مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

القول (١) في التعادل (٢) والترجيح

وهما من أحوال التعارض وبذلك يستعلم (٣) دخول المبحث في مباحث الفنّ ؛ لرجوع البحث فيه إلى البحث عن أحوال الدليل ، بل وهذا هو القدر المتيقّن (٤) المتّفق على (٥) دخوله (٦) في مباحث الفنّ ، لإمكان الخلاف في سائر المباحث كحجّية الكتاب والأخبار ونحوها بل زعم بعضهم (٧) خروجها عن الفن ودخولها في مباحث الكلام نظرا إلى أنّ ما ينبغي أن يثبت في الفنّ هي (٨) الأمور اللاحقة للموضوع بعد ما كان نفس الموضوع مفروغ الوجود بأن يكون بنيا أو مبنيّا في الأعلى ، وقد دفعناه في محلّه تارة بأنّ الثابت في هذه المباحث ليس إلاّ حالا (٩) من أحوال الموضوع فإنّ الدليل ليس

__________________

(١) « د » بسم الله الرحمن الرحيم. هداية. القول.

(٢) « س ، م » : في التعارض والتعادل.

(٣) « ج » : ستعلم.

(٤) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : ـ المتيقّن.

(٥) « س » : ـ على.

(٦) « م » : دخولهما.

(٧) نسبه إلى البعض أيضا من دون تعيينه السيّد باقر اليزدي في وسيلة الوسائل : ٣٧٦ و ٩٠.

قال الآشتياني في بحر الفوائد ٤ : ٣ : وذكروا مباحث الألفاظ في القسم الأوّل ... ومسائل حجّية الأدلّة كحجّية الكتاب والأخبار والإجماع ونقله من المبادئ التصديقية.

وقال التبريزي في أوثق الوسائل ٥٨٦ : وأمّا ما أشرنا إليه من إكثارهم الخلاف في أكثر المسائل الأصولية فذلك مثل دعوى دخول مباحث الألفاظ طرّا وكذا البحث عن حجّية الكتاب والسنّة والإجماع والعقل في المبادئ ودخول البحث عن حجّية الأوّلين في الكلام.

انظر أيضا أوثق الوسائل ١٢١ ومشكاة المصابيح ٤ ـ ٥.

(٨) « د » : هو.

(٩) المثبت من « د » ، وفي سائر النسخ : « حال ».

٥٢١

ظاهر الكتاب بل هو مراد الله في الواقع وكذا الدليل هو السنّة والخبر حكاية عنها وليس البحث إلاّ عن حجّية الحكاية ، وأخرى بآخر كما مرّ مفصّلا في محلّه (١).

وبالجملة : فلا إشكال في أنّ هذه (٢) المسألة من مباحث الأصول بعد ما عرفت ، مضافا إلى انطباق الحدّ (٣) عليه فإنّ نفعها في الاستنباط ممّا لا ينبغي إنكاره (٤). وكيف كان ، فتحقيق (٥) الكلام في طيّ هدايات.

__________________

(١) انظر ص ١٨.

(٢) « ج » : « نوع » بدل : « هذه »!

(٣) المثبت من « د » وهامش « م » وعليها علامة صحّ ، وفي متن « م » و « س » : « الحجّة » ، وفي « ج » : الخبر.

(٤) « ج » : إنكارها.

(٥) « د » : فيتحقّق.

٥٢٢

هداية

[ في تعريف التعارض ]

في التعارض ، وهو تفاعل من العرض بمعنى الورود ، ومنه قوله تعالى : ( يُعْرَضُونَ عَلَيْها )(١) وقوله (٢) : ويوم العرض الأكبر وقولهم : « عرضت الناقة على الحوض » وفي اصطلاح الأصوليين على ما عرّفه غير واحد منهم (٣) عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين فكان أحدهما في عرض الآخر ووارد عليه ، فيمنع كلّ واحد منهما عن الآخر ، فظهر وجه المناسبة بين المعنيين ، كما في قولهم : عرضني في الطريق عارض ، أي ورد عليّ وارد و (٤) منعني وسدّني (٥) عنه ، ومنه الاعتراض ، والمراد بالمدلول أعمّ من المطابقي والتضمّني والالتزامي ، وخرج بذلك الوارد والمورود كالأدلّة الاجتهادية والأصول العملية ؛ لعدم التنافي بين المدلولين فيهما فإنّ رحى الأصول العملية تدور على عدم العلم ومن المحال اجتماعه مع العلم ، كما هو المعتبر في الدليل الوارد ، وكذا خرج المتحاكمان كما في الأدلّة (٦) النافية للعسر والحرج بالنسبة إلى أدلّة سائر الأحكام ؛ إذ لا

__________________

(١) غافر : ٤٦ ؛ الشورى : ٤٥ ، وفي النسخ : ويوم يعرضون عليها ، وفي « س » : ويوم يعرض عليها. وفي التنزيل العزيز في سورة الأحقاف : ٢٠ و ٣٤ : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ).

(٢) المثبت من « س » وفي سائر النسخ : قوله جلّ ذكره.

(٣) كما في القوانين ٢ : ٢٧٦ وفي تقريرات شريف العلماء للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) ٤٩٤.

(٤) « ج ، م » : ـ و، وفي « د » : أي وارد منعني.

