أنيس المجتهدين - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

أنيس المجتهدين - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مؤسسة بوستان كتاب
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-09-0281-3
ISBN الدورة:
978-964-09-0284-4

الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأنكر الكعبي المباح بالمعنى المذكور وقال : كلّ مباح إمّا واجب بعينه ، أو مقدّمة له ، وهي أيضا واجبة.

واستدلّ على وجوبه : بأنّه إمّا عين ترك الحرام ، كإطباق الفم ، فإنّه ترك القذف. أو مقدّمة لتركه ، كالكلام وإطباق الفم لترك شرب الخمر ؛ فإنّه لا يتمّ إلاّ بهما أو بأمثالهما من الامور المباحة ، وترك الحرام وما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به واجب (١).

وقد ذكر القوم لإبطال استدلاله وجوها :

منها : أنّه يلزم أن يكون واجب ـ كالصلاة مثلا ـ حراما ، إذا صار فعلها سببا لترك واجب ؛ لأنّ سبب الحرام حرام ، فيكون الشيء الواحد حراما واجبا (٢).

ولا يخفى ما فيه ؛ لإمكان أن يلتزمه بالاعتبارين.

ومنها : أنّ المسلّم وجوب المقدّمة الشرعيّة دون العقليّة والعاديّة (٣).

ولا يخفى ما فيه أيضا ؛ لما سيجيء (٤).

ومنها : أنّ قوله : « المباح [ ما ] لا يتمّ الواجب (٥) إلاّ به » غير مسلّم ؛ لأنّه غير معيّن ؛ لإمكان الحصول (٦) بغيره (٧).

وفيه : أنّ هذا ينفي الوجوب العيني ، ويثبت التخييري (٨) ، وهو كاف.

ويمكن أن يحرّر هذا الجواب بوجه لا يرد على القوم شيء ، بأن يقال : إذا بني الأمر على وجوب المقدّمات الشرعيّة والعقليّة ، فلا بدّ أن يقال : إذا كان شيء حراما وكان واجب الترك ، لا يتحقّق هذا الترك إلاّ في ضمن واحد من الامور المباحة ، وليس واحد منها معيّنا له ، بل كلّ واحد منها يصلح له ، فالمقدّمة للترك أمر كلّي مشتمل على أفراد كثيرة ، وكلّ واحد منها مباح عينا ، وإن كان فردا لمفهوم كلّيّ هو واجب يمكن أن يتحقّق في ضمنه ،

__________________

(١ ـ ٣) حكاهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٤) أي في مقدّمة الواجب راجع ص ١٣٤ وما بعدها.

(٥) والمراد به هو ترك الحرام.

(٦) أي حصول الواجب وهو ترك الحرام.

(٧) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٩.

(٨) في « ب » : « التخيير ».

١٢١

وبذلك يكون من أفراد الواجب التخييري. وغرض القوم ليس إلاّ إثبات المباح عينا ، ولا يضرّهم اتّصافه بالوجوب من جهة اخرى ، سيّما وقد بلغت كثرة الأفراد لأكثر المقدّمات الواجبة إلى حدّ اضمحلّ الوجوب بالنسبة إلى كلّ فرد منها.

هذا ، وفوق ذلك كلام ، وهو إنّ كلّ واحد من الامور المباحة ليس في كلّ وقت من أفراد الواجب التخييري ، بل إذا حصل به ترك الحرام. فكلّ واحد منها مباح عينا ، وقد يتّصف بالوجوب باعتبار عارض ، وهذا جائز ؛ فإنّ القبيح قد يصير حسنا وبالعكس بسبب خارج ، فالمباح الذي حصل به ترك الحرام يكون واجبا من هذه الجهة ، فإذا تعرّض بعده لمباح آخر ـ لم يحصل به ترك الحرام ، ولكن كان بحيث لو لم يعمل المباح الأوّل لحصل ترك الحرام به ـ لا يكون واجبا ، مثلا إذا أطبق الفم لترك شرب الخمر ، يكون واجبا من باب المقدّمة. ثمّ إذا وضع اليد على الفم لا يكون واجبا ؛ لعدم كونه من المقدّمة.

ويعلم من هذا أنّ هذه المباحات لا تتّصف بالوجوب إذا لم يكن فعلها لأجل ترك الحرام ، بل فعلت في وقت لم يسبق بإرادة الحرام ، بل لم يخطر بباله أيضا. كيف؟ وفي هذه الحالة (١) ليست مقدّمات للواجب الحقيقي ؛ لأنّ عدم الحرام ـ من دون كفّ النفس عنه وقصد استمراره مع خطوره بالبال ـ لا يتّصف بالوجوب ، وإلاّ لزم أن يثاب كلّ إنسان في كلّ وقت بعدم صدور كلّ محرّم عنه ، وهو باطل ، فجميع المباحات مباحة عينا في كلّ وقت ، ومن شأنها أن تتّصف بالوجوب باعتبار عارض ، وقد تتّصف بالفعل إذا حصل العارض ، كما أنّ من شأن جميع القبائح أن تتّصف بالحسن في بعض الأوقات بسبب عارض ، وقد تصير حسنة بالفعل وبالعكس ، وليس حال أفراد الواجب التخييري كذلك ، بل هي متّصفة بالوجوب مع قطع النظر عن عارض وسبب خارجي ، فتأمّل.

ثمّ فوق هذا أيضا كلام ، وهو أنّ شيئا من المباحات ليس مقدّمة لترك الحرام ، ولا فردا منه ؛ لأنّ الترك هو الكفّ ، ولا دخل له بالامور المباحة. نعم ، هي مقارنة له كباقي الأحكام. مثلا ترك الحرام هو الكفّ عن شرب الخمر ، ولا دخل له بإطباق الفم أو الكلام أو أمثالهما.

__________________

(١) أي حالة عدم اقتران فعل المباح بإرادة الحرام.

١٢٢

فإذا حصل منع النفس عن الشرب حصل ترك الحرام ، ولا يتوقّف على شيء من حالات الفم. نعم ، يقارن الترك بعض هذه المباحات ، إلاّ أنّه لا يتوقّف عليها ، فأحسن التدبّر.

فصل [٩]

قد أشرنا فيما تقدّم (١) أنّ من معاني الحسن والقبح ما لا حرج في فعله ، ومقابله. وعلى هذا يكون كلّ من المباح والمكروه حسنا.

ويتفرّع عليه براءة ذمّة من حلف على فعله بإيقاعهما.

والإحسان لا يشمل فعل المباح والمكروه ، بل يختصّ فعل الواجب والمستحبّ.

