أنيس المجتهدين - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

أنيس المجتهدين - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مؤسسة بوستان كتاب
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-09-0281-3
ISBN الدورة:
978-964-09-0284-4

الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

فإن قيل : الأصل الثابت عند الشيعة عدم العمل بالظنّ إلاّ بدليل ، كالعمل بأخبار (١) الآحاد ، والعمل بظواهر الكتاب من باب الظنون.

قلنا : هذا الظنّ أيضا خارج بالأدلّة المتقدّمة ؛ فإنّها تفيد القطع بجواز العمل.

ولا يخفى أنّ الكتاب والسنّة مشتركان في اشتمالهما على المحكم والمتشابه ، والنصّ والمجمل وغيرها ، فما يرد على العمل بأحدهما يرد على العمل بالآخر.

والأخباريّون فرّقوا بينهما بمجرّد الأخبار المذكورة (٢). وقد عرفت جوابها (٣).

فإن قيل : نحن نسلّم أنّ المحكم والظاهر يجوز العمل بهما ولكنّ تمييزهما عن المتشابه غير ممكن لنا ، فكلّ القرآن متشابه بالنسبة إلينا.

قلت : هذا مكابرة صريحة ، وتمييز كلّ واحد من المحكم والنصّ والظاهر والمتشابه عن الآخر واضح لمن له أدنى فطانة في علم القرآن.

ثمّ كيفيّة التفريع على هذا الاختلاف ظاهرة ؛ فإنّه يلزم على مذهب الأخباريّين عدم جواز الاستدلال بالآيات التي لم يرد في تفسيرها نصّ ، بل لا يجوز الاستدلال بها مطلقا (٤).

وأمّا على المذهب (٥) الحقّ ، فيجوز بغير المتشابه مطلقا ، وبه بمرجّح خارجي.

__________________

(١) في « ب » : « بالأخبار ».

(٢) راجع قوانين الاصول ٢ : ٢٢٠ و ٢٢١.

(٣) في ص ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٤) هذا ناظر إلى طائفة قائلة بتشابه كلّ القرآن من الأخباريّين.

(٥) في « ب » : « مذهب ».

٢٠١

الباب الثاني

في السنّة

وهي لغة : السيرة والطبيعة (١). وقد عرفت (٢) إطلاقها عرفا على المستحبّ. والتي من الأدلّة هي ما ظهر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير قرآن من قول ، أو فعل ، أو تقرير غير عاديّ ، فدخل الحديث القدسي ؛ لكونه ظاهرا منه ، وخرج الثلاثة العاديّة.

والتحديد بـ « أنّها ما صدر من النبيّ » (٣) ، انتهى. يرد عليه : أنّ الحديث القدسي ما صدر عنه ، إلاّ أن يراد بالصدور الظهور.

ومن قال : « هي قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو فعله ، أو تقريره ، غير قرآن ولا عاديّ » (٤) يرد عليه : أنّ القرآن والحديث القدسيّ كلاهما يخرجان (٥) بالأوّل ؛ لعدم كونهما قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قول الله ، والنبيّ حكاه. فيكون الحدّ مشتملا على ما لا حاجة إليه ـ أعني قوله : « غير قرآن » ـ ومنتقض (٦) العكس.

وبعضهم (٧) لم يذكر القيد الأخير (٨).

والإيراد عليه ظاهر ، فصحيح الحدود ما ذكرناه.

__________________

(١) لسان العرب ١٣ : ٢٢٥ ، « س ن ن ».

(٢) تقدّم في ص ٩٦ ـ ٩٧.

(٣) راجع : منتهى الوصول : ٤٧ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١١٣ ، وزبدة الاصول : ٨٧ ، الهامش ١.

(٤) اختاره أوّلا البهائي في زبدة الاصول : ٨٧.

(٥) كذا في النسختين. والأولى : « يخرج ».

(٦) عطف على قوله : « مشتملا » أي ينتقض جامعيّة التعريف ؛ لخروج الحديث القدسي عن التعريف وهو وداخل في السنّة.

(٧) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٤٧ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١١٣.

(٨) وهو قوله : « ولا عاديّ ».

٢٠٢

فصل [١]

الخبر حقيقة في القول المخصوص ، ويطلق مجازا على بعض الدلائل والإشارات ، كما يقال : « النجم الفلاني يخبر أنّ الليل قد انتصف » و « يخبرني عينه ما في قلبه ». وقد يطلق على حكم الذهن بأمر على آخر ، ويقال له : الخبر العقلي ، كما يقال للأوّل : اللفظي. وهذا الإطلاق ليس حقيقيّا (١) ؛ لأنّ الخبر حقيقة في اللفظ المركّب الخاصّ ، بل بعضهم (٢) لم يجوّزه مجازا أيضا.

ثمّ من الناس (٣) من قال : إنّ الخبر لا يحدّ ؛ لبداهته ؛ لأنّ كلّ أحد يعرف أنّ معنى قوله : « أنا موجود » نسبة الوجود إليه ، وإذا كان هذا الخبر الخاصّ بديهيّا ، فمطلق الخبر أيضا يكون كذلك ؛ لكونه جزءا له.

ولأنّ (٤) التمايز بين الخبر والإنشاء يعرفه كلّ أحد بالضرورة ، ولذا يورد كلاّ منهما في موضعه ، ولا يورد أحدهما في موضع الآخر ، وهو يتوقّف على العلم بالمتمايزين.

والجواب عن الأوّل : أنّ المسلّم أنّه علم نسبة الوجود إليه ، أي حصل في نفسه هذه النسبة مع باقي ما يتمّ به الخبر ، وهو (٥) غير تصوّر ماهيّة الخبر.

وبيان ذلك : أنّه قد يحصل (٦) بعض الأشياء بنفسه في النفس من دون تصوّر ماهيّته ؛ فإنّ أكثر النفوس لم يتصوّر ماهيّات بعض الصفات الحاصلة فيه ، كما يتّفق أنّ العالم بعلم لم يتصوّر حقيقة العلم ، والشجاع لم يتصوّر ماهيّة الشجاعة ، وصاحب المروءة لم يتصوّر ماهيّة المروءة ، وهكذا ؛ فيظهر منه أنّ حصول الشيء بنفسه ـ أي العلم الحضوريّ ـ غير

__________________

(١) في « ب » : « حقيقة ».

(٢) حكاه العلاّمة عن المعتزلة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، والكلباسي في الرسائل الرجاليّة ١ : ٤١٧.

(٣) ذهب الفخر الرازي إلى غناه عن التعريف في المحصول ٤ : ٢٢١ ، وراجع أيضا : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٥ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ و ١٤٦.