(٥) « ج » : وحدّني.

(٦) في النسخ : أدلّة.

٥٢٣

تنافي بين الحاكم والمحكوم (١).

وتحقيق ذلك : أنّ الحكم الثابت في موضوع الحاكم مناف للحكم الثابت في المحكوم لا محالة إلاّ أنّ الدليلين لا يعدّان من المتنافيين عرفا بعد ما عرفت من أنّ الحاكم بمدلوله اللفظي متوجّه (٢) إلى بيان مدلول المحكوم كما في أدلّة كثير الشكّ ، فإنّ قول الشارع : من كثر عليه الشكّ فلا تعتدّ ـ مثلا ـ إنّما هو ناظر بمدلوله لفظا إلى قوله : من شكّ بين الثلاث والأربع ـ مثلا ـ ويكشف عن ذلك ورود الحاكم لغوا فيما لو قطع النظر عن المحكوم على ما سبق في محلّه (٣) ، ولذلك (٤) لا تجد التنافي بينهما لفظا وإن كان حكم كثير الشكّ مخالفا لحكم غيره ، كما لا يخفى على من له ممارسة بصناعة الكلام ، وذلك بخلاف « أكرم زيدا ولا تكرم زيدا » أو « أكرم العلماء ولا تكرم زيدا العالم » ونحو ذلك من أنحاء التعارض الواقع في الأدلّة على ما ستطّلع على تفاصيلها ـ إن شاء الله ـ من غير فرق بين العموم والخصوص أو القرائن الصارفة في المجازات ، وملاك الفرق هو ما ذكرنا من أنّ المتحاكمين لا بدّ وأن يكون أحدهما مفسّرا للآخر ، ومن المعلوم عدم تنافي المفسّر للمفسّر ، بل يؤكّده (٥) حقيقة وإن كانا متخالفي الحكمين فتدبّر ، وخرج الأدلّة القطعية ؛ لأنّ مناط اعتبار الأدلّة (٦) القطعية ليس إلاّ على نفس الصفة النفسانية وهي الحالة الإدراكية الجازمة ، ومن المعلوم امتناع اجتماع تلك الحالة على طرفي الخلاف كما هو كذلك بالنسبة إلى صفة الظنّ أيضا فإنّ رجحان طرفي النقيض غير

__________________

(١) في هامش « م » :

در حفظ معالم شريعت مى كوش

تن وتو به خرقه طريقت مى پوش

از جام محبّت ولىّ مطلق

مستانه همى مى حقيقت مى نوش

« منه »

(٢) « ج » : متبوعة.

(٣) سبق في ص ٤١٣.

(٤) « م » : كذلك.

(٥) « ج » : بل لو كان؟

(٦) « س » : أدلّة؟

٥٢٤

معقول.

ومن هنا يظهر أنّ ما أورده القوم من العلاّمة في التهذيب والمبادئ (١) ـ (٢) وغيره من اختصاص التعارض بالأدلّة الظنّية ولا يعقل في الأدلّة القطعية في محلّه ، فإنّ مرادهم من الأدلّة الظنّية ما ليس ملاك الدليلية فيها على نفس صفة الظنّ.

وربّما يورد عليهم (٣) بأنّهم إن أرادوا القطع بالصدور فهو ممكن في كلّ الأقسام أو بالمضمون نوعا بحيث لو لا أحد المتعارضين لأفاد الآخر القطع ، أو الظنّ فكذلك ، أو فعلا ، فهو محال في الكلّ ، وإن أرادوا في القطعيين والمختلفين الفعلي ، وفي الظنّيين النوعي ، فهو صحيح ولكنّه تفكيك (٤) ، انتهى.

وبعد ما تقدّم يظهر لك الوجه في فساد هذا التوهّم ، وتوضيحه : أنّا نختار الشقّ الأخير ولا ضير في التفكيك المذكور بوجه ؛ لأنّ دليلية (٥) القطعي لا يعقل من غير أن يكون مفيدا للقطع الفعلي ، فإن أفاد القطع فهو دليل وإلاّ فليس دليلا ، فإنّ ذلك لا يناط بجعل جاعل فيه ، بل من حيث إنّه مرآة عن الواقع وكاشف عنه ، وهذه (٦) الحيثية عند انتفاء الصفة منتفية ، بخلاف الأمارة الظنّية فإنّ دليليتها منوطة بجعل الجاعل ، فربّما يجعلها دليلا وحجّة عند وجود الوصف ، وربّما يجعلها حجّة عند عدمه أيضا نظرا إلى وجود المصلحة التي اقتضت ذلك ، فالدليل القطعي بعد انتفاء القطع لو فرض جعله حجّة يكون من الأدلّة الظنّية فيما لو كان مفيدا له ، أو التعبّدية عند عدمه ، وإلاّ فهو باطل أصلا كما لا يخفى ، فالتفكيك إنّما جاء من نفس الدليل القطعي والظنّي ؛

__________________

(١) « د ، س » : ـ التهذيب والمبادئ.

(٢) التهذيب : ٢٧٨ ؛ مبادئ الوصول الى علم الأصول : ٢٣٠.

(٣) المورد شريف العلماء.

(٤) ضوابط الأصول : ٤٨١. انظر أيضا تقريرات شريف العلماء للأردكاني ( مخطوط ) : ٣٩٥.