والحقّ ، أنّ المحسن فاعل الإحسان ، ولا يشمل فاعل الحسن كما قيل (٢). فمن قال : « عليّ أن أفعل فعل المحسنين » لا يبرأ ذمّته بفعل المباح والمكروه. ولا يرتفع الضمان على (٣) قاطع يد الجاني قصاصا إذا مات ؛ نظرا إلى أنّه فاعل الحسن ، أي المباح ، وقد قال الله : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ )(٤).

نعم ، يتسلّط المنفق على الحيوان إذا كان ملتقطا أو مستودعا (٥) على الرجوع إلى المالك ؛ لكونه محسنا. ويقبل قول الوكيل في الردّ إذا لم يكن وكالته بجعل ؛ لأنّه محسن أيضا.

وقس عليهما أمثالهما.

فصل [١٠]

الواجب العيني ما طلب من كلّ واحد من المكلّفين بخصوصه ، ولا يسقط عن بعضهم بفعل بعض آخر.

والكفائي ما وجب على الجميع ولكن يسقط عنهم بفعل البعض.

__________________

(١) تقدّم في ص ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) قاله الأسنوي في التمهيد : ٦٢.

(٣) متعلّق « على » الضمان دون لا يرتفع.

(٤) التوبة (٩) : ٩١.

(٥) هذا بخلاف ما إذا غصبه ؛ فإنّ المنفق لا يرجع إلى المالك ؛ لأنّ تعليفه مثلا لا يصدق عليه الإحسان.

١٢٣

وأنكره بعض الشافعيّة وقالوا : إنّه لا يجب على الكلّ ، بل على بعض مبهم (١).

ويدفعه الإجماع على تأثيم الجميع بالترك.

واستدلّوا عليه بوجوه ثلاثة :

أوّلها : لو وجب على الجميع ، لم يسقط بفعل البعض.

والجواب : أنّ هذا مجرّد استبعاد.

وثانيها : أنّ آية النفر (٢) تدلّ على وجوبه على بعض مبهم.

والجواب : أنّ الآية مأوّلة بأنّ فعل بعض يسقط عن الكلّ ؛ ودليل التأويل الإجماع.

وثالثها : أنّه كما يجوز الأمر ببعض غير معيّن ، يجوز أمر بعض غير معيّن.

والجواب : أنّ الفرق بينهما واضح ؛ فإنّ التأثيم بغير المعيّن معقول ، وتأثيم غير المعيّن غير معقول.

ثمّ السقوط عن الجميع موقوف على العلم بفعل البعض ، أو على الظنّ الشرعي به ، ولو حصل أحدهما لطائفة دون اخرى سقط عن الاولى دون الثانية. فإذا أخبرنا بموت أحد ، فسقوط صلاته عنّا موقوف على القطع بوقوع الصلاة عليه ، أو على شهادة العدلين عليه ، أو على خبر واحد محفوف بالقرائن ، فلو أخبر واحد به لا تسقط عنّا بمجرّده.

ويتفرّع عليه أيضا : عدم السقوط عنّا إذا صلّى فاسق على الميّت بحضرتنا ؛ لأنّه لا بدّ من الظنّ الشرعي بإيقاع أفعال الصلاة صحيحة ، وإخبار الفاسق في ذلك غير مقبول. وقس عليه صلاة ما فوق الواحد مع فقد العدالة.

ومن التفريعات : أنّه إذا شرع بعض في صلاة الميّت ، وفي الأثناء شرع بعض آخر فلا بدّ له من نيّة الوجوب ؛ لعدم السقوط بعد. ولو تمّ صلاة البعض الأوّل ثمّ شرع بعض آخر ، فالظاهر لزوم نيّة الندب ؛ لعدم تعقّل الوجوب مع السقوط.

وقيل : إنّ وظيفته أيضا الوجوب ؛ لأنّه متعلّق بالجميع ، والسقوط بفعل البعض

__________________

(١) حكاه البصري في المعتمد ١ : ١٣٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٨٦ ـ ١٨٧ ( هامش ) ، والمطيعي في سلّم الوصول ، المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٨٥ ـ ١٩٥ ، والأسنوي في نهاية السؤل ١ : ١٨٥ ـ ١٩٧.

(٢) وهي قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) ، التوبة (٩) : ١٢٢.

١٢٤

للتخفيف ، وهو لمن لم يفعل مطلقا (١).

وفيه ما فيه.

ويجري هذا الخلاف في باقي الفروض الكفائيّة ، كجواب السلام ، والأمر بالمعروف ، وغيرهما.

وممّا يتفرّع على الوجوب الكفائي كونه أفضل من فرض العين ، على ما ذكره بعض المحقّقين ؛ لأنّ صيانة جماعة كثيرة أفضل من صيانة نفس واحدة (٢).

ولا يخفى أنّ هذا صحيح إذا استند الأفضليّة إلى إسقاط الذمّ ، وأمّا إذا اسند إلى زيادة الثواب فلا يتمّ ؛ لأنّ كلّ من تعلّق به الوجوب الكفائي لا يثاب بفعل البعض ، بل يسقط منه الحرج ؛ والثواب مخصوص بالفاعل. وغير خفيّ أنّ إسقاط الذمّ أيضا من الكثير يكفي ؛ لكونه أفضل وأكثر ثوابا.

ثمّ المستحبّات أيضا قد تكون كفائيّة ، كالأذان والإقامة للجماعة الواحدة ، وابتداء السلام ، وتسميت العاطس لها (٣). وبعض التفريعات جارية (٤) هنا أيضا.

فصل [١١]

الواجب المعيّن ما تعلّق الوجوب به بخصوصه ، كالصلاة ، والصوم ، وأمثالهما.

والواجب المخيّر ما عيّن له الشارع بدلا من غير نوعه اختيارا.

وبالقيدين الأخيرين (٥) يخرج الموسّع والكفائي ، والغسل والوضوء إذا لم يمكنا.

وتحقيق المقام : أنّ المأمور به في الواجب التخييري أمر كلّي له أفراد متعدّدة ، أيّها حصلت (٦) في الخارج ، يكون الكلّي في ضمنها (٧) ؛ فالمأمور به في الكفّارة إحدى الخصال

__________________

(١) المجموع شرح المهذّب ٥ : ٢١٣ ، ٢٤٥ ، وفتح العزيز ٥ : ١٩٢.

(٢) حكاه النووي عن إمام الحرمين واختاره في المجموع شرح المهذّب ١ : ٣٧ و ٤٥ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٤٩ ، القاعدة ٨.

(٣) أي للجماعة.

(٤) كذا في النسختين والصحيح أن يكون « جار باعتبار بعض ».

(٥) أي « بخصوصه واختيارا ».

(٦) كذا في النسختين والصحيح « حصل ».

(٧) كذا في النسختين والصحيح « ضمنه ».