(٤) تعليل ثان للبداهة ، لا لعدم إمكان الحدّ.

(٥) أي العلم بنسبة الوجود إليه.

(٦) في « ب » : « حصل ».

٢٠٣

تصوّره ، أي العلم الحصولي ، وكلّ منهما ينفكّ عن الآخر ؛ لأنّه كما يمكن حصول الشيء بنفسه في الذهن من غير حصول صورته كما ذكر ، كذلك يمكن حصول صورته فيه من غير حصول نفسه فيه ، كما يرتسم الذهن بصورة زيد من دون حصول نفسه فيه. وكيف لا يفترقان (١) مع أنّ الأوّل جزئي ، والثاني كلّيّ؟! لأنّ (٢) نفس الشيء وعينه لا تصدق على غيره.

وأمّا صورته المطابقة له ، فتصدق على كثيرين ، فالذهن ما لم يتصوّر بصورة شيء ، لم يتصوّره بماهيّته ، ولم يحصل له حدّه وإن حصل بنفسه فيه ، وحينئذ نقول فيما نحن فيه : إنّ المسلّم [ هو ](٣) حصول ماهيّة الخبر بنفسها في الذهن ، وأمّا تصوّرها ، فلا ، وهو ظاهر.

والجواب عن الثاني : أنّ التمايز بين الشيئين لا يتوقّف على تصوّرهما بالكنه ، غاية الأمر أنّه يتوقّف على تصوّرهما بوجه ما ، وهو يحصل بعد حصولهما بنفسهما في الذهن وإن لم يتصوّرا بالماهيّة.

وإذا عرفت أنّ الخبر يمكن تحديده ، فاعلم أنّه قيل في حدّه : إنّه كلام يحتمل الصدق أو الكذب (٤). وقيل : التصديق أو التكذيب (٥).

واورد عليهما : بأنّ الصدق : الخبر المطابق ، والكذب : الخبر الذي ليس بمطابق ، والتصديق والتكذيب : الإعلام بالصدق والكذب ؛ فهما مأخوذان في التعريفين مع أنّهما من أنواع الخبر ، ولذا يؤخذ في تعريفهما ؛ فتعريفه بهما يستلزم الدور (٦).

__________________

(١) في « ب » : « لا يفرّقان ».

(٢) تعليل لجزئيّة المعلوم بالعلم الحضوري.

(٣) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٤) في « ب » : « والكذب » ، واختار السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٧٧ المشتمل على « أو » لا الواو. وعدّ الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ٦٣ المشتمل على « أو » أولى من المشتمل على الواو بدليل استحالة اجتماع الصدق والكذب في خبر واحد. واختار المشتمل على الواو القاضي أبو بكر والمعتزلة كما في منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٥.

(٥) ذكر القاضي عضد الدين المشتمل على « أو » بعنوان قيل في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ١٦١. واختار الشهيدان المشتمل على الواو. راجع : القواعد والفوائد ١ : ٢٥٣ ، القاعدة ٨٣ ، وتمهيد القواعد : ٢٤٥ ، القاعدة ٩٠.

(٦) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٦ وارتضاه ، وقال : « لا جواب عنه ». وكذا القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥.

٢٠٤

والجواب : أنّ الصدق والكذب من الأعراض الذاتيّة للخبر لا من أنواعه ؛ فإنّ الصدق هو المطابقة ، والكذب اللامطابقة ، أي مطابقة الخبر وعدم مطابقته ؛ لأنّهما لمّا كانا من الأعراض الذاتيّة له فلا يعرضان لغيره ، وتعريف الشيء بالعوارض الذاتيّة صحيح غير مستلزم للدور ؛ لأنّ معرفة العرض الذاتي لا تتوقّف على معروضه ، ومجرّد ذكر المعروض في تعريف العرض الذاتي لما ذكر ـ بعد القطع بخروجه عن حقيقته وذاتيّاته ـ لا يصحّح التوقّف. وهذا كما يقال : الأبيض جسم له الكيفيّة الخاصّة ، مع أنّ الجسم ليس من ذاتيّات الأبيض ، فذكره لأجل أنّ البياض من عوارضه اللازمة.

هذا ، وربما قيل : إنّ الصدق المأخوذ في تعريف الخبر هو المعنى المصدري ، وما عرّف بالخبر هو المشتقّ ـ أي الصادق ـ فلا دور (١).

وفيه تأمّل ؛ لأنّ تعريف الصادق بالخبر المطابق مستلزم لتعريف الصدق بموافقة الخبر للمخبر به ، أو بالإخبار عن الشيء على ما هو عليه.

ثمّ المراد من كونه محتملا للصدق والكذب أن يكون محتملا لهما من حيث هو ، أي نظرا إلى مفهومه الظاهر مع قطع النظر عن الامور الخارجة ، فلا يرد النقض بكلام يكون صادقا أو كاذبا قطعا. وبمثل قولنا : « الإنسان حيوان ناطق » إذا قصد به التحديد ؛ لأنّ المطلوب منه التصوّر لا التصديق بثبوت الحدّ للمحدود ، فلا يجري فيه الصدق والكذب.

ومن هذا القبيل ما لو قيل : كلامي كاذب في هذه الساعة ، وأراد منه هذا الكلام ؛ فإنّه لا يحتمل الصدق أو الكذب ؛ لأنّ صدقه مستلزم لكذبه ، وبالعكس ، فلا يكون خبرا ، بل إنشاء. والسرّ أنّ الصدق والكذب إنّما يعرضان لما كان له خارج يتصوّر بينهما المطابقة وعدمها ، وهنا لم يتحقّق ذلك.

نعم ، لو ابقي هذا الكلام على ظاهره واريد غيره كان خبرا.

واورد عليهما (٢) أيضا : بأنّه إن عطف بين الصدق والكذب بالواو ، لزم أن يكون كلّ

__________________

(١) قاله التفتازاني في المطوّل : ٣٦ في أحوال الإسناد الخبري.

(٢) أي على التعريفين للخبر.

٢٠٥

خبر صادقا وكاذبا وهو محال ، وإن عطف بينهما بـ « أو » لزم الترديد في الحدّ ، وهو غير جائز (١).

والجواب : اختيار الشقّ الثاني كما ذكرناه (٢) ، والترديد إنّما هو في أفراد المحدود لا في الحدّ ، والمراد أنّ الخبر قابل لأحدهما.

وقيل : الخبر كلام لنسبته خارج (٣).

وقيل : كلام يفيد بنفسه نسبة أمر إلى آخر (٤).

وأضاف بعضهم « إثباتا أو نفيا » (٥).