(٥) « ج ، د » : دليله.

(٦) « ج » : « هو ».

٥٢٥

لإمكان (١) اتّصاف الثاني بالدليلية عند انتفاء الوصف ، وعدمه في الأوّل ، فإنّ الظنّ النوعي معقول ، والقطع النوعي غير معقول.

وأمّا تعارض الإجماعين مع أنّ المعتبر في دليليته هو القطع ، فلا ينافي (٢) ما ذكرنا من امتناع التعارض بين القطعيين (٣) ؛ إذ غاية ما هناك هو القطع بصدور الحكم المجمع عليه عن الإمام ، وأمّا القطع بكونه هو الحكم النفس الأمري الواقعي المطابق للمصلحة في نفس الفعل مع قطع النظر عمّا يقتضيه وجوه الفعل كوقوعه (٤) في مقام (٥) التقيّة ونحوه ، فهو محال ، فإنّ جهات التعارض متعدّدة (٦) ، فربّما كان الصدور قطعيا مع الشكّ في جهة صدوره ، وبذلك يعلم التعارض في الأخبار على القول بحجّيتها من باب الظنّ ، فإنّ الظنّ بالصدور في الخبرين لا ينافي تعارضهما من جهة أخرى لما (٧) ستعرف من تعدّد جهات التعارض.

ومحصّل الكلام في المقام : أنّ التعارض بين القطعيين غير معقول كالظنيين الفعليين ، وأمّا التعارض بين المختلفين فلا إشكال في امتناعه فيما إذا كان أحدهما قطعيا مطلقا ؛ لامتناع حصول الظنّ على خلاف القطع ولعدم اعتبار دليل كائنا ما كان إذا كان خلافه مقطوعا به كما هو المفروض ، وأمّا إذا (٨) لم يكن أحدهما قطعيا فإن كان أحدهما مفيدا للظنّ شخصا فلا يجوز التعارض فيما إذا كان الآخر اعتباره موقوفا على عدم قيام ظنّ على خلافه كما في الاستصحاب على القول به ظنّا ، ويجوز فيما إذا كان الآخر حجّة نوعية أو تعبّدية.

ثمّ إنّ التعارض قد يكون بين اللبّيين كالشهرتين أو أولوية وشهرة أو استقراء

__________________

(١) « ج ، س » : « لأنّ » بدل : « لإمكان ».

(٢) « ج ، د » : فلا تنافي.

(٣) « ج ، م » : القطعين.

(٤) « م » : لوقوعه. « د » : بوقوعه.

(٥) « د » : المقام.

(٦) « د » : متفاوتة.

(٧) « ج » : كما.

(٨) « د » : إن.

٥٢٦

وإحداهما على القول بها ، وقد يكون بين اللفظيين كالخبرين (١) ونحوهما ، فعلى الأوّل لا يمكن التعارض إلاّ من جهة واحدة وهي الكشف عن الحكم الواقعي ، وعلى الثاني فيقع التعارض من جهات ثلاث : دلالة ، وصدورا ، وجهة صدور ، فإنّ الدليل اللفظي متى لم يعلم فيه تلك الجهات الثلاث ولو علما شرعيا لا يجوز الاتّكال عليه ، فلا بدّ من إحراز وجه صدوره عن المعصوم فلعلّه صدر عنه تقيّة بعد إحراز أصل صدوره ، كما أنّه لا يجوز التعويل عليه ما لم نعلم بدلالته على ما هو المقصود في الاستدلال به ، وهذه أمور ظاهرة واضحة لا يكاد يستريب فيها أحد ولا سترة عليها ، والله الموفّق الهادي.

__________________

(١) « ج ، م » : كالحديثين.

٥٢٧
٥٢٨

هداية

[ في تعريف التعادل ]

تعادل الدليلين عبارة عن تساوي اعتقاد مدلوليهما (١) ، وقد اختلف الآراء في إمكانه ووقوعه ، فعن أحمد والكرخي المنع ، والباقون على خلافه ، والمنقول (٢) في دليل المنع هو أنّ بعد التعادل إمّا (٣) يجب الأخذ بهما وهو محال ، أو لا يجب الأخذ بهما وهو لغو في جعلهما حجّتين ، أو يجب الأخذ بأحدهما المعيّن وهو ترجيح بلا مرجّح ، أو الغير المعيّن وهو راجع إلى طرحهما لجواز التخيير دائما بينهما ، فيلزم طرح كلّ منهما ، وهو غير واضح الدلالة على الدعوى (٤) المذكورة ؛ لإبهامها في الغاية وعدم وضوحها مع ظهور فسادها رأسا ، إذ لا يعقل في ذلك مانعا ، مضافا إلى وقوعه في الخارج كما في الرعد المتواتر (٥) في الصيف وأمثاله ممّا لا نهاية له ، فإنّ موارد التوقّف ممّا لا يحصى (٦).

فالأولى صرف عنان الكلام إلى مسألة نافعة في المقام وهي أنّه بعد ما تعارض الدليلان (٧) فهل القاعدة هي (٨) إعمالهما في الجملة ، أو طرحهما وتساقطهما ، وقبل الخوض في الاستدلال ينبغي بيان المراد من الإعمال والتساقط.

__________________

(١) كذا عرّفه في القوانين ٢ : ٢٨٢.