١٢٥

الذي هو قدر مشترك بين جميعها ، وأيّتها وجدت يتحقّق القدر المشترك فيها ، فلا يجب فعل كلّ واحد من الأفراد ؛ لتحقّق المأمور به بدونه ، ولا فعل واحد معيّن منها ؛ لعدم تعلّق الوجوب به بخصوصه ، ولا يجوز الإخلال بكلّ واحد منها لا إلى بدل ؛ لعدم تحقّق المأمور به حينئذ ؛ فالواجب حينئذ واحد منها لا على التعيين. فالتخيير حينئذ بين الأفراد ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر بين كلّ واحد منها وبين الأفراد الأخر ، وأيّها فعل كان واجبا بالأصالة ، ولا يتخيّر بين المأمور به الذي هو القدر المشترك والمفهوم الكلّي ؛ لأنّه أمر واحد لا تعدّد فيه حتّى يعقل التخيير فيه. وهذا هو الذي اختاره أصحابنا (١) ورؤساء المعتزلة (٢).

والدليل عليه الإجماع ، والتنصيص عليه في موارد مخصوصة ، وهي لا تحتمل سوى التخيير ؛ لأنّه إذا قال رجل لغيره : « افعل أحد هذين ، واختر أيّهما شئت ، ولا يجوز لك تركهما معا ، ولا يجب عليك فعلهما معا » لا يفهم منه سوى التخيير بالمعنى الذي ذكرناه.

وذهب الأشاعرة إلى أنّ الواجب واحد غير معيّن يتعيّن بفعل المكلّف (٣). والظاهر ـ كما قال الإمام الرازي (٤) ـ إنّ هذا راجع إلى مذهب التخيير ، فلا نزاع معنى. ولو أرادوا غيره ، فلا ريب في بطلانه.

وقال بعض المعتزلة : الواجب هو الجميع ، ولكن يسقط بواحد (٥).

ويدلّ على فساده أنّه لو وجب الجميع ، لكان اللازم الإتيان به ، ولم يبق للتخيير حينئذ معنى. ولا أدري من أين يفهم من موارد التخيير وجوب الجميع وإسقاطه بواحد ؛ فإنّه لا دلالة عليه بواحدة من الثلاث.

وقال بعض : إنّ الواجب واحد معيّن ، لكن يسقط به وبكلّ واحد من الأفراد الأخر (٦).

__________________

(١) منهم : السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٨ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ١٠٢ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٥١ ، القاعدة ٩.

(٢) منهم البصري في المعتمد ١ : ٧٧ ، ونسبه أيضا إلى أبي علي وأبي هاشم في ص ٧٩ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٥٩.

(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٥٩ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٤١ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٧٢.

(٤) المحصول ٢ : ١٥٩.

(٥) حكاه الباجي عن محمّد بن خويزمنداد في إحكام الفصول : ٩٧ و ٩٨.

(٦) راجع منهاج الاصول ، المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٤٢.

١٢٦

وظهر بطلانه ممّا ذكرنا.

وهنا مذهب آخر ينسبه كلّ من الأشاعرة والمعتزلة إلى الآخر ، واتّفقا على بطلانه ، وهو أنّ الواجب واحد معيّن عند الله ، مبهم عندنا (١).

ووجه ظهور سخافته : أنّ الواجب إذا كان معيّنا عند الله ، فلا معنى لأن يخيّر عباده بينه وبين غيره.

ثمّ اورد (٢) على مذهب التخيير بأنّه لا معنى لتعلّق التكليف بالمبهم ؛ لاستحالة إيقاعه.

والجواب ـ كما أشرنا إليه (٣) ـ : أنّ التكليف إنّما تعلّق بالمعيّن ، وهو الأمر الكلّي الصادق على كلّ واحد من الأفراد ، وكون الواحد المبهم واجبا إنّما هو لأجل اشتماله على هذا الأمر الكلّي.

واورد شبه آخر واهية ، وأجوبتها ظاهرة (٤).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه يتفرّع عليه أنّ المكلّف إذا أتى بجميع أفراد الواجب المخيّر معا دفعة ، فهل يوصف المجموع بالوجوب ؛ نظرا إلى عدم رجحان بعضها ، فيكون المسقط للفرض جميعها ؛ لأنّه أيضا من أحد الأفراد ، فيثاب المكلّف على الجميع ثواب واجب. أو يكون كلّ واحد منها مسقطا للفرض ، ويوصف كلّ واحد منها بالوجوب ، فيثاب على كلّ واحد ثواب واجب. أو يكون الواجب أحد الأفراد إذا تساوت ، وأدناها أو أعلاها إذا تفاوتت ، فيثاب عليه ثواب الواجب ، وعلى البواقي ثواب التطوّع (٥)؟

قيل : الموصوف بالوجوب ليس إلاّ واحدا منها ، وهو الذي يتحقّق به مسمّاه ؛ لأنّ الشارع لم يطلب منّا سواه ، فيثاب عليه ثواب الواجب ، وعلى البواقي ثواب المستحبّ (٦).

__________________

(١) حكاه عنهم الأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ١ : ٦٦ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٦٠ ، والأسنوي في التمهيد : ٧٩ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٧٢ و ٧٥.

(٢) هو ما يسمّى بقول « التراجم » ؛ لأنّ الأشاعرة يرجمون به المعتزلة ويروونه عنهم ، وكذلك المعتزلة يفعلون ، ولا يعلم قائله ، ولكن نسبه الأصفهاني إلى أبي الخطّاب الحنبلي ، راجع : المعتمد ١ : ٨٧ ، والمحصول ٢ : ١٦٠ ، والإبهاج ١ : ٥٤ ، وسلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٤١.

(٣) في ص ١٢٥.

(٤ و ٥) راجع تمهيد القواعد : ٥٢ ، القاعدة ٩.

(٦) المصدر : ٥٩ ، القاعدة ١٢.

١٢٧

وفيه تأمّل ؛ لأنّ الشارع وإن لم يطلب منّا سوى ما يتحقّق به مسمّى الوجوب ، إلاّ أنّه تحقّق في الفرض المذكور في جميع الأفراد ، فيجب أن يكون ثوابه ثواب الواجب. وإن أتى بالأفراد على التعاقب ، فلا تأمّل في كون ما أتى به أوّلا واجبا ، فثواب البواقي ليس إلاّ مستحبّا.

ثمّ إنّ بعض الأفراد إذا كان داخلا في بعض آخر ، كمسح الرأس في الوضوء ـ حيث إنّ بعض أفراده المسح بإصبع واحدة ، وهو داخل في المسح بثلاث مثلا وأتى المكلّف بالفرد الأكمل ـ فالحقّ هنا أنّه يوصف بالوجوب ؛ لأنّ الواجب هو الماهيّة الكلّيّة التي يمكن أن تتحقّق في الفرد الناقص والكامل ، وهنا تحقّقت في الكامل ، فيتّصف بالوجوب ، ويثاب عليه ثواب الواجب.

