمثالها.

ويظهر الفائدة في مقام التعارض والترجيح.

تتمّة

لا كلام في حجّيّة الخبر الصحيح وكونه مؤسّسا للحكم الشرعي بالشروط المتقدّمة (٢) ، وقد ظهر حجّيّة الموثّق أيضا.

وأمّا الحسن ، فالتحقيق فيه أنّ سبب الحسن إن كان ممّا يظهر منه التثبّت وحصول الظنّ المعتبر بالعدالة أو الوثاقة ، فمقبول ، وإلاّ فلا. مثلا : إذا كان أسباب الحسن قولهم : « صدوق » أو « حجّة » أو « حديثه ممّا يحتجّ به » أو « صالح الحديث » أو « المسكون إلى روايته » يفيد التثبّت وظنّ الوثاقة. وكذا « مشكور » و « خيّر » أو (٣) « ديّن » أو (٤) « متقن » أو « ثبت » أو « ضابط » أو « حافظ » أو « صالح » أو (٥) « زاهد » ظاهرا. وللمنع فيها مجال خصوصا في الأخيرين.

وأمّا « شيخ » أو « عالم » أو « فاضل » أو « جليل » ، فلا يفيد المطلوب ، وإن أمكن القول به (٦) في الأخيرين.

قيل : وفي الأوّل أيضا إن اريد به المتقدّم في رئاسة الحديث (٧).

وفيه تأمّل.

__________________

(١) في « ب » : « مبين ».

(٢) تقدّم آنفا.

(٣ ـ ٥) في « ب » : « و ».

(٦) أي إفادة المطلوب. والأولى : « بها ».

(٧) ذكر أحمد البصري في فائق المقال : ٣٤ لفظ « شيخ » في ذيل عنوان « ألفاظ التعديل » ثمّ قال : « فيفيد المدح المطلق ».

٢٥٧

وقولهم : « عين » و « وجه » ، قيل : يفيد الوثاقة في عرفهم (١). وأقوى منهما قولهم : « وجه من وجوه أصحابنا ».

وأمّا « شيخ الإجازة » فالمشهور عدم إفادته الوثاقة. وقال بعضهم : إنّ مشايخ الإجازة ـ لظهور وثاقتهم ـ لا يحتاجون إلى النصّ على توثيقهم (٢).

وهو محلّ نظر.

وقولهم : « لا بأس به » إن أريد به نفي البأس عن جميع الوجوه ـ كما هو الظاهر ـ أو عن رواياته ، فيفيد المطلوب ؛ ولذا نقل عن بعض المحدّثين أنّه قال : إذا قلت : « ليس به بأس » فهو ثقة (٣). وإن اريد نفي البأس عن مذهبه ، فلا. وربما قيل : نفي البأس يوهم البأس (٤).

وقولهم : « اسند عنه » ـ أي سمع منه الحديث على وجه الاستناد ـ مدح لا يفيد الوثاقة.

وكذا قولهم : « خاصّيّ » و « قريب الأمر ». وربما يفيد الثاني عدم دخوله في المذهب بعد. وكذا قولهم : « يكتب حديثه » و « ينظر فيه » أي لا يطرح حتّى ينظر فيه ليعرف حاله.

وقولهم : « سليم الجنبة » إن اريد به سليم الأحاديث ، فيفيد المطلوب. وإن اريد به سليم الطريقة ، فلا.

وقولهم : « مضطلع بالرواية » ـ أي قويّ عليها ـ ربما أفاد وثاقة ما. وأقوى منه قولهم : « بصير بالرواية ». وكذا قولهم : « فقيه من فقهائنا ». وقول النجاشي في ترجمة إسماعيل بن عبد الخالق (٥) ربما دلّ على ذلك.

ولا يخفى أنّ هذا اللفظ لغة لا يفيد المطلوب ، إلاّ أن يقال بإفادته في عرفهم. وأدون منه قولهم : « فقيه ».

__________________

(١) نسبه البهبهاني إلى مصنّف الرجال الكبير والوسيط في ترجمة الحسن بن زياد وجدّه المجلسي الأوّل في فوائده ( ضمن رجال الخاقاني ) : ٦٤ ، آخر الفائدة ٤. واستظهره من المحقّق الداماد في الحسين بن أبي العلاء واختاره أخيرا أيضا.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في شرح البداية : ١٢٢ ، والشيخ سليمان البحراني في معراج أهل الكمال : ٨٨ ، والوحيد البهبهاني في فوائده ( ضمن رجال الخاقاني ) : ٤٤ و ٤٥ ، الفائدة ٣.

(٣) نقله الشهيد الثاني في هامش شرح البداية : ١٢٢ عن ابن معين.

(٤) نسبه الشهيد الثاني إلى المشهور في شرح البداية : ١٢٢.

(٥) رجال النجاشي : ٢٧ ، الرقم ٥٠.

٢٥٨

وقولهم : « أوجه من فلان » أو « أصدق منه » يفيد الوثاقة إذا كان المفضّل عليه وجيها ، أو صادقا. وأقوى منهما : « أوثق منه ».

وقولهم : « معتمد الكتاب » أو « الأصل » يفيد الوثاقة ظاهرا.

