مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

الثابتة في الدين ولا يلاحظ بالنسبة إلى خصوص الصلاة.

وبالجملة : فبعد ما عرفت من التحقيق فلا وقع لأمثال هذه الكلمات الواهية.

وممّا ذكرنا يظهر الوجه في تقديم الأدلّة الاجتهادية على سائر الأصول غير الاستصحاب أيضا كالبراءة ونحوها ، فإنّ الكلّ مشتركة في كونها أحكاما للشكّ ، وجميع الأدلّة الاجتهادية أيضا مشتركة في كونها مبطلة (١) لأحكام الشكّ ، ويلزمها اعتبار مدلولها ، ولك أن تقول بأنّ الغرض من جعلها اعتبار مفاد هذه الأدلّة الظنّية ، ويلزمها إلغاء أحكام الشكّ ، إلاّ أنّ الأوّل بالواقع أقرب (٢) كما لا يخفى ، فتدرّب وتدبّر (٣).

تذنيب

زعم بعض متأخّري المتأخّرين أنّه لو حمل اليقين الناقض في الأخبار على اليقين الواقعي المتعلّق (٤) بالحكم النفس الأمري ، كان الدليل الدالّ على اعتبار الأدلّة الاجتهادية مخصّصة لأخبار الاستصحاب بالتقريب الذي عرفت الوجه فيه في كلام القائل بالتخصيص مطلقا ، ولو حمل على الأعمّ من اليقين الظاهري والواقعي كان القول بالورود مطلقا في محلّه ؛ لارتفاع موضوع الشكّ بعد فرض وجود اليقين بالحكم الظاهري ، وأنت بعد ما أحطت خبرا (٥) بما قرّرنا لك فيما تقدّم تعرف أنّه كلام ظاهري لا يلتفت إليه ؛ إذ لا يعقل حمل اليقين على اليقين الظاهري ، فإنّ مورد الشكّ واليقين كليهما (٦) هو الواقع ، فالمستفاد من أخبار الاستصحاب أنّ الشكّ في الحكم الواقعي لا

__________________

(١) « ج ، م » : مبطلا.

(٢) في هامش « م » : والوجه في كونه أقرب أنّ الأمارة الظنّية التي تحكي بمدلولها عن الواقع جهة الواقع منها غير قابلة لأن تصير متعلّقة للجعل ، وإنّما القابلة له هو احتمال خلاف الواقع ، فمقتضى الترتيب الطبيعي هو رفع احتمال المخالفة ، ويلزمه اعتبار الاحتمال المطابق ، فتدبّر. « منه »

(٣) « ج ، م » : ـ وتدبّر.

(٤) « ج ، م » : المعلّق.

(٥) « ج ، م » : ـ خبرا.

(٦) « ج ، م » : كلاهما.

٤٢١

يرفع اليقين بالحكم الثابت أوّلا إلاّ باليقين الواقعي ، واليقين بالحكم الظاهري لا يرفع الشكّ بالحكم الواقعي ، فلا يكون واردا رافعا لموضوع الشكّ ، فلا بدّ من التحكيم على ما عرفت.

فإن قلت : إنّه لو حمل اليقين في الأخبار على اليقين بالحكم الواقعي لما صحّ التمسّك بالاستصحاب في موارد الأدلّة الاجتهادية ؛ لعدم اليقين بالحكم الواقعي في أوّل الأمر.

قلت : المستفاد من الأخبار هو عدم جواز نقض اليقين المتعلّق بالحكم بالشكّ المتعلّق بالواقع إلاّ باليقين المتعلّق بالواقع ، فالحكم الثابت أوّلا ممّا لا يلاحظ فيه الواقعية أو الظاهرية ، بل لفظ اليقين هو عبارة عن إدراك جزمي وهو حاصل ولا دخل لمتعلّقه فيه ، وأمّا الشكّ فلا يعقل تعلّقه إلاّ بالحكم الواقعي ، وإلاّ لم يكن الشكّ في البقاء والارتفاع ، بل مرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في حجّية الدليل الدالّ على الحكم أوّلا.

نعم ، لو كان الشكّ متعلّقا بالحكم الظاهري كأن (١) كان الشكّ في الحجّية فالمشكوك هو بقاء الحجّية (٢) وارتفاعها ، واليقين الثاني كان متعلّقا بحجّيته أيضا ، كان من الورود كما لا يخفى ، وكن على بصيرة من الأمر واحفظ ما ذكرنا من الحكومة فإنّه ينفعك في كثير من مباحث التعادل (٣) والتراجيح.