ومن قال : إنّ القدر الزائد مستحبّ (١) ، فنظره إلى أنّه ليس بواجب. وجوابه معلوم.

وإذا ترك جميع الأفراد ، فلا شبهة في أنّه لا يعاقب إلاّ على أقلّها ؛ لأنّه لم يطلب سواه.

وممّا يتفرّع عليه : أنّه إذا أوصى رجل بفرد معيّن من أفراد الكفّارة ، وكان أعلى الأفراد ، فهل يحسب من الأصل ؛ نظرا إلى أنّه لو أتى به اتّصف بالوجوب ، أو يحسب الزيادة من الثلث ؛ نظرا إلى أنّ الواجب أقلّ منه؟ والظاهر ، الثاني.

تذنيب

يصحّ التخيير بين الواجب والندب ، وهذا ما يقال : إنّ أحد الفردين أفضل ، كالتخيير بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر على القول به ، والتخيير بين القصر والإتمام في المواطن الأربعة (٢) ، وتخيير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قيام الليل بين الثلث والنصف والثلثين (٣) ، وتخيير المدين بين الإنظار والصدقة (٤) ، وغير ذلك.

ويجوز التخيير بين المندوبين ، كما إذا نذر بأن يفعل أحد الأمرين ، ولم يجر الصيغة ؛ فإنّه يستحبّ الوفاء به ، ويتخيّر بينهما.

__________________

(١) راجع تمهيد القواعد : ٥٩ و ٦٠ ، القاعدة ١٢.

(٢) هي المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ ، والحائر الحسيني ، ومسجد الكوفة.

(٣) كما يستفاد ذلك من الآيات ١ ـ ٤ من المزّمّل (٧٣).

(٤) كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ، البقرة (٢) : ٢٨٠.

١٢٨

ولا يجوز التخيير بين المباح والحرام وفاقا.

وما روي من تخيير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الإسراء بين اللبن والخمر فاختار اللبن ، فقال له جبرئيل : اخترت الفطرة ، ولو اخترت الخمر لغوت أمّتك (١) ، ليس تخييرا بين المباح والحرام ؛ لعدم كون الخمر حراما لو اختار. نعم ، كان له سوء عاقبة ، وهذا غير الحرمة.

تتميم

الحقّ أنّه يصحّ النهي تخييرا ، بمعنى أن يحرّم واحد لا بعينه ، وذلك كتحريم إحدى الاختين جمعا ، وتحريم البنت أو الأمّ ، وتحريم وطء إحدى الأمتين. وهذه المسألة كمسألة الوجوب التخييري اختلافا ، وتحقيقا ، ودليلا ، وردّا ، وإيرادا ، وجوابا ، وتفريعا ؛ فلا نطيل الكلام بذكرها.

فصل [١٢]

الواجب المضيّق ما ساواه وقته. والموسّع ما فضل وقته عليه.

ولا يجوز أن ينقص الوقت من الفعل ؛ للزوم التكليف بما لا يطاق. وما ورد من وجوب الصلاة على الصبيّ إذا بلغ وقد بقي من الوقت مقدار ركعة (٢) ، وعلى الحائض إذا طهرت كذلك (٣) فالمراد منه القضاء.

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف في الموسّع في موضعين ، فلا بدّ من ذكره وبيان الحقّ :

[ الموضع ] الأوّل : في ثبوته. فذهب أصحابنا (٤) ومحقّقو العامّة إلى أنّه جائز وواقع (٥) ، بمعنى أنّه يجوز أن يأمر الشارع بفعل في وقت يفضل عنه ، ويكون جميعه وقتا لأدائه ،

__________________

(١) انظر صحيح مسلم ١ : ١٤٥ ، ح ٢٥٩ / ١٦٢.

(٢) ذكرى الشيعة ٢ : ٣٥١.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٣٩١ ، ح ١٢٠٧.

(٤) قال الشيخ حسن في معالم الدين : ٧٣ : « أكثر الأصحاب » لأنّ ظاهر المفيد هو اختصاص الوجوب بأوّل الوقت.

(٥) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٤٦ ، ومعارج الأصول : ٧٤ ، ومعالم الدين : ٧٣.

١٢٩

بمعنى أنّه يجوز إيقاعه في أيّ جزء من أجزائه ، وفي أيّ جزء اتّفق يكون أداء وواجبا بالأصالة ، فمرجعه حقيقة إلى الواجب التخييري. والفرق أنّ التخيير في التخييري بين الجزئيّات المتخالفة بالحقيقة ، وهنا في الجزئيّات المتماثلة بالحقيقة ، المتمايزة بالشخصيّة.

وبعبارة اخرى : التخيير هناك بين جزئيّات الفعل ، وهنا بين أجزاء الوقت.

قالوا : وقد وقع ؛ قال الله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ )(١) ، ولا شكّ في تطبيقه على ما ذكر. وكذا الواجبات التي أوقاتها جميع العمر ، كالنذر المطلق وقضاء الواجبات.

والدليل على الجواز : أنّ السيّد إذا أمر عبده بفعل في وقت يفضل عنه ، وخيّره في إيقاعه بين أوّله ووسطه (٢) وآخره ، لم يعدّه العرف محالا (٣) ، بل يجوّزه ويحكم بالامتثال إذا أوقعه في أيّ جزء منه.

وعلى الوقوع : ما ورد من الأوامر المطلقة (٤) التي تدلّ على إيقاع الفعل في وقت يفضل عنه من غير تقييد بأوّله ، أو وسطه ، أو آخره ، أو بجزء معيّن من أجزائه. وليس المراد منها تطبيق أجزاء الفعل على أجزاء الوقت ، ولا تكريره مرّة بعد اخرى حتّى ينقضي الوقت إجماعا ، فتعيّن القول بكونه واجبا على التخيير في أجزاء الوقت.

ثمّ المانعون بين قائل بأنّ الوجوب مختصّ بأوّل الوقت وبعده قضاء ، وهم ثلّة من الشافعيّة (٥). وقائل بأنّه مختصّ بآخره وقبله نفل مسقط للوجوب ، كتقديم الزكاة ، وهم قليل من الحنفيّة (٦). وقائل بأنّه مختصّ بآخره ويقع الفعل قبله مراعى ، فإن بقي المكلّف في آخره على صفة التكليف يظهر أنّ ما أتى به كان واجبا ، وإلاّ كان نفلا ، وهو الكرخي (٧).

واحتجّوا بأنّه لا يجوز الزيادة في الوقت ؛ لأدائها إلى جواز ترك الواجب ، فلا بدّ من

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ٧٨.

(٢) في « ب » : « وأوسطه ».

(٣) في « ب » : « مجازا ».