(٢) كما في القوانين ٢ : ٢٨٢.

(٣) « م » : إمّا أن.

(٤) « س » : « على المدّعى لدعوى » والظاهر شطب فيها على « المدعى ».

(٥) « د » : المتواترة.

(٦) المثبت من « س » وفي سائر النسخ : لا يخفى.

(٧) « د » : بعد التعارض بين الدليلين.

(٨) « د ، ج » : ـ هي.

٥٢٩

فنقول : المراد (١) بالإعمال هو الأخذ بأحدهما المعيّن فيما عيّن العمل به بعد الجمع أو الترجيح من أحد وجوه الجمع و (٢) الترجيح كما ستعرف ، أو بأحدهما الغير المعيّن على أن يكون الخيرة في التعيين بيد المكلّف بواسطة المرجّحات المتقدّمة في نفسه عند العمل والتعارض.

والمراد بالتساقط يحتمل أحد الأمرين (٣) : الأوّل : أن يكون المراد من تساقطهما انتفاءهما رأسا وعدم الأخذ بهما أصلا والرجوع إلى (٤) الأصول التي ينبغي الأخذ بها على حسب اختلاف المقامات موافقا لأحدهما كما إذا كان أحدهما مبيحا ، أو مخالفا لهما كما إذا كانا تكليفيين. وثانيهما : أن يكون المراد به تساقطهما في مورد التعارض والأخذ بهما في نفي الاحتمال (٥) الثالث ، فالمرجع هو الأصل الموافق لأحدهما لو فرض وإلاّ فالتخيير بين الاحتمالين عقلا ، وعلى القول بالتساقط لا بدّ من ملاحظة المتعارضين ، فربّما يتعيّن الوجه الثاني ، كما إذا كان المتعارضان أمارتين من الأمارات الظنّية كالأولوية والشهرة مثلا ، فإنّه يمكن حصول الظنّ منهما على نفي الثالث والمفروض حجّية مطلق الظنّ ، فيكون الظنّ الحاصل من الأمارتين حجّة ، وأمّا إذا كان المتعارضان خبرين فالظاهر أنّ المتعيّن (٦) هو الوجه الأوّل ؛ لأنّ الخبرين المتعارضين في الأغلب لا يستفاد منهما نفي الثالث ، لأنّ المخبر ليس إلاّ في صدد الإخبار عمّا هو المدلول المطابقي ، وأمّا الالتزامي فقلّ (٧) ما يوجد أن يكون المخبر في صدد الإخبار به على أن يكون خبره منحلاّ إلى خبرين ، كما في المتواترات المعنوية التضمّنية أو الالتزامية.

__________________

(١) « د » : إنّ المراد.

(٢) « ج » : « أو » بدل : « و ».

(٣) « س ، م » : أمرين.

(٤) « ج » : على.

(٥) في النسخ : احتمال.

(٦) « د ، م » : المعيّن.

(٧) « م » : فقيل.

٥٣٠

والفرق (١) بين احتمالي التساقط والتخيير ظاهر ، أمّا على الأوّل فلا حاجة إلى توضيحه لكن ذلك يتمّ فيما إذا لم نقل بترجيح أحد المتعارضين بالأصل ، وإلاّ فالمقدّم منهما هو الموافق للأصل ، وأمّا على الثاني فلأنّ المراد بالتخيير هو الأخذ بأحد الدليلين شرعا لا الأخذ بمجرّد الاحتمالين عقلا ، ومن هنا يظهر سقوط ما تمسّك به البعض في إثبات التخيير بأنّ نفي الثالث المستفاد من المتعارضين دليل على التخيير ، أمّا أوّلا : فلأنّ المتعارضين لا دلالة فيهما على نفي الثالث على الإطلاق ، وأمّا ثانيا : فلأنّ التخيير المتنازع فيه هو التخيير الشرعي بين المتعارضين دون التخيير العقلي وقد عرفت أنّ ذلك لا دلالة فيه عليه.

وإذ قد عرفت هذا فنقول : قد يقال (٢) بأنّ الأصل في المتعارضين هو التساقط دون الإعمال نظرا إلى أنّ الدليل الدالّ على اعتبار المتعارضين لا يخلو إمّا أن يكون من الأدلّة اللبّية كالإجماع ودليل العقل ، أو من الأدلّة اللفظية ، لا إشكال في التساقط على الأوّل ؛ إذ القدر المعلوم من حجّيتهما هو حال خلوّهما عن المعارض ، وأمّا عند التعارض فيبقى كلّ واحد منهما خاليا عن دليل الاعتبار ، وأمّا على الثاني فإمّا أن يقال بعدم شموله للمتعارضين ، أو يقال بشموله لهما ، أو لأحدهما ، لا سبيل إلى الأخيرين ، فتعيّن (٣) الأوّل وهو المطلوب.

بيان ذلك ـ بعد الغضّ عن القول بعدم انصراف المطلق إلى المتعارضين ـ : أنّ شموله لهما على وجه الوجوب العيني محال عقلا ، وعلى وجه الوجوب التخييري حال التعارض موجب لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى ؛ لأنّ قوله : « اعمل بالخبر » مثلا عند عدم التعارض يراد منه الوجوب العيني ، فلو استفيد منه الوجوب التخييري لزم

__________________

(١) « س » : فالفرق.