ثمّ إنّ لنا نوعا آخر من التحكيم وهو أن يكون الدليل دالاّ على أنّ الحكم الفلاني الثابت للموضوع الفلاني الواقعي ثابت لموضوع ظاهري آخر نزّله الشارع منزلة ذلك الموضوع الواقعي ، كما في موارد الاستصحاب الموضوعي بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المترتّبة على الموضوعات الواقعية كأحكام الطهارة المترتّبة على المتطهّر الواقعي من جواز الجواز في المسجدين ومسّ كتابة القرآن ، فإنّها مترتّبة على موضوع

__________________

(١) « ز ، ك » : ـ كأن.

(٢) « ز ، ك » : الحجّة.

(٣) « ز ، ك » : من المباحث الآتية في التعادل.

٤٢٢

نزّله الشارع منزلة الواقع بالاستصحاب ، وهذا هو المراد ممّا قرع الأسماع من حكومة الاستصحاب الموضوعي بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على الموضوع الواقعي ، فهذه الحكومة عكس الحكومة في الاجتهاديات فإنّ مقتضاها المضايقة من ترتيب (١) أحكام الشكّ ، وقضيّة هذه الحكومة التوسعة من جريان أحكام الواقع على المستصحب كما عرفت.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحكومة والورود إنّما تنبّهنا به من ملاحظة كلام الصدوق في اعتقاداته (٢) مثل قوله : اعتقادنا في الفلان أنّ أخباره واردة (٣) على كذا أو حاكمة (٤) عليه ، فليراجعها.

__________________

(١) « ز ، ك » : ترتّب.

(٢) الاعتقادات : ١١٤ ، وفيه : « اعتقادنا في الحديث المفسّر أنّه يحكم على المجمل ، كما قال الصادق عليه‌السلام ». وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٧ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٨.

(٣) « ج ، م » : وارد.

(٤) « ج ، م » : حاكم.

٤٢٣
٤٢٤

هداية

[ في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملية ]

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملية الدائرة في الأحكام والموضوعات كالبراءة والاحتياط والتخيير ، أمّا تعارض الاستصحاب مع البراءة بمعنى قاعدة البراءة لا استصحابها فإنّه على تقدير تعقّله كما مرّ إليه الإشارة (١) يكون من تعارض الاستصحابين ، وستعرف الكلام فيه إن شاء الله ، فلا شكّ في تقديم الاستصحاب عليها ، سواء قلنا بالبراءة من جهة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان أو بواسطة أخبار الإطلاق والتوسعة فيما ليس فيه علم.

أمّا على الأوّل (٢) فالأمر واضح فإنّ حكم العقل لا يزيد على قبح العقاب على ما هو غير معلوم ولا ينافي ذلك جواز العقاب على ما هو معلوم ، ففي مورد تعارض الاستصحاب والبراءة لنا حكمان : أحدهما : الحكم الواقعي في واقعة العصير إذا ذهب ثلثاه بالشمس ـ مثلا ـ بعد الاشتداد والغليان الذي هو متعلّق جهل المكلّف ، وثانيهما : حكم الشارع بحرمة نقض الحالة السابقة والمفروض كونه معلوما ، فيختلف مورد الحكمين ، فإنّ حكم العقل (٣) بقبح العقاب إنّما هو في شيء غير معلوم ، والعقاب على

__________________

(١) « ز ، ك » : الإشارة إليه. وأشار إليه في ص ٣٨ وتقدّم الكلام فيه مفصّلا في ج ٣ ، ص ٣٢٩.

(٢) في هامش « ج » : تعارض الاستصحاب مع قاعدة البراءة العقلية.

(٣) « ز ، ك » : ـ فإنّ حكم العقل.

٤٢٥

شيء معلوم ، ويكفي هذه الجهة في الحكم (١) بحرمة العصير العنبي إذا لم يذهب ثلثاه بالنار مثلا.

