مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

القسم الثاني يدلّ على أنّ المناط هو حصول العلم أو الظنّ المعتبر بالعدم لا ملاحظة الحالة السابقة ؛ إذ لو كان كذلك لما كان للتفصيل وجه ، لوجود الحالة السابقة في جميع الأقسام الثلاثة.

ومنها : ما أفاده الشّيخ في العدّة (١) من أنّ المحصّلين على أنّ النافي كالمثبت في الاحتياج إلى الدليل ، كما أشرنا إليه نحن (٢) أيضا في بعض المباحث الماضية (٣) ، ووجه الدلالة أنّ الحالة السابقة لو كانت معتبرة ودليلا لم يكن لما أفاده وجه ؛ ضرورة أنّ مدّعي النفي لا ينفكّ دعواه عن العدم الأزلي ، والمفروض صلوحه لأن يكون دليلا ، سواء كان براءة أو غيرها من الأصول العدمية ، واحتمال أنّ المراد هو احتياج النافي فيما إذا كان العدم والنفي مسبوقا بالوجود ممّا لا يصغى إليه ؛ لعدم الخلاف في ذلك لأحد ، فلا ينبغي حمل كلام الشيخ عليه.

ومنها : احتجاج المثبتين من أنّ كلّ ما ثبت دام ، فإنّ الثبوت وإن كان مرادفا للوجود على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّه قد يطلق على مطلق التقرّر (٤) الشامل تسامحا للأعدام الأزلية ، ومن هنا يظهر عدم اتّجاه ما قد يورد على هذه الحجّة من اختصاصها بالوجوديات وإن كان الاعتراض على هذا الوجه حجّة على ما هو المطلوب كما لا يخفى.

ومنها : ما احتجّ إليه المرتضى رحمه‌الله (٥) في احتجاج النفي من استلزام القول به التسوية بين الحالتين (٦) من غير دليل ، فإنّه بعمومه شامل للاستصحاب الوجودي والعدمي (٧).

ومنها : ما تمسّك به جماعة في الاحتجاج على النفي من أنّه لو كان حجّة لزم الحكم بتقديم بيّنة النافي على بيّنة المثبت ؛ لموافقته للبراءة الأصلية.

__________________

(١) العدّة ٢ : ٧٥٣.

(٢) « ز » : أشرنا نحن إليه ، وفي « ك » : ـ إليه.

(٣) أشار في ج ٣ ، ص ٣٣١.

(٤) « ج » : التقرير.

(٥) الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٨٣٠.

(٦) « ز ، ك ، ل » : الحالين.

(٧) « ج ، م » : لاستصحاب الوجود والعدم.

٤١

ومنها : ما ذكره غير واحد من اشتراط العمل بالأصل بالفحص إلى أن يحصل القطع بعدم الدليل كما عليه البعض ، أو الظنّ كما عليه آخرون ، فإنّه ظاهر في أنّ التعويل على الاستصحاب إنّما هو بواسطة القطع أو الظنّ الحاصل بعد الفحص لا على نفس الحالة السابقة ، واحتمال اشتراطهم ذلك نظرا إلى لزوم إجراء عدم المانع بالفحص لتحصيل الظنّ من نفس الأصل ـ على تقدير التسليم ـ لا يجري على القول بتحصيل القطع ؛ إذ لا ريب في عدم إفادة الأصل القطع بنفسه لو خلّي وطبعه حتّى بالفحص يحرز عدم المانع كما لا يخفى.

ومنها : ما ذكره أستاد الكلّ في الكلّ (١) المحقّق الخوانساري من أنّ الاستصحاب ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى الشرعي وغيره ، ومثّل للأوّل بنجاسة الثوب والبدن ، وللثاني برطوبته ، ثمّ قال : وذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وبعضهم إلى حجّية القسم الأوّل فقط (٢) ؛ حيث إنّه أسند الخلاف إلى غير الحكم الشرعي وهو بعمومه شامل للبراءة الأصلية كما تنبّه له المحقّق القمي ـ وإن كان لا يخلو عن مناقشة فيه ـ وبعض آخر ، إلاّ أنّ للمتتبّع ما يغني عن ذكر ذلك.

ومن هنا ينقدح أنّ دعوى خروج الأصول العدمية كأصالة عدم النقل وأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم القرينة ونحوها من الأصول المعمولة في باب الألفاظ ونحوها (٣) ، أيضا داخل في النزاع ؛ إذ لا خصوصية (٤) في تلك الأصول من حيث الاستصحاب على وجه لا يكون في غيره ، فتخصيص أحدهما بالخروج عن (٥) تلك الحيثية تخصيص من غير ما يقضي به ، وجريان الكلمات السابقة فيها ممّا لا يدانيه ريبة ، إلاّ أنّ الأستاد دام عزّه وتحقيقه في فلك الغرّة وسماء التحقيق نقل عن شيخه الشريف رحمه‌الله (٦)

__________________

(١) « ج ، م ، ك » : ـ في الكلّ.

(٢) مشارق الشموس : ٧٦.

(٣) « ج » : غيرها.

(٤) « ج » : + لشيء.

(٥) « ج ، م » : من.

(٦) « ز ، ك ، ل » : ـ رحمه‌الله.

٤٢

دعوى إسناد إطباقهم (١) على خروج العدميات مطلقا إلى سيّد (٢) الرياض رحمه‌الله (٣) ، ولعلّه يظهر من بعض آخر دعوى الإطباق على خروجها ، وكأنّ منشأه ما نقله ولده الشهيد (٤) رحمه‌الله (٥) في المفاتيح في احتجاج المثبتين وهو أنّه لو لم يكن حجّة لما جاز التمسّك بأصالة عدم القرينة وأصالة عدم النسخ وأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم النقل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، أمّا الملازمة فلوضوح رجوع الأصول المذكورة إلى الاستصحاب ، وأمّا بطلان التالي فلأنّه (٦) على تقديره ينسدّ سبيل المحاورة وينفتح طريق المكابرة ، وبطلان التالي ـ كوضوح الملازمة ـ ظاهر ، ومع ذلك (٧) فالأصول المذكورة مجمع عليها لا يستريب فيها أحد من الأصوليين (٨).