(٢) قاله السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٦٨٣. وسيكرّره مع جوابه في ص ٦٥٣.

(٣) « س » : فيتعيّن.

٥٣١

استعماله فيهما ، وشموله لأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح ، ولأحدهما الغير المعيّن عندنا والمعيّن عند الله خلاف المفروض ؛ لأنّ المفروض تساويهما فيما دلّ الدليل عليه ، وأمّا مطابقة الواقع فخارجة (١) عن ملاك الدليلية (٢) ، على أنّ ذلك يوجب الطرح ؛ لدوران الأمر بين الحجّة واللاحجّة المحرّم الأخذ بها لدخولها فيما وراء العلم ، ولأحدهما الغير المعيّن مطلقا أيضا باطل ؛ لأنّه ليس من أفراد العامّ والمطلق فإنّه أمر انتزاعي صرف ليس مشمولا للدليل ، فلو فرض القول بالتخيير لا بدّ وأن يكون مستندا إلى أخبار التخيير الواردة في علاج المتعارضين. هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للتساقط (٣).

ولكنّ الإنصاف أنّ الأصل هو الإعمال (٤) دون التساقط ؛ لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار هذه الأدلّة وإطلاقهما على وجه شامل للمتعارض (٥) ولغيره.

وأمّا ما عرفت من دليل المنع فواه جدّا ، أمّا أوّلا : فلأنّ مجرّد كون الدليل لبّيا لا يقضي بعدم شموله للمتعارض ؛ لاحتمال قيام الإجماع على وجه يشمل المتعارض (٦) أيضا كما يحتمل دلالة العقل على اعتبار الدليل حال التعارض أيضا وذلك كما في الأخبار ، فإنّ التحقيق (٧) أنّ الإجماع على حجّية الأخبار الموثوق بها منعقد حال التعارض ، كما استكشفنا ذلك في محلّه من الأمارات المذكورة هناك ، وكذا دليل الانسداد على تقدير تماميته قضيّته عامّة (٨) للمتعارض وغيره ، سيّما بناء على ما هو التحقيق فيه من الحكومة.

وبالجملة : فسخافة هذه المناقشة وأمثالها في أمثال المقام ظاهرة ؛ إذ ليس كلّ ما كان لبّيا غير معلوم التناول حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن والمعلوم.

__________________

(١) « م » : فخارج.

(٢) « د » : الأصلية.

(٣) « م » : للتصادق.

(٤) « د » : الإجمال.

(٥) « م ، س » : التعارض.

(٦) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : التعارض.

(٧) « د » : المتحقّق.

(٨) « د » : عامّ.

٥٣٢

وأمّا ثانيا : فنختار أنّ الدليل الدالّ على الحجّية شامل للمتعارضين معا ، ولا محذور.

قوله : « وهو محال (١) عقلا » ممنوع (٢) ولكنّه غير مجد ؛ إذ التكليف بالمحال تارة : يتصوّر من حيث إنّ المكلّف به في نفسه محال كالأمر بالمحالات العقلية أو العاديّة كالطيران إلى السماء (٣) ونحو ذلك (٤) ، وتارة : يلاحظ من حيث إنّ اجتماع الأمرين محال ، فيتفرّع محالية المكلّف به على التكليف ، بخلاف الأوّل فإنّ الأمر يتوجّه إلى مطلوب ممتنع الوجود فيه ، وفي الثاني يستحيل اجتماع المطلوبين من حيث إنّهما مطلوبين ، فالامتناع إنّما نشأ من الأمرين ، ولا شكّ أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ؛ لأنّ استحالة مطلوبية العمل بأحد الخبرين ليس بواسطة عدم إمكان الامتثال به في نفسه كما في التكليف بالطيران إلى السماء ونحوه ، وإنّما جاءت بواسطة وجود مقتضي (٥) العمل ووجوب الأخذ به في الثاني أيضا ؛ ضرورة إمكان الامتثال لكلّ واحد من الخبرين لو لا الآخر ، ولا ريب أيضا أنّ كلّ واحد من الأدلّة المطلقة أو العامّة الدالّة بإطلاقها أو عمومها (٦) على وجوب شيء من الأشياء أو (٧) عمل من الأعمال كائنا ما كان مقيّد بصورة الإمكان بالامتثال بذلك الشيء والعمل (٨) عقلا كما قرّر في محلّه ، وقضيّة ذلك هو عدم

__________________

(١) « د » : ولا محالة.

(٢) « س » : ـ ممنوع.

(٣) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : كطيران السماء ، وكذا في المورد الآتي.

(٤) في هامش « م » : لا يخفى أنّ ما ذكرنا ـ من أنّ الامتناع إنّما نشأ من نفس التكليف ، فالممتنع إنّما تحقّق موضوعه بعد التكليف لا قبله ، وذلك لا يوجب إلاّ سقوط الممتنع عن كونه مكلّفا به دون الممكن ـ إنّما يقضي بامتناع التساقط واستحالته ، ووجهه هو أنّ من المحال عقلا أن يكون وجود الشيء مقتضيا لعدمه ، والقول بالتساقط لازمه ذلك ؛ لأنّ المفروض أنّ استحالة الجميع إنّما هو بعد الوجوب ، فلو فرض أنّ ذلك يوجب عدم وجوبه يلزم من وجوبه عدم وجوبه وهو محال عقلا ، فتدبّر. « منه رحمه‌الله ».