قيل : يرد عليهما نحو « اضرب » وغيره ممّا يدلّ على الطلب بناء على تحقّق النسبة فيه (٦) ، إمّا لأجل أنّ الحدث المطلوب منه منسوب إلى المخاطب ، فيكون المطلوب من « اضرب » الضرب المنسوب إلى زيد مثلا. وإمّا لأجل أنّ الطلب فيه منسوب إلى المتكلّم عقلا ، فقولنا : « اضرب » يدلّ التزاما على قولنا : « أطلب منك الضرب ».

واجيب : بأنّا سلّمنا تحقّق النسبة ـ على ما ذكر ـ فيه إلاّ أنّه لا يرد نقضا على التعريفين.

أمّا على الأوّل ، فظاهر ؛ لأنّه ليس لهذه النسبة متعلّق خارجي ، بخلاف « ضرب زيد » ؛ فإنّ لنسبته العقليّة متعلّقا خارجيّا هو الضرب الخارجي المنسوب إلى زيد.

وأمّا على الثاني ، فلأنّ المراد من إفادته النسبة أن يعلم منه وقوعها. هذا على تقدير عدم الإضافة المذكورة (٧) ، ومعها لا يحتاج إلى هذا ، بل نقول : المراد من الإثبات إيقاع النسبة ، أي

__________________

(١) قال ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٥ : « ولو سلّم فلم يدخل كلّ واحد الصدق والكذب » وقال في ص ٦٦ : « ويختصّ بأنّ حرف « أو » للترديد وهو مناف للتعريف » ، واختاره القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ و ١٤٦.

(٢) أي في تعريف الخبر ص ٢٠٤. وفي « ب » : « ذكرنا ».

(٣) جعله ابن الحاجب أولى في منتهى الوصول : ٦٦ ، وكذا في مختصر المنتهى : ١٤٥ ، واختاره التفتازاني في المطوّل : ٣٧ ، والبهائي في زبدة الاصول : ٨٨.

(٤) اختاره ابن الحاجب وجعله أقرب معنى في منتهى الوصول : ٦٦ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ ، وكذا شارح المختصر : ١٤٧.

(٥) أضافهما البصري في المعتمد ٢ : ٧٥. وفيه : « نفيا أو إثباتا ».

(٦) أورده ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٦ ، وفي مختصر المنتهى : ١٤٥.

(٧) أي إثباتا أو نفيا.

٢٠٦

التصديق بها. ومن السلب انتزاعها. وعلى التقديرين لا يرد نحو « اضرب » باعتبار نسبة الحدث إلى المخاطب ؛ إذ لم يعلم وقوعها ، ولم يحصل التصديق بها.

وأيضا المراد من قوله : « بنفسه » أن يكون الإفادة المذكورة منه باعتبار الوضع ، ودلالة « اضرب » على إثبات الطلب للمتكلّم باعتبار العقل لا الوضع (١).

ولا يخفى أنّه يخرج حينئذ الخبر الذي تركّب من الألفاظ المستعملة في معانيها المجازيّة ؛ لأنّ دلالتها ليست باعتبار الوضع ، وتعميم الوضع بحيث يتناول المجاز يستلزم دخول « اضرب » ونحوه باعتبار الدلالة على نسبة الطلب إلى المتكلّم ؛ لأنّ الأمر بالضرب سبب لها.

وما قيل : إنّه لو اريد [ من ](٢) « بنفسه » كونه مستعملا بذاته ، خرج نحو « اضرب » ودخل الخبر المركّب من الألفاظ المجازيّة ، لا يخفى ضعفه ؛ لعدم تحقّق الاستعمال باعتبار الذات في كليهما. وإن أمكن أن يقال بتحقّقه في الألفاظ المجازيّة ، يمكن (٣) أن يقال في نحو « اضرب » ؛ لعدم التفاوت بينهما ، ولأجل ذلك لا يخلو هذا التعريف عن فساد.

ويرد عليه (٤) أيضا : أنّ تحقّق العلم بوقوع النسبة والتصديق بها إنّما هو في صورة صدق الخبر دون كذبه ، فيخرج الخبر الكاذب عن هذا التعريف.

ومثل هذا الإيراد يرد على سابقه أيضا ؛ لأنّ الخبر الذي لنسبته خارج هو الصادق دون الكاذب.

وأجاب بعضهم عنه : بأنّ مدلول كلّ خبر هو الصدق فقط (٥) ، أي وقوع النسبة ، والكذب احتمال عقلي يجوّزه العقل ؛ نظرا إلى أنّ مدلول اللفظ لا يجب أن يكون ثابتا في

__________________

(١) أجاب به القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٧. وقال : « صرّح البصري بالثاني في المعتمد ١ : ٧٥ ». ومراده بقوله : « بالثاني » هو تفسير « بنفسه ».

(٢) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) في « ب » : « أمكن ».

(٤) أي على التعريف الثاني وهو رابع التعريفات للخبر.

(٥) ذهب إليه القرافي في الفروق ١ : ٢٤ ، ونقله التفتازاني عن بعض المحقّقين واختاره في المطوّل : ٤١. وذكر الكلباسي رحمه‌الله في الرسائل الرجاليّة ١ : ٤٢٥ : أنّ مراد التفتازاني من قوله : « بعض المحقّقين » هو الرضيّ نجم الأئمّة.

٢٠٧

الخارج ، فيصحّ تخصيص التعريف بالخبر الصادق ؛ نظرا إلى أنّ كلّ خبر من حيث الوضع يجب أن يكون صادقا ، ويصحّ تعميمه أيضا ؛ نظرا إلى الاحتمال العقلي ، كما في التعريفين الأوّلين (١).

وفي هذا الجواب تأمّل لا يخفى.

ثمّ الحقّ ، أنّه لا ينتقض بالمركّبات الناقصة المشتملة على نسبة ثبوتيّة ، أو سلبيّة ، كالمركّب الإضافي ، أو (٢) التوصيفي ؛ لأنّك عرفت (٣) أنّ المراد من إفادة النسبة العلم بوقوعها ، ومن الإثبات التصديق بها ، فمع الزيادة المذكورة في التعريف وبدونها لا ترد (٤) نقضا عليه ؛ لأنّها لا تفيد العلم بوقوع النسبة والتصديق بها ، بل تفيد تصوّرها.

وإنّما أطنبنا الكلام في تعريف الخبر ، مع عدم كونه من الامور المهمّة ؛ لوقوع الاختلاف الشديد فيه بين القوم ، ولا بدّيّة بيان ما هو الحقّ وقد عرفته.

على أنّه يختلف بعض الأحكام باختلافه ، مثلا إذا قال رجل : « من أخبرني بمجيء زيد فله ألف درهم » فقال رجل : « جاء زيد » وكان كاذبا ، يمكن أن يقال بلزوم الألف عليه ؛ لصدق الخبر عليه على ما هو الحقّ. وعلى القول بأنّ الخبر يختصّ بالصادق ، فلا يلزمه شيء.