وقد أشير إلى الحجّة المذكورة في جملة من الكتب. ففي التهذيب : ولأنّ الأحكام

__________________

(١) « م » : دعوى إطباق إسناد إطباقهم.

(٢) فوقها في نسخة « م » : خ : صاحب.

(٣) كما في تقريراته في ضوابط الأصول : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، وأيضا في تقريراته للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) : ٢٤١ ، قال في ضوابط الأصول : لا ريب في دخول الاستصحاب الوجودي في محلّ النزاع ، ويظهر من بعض المتأخّرين كون الاستصحاب العدمي أيضا محلّ النزاع ، فالحقّ خلافه لوجوه :

الأوّل : الإجماع المحكيّ عن الفاضل الجواد وصاحب الرياض على خروج العدمي عن النزاع.

قال الأردكانى في تقريراته : والتحقيق خلافه لوجوه :

الأوّل : الإجماع المحكيّ عن الفاضل الجواد والسيّد الأستاد وغيرهما الدالّ على عدم كون هذا النزاع في الأصول العدمية.

(٤) فوقها في نسخة « م » : خ : السيّد.

(٥) « ز ، ك ، ل » : ـ رحمه‌الله.

(٦) « ج ، م » : فلأنّ.

(٧) في المصدر : أمّا بطلان التالي فلأنّه لو لم يجز التمسّك بها ؛ للزم سدّ باب الاستدلال على الأحكام الشرعية بالكتاب والسنّة غالبا ، بل دائما ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، أمّا الملازمة ففي غلبة الظهور ، وأمّا بطلان التالي فكذلك أيضا ، ومع ذلك.

(٨) في المصدر : الأصوليين على الظاهر.

٤٣

الشرعية مبنيّة غالبا عليه ؛ لأنّ الدليل إنّما يتمّ لو لم يتطرّق إليه المعارض من نسخ وغيره ، وإنّما يعلم نفي المعارض بالاستصحاب.

وفي المنية احتجّ عليه بأنّ أكثر الأحكام الشرعية مبنيّة على الاستصحاب ، فيكون حجّة. أمّا الأوّل : فلأنّ الدليل إنّما يجب العمل به إذا لم يطرأ عليه ما يزيل حكمه إمّا مطلقا كالناسخ ، أو بعض مدلولاته كالتخصيص للعامّ والتقييد للمطلق ، أو معارضة دليل راجح عليه ولا وسيلة إلى العلم بانتفاء (١) ذلك إلاّ من الاستصحاب.

وأمّا الثاني : فبيّن.

وفي الرسالة الاستصحابية : ومنهم من أنكر حجّية الضرب الأوّل ، لكن نجد من الجميع حتّى المنكر مطلقا أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، مثلا يقولون : الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا ، فكذلك لغة (٢) ؛ لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون أيضا بأصالة بقاء المعنى اللغوي ، فينكرون الحقيقة الشرعية ، إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبّع (٣).

وفي بعض شروح المنهاج للإسنوي (٤) : وأيضا لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يكن الأحكام الشرعية (٥) في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابتة في زماننا أصلا ؛ لجواز تطرّق النسخ عليها ، فلم تبق (٦) ثابتة ، لكنّ الأحكام الثابتة في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله باقية في زماننا بالاتّفاق ، ولم يكن دليل (٧) عليها غير الاستصحاب (٨) ، انتهى.

ووجه دلالة هذه الحجّة على خروج استصحاب العدم من حريم الخلاف هو أنّ عدم اعتبار تلك الأصول العدمية إنّما جعل تاليا في الشرطية التي يطلب منها اعتبار

__________________

(١) في المصدر : ببقاء.

(٢) « ج ، م » : بعد ، وفي المفاتيح : لغته.

(٣) الرسائل الأصولية ( رسالة الاستصحاب ) : ٤٢٤.

(٤) في المصدر : ـ للإسنوي.

(٥) في « ل » والمصدر : الشرعية الثابتة.

(٦) في المصدر : فلم يبق.

(٧) في المصدر : ـ دليل.

(٨) مفاتيح الأصول : ٦٤٤.

٤٤

مطلق الاستصحاب باستثناء (١) نقيض التالي لينتج وضع (٢) المقدّم ، لاتّحاد المناط وهو سبق اليقين ولحوق الشكّ ، وهو موجود في جميع الأقسام.

ومع ذلك كلّه فالتحقيق شمول النزاع للعدميات ؛ لعدم الفرق في نظر العقل بين الوجودي والعدمي في لحاظ الاستصحاب ، وأمّا دعوى الإجماع على الخروج فنظير دعوى الإجماع على خروج البراءة الأصلية ، وقد عرفت عدم إمكان استكشاف الوجه منه بعد احتمال انعقاده على وجوه مختلفة ، والعمل على طبق الأصول اللفظية ممّا لا يجدي.

وأمّا الجواب عمّا أوردناهما ـ [ و ] لعلّه يكون منشأ لتخيّل انعقاد الإجماع (٣) ـ فهو أنّه كما يحتمل أن يكون احتجاجا لإثبات حجّية مطلق الاستصحاب بواسطة حجّية قسم منها لاتّحاد المناط ، كذلك يحتمل أن يكون المقصود إثبات حجّية هذا القسم من الاستصحاب أيضا كأن يكون المقصود أنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة في النفي والإثبات مطلقا لزم منه انسداد باب المحاورات والاحتجاجات ، ونظير ذلك في احتماله الوجهين ما مرّ نقله عن (٤) المعارج والمعالم (٥) من أنّ (٦) العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما تقتضيه البراءة الأصلية ؛ إذ يحتمل أن يكون الفقرة الأخيرة من اجتهاد الناقل لا من المستدلّ.