(٤) منها الآية المذكورة آنفا ( الإسراء (١٧) : ٧٨ ).

(٥ و ٦) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٤٥ ، ومعارج الاصول : ٧٤ ، ومعالم الدين : ٧٣.

(٥ و ٦) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٤٥ ، ومعارج الاصول : ٧٤ ، ومعالم الدين : ٧٣.

(٧) راجع المصدر.

١٣٠

صرف الأمر إلى جزء معيّن منه ، وهو إمّا أوّله أو آخره ؛ لعدم القول بالواسطة. فمن خصّ الوجوب بأوّله قال : لأنّه لو لم يكن هو لما برئ ذمّته بأدائه فيه. ومن خصّه بالأخير قال : لو لم يكن هو لعصى المكلّف بتأخيره.

ودليل كلّ منهما جواب عن الآخر ، فيفسخ القولان ، ويثبت منه الوجوب التخييري في أجزاء الوقت.

وممّا ذكرنا في إثبات الوجوب الموسّع يظهر الجواب عمّا ذكروا من أدائه إلى جواز ترك الواجب.

[ الموضع ] الثاني : في وجوب البدل ـ وهو العزم على الفعل في الجزء الثاني من الوقت إذا أخّره عن جزئه الأوّل ، وفي الجزء الثالث إذا أخّره عن الثاني ، وهكذا ـ وعدمه.

فبعض أصحابنا كالسيّد والشيخ (١) على وجوبه ، أي تخيير (٢) المكلّف بين الفعل والعزم عليه إلى الضيق ، ومعه يتعيّن الفعل ، ولا يجوز تركهما معا في وقت.

والأكثر على عدم وجوبه ، أي يجوز تركهما معا قبل الضيق ، ومعه يجب الفعل ، ولا يجب العزم في وقت. وهو الحقّ ؛ لأنّ الأوامر مطلقة (٣) ، ولا تدلّ على وجوب بدليّة العزم بإحدى الثلاث ، بل لا يفهم منها سوى وجوب الفعل على التخيير في أجزاء الوقت. ولا يدلّ عليه أيضا غيرها من الأدلّة الخارجيّة.

والاستدلال عليه : بأنّ العزم لو كان بدلا لجاز الاكتفاء به من دون أداء الفعل مطلقا ؛ لأنّ هذا شأن البدل ، غير صحيح ؛ لأنّهم لم يقولوا : إنّه بدل عن الفعل مطلقا ، بل عنه إذا وقع فيه التأخير إلى وقت الضيق ، ومعه يتعيّن الفعل.

احتجّ الخصم : بأنّه لو جاز ترك الفعل قبل ضيق الوقت من غير بدل ، لزم خروجه عن الوجوب ؛ لأنّه يلزم حينئذ عدم تعلّق الإثم بالمكلّف إذا مات فجأة في أثناء الوقت من دون

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٤٧ ، والعدّة في أصول الفقه ١ : ٢٣٥.

(٢) في « ب » : « يتخيّر ».

(٣) منها الآية ٧٨ من الإسراء (١٧).

١٣١

الإتيان به وببدله ، فلا يكون الفعل واجبا ؛ لأنّ الواجب ما يكون تاركه لا إلى بدل آثما. ويلزم منه تساوي الفعل بالنسبة إلى قبل دخول الوقت وبعده ، وعدم انفصاله عن المندوب (١).

والجواب : أنّ هذا الوجوب لمّا كان وجوبا على التخيير في أجزاء الوقت ، فما لم يتحقّق الترك في جميع أجزائه ، لم يتعلّق به الإثم ؛ لأنّه في المخيّر يتعلّق بترك جميع أفراد الفعل ، والمدرك لبعض الوقت إذا مات فجأة ، لم يترك جميع أفراد الفعل ؛ لأنّه موقوف على إدراك جميعها وهو لم يدركه ، بل بعضها وهو لم يكن متعيّنا عليه ؛ لأنّ الواجب عليه أحد الأفراد لا على التعيين من المجموع ، فما تركه لم يكن واجبا عليه ، وما هو الواجب لم يدركه حتّى يتحقّق الترك.

وممّا ذكر يظهر الفرق بينه وبين الإتيان به قبل الوقت ؛ لأنّه لمّا كان من أحد أفراد الواجب المخيّر ، يسقط به الفرض ، بخلاف الإتيان به قبل الوقت.

وكذا يظهر الفرق بينه وبين المندوب وهو ظاهر.

هذا ، وقيل : العزم على فعل كلّ واجب قبل الإتيان به إجمالا وتفصيلا عند تذكّره من أحكام الإيمان ، فلزوم الإثم على تركه لذلك ، لا لكونه من أحد أفراد الواجب المخيّر (٢).

واورد عليه : بأنّ معنى العزم على الفعل قصد الإتيان به ، فإن اريد به القصد المقارن له أعني النيّة ، فوجوبه مسلّم ، لكنّه غير محلّ النزاع ، وإن اريد به القصد غير المقارن ، فلا نسلّم وجوبه ، ولا دليل عليه (٣).

أقول : ليس محلّ النزاع حالة الغفلة ؛ لعدم تعلّق التكليف حينئذ ، بل عند التذكّر الإجمالي أو التفصيلي ، ولا شكّ في أنّه إذا لم يتحقّق حينئذ قصد الإتيان بالواجب ، يتحقّق قصد تركه ؛ لعدم خلوّ المكلّف عن أحد هذين القصدين عند التذكّر ، فالمراد من العزم عدم إرادة الترك ؛ لتلازمهما. ولا شبهة في ترتّب الإثم عليه ؛ لأنّه من أحكام الإيمان أي من

__________________

(١) راجع معالم الدين : ٧٥ ـ ٧٨.

(٢) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : ١٠٩ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٧٥.

(٣) راجع : المحصول ٢ : ١٧٧ ، وقوانين الاصول ١ : ١١٩.

١٣٢

توابعه ومكمّلاته ، لا من لوازمه غير المنفكّة ، وإلاّ لزم خروج المكلّف عن الإيمان عند قصد ترك الواجب ، وهو باطل.

والقول بعدم ترتّب الإثم على إرادة ترك الواجب مناف لأخبار النيّة (١) ، وإن دلّ عليه بعض الظواهر (٢) ، فتأمّل.

وقال بعضهم : وجوب العزم على الفعل لأجل توقّف تحقّق التصديق الذي هو الإذعان عليه ، وهو من لوازم الإيمان (٣).

وهو كما ترى ؛ لأنّ التصديق لا يتوقّف على إرادة الفعل مطلقا ؛ فإنّ فسّاق المسلمين يذعنون بوجوب الواجبات ، ويصدّقون به ، ولا يريدون فعلها. ولو ثبت التوقّف ، لزم خروج من لم يعزم على فعل واجب ـ إذا كان وجوبه بديهيّا ـ عن الإيمان ، وهو باطل.