أمّا على الثاني (٢) فلوجوه ثلاثة : أحدها : ما عزاه بعضهم إلى صاحب الذخيرة وتبعه في ذلك سيّد الرياض (٣) قدّس الله روحهما الزكية (٤) من أنّ المنساق من أخبار البراءة هو الشكوك البدوية التي لم يرد فيها من أصل الشريعة أمر أو نهي ، وأمّا ما ورد فيه أمر أو نهي وإن كان بعد ذلك أيضا مشكوكا فلا تشمله هذه الأخبار ؛ إذ لا فرق في الورود بين أن يكون واردا في زمان الشكّ أو قبله ، إذ لا تقييد في قوله : « حتّى يرد فيه أمر أو نهي » (٥) ففيما له حالة سابقة لا تعارض بين الأخذ بالاستصحاب وقاعدة البراءة المستفادة (٦) من قوله : « حتّى يرد فيه أمر أو نهي » لدخوله تحت الغاية ، فلا يجوز إعمال البراءة ؛ إذ المفروض أنّه ممّا ورد فيه أمر وليس المقصود هو الأمر الاستصحابي ، بل الأمر الدالّ على ثبوت الحكم في الزمن الأوّل.

وفيه : أنّ المتبادر من الأخبار هو العلاج في حال الحيرة والجهل ، ولا يفرق في ذلك ورود النهي قبل ذلك مع الجهل في الحال ، فتنزيل هذه الأخبار على مثل ما ذكره السيّد في غاية البعد عند الدقيق من النظر وإن كان قد يجلو (٧) عند الجليّ من النظر ، فتدبّر (٨).

__________________

(١) « ز ، ك » : يكفي في هذه الجهة الحكم.

(٢) في هامش « ج » : تعارض الاستصحاب مع قاعدة البراءة الشرعية.

(٣) في هامش « م » : لا يخفى أنّ المتراءى من السيّد إنّما هو القول بذلك في قاعدة الطهارة لا في أصالة البراءة وإن كان مناط الأمر وملاكه فيهما متّحدا ، فتدبّر. « منه ». انظر ص ٤٣٠.

(٤) « ز ، ك » : ـ قدّس ... الزكية.

(٥) من هنا إلى قوله : أمر أو نهي ، سقط من نسخة « ك ». وتقدّم الحديث في ج ٣ ، ص ٣٥٨.

(٦) « ج ، م » : المستفاد.

(٧) المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : قد يخلو.

(٨) « ز ، ك » : ـ فتدبّر.

٤٢٦

وثانيها : ما ذكرنا في وجه (١) التقديم على تقدير استنادها (٢) إلى العقل ، والفرق بينه وبين الأوّل هو أنّ النهي الملحوظ في الأوّل هو غير النهي الاستصحابي. وفيه هو (٣) بعينه.

وثالثها : و (٤) هو التحقيق على ما أفاده (٥) أستادنا المحقّق رفع الله بدره في سمائه (٦) أنّ أخبار الاستصحاب حاكمة على أخبار البراءة فتكون (٧) مقدّمة عليها.

وأمّا الثاني فلما مرّ الكلام فيه في الهداية السابقة بما (٨) لا مزيد عليه.

وأمّا الأوّل فلما عرفت في بعض مباحث البراءة والاحتياط أنّ الحكم الوارد في موضوع الشكّ على قسمين : فتارة : يكون حكما للشكّ من غير أن يكون محتاجا في ترتيب الآثار إلى إحراز شيء كما في البراءة والاحتياط ، فإنّ مجرّد الشكّ يكفي في الحكم بترتيب آثار البراءة والاشتغال بحسب اختلاف مورديهما ، وتارة : يكون حكما للشكّ لكن بعد إحراز شيء آخر كما في الاستصحاب ، فإنّ ما يترتّب على المشكوك ليس من أحكام نفس الشكّ ، بل هو من أحكام الواقع المحرز في مقام الشكّ بالاستصحاب ، فالمنساق من أخبار البراءة هو الأخذ باحتمال عدم التكليف من حيث عدم العلم بالتكليف لا البناء على أنّ هذا الاحتمال هو الواقع ، فلا يستفاد منها جعل أحد (٩) طرفي الاحتمال بمنزلة الواقع كما في أخبار الاحتياط أيضا ، فإنّ الأخذ بأطراف الشبهة فيما يحتمل الوجوب ليس باعتبار البناء على أنّ المحتمل منزّل منزلة الواقع ، بل بواسطة احتمال أنّه الواقع ، وكذا فيما يحتمل الحرمة ، فإنّ الفرق بين الإذعان بواقعية احتمال والأخذ به من حيث إنّه واقع وبين الأخذ بشيء باحتمال أنّه الواقع في منار من

__________________

(١) « ج ، م » : توجيه.