على أنّا لو سلّمنا الإجماع على خروج العدميات من النزاع ، فهو إنّما يسلّم في الأصول المعمولة في الألفاظ فقط ، وأمّا سائر الأصول العدمية ، كأصالة عدم الزوجية والملكية والتذكية ، وعدم الطهارة ، وعدم النجاسة ، وعدم الرطوبة واليبوسة ، ونحوها ،

__________________

(١) « ج » : فاستثناء.

(٢) « ج » : بوضع.

(٣) « ل » : للتخيّل لانعقاد الإجماع ، وفي « ز ، ج » : التخيّل انعقاد الإجماع.

(٤) « ل » : من.

(٥) المعارج : ٢٨٧ ؛ المعالم : ٢٣٤ ، ومرّ نقله في ص ٣٨.

(٦) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : بأنّ.

٤٥

فدخولها في النزاع ممّا لا يدانيه ريب ، بل يظهر من صاحب المدارك والمحقّق الخوانساري (١) صراحة عدم اعتبار مثل هذه الأصول فكيف يمكن دعوى الإجماع عليه ، وإن كان يمكن دعوى اتّحاد المناط بعد خروج الأصول العدمية اللفظية ، إلاّ أنّ الكلام مع مدّعي الإجماع.

فإن قلت : فهل يمكن إنكار انعقاد الإجماع على اعتبار الأصول العدمية؟ ولعلّ المنكر ممّن لا يقطع بشيء في زمان أبدا ، فإنّه يشبه أن يكون إنكارا للأمر الضروري.

قلت : فهل يمكن دعوى الإجماع من الكلّ على ذلك بعد ما عرفت من وجوه (٢) الاختلاف (٣) وضروب الاعتساف في كلماتهم؟ نعم يصحّ دعوى انعقاد الإجماع العملي على هذه الأصول فإنّه بمكان من التسليم ، ولا ينافي ذلك دعوى بعضهم بحسب اجتهاده الإجماع على خروجها.

وقد يعترض على دعوى الإجماع بأنّ مفروغية الاستصحاب العدمية تلازم (٤) المفروغية في جميع أقسام الاستصحاب ، واللازم باطل ، وكذا الملزوم ، أمّا (٥) الملازمة فلعدم انفكاك الاستصحاب الوجودي عن استصحاب عدمي في أيّ مورد فرض ، فإنّ لكلّ أمر وجودي ضدّا أو أضدادا (٦) ، ولا أقلّ من استصحاب عدم الضدّ أو الأضداد ، مثلا الطهارة يضادّها الحدث ، والزوجية يباينها المزيل لها ، والملكية يناقضها (٧) النقل والانتقال ، فعند استصحاب الطهارة يستصحب عدم عروض الحدث ، وفي استصحاب الزوجية عدم المزيل للعلقة ، وفي الملكية عدم النقل والانتقال ، وفي استصحاب وجوب ردّ الوديعة عدم ثبوت ما عدا ذلك بالشرع ، إلى غير ذلك من الموارد ، فإنّ عدم تلك

__________________

(١) انظر مدارك الأحكام ٢ : ٣٨٧ و ٣ : ١٥٨ وذهب إليه أيضا المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد ٢ : ٢٢٧ ، ٢٣٢ ؛ كفاية الأحكام : ٢٥٢. وسيأتي عنهم في ص ٢٣٠.

(٢) « ل » : وجود.

(٣) « ز ، ك » : الخلاف.

(٤) « ج ، م » : يلازم ، وفي « ل » : ملازم.

(٥) « ز ، ك ، ل » : وأمّا.

(٦) « م » : ضدّ أو أضداد.

(٧) « ك » : يباينها.

٤٦

الأمور وإن كان يغاير المطلوب في استصحاب الوجود إلاّ أنّه يلازمه ؛ لأنّ نفي الضدّ أو الأضداد يلازم وجود الآخر ، وأمّا بطلان اللازم فأظهر من أن يظهر وأوضح من أن يوضح ؛ لعود النزاع بين الأقوال التى حافظوا على ضبطها وتحريرها وتنقيحها عبثا ولغوا.

وقد يجاب عنه بأنّ استصحاب تلك الأعدام التي هي أضداد لتلك الأمور الوجودية لا يجدي في ترتيب أحكام الأمور الوجودية عليها ، غاية الأمر أنّ ما يترتّب على نفس تلك الأعدام يمكن إثباته (١) بالاستصحاب دون غيرها ؛ لأنّها على تقدير التسرّي إلى أحكام الوجود أصول مثبتة ولا تعويل عليها.

وفيه أوّلا : أنّ أحكام الوجود والعدم قد تتّحد (٢) ، فلا حاجة إلى انسحاب الحالة الوجودية وانجرارها في زمن الشكّ ليترتّب عليها (٣) أحكامها ، وذلك في استصحاب العدالة التي هي ملكة وجودية ، واستصحاب عدم الفسق ، فإنّ صحّة الوصيّة إنّما تترتّب (٤) على عدم الفسق كما تترتّب (٥) على العدالة أيضا ، نعم فيما لو اختلف لا يمكن الاتّكال والتعويل في ثبوت العنوان الوجودى باستصحاب العدم ، فلا يترتّب عليه ، كما أنّه لا يجوز الائتمام لمن استصحبنا عدم فسقه مثلا ، وكما أنّ استصحاب عدم الحدث (٦) ممّا يترتّب عليه جواز الدخول في الصلاة أو غيرها ممّا تكون (٧) الطهارة شرطا فيه على ما يستفاد من عنوان بعض الأخبار ، وكما في استصحاب عدم وجوب القطع للمتيمّم الواجد للماء في الأثناء ، فإنّ ذلك يكفي في الطهارة ولا حاجة إلى استصحابها.