(٥) « ج » : وجود ما يقتضي.

(٦) « د » : بإطلاقهما أو عمومهما؟

(٧) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : و.

(٨) « د » : العمل به.

٥٣٣

التساقط بالإعمال في الجملة على حسب اختلاف المقامات من وجود المرجّح تارة ، والتخيير أخرى ، والجمع مرّة.

نعم ، لو كان استحالة وجوب كلّ واحد منهما على وجه استحالة المحالات قبل تعلّق التكليف بالمكلّف كان الوجه هو القول بالتساقط ، ولكن قد عرفت أنّ الامتناع إنّما نشأ من نفس الأمر وإطلاقه وتقييده بالإمكان عين مفاد القول بعدم التساقط.

لا يقال : إنّ اجتماع المطلوبين في نفسه محال ؛ لكونه عملا بالمتضادّين مثلا ، فلو فرض عدم الأمر بهما أيضا كان اجتماعهما في مقام العمل محالا.

لأنّا نقول : المطلوب هو كلّ واحد من الأفراد ، والاجتماع ليس مطلوبا أصلا ، والمفروض أنّ العمل بكلّ واحد في نفسه ممكن ، والامتناع إنّما نشأ من الجمع (١) وهو لازم الأمرين ، ومحاليته يستلزم عدم كونه مكلّفا به لا عدم كون الأفراد مكلّفا بها أصلا ليلزم التساقط ، ومعنى عدم وجوب الجمع (٢) بين العمل بالدليلين مع بقاء مقتضي العمل بكلّ (٣) واحد منهما هو الإعمال على وجه التخيير مثلا ، وذلك كما في تزاحم الحقّين والواجبين كإنقاذ الغرقى وإنجاء الحرقى ، فإنّ القول بعدم وجوب إنجاء كلّ واحد من الغريقين عند دوران الأمر بينهما وعدم إمكان الجمع بينهما ملحق (٤) بأقوال أصحاب السوداء ، وليس الوجه في ذلك إلاّ بقاء مصلحة الوجوب في كلّ واحد منهما على وجه لو فرض انتفاء الآخر كان الواجب هو بعينه ولذلك (٥) مع عدم وسعة الزمان لإنجائهما معا امتنع اجتماعهما في الوجود ، ومن المعلوم أنّ امتناع شيء لا يوجب رفع التكليف عن شيء ممكن آخر ، فالاجتماع إنّما ارتفع التكليف به ، فيبقى (٦) الممكن في مقام التكليف وهو الإتيان بأحد الفردين على أن يكون الخيرة بيد المكلّف.

__________________

(١) المثبت من « د » ، وفي سائر النسخ : الجميع.

(٢) « ج ، س » : الجميع.

(٣) « ج ، م » : لكلّ.

(٤) « ج » : يلحق.

(٥) « ج ، د » : كذلك.

(٦) « م » : فبقي.

٥٣٤

لا يقال : إنّ ذلك مسلّم فيما علم وجود المصلحة فيهما عند التعارض ، وهو فيما نحن فيه أوّل الكلام ؛ لاحتمال أن لا يكون المصلحة موجودة في الخبرين عند التعارض كأن يكون في أحدهما دون الآخر أو لا يكون في شيء منهما.

لأنّا نقول : المتّبع ظواهر الأدلّة والمفروض إطلاقها (١) لكلّ واحد منهما ، وبذلك يستكشف وجود المصلحة فيهما ولو عند التعارض ، ولهذا قلنا في مباحث الأمر والنهي بصحّة صلاة الجاهل بالغصب في المكان المغصوب ؛ إذ لو لم يكن إطلاق الأمر باقيا حال الغصب لم يكن للقول بالصحّة وجه.

وبالجملة : فكم من فرق بين أن يكون عدم القدرة مسبّبا عن التكليف ، أو كان سابقا عليه ، والوجوب العيني المتعلّق بكلّ واحد من المتعارضين استحالته من قبيل الأوّل لا الثاني ، فإنّ مقتضى الأوّل هو التخيير ؛ لثبوت التكليف أوّلا ، بخلاف الثاني ؛ إذ الامتناع السابق يمنع (٢) عن تعلّق التكليف ابتداء.

وتوضيح الفرق هو أنّ الامتناع موجب لامتناع تعلّق (٣) التكليف بالممتنع ، وهذه الصفة لا بدّ وأن تكون (٤) مقدّمة على التكليف بذلك الممتنع الذي فرض امتناع تعلّق التكليف به ؛ لكونه ممتنعا إلاّ أنّ موضوع ذلك الممتنع تارة : يتحقّق قبل التكليف بشيء ، وأخرى : بعده ، وفي المقام الممتنع الذي يمتنع التكليف به هو امتثال الجميع وذلك فرع التكليف بالأفراد (٥) ، وإلاّ فلا معنى لعنوان الامتثال فإنّه فرع الأمر ، فلا يجب (٦) الامتثال في الجميع لامتناعه ، ويجب الأخذ بأحدهما لإمكانه (٧).

__________________

(١) المثبت من « س » وفي سائر النسخ : « إطلاقهما ».

(٢) « س ، م » : يمتنع.