وأمّا قولهم : « له كتاب » أو « أصل » لا يفيد سوى المدح. والفرق بين الكتاب والأصل :

أنّ الثاني مجمع عبارات الحجج عليهم‌السلام فقط من غير استنباط واستدلال من صاحبه ، والأوّل جامع للأمرين ، فالمدح بأنّ له كتابا أزيد منه بأنّ له أصلا ؛ لاستلزامه علوّ رتبته في الفهم.

وهنا امور أخر جعلها بعض الأصحاب أسباب الوثاقة (١) :

منها : كون الراوي وكيلا لواحد من الأئمّة عليهم‌السلام ؛ لما قيل إنّهم لا يجعلون الفاسق وكيلا (٢).

ومنها : كونه كثير الرواية ؛ للخبر المشهور (٣).

ومنها : كونه ممّن ترك مشاهير (٤) القدماء رواية ثقة محتجّين بروايته و (٥) مرجّحين لها عليها ، أو أكثروا الرواية عنه وأفتوا بمضمونها.

ومنها : روايته عن المعتبر ، ورواية المعتبر عنه ، سيّما إذا كان ممّن يطعن في رواية الضعفاء والمجاهيل ، كأحمد بن محمّد بن عيسى ، أو كان ممّن ذكر الشيخ أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، كابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، أو كان ممّن ذكر في ترجمته أنّه لا يروي إلاّ عن الثقات ، أو قلّ ما يروي عن الضعفاء ، كجعفر بن بشير ، وعليّ بن الحسن بن فضّال ، ومحمّد بن إسماعيل بن ميمون ، ونظرائهم.

ومنها : اعتماد القمّيين عليه ؛ فإنّهم يخرجون من قم من يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل.

ومنها : رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه ، ولم يكن ممّا استثناه القمّيون ، وروايته عن

__________________

(١) راجع فائق المقال : ٣٤.

(٢) قاله السيّد الأعرجي في عدّة الرجال ١ : ١٣٤.

(٣) وهو قوله عليه‌السلام : « اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنّا ». أو قوله عليه‌السلام : « اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ». أو قوله عليه‌السلام : « اعرفوا منازل الناس منّا على قدر رواياتهم عنّا » ، اختيار معرفة الرجال : ٣ ، ح ١ ـ ٣.

(٤) في « ب » : « مشاهر ».

(٥) في « ب » : « أو ».

٢٥٩

يونس بن عبد الرحمن ، وكان غير العبيدي ؛ فإنّ تنصيصهم على اختلال فيما يرويه عنه يشعر باعتمادهم على رواية غيره عنه ، كإسماعيل بن مرّار ، وصالح بن السندي.

والضابط أنّ الحكم باختلال (١) في بعض من يروي عنه معيّن ، والسكوت عمّن سواه ، أو في بعض من يروي عن معيّن (٢) ، والسكوت عمّن عداه يشعر بوثاقة من سكت عنه.

وفيه نظر ظاهر.

ومنها : أن يروي عنه ثقة مترحّما ، أو مترضّيا عليه.

ومنها : كونه في طريق خبر حكم بعض المشايخ بصحّته ، ولذا وثّق بعضهم ابن الغضائري (٣) ؛ نظرا إلى أنّ العلاّمة رحمه‌الله صحّح خبرا هو في طريقه (٤).

ومنها : أن يجعله المشايخ معرّفا للثقة.

ومنها : أن يكون أكثر رواياته سديدة.

ومنها : اعتماد بعض المشايخ عليه ، كعليّ بن محمّد بن قتيبة ، فإنّ الكشّي اعتمد عليه (٥).

ومنها : وقوعه في طريق خبر وقع الطعن على سنده من غير جهته.

ولا يخفى أنّ بعض هذه الوجوه ربما أفاد وثاقة ما ، وبعضها يفيد مدحا فقط ، وربما أفاد بعضها قوّة. ولا يخفى كيفيّة الحال على الماهر.

وإذا عرفت أنّ أسباب الحسن مختلفة في إفادة الوثاقة وعدمها ، فالحكم بحجّيّة الحسن مطلقا ـ كما ذهب إليه جماعة (٦) ـ أو بعدم حجّيّته كذلك ـ كما ذهب إليه آخرون (٧) ـ لا وجه له.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ السبب إذا كان مدحا لم يفد الوثاقة ، لا يثبت منه العدالة ولا التثبّت الظنّي ، فلا وجه لكونه مقبولا.

__________________

(١) في هامش « أ » : « هو اختلال من واحد من الاصول ».

(٢) في هامش « أ » : « هو اختلال من واحد من الفروع ».

(٣) نسبه الكلباسي إلى البهائي في الرسائل الرجاليّة ٢ : ٤١٦.

(٤) لم نعثر على كلامه.

(٥) ولذا نقل عنه في اختيار معرفة الرجال كثيرا يبلغ عدد المواضع ثمانية وأربعين موضعا.

(٦) منهم : النواوي في التقريب ، المطبوع ضمن شرحه : بشرح تدريب الراوي ١ : ١٦٠ ، ونسبه الشهيد الثاني إلى الشيخ في شرح البداية : ٧٣.

(٧) نسبه الصدر إلى العاملي صاحب المدارك في نهاية الدراية : ٢٨٥.

٢٦٠