وثانيا : أنّ الأصول المثبتة ممّا لا تعويل عليها على تقدير الأخبار ، وأمّا على تقدير

__________________

(١) « ز ، ك ، ل » : إتيانه.

(٢) « ج ، م » : يتّحد.

(٣) « ج » : عليه.

(٤) المثبت من « ل » وفي سائر النسخ : « يترتّب ».

(٥) « ز ، ج ، م » : يترتّب.

(٦) « ز » : الحادث ، « ل » : الحادثات.

(٧) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « يكون ».

٤٧

الظنّ كما عليه الأكثرون (١) من أصحابنا ومخالفينا ممّن قال بالاستصحاب وعلى تقديره ، فلا ينبغي التردّد (٢) في اعتبار (٣) الأصول المثبتة ، فإنّه إذا من الأدلّة الاجتهادية التي تكشف (٤) عن الواقع ، وبعد انكشافه وتقدير اعتبار الكاشف فلا بدّ (٥) من الأخذ بجميع لوازمه وملزوماته ، إلى غير ذلك من الوجوه المتفرّعة عليه والعناوين المنتهية إليه على ما ستعرف تفصيل الكلام فيه.

اللهمّ إلاّ أن يدّعى التفكيك بين الظنّ (٦) اللازم الحاصل من استصحاب الملزوم فلا عبرة (٧) ، والظنّ المتعلّق بنفس المستصحب فهو معتبر ، كما أنّ الشّارع قد حكم بالتفكيك بين الظنّ الحاصل من القبلة بالوقت ، فإنّه قد اعتبره في القبلة دون الوقت ، إلاّ أنّ ذلك خارج عمّا نحن بصدده ؛ إذ بعد اعتبار الظنّ فلا وقع لهذا الكلام كما لا يخفى.

فانقدح من جميع ما مرّ ذكره عموم النزاع للبراءة الأصلية والأصول العدمية بأجمعها.

المقام الثاني

فى الجهة الثانية من وجوه تحرير الخلاف ، فنقول : ربّما يتخيّل اختصاص حريم الخلاف بما إذا لم يكن دليل الحكم هو الإجماع ، كما يظهر وجهه عند وجوه الأقوال ، والحقّ عموم النزاع لعموم الأدلّة والعناوين والأمثلة وكلمات المثبتين والنافين ، وقد مرّ في المقام الأوّل ما به (٨) يمكن الاكتفاء عن نقل كلماتهم في إثبات المطلب ، فراجعه متدبّرا فيها (٩).

__________________

(١) « ج » : الأكثر.

(٢) « ز ، ك ، ل » : فلا ينفي الردّ.

(٣) « ز ، ل » : وفي اعتبار.

(٤) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « يكشف ».

(٥) « ز » : فلأنّه.

(٦) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : « ظنّ ».

(٧) « ك » : فلا عبرة به.

(٨) « ج » : بأنّه.

(٩) « ز ، ك ، ل » : فراجعه فتدبّر.

٤٨

المقام الثالث

في الجهة الثالثة منها ، فنقول : يظهر من عدّهم الاستصحاب في عداد الأدلّة العقلية ـ كما يقال كثيرا : ومن جملة الأدلّة العقلية الاستصحاب ـ اختصاص النزاع بالأحكام ؛ لأنّ الأدلّة العقلية مفسّرة في كلامهم بالأحكام العقلية الموصلة إلى الأحكام الشرعية ، والموضوعات ليست (١) منها ، والاستصحاب فيها ليس (٢) دليلا ، بل هو أمارة كاليد والبيّنة وإن توقّف اعتباره فيها على حكم الشارع ؛ إذ ذلك لا يقضي بكونه دليلا كما في البيّنة ، لأنّ (٣) ما يثبت بها ليس حكما شرعيا ، فإنّ دخول زيد في « من يجب عليه كذا » مثلا ، ليس من الحكم الشرعي (٤) في شيء ، فالحكم الشرعي هو الخطاب المتعلّق بالعنوان الكلّي ، والبيّنة إنّما أقيمت على انطباق ذلك العنوان بالموضوع الخاصّ ، فالثابت (٥) بالاستصحاب فيما إذا كان المستصحب حكما كلّيا شرعيا هو الحكم الكلّي ، وفيما إذا كان موضوعا إنّما هو صغرى لقياس يثبت فيه سريان الحكم الكلّي إليه.

وبالجملة : فقضيّة ذلك خروج الموضوعات عن محلّ النزاع ، ولقد أومأ إلى ذلك أمين الأخبارية في الفوائد المدنية حيث قال : اعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الأمّة ، ثمّ ترقّى عن ذلك فقال : بل أقول : اعتبارهما من ضروريات الدين ، إحداهما : أنّ الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يجيء ما ينسخه (٦) ، وثانيهما : أنّا نستصحب كلّ أمر من الأمور الشرعية ، مثل كون الرجل مالك أرض ، وكونه زوج امرأة ، وكونه عبد رجل ، وكونه على وضوء ، وكونه

__________________

(١) « ج » : التي ، وفي « م » كانت أوّلا « التي » ثمّ غيّرت بـ « ليست ».

(٢) « ز ، ك ، ل » : ليس فيها.

(٣) « ز ، ك ، ل » : ولأنّ.

(٤) « ل » : من الأحكام الشرعية.

(٥) « ج » : فالذاهب.

(٦) « ز » والمصدر : بنسخه.

٤٩

طاهرا أو نجسا ، وكون الليل والنهار باقيا ، وكون ذمّة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف ، إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا لنقض تلك الأمور ، ثمّ ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين ، وقد يكون قول الحجّام المسلم أو المؤمن (١) ، وقد يكون قول القصّار المسلم (٢) ، وقد يكون بيع ما يحتاج إلى الذبح والغسل في سوق المسلمين ، وأشباه ذلك من الأمور الحسّية (٣) ، انتهى كلامه. ودلالته على كون الموضوعات خارجة (٤) عن محلّ الكلام ممّا لا يدانيه وصمة الريب والإنكار.