إذا عرفت ذلك تعلم أنّه لا يجب العزم في الواجبات الموسّعة إذا لم يؤدّها في أوائل الأوقات وأواسطها (٤) ، على أنّه من أحد أفراد الواجب المخيّر ، بل إن وجب يكون وجوبه لأجل ما ذكر. فلا فرق في وجوبه حينئذ قبل دخول الوقت وبعده ، ولا بين الواجب الموسّع والمضيّق ، فلا يجب بعد دخول وقت الموسّع عزم لم يجب (٥) قبله ، كما هو مذهب القائلين بالعزم (٦).

ويتفرّع على وجوب عدم إرادة ترك الواجب ترتّب الإثم على من وطئ زوجته ظانّا أنّها أجنبيّة ، وعلى من قتل قاتل أبيه ظانّا أنّه بريء.

تذنيب

من أدرك وقت الواجب الموسّع وظنّ الموت في أثنائه ، يجب أن يؤدّي الفعل قبل الجزء الذي ظنّ موته فيه ، فلو تركه قبله ومات عصى ؛ لأنّه متعبّد بظنّه وخالف.

__________________

(١) منها ما في الكافي ٢ : ٨٥ ، باب النيّة ، ح ٥.

(٢) المصدر : ٤٢٨ ، باب من يهمّ بالحسنة والسيّئة ، ح ١ و ٢ و ٤.

(٣) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٦٤.

(٤) في « ب » : « أوسطها ».

(٥) في « ب » : « ولم يجب ».

(٦) نسبه الفخر الرازي إلى أكثر المتكلّمين في المحصول ٢ : ١٧٥.

١٣٣

وإن كذب ظنّه ، وبقي وأتى بالفعل بعد الجزء المذكور ، فالحقّ ترتّب العصيان عليه أيضا ؛ لما ذكر.

وهل فعله حينئذ أداء أو قضاء؟ الصواب أنّه أداء ؛ لصدق تعريفه عليه وعدم اعتبار الظنّ بعد ظهور فساده. وقيل : قضاء ؛ لتعيّن وقته باعتبار الظنّ (١).

وجوابه : أنّ هذا مشروط باستمراره ، ومع ظهور فساده لا عبرة به.

ويجري الأحكام المذكورة في الواجب الذي وقته العمر.

ومن ظنّ السلامة ، أو شكّ بينها (٢) وبين الموت ، وأخّر الفعل عن أوّل الوقت فمات فجأة ، لم يكن عاصيا ؛ لأنّ التأخير جائز له ، ولم يحدث مناف له ، وكذا ما وقته العمر.

والفرق بينهما بأنّه لو أخّر الأخير مع ظنّ السلامة فمات فجأة عصى وإن لم يتحقّق الوجوب ، تحكّم.

وكيفيّة التفريع : أنّ من عليه نذر مطلق إذا ظنّ موته في زمان يجب أداؤه قبله ، ومع التأخير يأثم ، وإن أتى به بعده يكون أداء ، ويلزم نيّة الأداء. وإن ظنّ السلامة فمات فجأة ، لم يكن آثما. وقس عليه باقي الواجبات التي وقتها مدّة العمر ، والواجبات الموسّعة.

فصل [١٣]

اختلف القوم في وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به إذا كان مقدورا ـ ويعبّر عنه بمقدّمة الواجب ـ على أربعة أقوال :

الأوّل : الوجوب مطلقا ، ذهب إليه الأكثر.

الثاني : عدمه مطلقا.

الثالث : وجوب السبب دون باقي المقدّمات ، ونسبه الأكثر إلى المرتضى رحمه‌الله (٣) ، وستعلم ما فيه.

__________________

(١) نسبه الآمدي إلى القاضي أبي بكر في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٥٠.

(٢) في « ب » : « بينهما ».

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٣. وقال الشيخ حسن في معالم الدين : ٦٠ : « وكلامه في الذريعة والشافي غير مطابق للحكاية ».

١٣٤

الرابع : وجوب الشرط الشرعي دون غيره ، ذهب إليه ابن الحاجب (١).

والحقّ الأوّل.

وقبل الخوض في الاستدلال لا بدّ من بيان امور :

[ الأمر ] الأوّل : ما يتوقّف عليه الواجب إمّا سبب ، أو شرط. وكلّ منهما إمّا عقلي ، أو شرعي ، أو عادي.

فالسبب العقلي كالصعود للكون على السطح ، والضرب بالسيف للقتل. والشرعي غير المقدور عليه كالدلوك لوجوب الظهر ، والمقدور عليه كالصيغة الشرعيّة بالنسبة إلى حصول الملك وإباحة الوطء. والعادي كالإطعام للإشباع.

والشرط العقلي كقطع المسافة للحجّ. والشرعي كالوضوء للصلاة والملك للعتق. والعادي كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه.

ولم يتعرّض القوم للعلل الناقصة والمعدّ ورفع المانع وباقي أجزاء العلّة التامّة ، وكأنّهم أدرجوها في الشرط.

وينقسم مقدّمة الواجب باعتبار آخر إلى ما يتوقّف وجود الواجب عليه ، كبعض الأمثلة السابقة من السبب والشرط. وإلى ما يتوقّف صحّته عليه ، كالوضوء للصلاة. وإلى ما يتوقّف العلم بصحّته عليه ، كالصلاة إلى أربع جهات ؛ للعلم بإتيان الصلاة إلى القبلة ، وكالصلاة في كلّ واحد من الثوبين ، الطاهر والنجس ؛ للعلم بإتيان الصلاة في الثوب الطاهر.

وهذا القسم من المقدّمة إمّا أن يكون فعلا ، كما ذكر أو تركا ، كما إذا طلّق واحدة من زوجاته على التعيين ثمّ نسيها ؛ فإنّه يحتمل وجوب ترك الجميع عليه من باب المقدّمة. فلو طلّق واحدة منهنّ من غير تعيين ، فقد اختلف في وقوعه ، فإن قلنا به ، احتمل حينئذ أيضا وجوب ترك الجميع من باب المقدّمة.

[ الأمر ] الثاني : قدماء القوم أطلقوا القول بأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب (٢) ، وقيّد

__________________

(١) منتهى الوصول : ٣٦.

(٢) كالغزالي في المستصفى : ٥٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٩٢ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٥٢ و ١٥٣. وفي الذريعة إلى أصول الشريعة للسيّد ١ : ٨٣ : « هل الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به؟ ».

١٣٥

المتأخّرون الواجب بالمطلق (١) ؛ لأنّ مطلق الواجب على قسمين :

أحدهما : المقيّد ، وهو ما كان وجوبه مقيّدا بمقدّمة زائدة على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقّف وجوبها على ملك النصاب ، والحجّ المتوقّف وجوبه على الاستطاعة.