(٣) « ج » : للامتناع لتعلّق.

(٤) في النسخ : يكون.

(٥) « ج » : بالأفراد ذلك.

(٦) « ج » : « فلا يجدي » وكذا في المورد الآتي.

(٧) في هامش « م » : ملخّص القول في المقام : أنّ إطلاق الأمر بالأخذ بالدليل قاض باعتبار كلّ ـ

٥٣٥

ومن هنا يظهر وجه ما أفاده شيخنا البهائي (١) في بعض مباحث الأمر من أنّ الواجب المضيّق الأهمّ يقدّم على غير الأهمّ منه على اختلاف مراتب الأهمّية ، فقد يكون أحدهما من حقوق الناس فيقدّم على حقّ الله للاتّكال على كرمه والتعويل على (٢) فسحة (٣) فضله ، وضعف ما نوقش فيه (٤) من أنّ الواجب حينئذ ملاحظة أدلّة الحقوق فإنّهما إمّا قطعيان ، أو ظنّيان ، أو مختلفان ، ويرجّح أحدهما على الآخر بحسبه.

وتوضيح الضعف : أنّ ملاحظة حال الدليل بعد أنّ المفروض تساويهما في وجوب

__________________

واحد من الدليلين حتّى عند التعارض ، وتوهّم عدم الانصراف إلى الصورة المفروضة واه جدّا ، والعمل بكلّ واحد ممكن ، نعم الجمع بينهما اللازم من الأمرين وهو العمل بأحدهما عند العمل بالآخر ممتنع ، والجمع بينهما ليس من الأمور التي يتعلّق به التكليف بالأصالة ، بل إنّما وجب بملاحظة الأمر بكلّ واحد منهما ، واستحالته يوجب رفع التكليف الذي فرضنا إجزاءه من الأمرين بالفردين عنه ولا يجدي ذلك في رفع التكليف عنهما ، فكلّ واحد منهما مأمور به ، ولهذا صار الخيرة بيد المكلّف في الإتيان بأيّهما شاء ، مع أنّ كون الاختيار بيد المكلّف غير معقول في الأحكام الشرعية إلاّ فيما لا يختلف فيه الفعل عند اختلاف اختياراته كما في الواجب المخيّر ، غاية ما في الباب أنّ الطلب التخييري لكلّ واحد منهما منتف ؛ لمكان استحالة الجمع اللازم على تقدير الطلب الفعلي بهما ، فالمختار من شقوق الترديدات هو أنّ كلّ واحد منهما واجب شأنا ، والعقل حاكم بالوجوب التخييري بعد تقيّد كلّ واجب بصورة الإمكان ، وليس لفظ الأمر مستعملا إلاّ في معنى واحد ليلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ولا ضير في مثل هذا الطلب كما في تكليف الغافل والجاهل ممّا لا يختلف الطلب باختلافه ، غاية الأمر كونه معذورا عن الجهل والغفلة [ وذلك ] لا يقضي بانتفاء أصل الطلب رأسا ، ولذلك لا حاجة إلى طلب جديد بعد الإفاقة من الجهل والغفلة ، فتدبّر « منه ».

(١) « س » : + رحمه‌الله ، نقل عنه أيضا الشيخ حسين القمي في حاشيته على القوانين المسمّى بالتوضيح انظر هامش القوانين ١ : ١١٣ ـ ١١٤ ؛ وانظر أيضا هداية المسترشدين : ٢٢٤ ؛ مطارح الأنظار ( بحث الضدّ ) ١ : ٥٤٢.

(٢) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : إلى.

(٣) « د » : فسيحة.

(٤) « ج » : ـ ما نوقش فيه. وفي « د » : وضعّف بالمناقشة فيه.

٥٣٦

العمل بكلّ واحد منهما ممّا لا وجه له (١) ، بل اللازم مراعاة (٢) الأهمّية في نفس الحقوق المتعارضة ، ولا معنى للرجوع إلى ملاحظة حال الدليل ، فلا تغفل (٣).

ثمّ إنّ القول بعدم التساقط لعلّه هو المشهور ، بل نفى الخلاف عنه في المعالم (٤) ، ولا فرق في ذلك بين الأمارة القائمة على الأحكام أو الموضوعات ، فإنّ القول بتساقط البيّنتين فيما إذا تعارضتا كاد أن يكون مخالفا للإجماع وإن حكاه بعضهم عن العلاّمة فيما إذا أقيمتا على وقوع النجاسة في أحد الإناءين إلاّ أنّ المشهور على دخول الفرض في الشبهة المحصورة ، بل لم نجد مثل ذلك منه أيضا في أمثاله.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كما هو ظاهر إنّما يتمّ إذا كان الدليلان حال التعارض باقيين على كونهما دليلين ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في الظنّ الشخصي المعارض بالظنّ النوعي إذا لم يكن ذلك دليلا أيضا فالأقوى هو التساقط ؛ لدوران الأمر حينئذ بين الحجّة واللاحجّة كما نبّهنا على ذلك فيما إذا تعارض الأصلان ، فإنّ ملاك الدليلية مرتفع عن أحدهما عند التعارض بواسطة العلم الإجمالي بانتفاض (٥) إحدى الحالتين السابقتين ، وليس كذلك في الأخبار ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال : هو أنّ القطع بمخالفة أحد الخبرين للواقع يقضي بالحكم بعدم كون أحدهما دليلا كما في الأصلين ، وهو ليس بسديد ؛ لأنّ المدار على دخول المتعارضين (٦) تحت عنوان ما دلّ على حجّيتهما كأن يكون كلّ واحد منهما من أخبار العدول ، أو كان كلّ واحد منهما موثوق الصدور ، ونحوه ممّا دلّ الدليل على اعتبار ذلك العنوان على حسب اختلاف مشاربهم في ذلك.