وتبعه في ذلك الشيخ الجليل الحرّ العاملي في الفوائد الطوسية حيث قال ـ بعد نقل كلام عن بعض معاصريه في الردّ على منكري البراءة الأصلية والاستصحاب ـ ما هذا لفظه : واعلم أنّ كلام المعاصر وغيره هنا مجمل يحتاج إلى التفصيل ليتحقّق (٥) محلّ النزاع ، ونحن نفصّل ونقول : الأصل يطلق على معان ويستدلّ به في مواضع اثني عشر ، فأخذ في تعدادها إلى أن قال : السابع : نفي تغيّر الحكم الشرعي في الحالة السابقة ، وهو المسمّى بالاستصحاب في نفس الحكم الشرعي إثباتا ونفيا. والثامن : نفي (٦) تغيّر الحالة السابقة إلى أن يثبت تغيّرها ، وهو المسمّى بالاستصحاب في غير نفس الحكم الشرعي ، إلى أن قال بعد ذكر تمام المواضع الاثني عشر : وأمّا السابع ففيه خلاف مشهور ذهب (٧) إلى بطلانه المحقّقون كالسيّد والشيخ والمحقّق والشيخ حسن ومولانا محمّد أمين وصاحب المدارك وغيرهم ، إلى أن قال : وأمّا الثامن فلا خلاف فيه والنصوص الشرعية دالّة عليه عموما وخصوصا (٨) ، انتهى. ووجه دلالته على خروج

__________________

(١) في المصدر : أو من في حكمه.

(٢) في المصدر : + أو من في حكمه.

(٣) الفوائد المدنية : ٢٨٨ ، في ط الحجري : ١٤٣.

(٤) « ج ، م » : خارجا.

(٥) في المصدر وظاهر نسخة « ز » : لتحقّق ، وفي « ك » : لتحقيق.

(٦) هنا تنتهي نسخة « ل ».

(٧) في المصدر : وقد ذهب.

(٨) الفوائد الطوسية : ١٩٨ ـ ١٩٩ و ٢٠١.

٥٠

الموضوعات ظاهر لا ينكر ؛ إذ الموضع (١) الثامن المراد به الموضوعات ، وقد مرّ في المقام الأوّل من الكلمات ما يشعر بذلك (٢) أيضا.

ولكنّ التحقيق بعد ذلك كلّه دخولها (٣) في محلّ الخلاف ، ويدلّ على ذلك ـ بعد عموم المناط في الكلّ ، فلا تعقل (٤) التفرقة بين أقسامه ـ أمور :

أحدها : كلام العضدي حيث قال ـ بعد تعريف الاستصحاب بما أشرنا إليه سابقا (٥) ـ : وقد اختلف في صحّة الاستدلال به لإفادة (٦) الظنّ بالبقاء (٧) ، وعدمها لعدم إفادته إيّاه ، فأكثر المحقّقين ـ كالمزني والصيرفي والغزالي ـ على صحّته ، وأكثر الحنفية على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعي (٨) ، انتهى. وجه (٩) الدلالة أنّ لفظ الحكم في كلامه وإن كان ظاهرا في الحكم الكلّي إلاّ أنّ قول التفتازاني في شرحه بأنّ هذا إشارة إلى أنّ خلاف الحنفية في ذلك في إثبات الحكم الشرعي بالاستصحاب لا نفيه به ، يدلّ على أنّ المراد به الأعمّ من الأحكام الكلّية أو الجزئية ، وأنّ خلاف الحنفية في كلّ من القسمين ، سيّما بعد ملاحظة التمثيل في كلام الأوّل باستصحاب حياة المفقود.

وثانيها : ما في المدارك من إنكار حجّية استصحاب عدم التذكية حيث قال ـ بعد نقل الاحتجاج على حرمة استعمال الجلد المطروح بأصالة عدم التذكية ـ : ويشكل بأنّ مرجع الأصل هنا (١٠) إلى استصحاب الحالة (١١) السابقة ، وقد تقدّم الكلام منّا فيه مرارا وبيّنّا أنّ الحقّ أنّ استمرار الحكم يتوقّف على الدليل كما يتوقّف عليه ابتداؤه ؛ لأنّ ما

__________________

(١) « ج » : الموضوع.

(٢) « ز ، ك » : به.

(٣) « ز ، ك » : هو دخولها.

(٤) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « فلا يعقل » وظاهر نسخة « ز » : يقضي.

(٥) أشار في ص ١١.

(٦) في المصدر : لإفادته.

(٧) « ج ، م » والمصدر : ظنّ البقاء.

(٨) شرح مختصر المنتهى : ٤٥٣ ، وسيأتي أيضا نصّ عبارته في تعليقة ص ٦٠.

(٩) « ك » : ووجه.

(١٠) « ج ، م » : هاهنا.

(١١) في المصدر : حكم الحالة.

٥١

ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، فلا بدّ لدوامه من دليل وسبب سوى دليل الثبوت (١) ـ (٢) ، انتهى. وظهور دلالته على عدم اعتبار الاستصحاب في مثل عدم التذكية التي من الموضوعات أيضا ممّا لا يقبل الارتياب ، ومن هنا يظهر وجه آخر في عموم النزاع للاستصحابات العدمية كما أشرنا إليه في المقام الأوّل.

وثالثها : عموم أدلّة المثبتين والنافين لكلّ من القسمين ، فإنّ بناء العقلاء على الاعتبار ممّا لا يفرق فيه بينهما ، وكذا التسوية بين الحكمين في الزمانين من غير دليل ممّا لا دليل على افتراقها بين القسمين ، وستقف على جملة أخرى من أدلّة الطرفين الظاهرة في التعميم إن شاء الله.