(٢) « ج » : إسنادها.

(٣) « ز ، ك » : « ما مرّ » بدل : « هو ».

(٤) « ز ، ك » : ـ و.

(٥) « ز ، ك » : أفاد.

(٦) « ز ، ك » : ـ رفع ... سمائه.

(٧) في النسخ : فيكون.

(٨) « ز ، ك » : ممّا.

(٩) « ز ، ك » : أخذ.

٤٢٧

الوضوح ، بخلاف أخبار الاستصحاب فإنّ مفادها هو عدم نقض اليقين السابق والإذعان ببقائه والقول بأنّ احتمال عدمه غير مطابق للواقع ، غاية ما في الباب أنّ واقعية الاحتمال جعلي صرف وتعبّدي محض ، ومن هنا ترى أنّ الاستصحاب لا يفيد شيئا وراء ما يفيده الواقع بمعنى أنّ حكم الشيء المشكوك المسبوق بالحالة السابقة هو حكمه عند العلم به من غير اختلاف بينهما ، ولنعم ما أفاده الأستاد في الكشف عن هذا المعنى من أنّ الاستصحاب على ما يعطيه التدبّر إنّما هو بمنزلة المتمّم لأدلّة الاجتهاد كالإجماع المركّب ، فإنّ الحكم في زمان اليقين مستند إلى الدليل الأوّل وفي زمان الشكّ مستند إلى الاستصحاب ، كما هو في الإجماع المركّب أيضا كذلك.

فعلى ما ذكرنا يظهر الوجه في تقديمه على البراءة فإنّه بمنزلة الأدلّة الاجتهادية بالنسبة إلى حكم الشكّ مع (١) القطع النظر عن البناء على أحد طرفي الاحتمال ، فكما عرفت الوجه في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الأصول فكذلك تعرف تقديمه عليها من غير فرق بينهما من هذه الجهة ، وتوضيحه : أنّ دليل البراءة يحكم بعدم الحكم في الواقعة المشكوكة ، ودليل الاستصحاب يقضي بالبناء على الحالة السابقة وأخذها واقعا بجعل احتمال بقائها واقعا ، وحيث إنّه (٢) لا معنى لجعل الاحتمال واقعا إلاّ بالتنزيل من جعل أحكامه (٣) الشرعية في مورد الاحتمال ورفع أحكام الاحتمال في مورد ذلك الاحتمال المنزّل منزلة الواقع ، لا جرم كان مفاد أدلّة الاستصحاب ناظرا إلى أدلّة البراءة ، وهو معنى الحكومة ، فكما قد عرفت حكومة نفس الدليل بالنسبة إلى البراءة لكون دليله بمفاده اللفظي ناظرا إليها ، فكذا فيما (٤) هو بمنزلة متمّماته كالإجماع المركّب ، فقوله : « لا تنقض » يكون بيانا للشكّ في مورد البراءة فإنّ المراد به هو في غير ما له حالة سابقة ثابتة بالدليل ، كما أنّ مفاد الدليل الدالّ على الأوّل هو بيان أنّ المراد

__________________

(١) « ج » : فمع.

(٢) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : أن.

(٣) « ز » : الأحكام.

(٤) « ز » : فكذا ما.

٤٢٨

بالشكّ هو في غير موارد الدليل كما لا يخفى.

ومن هنا ينقدح الوجه في عدم ذهابنا إلى القول بالإجزاء فيما لو (١) انكشف الخلاف في الطرق الظاهرية ؛ إذ بعد ما فرضنا من أنّ المصلحة في جعل هذه الطرق لا تزيد (٢) على مصلحة الواقع بل إنّما تكون (٣) طرقا موصلة إليه ، لا يعقل (٤) القول بالإجزاء ؛ ضرورة أنّ اللازم للقول بالإجزاء هو القول ببدليتها عن الواقع كما في التيمّم لا (٥) القول بطريقيتها (٦).