والحقّ (٥) أنّه لا يلزم عليه شيء ، لا لذلك ، بل لأنّ العرف يحكم بأنّ المراد من الإخبار في قوله هو الإخبار الصادق.

ويتفرّع عليه (٦) أيضا لزوم الألف عليه بالإخبار ثانيا وثالثا ؛ لصدق الخبر عليه ، بخلاف ما لو قال : « من بشّرني بمجيء زيد » فإنّه لا يلزم عليه شيء بالإخبار ثانيا وثالثا ؛ لأنّ البشارة هو الخبر السارّ ، وهو يختصّ بالخبر الأوّل.

__________________

(١) والمراد بهما ما تقدّما في ص ٢٠٤.

(٢) في « ب » : « و ».

(٣) في ص ٢٠٦ : « وأمّا على الثاني ... ».

(٤) الضمير المستتر راجع إلى المركّبات.

(٥) هذا يشبه إنكار الثمرة بعد إثباتها وهو أمر غير معتاد.

(٦) أي على الاختلاف في تعريف الخبر ، ولكن في تفرّع ما ذكر على الاختلاف المذكور خفاء.

٢٠٨

تتمّة

الخبر يطلق تارة على ما يقابل الإنشاء ، وهو الذي ذكرناه (١). واخرى على ما يرادف الحديث وهو قول المعصوم ، أو حكاية قوله ، أو فعله ، أو تقريره.

وتحديده بأنّه « ما يحكي قوله » (٢) إلخ. منتقض العكس بما سمع منه من غير أن يحكيه عن معصوم آخر ، والطرد بعبارات غيره المتضمّنة لنقل الحديث بالمعنى.

وتحديده بـ « ما جاء عن المعصوم » (٣) لا يخفى فساده ؛ فالأصحّ ما ذكر أوّلا (٤).

وقد يجعل الحديث أعمّ مطلقا من الخبر (٥).

وقد يخصّ الحديث بما جاء عن المعصوم ، فيقال للعالم بما جاء عن النبيّ والأئمّة : المحدّث ، والخبر بما جاء عن غيره ، فيقال للعالم بالتواريخ وأمثالها : الأخباريّ (٦).

ولا يخفى أنّ هذه اصطلاحات ، ولا مشاحّة فيها ، لكنّ أشهر استعمالات الحديث عندنا ما ذكر أوّلا (٧). وأمّا عند العامّة ، فيطلق على قول الصحابي أو التابعي ، وعلى حكاية قولهما أو فعلهما أو تقريرهما.

فائدة

ذهب المرتضى رحمه‌الله (٨) من أصحابنا وبعض العامّة (٩) إلى أنّه لا بدّ في كون صيغة الخبر خبرا واستعمالها في فائدتها من قصد المخبر كونها خبرا ، وبدونه لا تكون خبرا.

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٠٣.

(٢) ذهب إليه أحمد البصري في فائق المقال : ٤١ ، والقمّي في قوانين الاصول ١ : ٤٠٩.

(٣) أشار الشهيد الثاني إلى هذا التعريف في البداية في علم الدراية : ٢٨ ، وشرح البداية : ٥٤.

(٤) أي قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره.

(٥ و ٦) حكاه قولا في تدريب الراوي ١ : ٤٢ و ٤٣.

(٧) أي قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره.

(٨) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٨ ، وذهب إليه غيره من أصحابنا الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ٦٤ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٣٨.

(٩) ذهب إليه من العامّة البصري في المعتمد ٢ : ٧٣. وفي ذيله ما يوهم المنافاة ولا منافاة عند التأمّل ، والغزالي في المستصفى : ١٠٦ ، والتفتازاني في المطوّل : ٤٨ : « ... فإنّ ضرب مثلا لا يصير خبرا ... ».

٢٠٩

واحتجّوا عليه : بأنّ هذه الصيغة قد تصدر عن الساهي والمجنون والنائم وأمثالهم ممّن لا قصد له إلى شيء أصلا ، وقد تصدر عمّن يقصد بها غير الخبر مجازا ، كقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ )(١) ، وقوله : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ )(٢) ، ولا شكّ أنّ الصيغة في الصورتين ليست خبرا ، وليس ذلك إلاّ لعدم القصد إلى الخبريّة ، فصيغة الخبر لا تحمل عليه ما لم يتحقّق مرجّح القصد (٣).

وذهب الأكثر إلى عدم الاحتياج إلى القصد ، وهو الحقّ ؛ لأنّ ما وضع للخبر هو الصيغة فقط من دون اعتبار القصد ، فالوضع مرجّح لا يفتقر إلى غيره ، فعند الإطلاق يجب حملها عليه.

وصدورها عن الساهي وأمثاله لا يخرجها عن الخبريّة لغة ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليها فائدة الخبر ؛ لأنّها موقوفة على صدورها عن عاقل. وليس هذا خاصّا بالخبر ، بل كلّ كلام حكمه كذلك.

واستعمالها في بعض الأحيان في غير الخبر مجازا لا يدلّ على اعتبار القصد ، بل كون الاستعمال مجازيّا حينئذ دليل على عدم اعتباره.

وبالجملة ، صيغة الخبر وحدها حقيقة فيه ، وصيغة الإنشاء حقيقة فيه. وعند الإطلاق يجب حمل كلّ واحد منهما على معناه الحقيقي.

ولمّا كان بين الخبر والإنشاء مناسبة ، يصحّ أن يطلق ما وضع لأحدهما على الآخر مجازا.

ومن هذا القبيل استعمال صيغ العقود ، كـ « بعت » و « أنكحت » و « طلّقت » وأمثالها في الإنشاء ؛ فإنّها في اللغة أخبار ، إلاّ أنّ الشرع استعملها إنشاء ؛ لأنّه يقصد منها حدوث الحكم وهي موجدة له عند التّلفظ ، وهذا معنى الإنشاء.

والحقّ : أنّ هذا الاستعمال من الشرع في أوّل الأمر إنّما كان مجازا لأجل المناسبة ؛ لعدم ثبوت النقل ، وهل صار هذا الاستعمال غالبا بحيث يتبادر عنها معنى الإنشاء حتّى تكون حقيقة فيه؟

__________________

(١) المائدة (٥) : ٤٥.

(٢) البقرة (٢) : ١٩٧.

(٣) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٨ ، والعدّة في أصول الفقه ١ : ٦٤ ، والمحصول ٤ : ٢٢٣.