وأمّا الوجوه الدالّة على خروج الموضوعات ممّا قدّمناها ، فالجواب عنها : أنّ أمثال ذلك في عناوينهم غير عزيز ، مع عموم النزاع لغير ذلك أيضا إلاّ أنّ وجه (٣) التخصيص تعلّق غرض أرباب العنوان بهذا القسم منه ، على أنّ الاستصحاب ليس أمارة كما هو القياس في البيّنة ، وتحقيق ذلك : أنّ الشارع تارة : يجعل شيئا أمارة لدخول (٤) بعض أفراد العنوان فيه عند الشكّ في ذلك ، كما في البيّنة ـ مثلا ـ على تقدير اعتبارها تعبّدا ، وأخرى : يجعل للمشكوك حكما كما يجعل لنفس العنوان الكلّي مع قطع النظر عن كونه مشكوكا حكما ، والاستصحاب من قبيل الثاني لا الأوّل كما لا يخفى.

وأمّا دعوى الإجماع ـ على ما استظهره (٥) الخصم من الكلمات المذكورة ـ فواهية جدّا بعد ما عرفت من الخلاف في كلام الخاصّة والعامّة ، ولنعم ما أفاده (٦) الأستاد ـ بعد نقله كلام الأمين ما هذا لفظه : عجبا ممّن ينكر الإجماعات التى يدّعيها العلماء الماهرون

__________________

(١) « ز ، ك » : فلا بدّ من الدليل في دوامه غير دليل الثبوت.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٣٨٧. وسيأتي عنه في ص ٢٣٠.

وفي هامش « م ، ز » : ولقد رأيت في كلام المدارك كثيرا ما يتمسّك بالأصل ، ولعلّه إنّما كان منه جريا على طريقة القوم في استفاض [ ة ] الأدلّة على المطلوب. « منه ».

(٣) « ج » : أيضا ووجه.

(٤) « م » : دخول ، « ج » : الدخول.

(٥) « ز ، ك » : استظهر.

(٦) « ز ، ك » : أفاد.

٥٢

في التتبّع المتبحّرون في النقد والتحصيل مع عدم وجدانه الخلاف ، ويطعن عليهم ـ بقوله : الإجماع ما الإجماع؟! ثمّ يدّعي إجماع الأمّة ، بل ضرورة الدين فيما يكون الخلاف فيه بين المسلمين من الخاصّة والعامّة مشهورا معلوما لكلّ أحد راجع كتبهم واستدلالاتهم في النفي والإثبات. انتهى لفظه الشريف أدام الله كرامته.

على أنّ دعوى انعقاد الإجماع على خروج شيء من النزاع غير كون ذلك الشيء إجماعيا خارجا عن النزاع ، والممنوع هو الثاني لا الأوّل ، فتأمل.

المقام الرابع

فى الجهة الرابعة ، فنقول : قد يظهر من جواد الفضلاء تخصيص النزاع بما إذا كان الشكّ من جهة المقتضي على أحد الوجوه المقرّرة فيه ، وعدم شمول النزاع فيما إذا كان الشكّ من حيث المانع ، ولعلّه تبعه في ذلك صاحب المعالم حيث إنّهما قد أرجعا قول المحقّق إلى قول السيّد القائل بالعدم.

قال المحقّق في المعارج ـ بعد ما نقل الخلاف في الاستصحاب واختياره قول المفيد من اعتباره واحتجاجه على مختاره وردّ أدلّة المانعين ـ : الذي (١) نختاره أن ننظر في الدليل المقتضي لذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقا وجب القضاء باستمرار الحكم ، كعقد النكاح فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، وإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق (٢) كقوله : « أنت خليّة وبريّة » فإنّ المستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بهما لو قال : حلّ الوطء ثابت قبل النطق بهذه فيجب أن يكون ثابتا بعده (٣) ، لكان استدلالا صحيحا ؛ لأنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيكون الحكم ثابتا عملا بالمقتضي.

__________________

(١) « ز » : بالذي ، « ك » : فالذي.

(٢) « م » : الخلاف ، « ج » : ألفاظ الطلاق.

(٣) في المصدر : بعدها.

٥٣

لا يقال : المقتضي ـ وهو العقد ـ لم يثبت (١) أنّه باق فلم يثبت الحكم (٢) ؛ لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا بوقت ، فيلزم (٣) دوام الحلّ نظرا إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه ، فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع ، فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل ، وإن كان يعني به أمرا وراء ذلك فنحن مضربون عنه (٤) ، انتهى كلامه (٥).

وقال الشارح الجواد ـ بعد نقل كلامه ـ : وهو جيّد لكنّه في الحقيقة رجوع (٦) إلى مذهب المرتضى (٧).

وقال في المعالم : وهذا كلام جيّد لكنّه عند التحقيق رجوع عمّا اختاره أوّلا ومصير إلى القول الآخر كما يرشد إليه تمثيلهم موضع (٨) النزاع بمسألة التيمّم ويفصح عنه حجّة المرتضى ، فكأنّه استشعر ما يرد على احتجاجه من المناقشة فاستدرك بهذا الكلام ـ وقد اختاره (٩) في المعتبر ـ قول المرتضى ، وهو الأقرب (١٠) ، انتهى.

فقضيّة إرجاعهما قول المحقّق إلى قول المرتضى اختصاص النزاع عندهم بما إذا كان الشكّ من حيث المقتضي ؛ ضرورة أنّه لو كان النزاع أعمّ من الجهة المفروضة وما إذا كان الشكّ في المانع بأقسامه ، لما كان للإرجاع المذكور وجه ، بل يكون المحقّق مفصّلا بين القسمين لا منكرا للكلّ كالمرتضى.