وكيف كان ، فالحقّ أنّ بعد وجود دليل (٧) الاستصحاب لا يجري دليل البراءة ؛ لأنّ عدم العلم المأخوذ في موضوع البراءة على ما يفسّره أخبار الاستصحاب غير الشكّ الذي يكون مسبوقا بالحالة السابقة ، فتكون أخبار الاستصحاب حاكمة (٨) على أخبار البراءة ، ولا ينافي ذلك حكومة الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب ؛ لأنّ العارف بصناعة الكلام له فهم هذا المقام فهو على وجه يحكم عليه الدليل ويكون حاكما على هذه الأصول ، والسّر في ذلك اختلاف مراتب الشكّ ، ففي موارد الأصول على ما قرّرنا مرارا لا مناص من اعتبار الشكّ فيها (٩) إلاّ أنّه ربّما يكون عدم الشكّ (١٠) المعتبر في بعضها مأخوذا في موضوع الآخر فيكون حاكما على الآخر ، وربّما يكون أحدهما (١١) في عرض الآخر فيتعارضان كما ستعرف.

وأمّا تعارض الاستصحاب مع الاحتياط ، فتقديم الاستصحاب عليه ممّا لا ينكر (١٢) ،

__________________

(١) « ز » : « إذا » بدل : « لو » وسقطت من نسخة « ك ».

(٢) في النسخ : لا يزيد.

(٣) في النسخ : يكون.

(٤) « ز » : لا يقضي ، وسقطت من نسخة « ك ».

(٥) « ز ، ك » : « على » بدل : « لا ».

(٦) « ج ، م » : بطريقتها.

(٧) المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : ـ دليل.

(٨) « ج ، م » : فيكون ... حاكما.

(٩) المثبت من « ز » ، ولم ترد كلمة « فيها » في سائر النسخ.

(١٠) « ز » : الشكّ المأخوذ.

(١١) « ز » : « مأخوذا » بدل : « أحدهما ».

(١٢) « ز » : لا يخفى.

٤٢٩

والوجه التحقيقي فيه ما عرفت من الحكومة.

وأمّا تعارض الاستصحاب مع أصالة التخيير فيما إذا دار الأمر بين المتباينين ولم يكن للعمل بأحدهما مرجّح في البين ، فمن المعلوم تقديم الاستصحاب عليه ؛ لأنّ التخيير حكم عقلي صرف ومقدّماته لا تجري في موارد وجود الحالة السابقة ؛ لأنّ الأخذ بها مرجّح (١) بمقتضى قوله : « لا تنقض ».

وممّا ذكرنا يظهر وجه تقديم الاستصحاب على أصالة الطهارة المعمولة في الموضوعات والأحكام على بعض الوجوه أيضا ؛ لأنّ ما أفاده السيّد (٢) في البراءة جار فيها من غير مناقشة على ما يظهر من سياق دليلها فلاحظها ، مضافا إلى جريان الوجه المطابق للتحقيق فيها أيضا.

هذا تمام الكلام في تقديم الاستصحاب ومعارضته مع الأصول الكلّية الدائرة في الأحكام الشرعية والموضوعات ، فتفطّن (٣) فإنّ الوصول إلى حقيقة الأمر دونه خرط القتاد ، بل وأصعب منه ، والله الموفّق الهادي (٤).

__________________

(١) « ز ، ك » : لكون الأخذ بها مرجّحا.

(٢) في هامش « م » : قلت : بل السيّد ما أفاد الوجه إلاّ في المقام ، فتدبّر. « منه ».

(٣) « ز ، ك » : تفطّن.

(٤) « ز ، ك » : ـ والله ... الهادي.

٤٣٠

هداية

[ في تعارض الاستصحاب مع القرعة ]

في تحقيق الكلام فيما إذا تعارض الاستصحاب مع القرعة التي جعلها الشارع لكلّ أمر مجهول ، فإنّها أيضا من الأصول المعمولة في الموضوعات ولا كلام لأحد من المسلمين ولا المنتحلين إليه في أصل مشروعيتها ، ونقل الإجماع عليها متظافر ، والأخبار الواردة فيها على ما جمعها وانتظمها في سلك التحرير بعض أفاضل متأخّري (١) المتأخّرين (٢) بالغة حدّ التواتر فإنّها تبلغ حدّ الأربعين ، بل ويزيد عليه خمسة ، ولم نعرف فيها مخالفا إلاّ من لا يعتدّ بخلافه ؛ لعدم اعتداده بمخالفة الله ومخالفة رسوله ، بل يمكن (٣) استفادة أصل مشروعيتها من الكتاب العزيز من قوله عزّ من قائل (٤) في حكاية يونس ـ على نبيّنا وعليه‌السلام (٥) ـ : ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ )(٦) وقوله جلّ اسمه (٧) في حكاية مريم : ( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ )(٨) على تأمّل يظهر الوجه فيه من بعض الهدايات السابقة.