٢١٠

الحقّ : عدم ثبوت ذلك ، فكلّ موضع وجد فيه قرينة الإنشاء ـ أعني القصد إلى حدوث الحكم ـ يحمل عليه ، وإن لم توجد يحمل على الخبر.

ويتفرّع عليه : لزوم القصد التفصيلي أو الإجمالي في صيغ العقود ، فلا عبرة بصيغة الغافل والساهي ، ومن لم يتصوّر معنى الإنشاء فأجرى الصيغة غير قاصد إلى معنى الإنشاء والخبر ، أو قاصدا للخبر ، ولكن يكفي مجرّد العلم بأنّ المراد منها حدوث الحكم.

والقول بأنّ هذه الصيغ مفيدة لحدوث الحكم من الشرع وإن لم يتحقّق قصد ، مشكل ؛ لأنّ هذا موقوف على كونها حقائق شرعيّة في الإنشاء ولم يثبت.

ثمّ لا بدّ لنا هنا من الإشارة إلى امور :

الأوّل : إن قيل : المراد بالإنشاء إن كان إحداث الحكم عند التلفّظ بالصيغة ، يلزم في التعليقات تعليق الواقع على ما لم يقع ؛ فإنّ الجملة الجزائيّة في قول الرجل لزوجته : « إن دخلت الدار فأنت طالق ، أو كظهر أمّي » إنشاء ، فعند التكلّم يجب حدوث الطلاق أو الظهار ، مع تعليقهما على دخول الدار الذي لم يقع بعد ، وهو محال.

قلنا : حدوث الحكم عند التلفّظ بالصيغة إنّما هو عند عدم التعليق ، وأمّا عنده ، فحدوثه عند تحقّق ما علّق عليه ، وانعدام الصيغة عند تحقّقه ـ بناء على كونها غير قارّة الذات ـ لا يمنع تحقّق الحكم ؛ لأنّها ليست سببا حقيقيّا له ، بل من الأسباب المعرّفة ، فيجوز حدوث مسبّبها بعد انعدامها.

الثاني : إن قيل : إنّ صيغ العقود إن اوقعت بعنوان الاستقبال ، كأن يقول : « أبيعك » أو « انكحك » ، فلا تخلو من أن تكون خبرا ـ على ما يشعر به بعض تعريفاته ـ أو إنشاء ـ على ما يشعر به بعض آخر منها ـ وعلى التقديرين يلزم أن يقع العقد بها.

أمّا على التقدير الأوّل ، فلأنّه كما يصحّ أن يراد الإنشاء من الجملة الخبريّة إذا كانت ماضية ، فكذا يصحّ إذا كانت مستقبلة ؛ لعدم الفرق.

وأمّا على [ التقدير ] الثاني ، فظاهر.

٢١١

قلت : أمّا على التقدير الأوّل ، فإنّا لا نسلّم أنّ كلّ خبر يصحّ أن يراد منه الإنشاء. سلّمناه ولكن لا نسلّم جوازه في صيغ العقود ؛ لأنّها متلقّاة من الشرع.

وأمّا على [ التقدير ] الثاني ، فإنّ المراد من الإنشاء غير الخبر ـ أي ما ليس لنسبته خارج ـ ، وهذا مفهوم كلّي له أفراد مختلفة بعضها إحداث الفعل في الحال ، وبعضها إحداثه في الاستقبال ، وبعضها طلب الفعل ، وبعضها معان أخر ، ووقوع العقد بواحد منها للمناسبة لا يستلزم وقوعه بغيره ممّا ينافيه.

الثالث : الحقّ ـ كما أشرنا إليه (١) ـ أنّ صيغ العقود إذا قصد بها حدوث الحكم تكون إنشاء ؛ لصدق حدّ الإنشاء عليها ، وعدم صدق الخبر عليها ؛ ولأنّها لمّا كانت صيغ الماضي ، فلو كانت أخبارا (٢) لبقيت على ما كانت عليه من كونها ماضية ؛ لعدم ورود مغيّر حينئذ ، بخلاف ما لو كانت إنشاء. وحينئذ لم تقبل التعليق ؛ لأنّه يتصوّر فيما لم يقع بعد ، مع أنّها قابلة له إجماعا.

وخالف بعض الناس وقال : إنّها أخبار (٣) ؛ محتجّا بأنّ الخبر إمّا أن يخبر عمّا في الخارج ، أو عمّا في الذهن ، والصيغ المذكورة من الثاني. وحينئذ يصدق عليها حدّ الخبر دون الإنشاء ، وتبقى على ما كانت عليه من كونها ماضية ، ولم تقبل التعليق ، بل القابل له حقيقة ما في الذهن ، واللفظ إخبار عنه ، فكأنّه قال : ثبت في ذهني تعليق الطلاق (٤).

ولا يخفى أنّه لو بني الأمر على تعميم الخبر واكتفي فيه بالإخبار عمّا في الذهن ، فات المطابقة وعدمها ، ولم يتحقّق فيه صدق وكذب ؛ لأنّ المطابقة هي موافقة النسبة العقليّة للخارجيّة ، وما في الذهن ليس إلاّ النسبة العقليّة ، فإذا لم يكن له خارج ، لا معنى للمطابقة حينئذ.

__________________

(١) في ص ٢١١.

(٢ و ٣) يجوز بكسر الهمزة أيضا.

(٤) حكاه القرافي عن الحنفيّة في الفروق ١ : ٢٨ و ٢٩ ، والشهيد في القواعد والفوائد ١ : ٢٥٤ ، ذيل قاعدة ٨٣ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٤٥ ، الباب الثامن في الأخبار.

٢١٢

ثمّ لو سلّم تعميمه واندفاع الوجهين الأوّلين (١) به ، فلا نسلّم اندفاع الوجه الثالث به. وما ذكره في بيانه (٢) واه ؛ لأنّ التعليق إنّما وقع حقيقة في الماضي الذي يتلفّظ به وهو غير جائز ، ولو سلّم عدم وقوع التعليق فيه حقيقة ، فنقول : إنّ الثابت في الذهن ليس تعليق الطلاق الواقع فيه ، بل تعليق الماضي الواقع فيه ، ومطلق الماضي ـ سواء كان في اللفظ ، أو في الذهن ـ لا يقبل التعليق ، فلا مفرّ إلاّ القول بكونها إنشاء.

فصل [٢]

المشهور أنّ الصدق مطابقة الخبر للواقع ، والكذب عدم مطابقته له.

والنظّام على أنّ الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المتكلّم ، والكذب عدمها ، ولا عبرة فيهما بمطابقته للواقع وعدمها (٣).