والحقّ عموم النزاع للقسمين وشموله للجهتين ، وأنّ ما أورداه في حمل كلام المحقّق

__________________

(١) في المصدر : ولم يثبت.

(٢) « ز ، ك » : باق فالحكم ليس بثابت.

(٣) المثبت من بعض نسخ المصدر ، وفي النسخ : فلزوم.

(٤) المعارج : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(٥) « م ، ج » : ـ كلامه.

(٦) « ك » : راجع.

(٧) غاية المأمول فى شرح زبدة الأصول ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) ٨٥ / ب ، وفيه : في الحقيقة اختيار المرتضى.

(٨) في المصدر : لموضع.

(٩) « ز ، ك » : وقد اختار.

(١٠) معالم الدين : ٢٣٥.

٥٤

ممّا لا يصغى إليه بعد وضوح مراده وظهور كساده ؛ لما عرفت من عدم ما يقضي (١) بالتخصيص عنوانا وتمثيلا واستدلالا بعد اتّحاد المناط في الكلّ وعدم معقولية التفرقة بينهما بدون ذلك.

تذنيب

هل النزاع في حجّية الاستصحاب من جهة الظنّ أو من حيث إنّها قاعدة تعبّدية وإن لم يفد (٢) ظنّا في موارده أبدا فعلى الأوّل يكون كسائر الأدلّة الاجتهادية الكاشفة عن واقع مدلولها ، وعلى الثاني يكون كالبيّنة واليد ونحوهما من التعبّديات؟ فنقول : لا إشكال في قابلية وقوع النزاع على كلّ من الوجهين مع قطع النظر عن مذاقهم ومشربهم.

فعلى الأوّل يحتمل (٣) أن يراد بالظنّ المبحوث عنه الظنّ النوعي ؛ إذ من الواضح الجليّ أنّ الاستصحاب يفيد الظنّ فيما لم يكن له من الخارج ما يوهن الركون إلى الحالة السابقة كغيره من وجوه الأدلّة الاجتهادية ، وأن يراد به الظنّ الشخصي ؛ لأنّه الظاهر منه في بادئ الرأي ، ويوافقه ظهور جملة من الحجج ، بل صرّح بدورانه مداره شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث قال : لا يخفى أنّ الظنّ الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لا يبقى على نهج واحد ، بل يضعّف بطول (٤) المدّة شيئا فشيئا ، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان ، بل ربّما يصير الطرف الراجح مرجوحا ، كما إذا توضّأ عند الصبح ـ مثلا ـ وذهل عن التحفّظ ، ثمّ شكّ عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة في ذلك الوقت ، والحاصل أنّ المدار على الظنّ ، فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف (٥) ، انتهى كلامه.

__________________

(١) « ج » : يقتضي.

(٢) « ج » : تفد.

(٣) « ج ، م » : فيحتمل.

(٤) « ج » : لطول.

(٥) حبل المتين ١ : ١٦٤ ، وفي ط الحجري : ٣٧.

٥٥

إلاّ أنّه يشكل الاعتماد عليه ؛ لعدم اطّراده في الموارد التي بنوا فيها على الاستصحاب كما يظهر من ملاحظة سيرتهم في الفقه ، ويحتمل أن يكون النزاع في إفادته الظنّ كما يظهر عمّا سبق نقله من العضدي (١) ، فالنزاع صغروي ، وأن يكون في اعتباره أيضا كما لعلّه يومئ إليه محقّق القوانين ، وكيف كان فالنزاع في اعتبار الاستصحاب من حيث الظنّ على أحد الوجوه المحتملة فيه هو الظاهر من السلف ، كما ينبئ عن ذلك عدم احتجاجهم بأخبار النقض إلى أن وصلت النوبة إلى الشيخ الجليل الشيخ حسين العاملي والد شيخنا البهائي ، فإنّه أوّل من فتح باب الاستدلال بها في الاستصحاب حيث قال [ ـ بعد ذكر بعض أخبار الاستصحاب ـ وهذا في الحقيقة راجع إلى أصل بقاء الشيء على ما كان وهو الاستصحاب كما قدّمناه ، ويتفرّع على ذلك كثير من مسائل الفقه ، كمن تيقّن الطهارة وشكّ في عروض الناقص لا يلتفت وبالعكس يجب الطهارة ، ومن تيقّن طهارة بدنه أو ثوبه وشكّ في عروض النجاسة لا يلتفت وبالعكس يجب التطهير ، وهذا وأمثاله ممّا لا خلاف فيه. (٢)].

وعلى الثاني فيحتمل أن يكون المراد بالتعبّد هو التعبّد الشرعي كما هو الظاهر ممّن (٣) جنح إليه محتجّا بأخبار النقض ، بل وهو صريح البعض ، وأن يكون تعبّدا عقلائيا ؛ حيث إنّهم مفطورون على البناء على الحالة السابقة والأخذ بها تصحيحا لأمور معادهم وتسهيلا في أمور معاشهم ، بل وربّما يظهر ذلك من احتجاج المعارج (٤) من ثبوت المقتضي وعدم صلوح الرافع للرفع ، ومن احتجاج الشيخ في الزبدة (٥) من أنّه لولاه لم يتقرّر (٦) المعجزة ، وعلى التقديرين فهل التعبّد مطلق وإن كان الظنّ على الخلاف

__________________

(١) سبق نقله في ص ١١ و ٥١.

(٢) لم يرد مقول قوله في النسخ وموضعه في نسختي « م ، ز » بياض قدر ثلاث أسطر ، واستدركناه ما بين المعقوفين من العقد الطهماسبى : ٢٤.

(٣) « ز ، ك » : فمن.

(٤) المعارج : ٢٨٦.

(٥) « ز ، ك » : زبدته. زبدة الأصول : ١٠٦.

(٦) في المصدر : لم تتقرّر.