ولا خلاف في عدم وجوب هذه المقدّمة ؛ لأنّه قال الشارع : من ملك النصاب يجب عليه الزكاة ، ومن استطاع يجب عليه الحجّ ، وليس هذا أمرا بتحصيل النصاب والاستطاعة ، بل المراد إن اتّفق ذلك يجب الزكاة والحجّ ، وإن لم يتّفق فلا وجوب ، ولذا قيل : ما ارتكبه القدماء ـ من عدم التقييد ـ صحيح (٢) ؛ لأنّ غرضهم من الواجب ما هو واجب بالفعل والحقيقة ، والواجب المقيّد قبل اتّفاق مقدّمته ليس كذلك (٣).

وثانيهما : الواجب المطلق ، وهو ما أمر به الشارع مطلقا من غير تقييد وجوبه بمقدّمة زائدة ، كالصلاة التي أمر بها في حالة الطهارة والحدث ، ولكنّها تتوقّف على الطهارة ، إلاّ أنّ الطهارة ليست قيدا لوجوبها ، بل هي واجبة وإن لم يتّفق الطهارة. وهذه المقدّمة هي التي وقع فيها الخلاف.

وقد يكون واجب بالنسبة إلى مقدّمة مقيّدا ، وبالنسبة إلى اخرى مطلقا ، كالصلاة بالنسبة إلى البلوغ والطهارة ، فلا يجري الخلاف في الاولى ، ويجري في الثانية.

[ الأمر ] الثالث : وجوب الشيء إمّا عقلي ، وهو لا بدّيّة فعله ، أي العقل يحكم بأنّه لا بدّ من فعله ولا مفرّ منه. وإمّا شرعي ، وهو أن يتعلّق خطاب الشارع به أصالة أو تبعا حتّى لو ترك ترتّب عليه العصيان.

ثمّ الظاهر من كلام الأكثر أنّه لا خلاف في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات

__________________

(١) راجع معالم الدين : ٦٠ : « أنّ الأمر بالشيء مطلقا ».

(٢) أي لا نحتاج إلى قيد الإطلاق ؛ لفهم القيد من كلمة « الواجب » ، فليس معنى العبارة حصر الصحّة في عبارة القدماء. ولو كان الحصر مرادا ، لقال : « هو الصحيح ».

(٣) قاله الملاّ ميرزا في حاشية معالم الدين : ٥٧. وهو حسن في عبارة « مقدّمة الواجب » لا في « مقدّمة الشيء » ، فإنّه يحتاج إلى القيد.

١٣٦

الواجب ، سواء كانت عقليّة ، أو شرعيّة ، أو عاديّة ؛ بمعنى أنّه لا بدّ من فعلها عقلا في تحصيل الواجب وإن قيل : لم يتعلّق بها خطاب الشارع أصلا وتبعا ، بل تعلّق بذي المقدّمة فقط ، وكان تارك الواجب عاصيا من جهة تركه فقط لا من جهة ترك المقدّمة أيضا (١). فالخلاف إنّما هو في الوجوب الشرعي للمقدّمات ، بمعنى أنّه هل تعلّق بها خطاب الشارع تبعا لخطابه بذي المقدّمة حتّى يكون الخطاب بالعتق خطابا لتحصيل الملك والعتق ، ويكون تاركه تاركا للواجبين ، ويترتّب على كلّ منهما إثم على حدة؟ (٢)

هذا ، والظاهر من كلام المرتضى ـ كما نذكره ـ عدم الوجوب العقلي أيضا للمقدّمات سوى السبب (٣).

والحقّ أنّ ثبوت الوجوب العقلي بديهي عقلي ، ويدلّ عليه جميع الأدلّة الآتية ، وما ذكره رحمه‌الله ستعلم ما فيه.

[ الأمر ] الرابع : المشهور عند القوم عدم الخلاف في بقاء الواجب المطلق على إطلاقه في كلّ حال وإن لم يتّفق مقدّمته ، يعني إذا لم يتّفق الطهارة لا يرتفع وجوب الصلاة ، كما يرتفع وجوب الزكاة عند عدم اتّفاق النصاب.

ويظهر من كلام المرتضى رحمه‌الله اختصاص وجوبه بحال وجود مقدّمته ، وأمّا في حال عدمها فلا يبقى على وجوبه ، بل يكون حينئذ بالنسبة إلى مقدّمته واجبا مقيّدا ، فلا يجب تحصيل مقدّمته ؛ لأنّها من مقدّمات الواجب المقيّد (٤).

وحاصل كلامه : أنّ جميع مقدّمات الواجب ليست واجبة ؛ لاحتمال كونها من مقدّمات الواجب المقيّد ، لا أنّها ليست بواجبة مع كونها من مقدّمات الواجب المطلق.

ثمّ لمّا ذهب إلى ذلك ، لزمه الفرق بين السبب والشرط ؛ لأنّه يمكن أن يقيّد وجوب الشيء باتّفاق وجود شرطه ، ولا يمكن تقييد وجوب الشيء بوجود سببه ؛ لأنّ السبب

__________________

(١) نسبه الشيخ حسن إلى قيل في معالم الدين : ٦١.

(٢) راجع المصدر : ٦٠ ـ ٦١.

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٣ و ٨٤.

(٤) راجع المصدر.

١٣٧

مستلزم للمسبّب ، فتقييد وجوبه بوجوده يؤدّي إلى تقييد وجوب الشيء بوجوده وهو محال ؛ فلا يجوز أن يقال ـ مثلا ـ : « إذا اتّفق الصعود إلى السطح يجب الكون عليه » ، فلذا حكم بأنّ الأمر بشيء أمر بسببه دون شرطه ، وتفريقه بينهما في هذه الصورة ، لا أنّهما إذا كانا من مقدّمات الواجب المطلق يجب السبب دون الشرط ، كما نسب إليه الأكثر.

واحتجّ السيّد على ما ذهب إليه بأنّ الواجب على قسمين : مطلق ومقيّد ، والثابت بالأوامر مطلق الوجوب وهو غير الوجوب المطلق ؛ لأنّ الأوّل أعمّ من الثاني ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، فيحتمله والمقيّد ، فالمتيقّن وجوبه عند وجود المقدّمة ، وأمّا عند عدمها فموضع شكّ (١).