والجاحظ على أنّ الصدق مطابقته للواقع ، والاعتقاد بها (٤) معا ، والكذب عدم مطابقته له مع الاعتقاد بعدمها ، وما لم يحمل عليه الوصفان لا يكون صدقا ولا كذبا ، بل واسطة بينهما ، وهي أربعة أقسام : مطابقته للواقع مع الاعتقاد بعدمها ، أو بدون اعتقاد أصلا ـ كخبر من لا شعور له كالمجنون وأمثاله ، أو له شعور بدون اعتقاد كالشاكّ ـ وعدم مطابقته له مع اعتقادها ، أو بدونه أصلا (٥).

والحقّ القول المشهور كما أشرنا إليه سابقا (٦). والذي يدلّ على حقّيّته وإبطال القولين الأخيرين أنّ الكافر إذا قال : « الإسلام حقّ » يحكم بصدقه ، وإذا قال خلافه ، يحكم بكذبه إجماعا.

__________________

(١) والمراد بهما صدق الإنشاء وعدم صدق الخبر. والمراد بالوجه الثالث قوله : « ولأنّها لمّا كانت ... ».

(٢) وهو قوله : « ولم تقبل التعليق بل القابل له حقيقة ما في الذهن ».

(٣) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٧ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٩. وفسّره التفتازاني في المطوّل : ٣٧ بأنّ قائله النظّام.

(٤) لم يرد في « ب » : « بها ».

(٥) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٩ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧ ، ونهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وتمهيد القواعد : ٢٤٧ ، القاعدة ٩١.

(٦) في ص ٢٠٤.

٢١٣

احتجّ النظّام بقوله تعالى : ( وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ )(١) حيث كذّبهم في قولهم : ( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) مع أنّ خبرهم كان مطابقا للواقع ، فكذبه لعدم اعتقادهم (٢).

والجواب : أنّ التكذيب إنّما هو في شهادتهم ؛ لأنّها تكون عن علم ، ولم تكن شهادتهم هذه عن علم. أو في استمرارها ؛ لأنّهم زعموا أنّها تستمرّ منهم ، فكذّبهم بانقطاعها بعد ذلك. وقد ذكر وجوه أخر (٣). وما ذكرنا كاف للمطلوب.

واحتجّ الجاحظ بقوله تعالى : ( أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ )(٤) ، حيث حصروا خبر النبيّ بنبوّته في كونه افتراء ، أو كلام مجنون. ولم يقصدوا بالأخير الصدق ؛ لعدم اعتقادهم ذلك ، ولا الكذب ؛ لأنّهم جعلوه قسيمه ، فأثبتوا واسطة بينهما وهم أهل اللسان (٥).

والظاهر أنّ قصد الجاحظ أنّه يثبت واسطتان من الأربع من الآية ؛ لأنّهم جعلوا خبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بزعمهم الفاسد ـ إمّا الكذب ، وعبّر عنه بالافتراء ، الذي هو عدم المطابقة مع اعتقاد عدمها. ويظهر منه أنّ عدم المطابقة مع اعتقادها أو بدونه أصلا من الوسائط ، فثبت هنا واسطتان. وإمّا كلام مجنون ، وكونه واسطة بناء (٦) على عدم كونه عن اعتقاد عدم المطابقة ، وإلاّ فهو بزعمهم لم يكن مطابقا للواقع ، فهذا القسم يثبت من كلا شقّي الترديد ، ويبقى الصدق وكونه مطابقتهما معا. والواسطتان (٧) الاخريان غير معلومة من الآية ، ويعلم حالها بالمقايسة وعدم القائل بالفصل.

والجواب : أنّ الكذب أعمّ من الافتراء ؛ لكون القصد معتبرا في الثاني دون الأوّل ، فترديدهم خبره إنّما كان بين الافتراء وعدمه ، فكأنّهم قالوا : أكذب من قصد ، فيكون مفتريا ، أو من غير قصد ، فيكون مجنونا؟ فإنّ الكاذب من غير قصد يكون مجنونا. ففي الشقّ الثاني تحقّق الكذب الذي ليس بافتراء.

__________________

(١) المنافقون (٦٣) : ١.

(٢) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٧ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٩ ، والمطوّل : ٣٧.

(٣) للمزيد راجع المطوّل : ٣٧ و ٣٨.

(٤) سبأ (٣٤) : ٨.

(٥) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٦ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٨ و ١٤٩ ، والمطوّل : ٣٩.

(٦) خبر مرفوع.

(٧) عطف على « الصدق » أي يبقى ثلاثة امور غير معلومة من الآية. والضمير في « حالها » راجع إلى الثلاثة.

٢١٤

ويتفرّع على هذا الخلاف أنّه إذا قال المنكر : « إن شهد لك زيد فهو صادق » يكون إقرارا على المذهب المختار ومذهب الجاحظ ؛ لامتناع الصدق مع البراءة.

وفيه : أنّه يمكن أن يكون اعتقاد المخبر (١) استحالة شهادة زيد ، والمحال قد يستلزم محالا آخر.

ولا كلام في عدم كونه إقرارا على مذهب النظّام.

ولو قال المدّعي بعد إقامة البيّنة : « كذب شهودي » يسقط دعواه على المذهبين الأوّلين دون الآخر. ولو قال : « لم يصدق شهودي » يسقط على المذهب الحقّ دون الآخرين. وفي حكم السقوط ثبوت الإقرار لو قال له المنكر : « صدق شهودك » أو « لم يكذبوا ».

تقسيم

الخبر باعتبار ينقسم إلى ما يعلم صدقه إمّا بالضرورة ، كالمتواتر ، أو بالنظر ، كخبر الله ، وخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمحتفّ بالقرائن. ووقوع المتشابهات التي اريد خلاف ظاهرها ، والعمومات المخصّصة ، والمطلقات المقيّدة في كلامهما لا ينافي الصدق ؛ لأنّه من لوازم المحاورات ، وقد نصب القرينة الدالّة على المراد للمخاطبين.

وإلى ما يعلم كذبه بالضرورة ، أو النظر (٢). والمثال ظاهر.

وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، وهو على ثلاثة أقسام : ما يظنّ صدقه ، كخبر العدل ، وما يظنّ كذبه ، كخبر الكاذب ، وما يشكّ فيهما ، كخبر مجهول الحال.

وقال بعض الناس (٣) : كلّ خبر لا يعلم صدقه فهو كذب.

وهذا فاسد ؛ لبداهة كون الجهل واسطة بين العلم بشيء والعلم بنقيضه ؛ وللزوم ارتفاع النقيضين لو أخبر رجل بقيام زيد مثلا في وقت ، وأخبر آخر بعدم قيامه فيه.

ويظهر فائدة هذا الخلاف في الأيمان ، والتعليقات ، وأمثالهما.