٥٦

أو مقيّد بما إذا لم يكن الظنّ على الخلاف؟ وجهان : الأقوى هو الأخير إلاّ أنّ ذلك مع قطع النظر عن كلماتهم ، وإلاّ فهي مضطربة في الغاية ومختلفة في النهاية ، فقد يظهر منهم الاحتجاج بحجّة (١) ظنّية مع عدم اقتصارهم فيه بالظنّ (٢) عند العمل والفتوى ، فإنّ جملة منهم اعتمدوا عليه وإن كان الظنّ على الخلاف ، وينادي بذلك كلماتهم في الفقه ، وأوضح دلالة على ذلك (٣) حكمهم بتقديم الأصل على الظاهر ، بل ربّما يظهر من الشهيد (٤) تقدّم الظاهر على الأصل في موارد معدودة ، ونحن نتعرّض للبحث عن اعتباره وذكر الاحتجاجات الواردة فيه بكلا الطريقين تتميما للمبحث وتحقيقا للمذهب كما هو ديدن القوم في تصانيفهم وكتبهم ، وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

__________________

(١) « ك ، ز » : حجية.

(٢) « ج » : على الظنّ.

(٣) في « م ، ج » زيادة « من » وشطب عليها في نسخة « م ».

(٤) تقدّم عنه في ج ١ ، ص ٢٩٠.

٥٧
٥٨

هداية

[ في ذكر الأقوال في اعتبار الاستصحاب ]

اختلف الآراء في اعتبار الاستصحاب فيما عرفت من موارد النزاع وعدمه على أقوال كثيرة ، بل عدّها بعضهم (١) إلى نيّف (٢) وخمسين وإن كان بعيدا عن التحقيق ، فإنّه يرى من لا يحكم باعتبار الاستصحاب الساري مفصّلا في المسألة مثلا وفساده ممّا لا يكاد يخفى. ونحن نذكر شطرا منها ممّا له وجه معروف ، لعدم الجدوى في غيره.

فنقول : المشهور من الأقوال أربعة عشر قولا :

الأوّل : الحجّية من باب الوصف مطلقا ، عزاه في الوافية (٣) إلى الأكثر.

الثاني : عدم الحجّية كذلك ، عزاه في المنتهى إلى الأكثر ، ولعلّه ليس في محلّه ؛ إذ الأكثر ـ على ما يشاهد من أكثر موارد كلماتهم ومطاوي إفاداتهم ـ على الحجّية ولو في الجملة.

الثالث : ما نسب إلى بعض المتأخرين في حكاية بعض الأجلّة (٤) من التفصيل بين الشكّ في عروض القادح فيعتبر ، وبين (٥) الشكّ في قدح العارض فلا يعتبر.

__________________

(١) نسبه إلى بعض المعاصرين في وسيلة الوسائل : ٢٨٩ ، ثمّ قال : وإن كان المذكور منها في الكتب المعروفة في مقام تعداد الأقوال لا يزيد عمّا ذكره شيخنا المصنّف رحمه‌الله.

(٢) « ج ، م » : بل إنّما جعله بعضهم نيّفا.

(٣) الوافية : ٢١٨.

(٤) الفصول : ٣٦٧ ( ثالث الأقوال ).

(٥) « ز ، ك » : ـ بين.

٥٩

الرابع : التفصيل بين ما إذا شكّ في عروض ما علم مانعيته للحكم الشرعي الذي ثبت استمراره إليه مع عدم العلم بطروّ ما يحتمل كونه ذلك الرافع فيعتبر ، وبين غيره فلا يعتبر ، ذهب إليه المحقّق السبزواري (١) في بيان حكم الكرّ المسلوب إطلاقه بممازجة المضاف النجس.

الخامس : التفصيل بين ما ثبت استمراره إلى غاية معيّنة عند الشكّ في حصوله أو في صدقها على أمر حاصل مع العلم بصدقها على (٢) غيرها فيكون معتبرا ، وبين غيره فلا يكون معتبرا (٣) ، وهو المنسوب إلى أستاد الكلّ المحقّق الخوانساري في شرح الدروس (٤) عند قول الشهيد : ولا يجزي ذو الجهات الثلاث في الاستنجاء.

السادس : التفصيل بين النفي والإثبات ، فأثبتوه في النفي ونفوه في الإثبات ، حكاه العضدي عن أكثر الحنفية (٥).

السابع : التفصيل بين الأحكام الطلبية فلا يجري فيه ، وبين غيره من الأحكام الوضعية فيجري فيه (٦).

الثامن : هو السابع بانضمام الإباحة إلى الوضعيات في الجريان ، وقال بعض الأجلّة :

__________________

(١) الذخيرة : ١١٦ ، وعنه في الفصول : ٣٦٧ ( رابعها ).

(٢) « ز ، ك » : ـ على.

(٣) « ز ، ك » والفصول : وبين غيره فلا يعتبر.

(٤) مشارق الشموس : ٧٦ ، وعنه في الفصول : ٣٦٧ ( خامسها ).

(٥) شرح مختصر المنتهى : ٤٥٣ ، وعنه في الفصول : ٣٦٧ ، الشرح للعضدي والمتن للحاجبي ، قال الماتن : الاستصحاب : الأكثر كالمزني ... على صحّته وأكثر الحنفية على بطلانه ، كان نفيا أصليا أو حكما شرعيا.

وقال الشارح أيضا : ... وأكثر الحنفية على بطلانه ، فلا يثبت به حكم شرعي.

وحكاه الكلباسي في اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) ٩٤ / بـ حيث قال :

والتفتازاني نسب في شرح شرحه إلى الحنفية عدم الحجّية في إثبات الحكم الشرعي دون النفي الأصلي.

(٦) حكاه في الفصول : ٣٦٧ ( سابعها ) وقال : نقل ذلك عن بعض. وهو مذهب الفاضل التوني كما سيأتي في ص ١١٣.

٦٠