__________________

(١) « ز » : متأخّر وسقطت من « ك ».

(٢) عوائد الأيّام : ٤٦٠ ـ ٦٥١ وفي ط الحجري : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٣) « ك » : بل ويمكن.

(٤) « ز ، ك » : قوله تعالى.

(٥) « ز » : عليه‌السلام ، ولم ترد في « ك ».

(٦) الصافات : ١٤١.

(٧) « ز ، ك » : قوله تعالى.

(٨) آل عمران : ٤٤.

٤٣١

وبالجملة : فالأخبار كثرتها في ذلك ممّا تكفي (١) عن تجشّم تصحيح السند وتوضيح الدلالة ؛ إذ لا إجمال في مفادها بحسب المفردات الواقعة فيها ، ولا بحسب الهيئة الملتئمة من (٢) ملاحظة بعضها إلى الآخر ، إلاّ أنّ الأخذ بعمومها حتّى في الأحكام ممّا لم يذهب إليه وهم ، ولو عمل بأمثال القرعة في الأحكام الشرعية لم يبق منها عين ولا أثر ويصير الفقه علما جديدا لا يشتمل عليه زبر الأوّلين ولا يوجد شيء منه في كتب الآخرين ، ولعلّك (٣) بعد التأمّل في أخبارها تقدر على استخراج ذلك منها أيضا ، إلاّ أنّ الخطب فيه سهل (٤) بعد الإجماع القطعي على التخصيص على تقدير العموم.

وأمّا الأخذ به في الموضوعات فلا إشكال فيه من جهة الدلالة اللفظية ؛ لما عرفت من وضوح الدلالة وسلامة السند ، إلاّ أنّ الواقع أنّ دلالتها موهونة في الموارد التي لم يظهر من الأصحاب التعويل عليه والاتّكال به كما في أمثاله من العمومات الموهونة كأخبار نفي الضرر والحرج ونحوهما ، فإنّه لا ينبغي الاجتراء على مثل هذه الأمور بعد إعراض العلماء الأخيار العارفين بمواقع الكلام والآخذين بمجامع الأخبار.

بل قد يتخيّل في وجه ذلك أنّ موارد القرعة لا يخلو إمّا أن يكون موارد الدليل ، أو لا ، وعلى التقديرين فلا مجال للقرعة فيها ، أمّا على الأوّل فواضح ؛ لارتفاع الاشتباه والتحيّر بواسطة الدليل ، وأمّا على الثاني فلأنّ الأصول العملية لمكان أخصّية أدلّتها بالنسبة إلى القرعة مقدّمة عليها ، إلاّ أنّ ذلك لا يتمّ في التخيير ؛ إذ لا دليل عليه سوى حكم العقل به بعد التحيّر ، وبعد إمكان الترجيح بالقرعة لا يحكم العقل به ؛ لانتفاء مقدّماته.

ولا يخفي أنّ هذا الوجه (٥) لو تمّ فهو يجري (٦) في الأحكام أيضا مع قطع النظر عن

__________________

(١) « ز ، ك » : يكتفي.

(٢) « ز ، ك » : عن.

(٣) « ز ، ك » : فلعلّك.

(٤) « ز » : فيها يسهل.

(٥) « ج ، م » : الوجه هذا.

(٦) « ز ، ك » : « فيجري » بدل « فهو يجري ».

٤٣٢

انعقاد الإجماع على التخصيص أيضا ، ومع ذلك فلا يتمّ في التخيير إلاّ بدعوى الإجماع ؛ لما ذكره المتخيّل من انتفاء مقدّماته ، وكيف كان فلا إشكال في خروج الأحكام مع قطع النظر عن هذا الوجه.

وأمّا الموضوعات فالإنصاف أنّ هذا الوجه لا يتمّ فيه أيضا ؛ لأنّ مبنى هذا الوجه على ملاحظة النسبة بين أخبار الأصول وأدلّة القرعة والأخذ بأحكام التعارض من تقديم (١) الخاصّ على العامّ ونحوه ، والذي يقتضيه التدبّر في أخبار القرعة من حيث اشتمال بعضها (٢) على أنّ « من فوّض أمره إلى الله هداه الله إلى ما هو الأصلح بحاله » ونحوه ممّا يقرب مضمونه ؛ لما ذكرنا أنّ القرعة من الطرق الواقعية الموصلة إلى ما هو الثابت في نفس الأمر ، فإنّ من ألطاف الله على عباده إهداءهم إلى مثل هذا الطريق (٣) الذي ينكشف الواقع به من الله ، فيكون مقدّما على الأصلين ـ البراءة والاحتياط ـ قطعا بحسب مفاد الأدلّة الدالّة على اعتبارهما ، فإن كان في المقام إجماع على تقديم الأصول على القرعة فهو ، وإلاّ فالقول بتقديم القرعة على ما وراء الاستصحاب في غاية القوّة نظرا إلى استفادة الطريقية من سياق (٤) الأدلّة الواردة في اعتبارها.