نعم ، لو كان مناط الدليلية على الواقع بعد القطع بالمخالفة لم يكن بدّ من القول بالتساقط ، فتأمّل في المقام والله الموفّق وهو الهادي.

__________________

(١) « ج ، م » : ـ له.

(٢) « س » : ملاحظة.

(٣) ما بين السطور في نسخة « م » : والتحقيق في المقام استحالة التساقط رأسا.

(٤) المعالم : ٢٥٠.

(٥) المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : بالتعارض.

(٦) « س » : أحد المتعارضين.

٥٣٧
٥٣٨

هداية

[ في قاعدة الجمع مهما أمكن ]

بعد ما عرفت في الهداية السابقة من أنّ قضيّة القواعد هو عدم تساقط الدليلين فهل يجب الجمع بين الدليلين بإعمال الوجوه الدلالية بينهما وارتكاب جهات التأويل فيهما أو في أحدهما نظرا إلى أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، أو لا؟ وجهان : بل يمكن أن يقال قولان ، والتحقيق في المقام أنّ هذه قضيّة مشهورة لا أصل لها وإن بالغ فيها المحدّث [ ابن ] أبي (١) جمهور الإحسائي ، بل ادّعى عليها إجماع العلماء حيث قال في غوالى اللآلى بعد ذكر المقبولة (٢) : إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أوّلا البحث عن معناهما وكيفيات دلالات ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص (٣) عليه واجتهد في تحصيله فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، فإذا لم تتمكّن (٤) من ذلك أو لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث (٥) ، انتهى.

وقد اشتهرت هذه القضيّة بحيث صارت من الأمثال السائرة ، والمراد بها الجمع في الدلالة بإخراج المتعارضين عن ظاهرهما وحملهما على ما لا تنافي بينهما ، وبالطرح رفع

__________________

(١) في النسخ : أبو.

(٢) كذا. والصواب : المرفوعة.

(٣) « ج ، م » : فاحرض.

(٤) « د ، ج ، م » : لم يتمكّن.

(٥) عوالى اللآلى ٤ : ٣٦.

٥٣٩

اليد عن سندهما في الجملة ، والجمع وإن استلزم طرحا في الجملة إلاّ أنّ بعد ما عرفت من أنّ مرادهم منه ما ذكرنا لا وجه لما قد يتوهّم في دفعه بأنّ الجمع على أيّ وجه فرض يستلزم الطرح ، فيلزم من وجوده عدمه ، ومع ذلك فالحقّ كما عليه بعض أعاظم المحقّقين (١) أنّه لم يقم على الجمع مطلقا دليل.

نعم ، تتّجه تلك المقالة في بعض المقامات دون غيرها ، وتفصيل الكلام وتوضيحه أن يقال : إنّ للجمع مراتب : فتارة : لا يحتاج إلى شاهد لاكتفاء نفس الدليلين (٢) عنه ، وأخرى : يحتاج (٣) إلى شاهد واحد ، ومرّة : يحتاج إلى شاهدين لعدم اكتفاء نفس الدليلين عنهما.

أمّا الأولى فالواجب فيها الجمع بين الدليلين ، كما في العامّ والخاصّ المطلقين وما يقاربهما في كون أحدهما بمنزلة النصّ بالنسبة إلى الآخر كما في المطلق والمقيّد والقرائن الصارفة بالنسبة إلى الحقائق.

أمّا في الأوّل فلأنّ المتبادر من الدليلين والمنساق منهما عرفا هو الأخذ بالخاصّ بعد مخالفته لحكم العامّ ؛ لأنّ شمول العامّ للفرد ليس في مرحلة الخاصّ لذلك الفرد ، فيقدّم الخاصّ على العامّ مطلقا إلاّ فيما إذا كان العامّ أقوى من الخاصّ دلالة بواسطة اعتضاده بأمارة خارجية (٤) كأن يكون الخاصّ على خلاف مذاق الشريعة أو ينافي أصول المذهب وقواعده أو يكون مساق العامّ آبيا عن التخصيص كما فيما دلّ على جواز نكاح أمة الزوجة بدون إذنها وكما في قوله : « أجمع لك السهو في كلمتين إذا شككت فابن على الأكثر » (٥) فإنّ هذه الموارد لا بدّ من تقديم العامّ فإنّه ربّما يقدّم على

__________________

(١) هو الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائرية : ٢٣٣ ـ ٢٣٧ ، فائدة ٢٣ ؛ انظر أيضا الرسائل الأصولية للوحيد : ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٢) « ج » : شاهد اكتفاء بنفس الدليل.

(٣) « م » : ـ يحتاج.

(٤) « ج » : خارجة.

(٥) الوسائل ٨ : ٢١٢ ، باب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ١.

٥٤٠