__________________

(١) كذا في النسختين. والأنسب : « المنكر ».

(٢) في « ب » : « بالنظر ».

(٣) نسبه القاضي عضد الدين إلى بعض الظاهريّة في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٠.

٢١٥

فصل [٣]

ينقسم الخبر باعتبار آخر إلى متواتر وآحاد.

والمتواتر : خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه. وقيل : أخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب (١).

والحقّ ـ كما ذهب إليه أكثر العقلاء ـ : أنّه يجوز تحقّق خبر يفيد بنفسه العلم ؛ لكثرة المخبرين ، وقد وقع ، كالخبر بوجود البلاد النائية والامم الماضية ، كمكّة وسائر المدن المعروفة ، والأنبياء وباقي الأقوام المشهورة. فإنّا نجد من أنفسنا العلم بها كما نجد منها العلم بالمحسوسات ، ولا ريب في استناد علمنا إلى الخبر.

وخالف السمنيّة (٢) والبراهمة (٣) في ذلك ، فقال قوم منهم : لا يمكن تحقّق خبر يفيد العلم ، بل الممكن تحقّق ما يفيد الظنّ (٤). وقال آخرون بإمكانه فيما يوجد في زمان الخبر ، لا فيما سلف.

واحتجّوا بوجوه ضعيفة :

منها : أنّه كما يجوز الكذب على كلّ واحد منهم حالة الانفراد ، فكذا يجوز عليه في حالة الاجتماع ؛ فإنّ الجملة هي الأفراد بشرط الاجتماع (٥).

والجواب : أنّ حكم الجملة قد يخالف حكم الآحاد ، وهذا بديهيّ.

ومنها : لو حصل القطع من الخبر المتواتر لما فرّقنا بين ما مثّل ، وبين علمنا بأنّه لا واسطة بين النفي والإثبات ، وبأنّ الأربعة زوج ، مع أنّ الفرق ظاهر (٦).

وجوابه : أمّا على القول بكون العلم الحاصل من المتواتر نظريّا (٧) : فظاهر ؛ لأنّ الفرق باعتبار النظريّة والضرورة.

__________________

(١) ذهب إليه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٩ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى : ١٥٣.

(٢) في القاموس المحيط ٤ : ٢٣٨ ، « سمن » : « السّمنيّة ـ كعرنيّة ـ قوم بالهند دهريّون قائلون بالتناسخ ».

(٣) المصدر : ٨١ ، « برهمة » : « البراهمة قوم لا يجوّزون على الله تعالى بعثة الرسل ».

(٤) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨١.

(٥ و ٦) راجع معالم الدين : ١٨٤.

(٧) نسبه السيّد المرتضى إلى أبي القاسم البلخي ومن وافقه في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ونسبه ابن الحاجب إلى الكعبي والبصري في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.

٢١٦

وأمّا على القول بكونه ضروريّا (١) ، فبأنّ الضروريّات قد تختلف لا في حصول القطع وعدمه ؛ فإنّه متحقّق في جميعها ، بل في سرعة الانتقال وأمثاله (٢) ، والفرق هنا لذلك.

ومنها : أنّه يجوز أن يجتمع جمع كثير يتحقّق به التواتر على خبر كاذب ؛ لاعتيادهم الكذب ، كما نشاهد من كثير الناس ، أو لخوف من سلطان وأمثاله ، أو لدفع فساد عن أنفسهم ، أو لطمع دنيويّ أو دينيّ ، كما وضع كثير من الزهّاد أحاديث دالّة على فضائل الأوقات ؛ لحمل الناس على العبادة. أو للالتباس عليه إمّا لغلط البصر ، أو لعروض بعض الحالات ، كالفكر والخوف الشديدين ؛ فإنّ الإنسان قد يرى في مثل هذين الحالين صورا لا تحقّق لها في الخارج. أو لاشتباه حالة باخرى ، كالسكتة بالموت ، أو ذات باخرى. وهذا جائز عقلا ؛ لأنّ الله يقدر على خلق مثل زيد في جميع مشخّصاته ، ونقلا ؛ لأنّ المسيح شبّه بغيره (٣) ، وجبرئيل تصوّر بصورة دحية الكلبي (٤) ، وتشكّلت الملائكة يوم بدر بأشكال بني آدم (٥) ، وأمثال ما ذكر كثيرة.

والجواب : أنّ هذه احتمالات نادرة لا يلتفت إليها العقول السليمة ، مع أنّ موضع النزاع اجتماع عدد التواتر على إحداها (٦) ، وهذا أمر لا يكون.

على أنّا نقول : حصول العلم عقيب الخبر المتواتر ضروري ، فهذا تشكيك في مقابله ، فإن كانت (٧) صالحة للإيراد ، فإنّما ترد على من رام إثبات حصول العلم عن المتواتر بالدليل.

ومنها : أنّه لو حصل العلم من الخبر المتواتر لزم حصوله ممّا ادّعى اليهود والنصارى من تواتر النقل من موسى وعيسى بأنّه لا نبيّ بعده (٨).

__________________

(١) نسبه السيّد المرتضى إلى أبي علي وأبي هاشم ومن تبعهما في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ولكنّ ابن الحاجب نسبه إلى الجمهور في المصدرين.

(٢) كذا في النسختين. والأولى : « عدمها » أو « أمثالها ».

(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٢٤٦.

(٤) المصدر : ٢٤٧.

(٥) المصدر : ٢٤٨.

(٦) أي الاحتمالات. والمراد أنّ اجتماع عدد التواتر على اعتياد الكذب ، أو الخوف من السلطان ، أو الدفع أمر لا يكون.

(٧) الضمير المستتر راجع إلى الاحتمالات.

(٨) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ١٨٤.

٢١٧

وجوابه : أنّ نقل اليهود والنصارى لم يحصل بشرائط المتواتر (١) ؛ لانقراض اليهود في قضيّة بخت نصّر بحيث لم يبق منهم عدد يفيد قولهم العلم (٢) ، وقلّة النصارى في المبدأ.

لا يقال : يلزم حينئذ عدم تواتر ما يدلّ على نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلاّ حصل العلم لجميع الطوائف ، ولو حصل لم يخالف أحد نبوّته ؛ لأنّ العاقل لا يخالف مقتضى علمه.

والجواب : أنّ ما يدلّ على نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا عقلي ولا تواتر فيه ؛ لاشتراط كون المتواتر محسوسا ، وإمّا حسّي متواتر بالتواتر اللفظي أو (٣) المعنوي. وعدم حصول العلم منه لبعض الطوائف باعتبار الالتباس عليهم ، وجمودهم على الشّبه الواهية ، كما هو حال السوفسطائيّة ، مع أنّه يمكن حصول التواتر لطائفة دون اخرى إذا لم يقع عنها البحث والفحص.