وجوابه : أنّ الأمر إذا ورد بشيء مطلقا ، فالظاهر كونه مطلوبا في جميع الحالات ، إلاّ إذا علم التقييد ، فالأوامر المطلقة تدلّ على الوجوب المطلق ، لا مطلق الوجوب ، ولذا إذا أمر السيّد عبده بالصعود إلى السطح ، لا يصحّ منه الاعتذار بأنّه لم يكلّفني نصب السلّم ، ولم يتّفق وجوده لي ، بل إن لم يصعد واعتذر بذلك مع القدرة على نصب السلّم ، يذمّه العقلاء. فكلّ واجب ورد به أمر وله مقدّمات ، فإن علم بالدليل تقييد وجوبه بمقدّمة منها ، يحكم بأنّه واجب مقيّد بالنسبة إليها ، وإن لم يعلم ذلك ، يحكم بكونه مطلقا بالنسبة إليها ، وهذا هو المعيار في ذلك.

إذا عرفت ذلك ظهر عليك أنّه لا خلاف يعتدّ به في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات الواجب المطلق في جميع الحالات ، إنّما الخلاف في الوجوب الشرعي لها. والحقّ ثبوته بأجمعها ؛ لوجوه :

منها : أنّا قد بيّنّا في بحث الحسن والقبح (٢) أنّ الوجوب والحرمة العقليّين يستلزمان الوجوب والحرمة الشرعيّين.

ومنها : أنّ الأحكام الشرعيّة منوطة بالمصالح ، فكلّ واجب يشتمل على مصلحة ،

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٤ و ٨٥.

(٢) تقدّم في ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

١٣٨

ومقدّمته لكونها وسيلة إليه تشتمل على تلك المصلحة بعينها ، فتكون واجبة. ولمّا فهم هذا الاشتمال من الأمر بذي المقدّمة ، فيكون الأمر بها تابعا له.

ومنها : أنّه قد ورد في بعض الآيات والأخبار المدح على فعل مقدّمة الواجب (١) ، وفي بعضها الذمّ على تركها ، وهذا مستلزم لوجوبها.

ومنها : أنّ السيّد إذا أمر عبده بفعل ، وكان قادرا على تحصيل مقدّمته ، فتركه واعتذر في ذلك بفقدها أو عدم وجوبها ، يذمّه العرف. ولا يخفى أنّ ذمّ العرف حقيقة على اعتذاره وإن توجّه على ترك أصل الفعل أيضا.

فاندفع ما قيل في الجواب : إنّ الذمّ يتوجّه على ترك الفعل ، لا على ترك مقدّمته (٢).

هذا ، واستدلّ عليه أيضا ؛ بأنّه لو لم يجب المقدّمة مع وجوب ذي المقدّمة ، يلزم التكليف بما لا يطاق ، ومع عدمه يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه ، واللازمان باطلان (٣).

واجيب : بتسليم وجوبه ، وعدم لزوم التكليف بما لا يطاق ؛ فإنّ المحال وجوب الفعل عند عدم وجود مقدّمته ، لا عند عدم وجوبها ؛ فإنّ الإتيان بذي المقدّمة مع عدم وجودها محال ، فيلزم اللازم المذكور. وأمّا مع وجودها ، فيمكن الإتيان به وإن لم تكن واجبة. والمطلوب أنّ وجوبها حينئذ عقلي ، أي لا بدّ من فعلها ، وليس لها وجوب شرعي ، أي تعلّق خطاب الشرع بها بحيث لو تركت ترتّب عليها (٤) إثم على حدة. فهذا الدليل ممّا يثبت به الوجوب العقلي لا الشرعي (٥).

وقيل عليه أيضا : إنّه لو ورد ما ذكر ، يلزم وروده في صورة وجوب المقدّمة أيضا ؛ لأنّ وجوبها شرعا لا يستلزم وجودها عقلا. فإن عدمت ، فإمّا أن يبقى الفعل واجبا ، أو لا ، فعلى

__________________

(١) كآية ٦ من سورة المائدة (٥) : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) ، والأحاديث الآمرة بالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، فراجع الفقيه ١ : ٢٧٨ ، ح ٨٥٤ ، والصلاة في الثوبين عند اشتباه الطاهر بالنجس. فراجع : الفقيه ١ : ٢٤٩ ، ح ٧٥٦ ، وتهذيب الأحكام ٢ : ٢٢٥ ، ح ٨٨٧.

(٢) أجاب به القمّي في قوانين الاصول ١ : ١٠٥.

(٣) راجع معالم الدين : ٦٢.

(٤) أي على تركها.

(٥) راجع معالم الدين : ٦٢.

١٣٩

الأوّل يلزم التكليف بما لا يطاق ، وعلى الثاني خروج الواجب عن وجوبه ، والغرض أنّ وجوب المقدّمة شرعا إنّما هو في صورة كونها مقدورة ، ومع عدم كونها مقدورة لا يتعلّق بها وجوب ، فيلزم أحد الأمرين (١).

فإن قيل في الجواب هنا : قد يتحقّق وجوب الفعل عند عدم مقدّمته ، وليس وجوبه بأن يؤدّى في هذه الحال ، بل عند وجود مقدّمته.

نقول هناك : إذا لم يناف وجوب الفعل عدم وجود ما يتوقّف عليه ، فلا ينافي وجوبه عدم وجوب ما يتوقّف عليه أيضا بطريق أولى.

والحقّ أنّ هذا النقض غير لازم ؛ لأنّه في حال عدم المقدّمة يمكن أن يقال : يسقط الوجوب عن الفعل ؛ لأنّ عدم ما يتوقّف عليه الشيء مستلزم لعدم هذا الشيء ، ووجوب الفعل عند عدم مقدّمته غير مسلّم ، بل هو في هذه الحال يصدق عليه أنّه بحيث يصير واجبا عند وجود مقدّمته ، فليس وجوبه حاليّا ، بل استقباليّا.

واحتجّ المانع مطلقا بوجوه ضعيفة :

منها : أنّه لو وجب مقدّمة الواجب لزم صحّة شبهة الكعبي (٢).

وقد عرفت جوابها (٣) من غير احتياج إلى منع وجوب مقدّمة الواجب.

ومنها : أنّه قد يأمر أحد غيره بفعل مع غفلة الآمر عمّا يتوقّف عليه هذا الفعل ، فالأمر بفعل إذا لم يستلزم تصوّر ما يتوقّف عليه ، فكيف يدلّ على إيجابه؟! (٤)

والجواب : أنّ العلم بلوازم الأفعال غير لازم ، فيمكن أن يكون شيء لازما لأفعالنا مع عدم علمنا به ، مع أنّ هذا يجري فيمن يجوز عليه الغفلة ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ لأنّ الآمر هو الشارع للأحكام ، ولا يجوز عليه الغفلة (٥).

__________________

(١) راجع معالم الدين : ٦١ ، والوافية : ٢٢١.

(٢) وهي إنكار المباح ، راجع ص ١٢١.

(٣) تقدّم في ص ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) راجع نهاية السؤل ١ : ١٩٧ و ١٩٨.

(٥) في « ب » : « غفلة ».

١٤٠