لا يقال : يمكن أن يكون نقل اليهود والنصارى من هذا القبيل.

لأنّا نقول : قد وقع منّا الفحص عن نقلهم ، وعثرنا على ما يكذب تواتره كما ذكرنا. وأيضا لنا براهين قاطعة منافية له ، كما لا يخفى.

وقد أوردوا بعضا آخر من الشكوك (٤). والحقّ : أنّ جميعها تشكيك في الضروري (٥) ، فلا يستحقّ الجواب.

ويتفرّع عليه : عدم معارضة شيء من الأدلّة للمتواتر ؛ لأنّ تواتر المتعارضين غير واقع ، بل غير جائز ، وغيره ممّا لا يفيد العلم لا يقاوم ما يفيده.

ثمّ الحقّ ـ كما ذهب إليه الأكثر ـ : أنّ العلم الحاصل منه ضروريّ ؛ إذ لو كان نظريّا لتوقّف على ترتيب المقدّمتين ، واللازم منتف ؛ فإنّه حاصل لمن ليس من أهل البحث والنظر ، كالبله والصبيان ، وكلّ أحد يحصل له العلم بوجود بلد تواتر الإخبار عليه من غير سابقة فكر ونظر ، فكذا الملزوم. والملازمة ظاهرة.

__________________

(١) في « ب » : « التواتر ».

(٢) راجع المحصول ٤ : ٢٥٦.

(٣) في « ب » : « و ».

(٤) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٨ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٥١.

(٥) في « ب » : « الضرورة ».

٢١٨

وقيل : لو كان نظريّا لساغ الخلاف فيه ، وليس كذلك (١).

وفيه ما فيه ؛ فإنّ كثيرا من النظريّات القطعيّة موضع وفاق.

وذهب بعض الناس إلى أنّه نظريّ (٢). واحتجّ : بأنّه متوقّف على أنّ المخبر عنه محسوس ، وأنّ المخبرين جماعة لا يجوز تواطؤهم على الكذب ، فيكون نظريّا ؛ لتوقّفه على الوسط.

والجواب : أنّ العلم لا يتوقّف عليه ، بل هو حاصل ضرورة. ومثل هذا الوسط يمكن فرضه لكلّ ضروريّ (٣) ، كالانقسام إلى المتساويين لزوجيّة الأربعة ، واشتمال الكلّ على جزء آخر لأعظميّة الكلّ من الجزء.

نعم ، كثيرا ما يشتبه بالنظريّ ؛ لخفاء الشروط الآتية المعتبرة فيه ، فيحتاج إلى التأمّل ليظهر تحقّقها أو عدمه. ونظيره بعض التصديقات الضروريّة حيث يتوقّف العقل فيه ؛ لعدم تصوّر الطرفين ؛ فإنّه يجوز كون التصديق ضروريّا ، وتصوّر طرفيه نظريّا.

وتوقّف المرتضى (٤) ؛ لعدم دليل صالح على أحد الطرفين ، وقد عرفته (٥).

وذهب الغزالي إلى أنّه (٦) ليس ضروريّا لا يحتاج إلى ملاحظة الوسط مطلقا ، ولا نظريّا يحتاج إلى الحركة الفكريّة والشعور بتوسّط الوسط ، بل الواسطة حاضرة في الذهن ، إلاّ أنّها لا تحتاج إلى الحركة والشعور بتوسّطها (٧).

ومراده من الواسطة ما ذكر في حجّة القول بكونه نظريّا.

ولا يخفى أنّ قوله راجع إلى ثبوت الواسطة بين الضروريّ والنظريّ ، وفساده ظاهر.

__________________

(١) نسبه ابن الحاجب إلى الجمهور في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.

(٢) منهم : أبو القاسم البلخي ، كما في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ونسبه ابن الحاجب إلى الكعبي والبصري في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.

(٣) غير القضيّة الاولى ، وهي استحالة ارتفاع النقيضين ، أو عدم الواسطة بين النفي والإثبات. وأمّا استحالة اجتماع النقيضين ، فهي أيضا معلّلة باستلزام اجتماعهما ثبوت الواسطة.

(٤) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٤٨٥.

(٥) آنفا.

(٦) أي العلم الحاصل من التواتر.

(٧) المستصفى : ١٠٦ و ١٠٧.

٢١٩

فصل [٤]

يشترط في صحّة التواتر شروط ، بعضها في المخبرين ، وبعضها في السامعين :

والأوّل أربعة :

الأوّل : أن يبلغ عددهم في الكثرة حدّا يمتنع معه عادة تواطؤهم على الكذب. ووجه اشتراطه ظاهر.

والحقّ أنّه لا يشترط فيه عدد خاصّ ، بل الضابط فيه ما يفيد العلم ، وهو يختلف باختلاف القرائن والوقائع ، وأحوال المخبرين والسامعين. وتفاوت كلّ منها يوجب اختلاف العدد بحيث لا يمكن حصره ، فكيف إذا تركّب بعضها مع بعض. ولو كان العدد المخصوص معتبرا لما وقع الاختلاف؟

وأيضا يحصل لنا العلم من الأخبار المتواترة من غير تنبّه (١) لعدد مخصوص ، ولو كان شرطا ، لتوقّف حصوله على حصوله.

واجيب عنه : بأنّ التوقّف على حصوله في الواقع ، لا على العلم به (٢).

وفيه : أنّ حصول العلم لو كان مسبّبا عن عدد خاصّ ، لعلم حصوله عند حصوله ، مع أنّه يحصل لنا العلم من الأخبار المتواترة ولا ننتقل منه إليه.

ثمّ لمّا كان حصول العلم من الخبر المتواتر تدريجيّا ـ لأنّه إذا سمع من واحد أفاد ظنّا ، وكلّما تكرّر قوي ، وهكذا يتقوّى بتدريج إلى أن يصير علما ـ فحصول العلم بعدد التواتر يتوقّف على ضبطه تدريجا ، وهذا مع صعوبته موجب لاختلافه للأسباب المذكورة.

هذا ، ولكن يجب في المتواتر أن يكون للتعدّد والكثرة دخل في إفادة العلم وإن اختلف بالامور المذكورة ، فيخرج الخبر المحفوف بالقرينة.

ثمّ القائلون باشتراط العدد الخاصّ اختلفوا فيه على أقوال شتّى (٣). ولكلّ قول شبهة

__________________

(١) في « ب » : « تنبيه ».

(٢) أجاب به الباجي في إحكام الفصول : ٢٤٦.

(٣) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٧ و ٣٨ ، والمحصول ٤ : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٠ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٤.

٢٢٠