وأمّا الاستصحاب فالأمر فيه في غاية الإشكال مع قطع النظر عن دعوى الإجماع على تقديمه عليها فيما لو حاولنا استفادة ذلك من الأدلّة ، فإنّك على ما عرفت يظهر من دليله طريقته بالنسبة إلى بعض الأصول كالبراءة والاحتياط والتخيير ، فيحتمل أيضا بالنسبة إلى القرعة أن يكون طريقا فيكون مقدّما عليها ، كما يحتمل العكس ، ويحتمل أيضا أن يكون أحدهما في عرض الآخر فلا يتحقّق حكومة بينهما ولا بدّ (٥) من الأخذ

__________________

(١) « ز ، ك » : تقدّم.

(٢) انظر وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٥٧ ، باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، ح ٤ و ٥ و ١٣.

(٣) « ك » : هذه الطرق ، وفي « ج » : هذا الطرق.

(٤) « ج ، م » : مساق.

(٥) « ز ، ك » : « ولا » بدل « ولا بدّ ».

٤٣٣

بقواعد المعارضة ، فيقدّم عليه الاستصحاب لمكان الأخصّية.

ومنشأ الاحتمالات هو أنّ الجهل المعتبر في موضوع هذه الأصول قد يكون مأخوذا في أحدهما (١) بعد الشكّ المأخوذ في آخر ، كما في الشكّ المأخوذ في البراءة فإنّ الحقّ على ما مرّ إنّما هو تأخّره عن الشكّ المأخوذ في الاستصحاب ، ولذا قلنا بحكومة الاستصحاب عليها ، وقد يكون أحدهما في عرض الآخر ، كما في الشكّ في أخبار البناء على الأكثر في عدد الركعات مثلا ، فيعارضان فيحكم بالتخصيص أو يؤخذ بالخاصّ حكومة على اختلاف وجوه الكلام الوارد في عنوان الدليل ، فالشكّ المأخوذ في القرعة يحتمل أن يكون متعلّقا بالواقع والظاهر معا لكن بالنسبة إلى الاستصحاب فيقدّم عليها ، ويحتمل أن يكون الشكّ في مورد الاستصحاب كذلك فيقدّم القرعة عليه ، ويحتمل أن يكون المعتبر فيهما شكّ واحد واقعيا فقط أو ظاهريا أيضا ولازمه التكافؤ على ما عرفت.

هذا فيما لو حاولنا استفادة ذلك من الأدلّة وإلاّ فالأمر سهل ؛ إذ بعد ما فرضنا من كون القرعة طريقا فلا يجب الأخذ بها في الموضوعات ، لعدم وجوب الفحص في العمل بالأصول فيهما ، ولا يزيد شأن القرعة على البيّنة فكما أنّ مع إمكان إقامة البيّنة على إثبات موضوع يصحّ العمل بالاستصحاب ، بل وسائر الأصول ، فكذا مع إمكان استخراج الواقع بالقرعة يجوز العمل بالأصل ، بل الأمر كذلك مع إمكان تحصيل العلم القطعي أيضا.

لا يقال : إنّ المستفاد من أخبار القرعة هو وجوب إيجادها ولزوم الإقراع ، وبعد الوجود على ما اعترفت (٢) لا بدّ من الأخذ بما استخرجه القرعة فالإشكال باق بحاله.

لأنّا نقول : قد يناقش في استفادة وجوب الإقراع من الأدلّة ، بل لا يزيد حالها على البيّنة كما عرفت ، ومعنى اعتبارها أنّها لو أقيمت فهي معتبرة ، وفي المقام أمر آخر

__________________

(١) « ج ، م » : أحدها.

(٢) « ز ، ك » : عرفت.

٤٣٤

وهو أنّ الاستصحاب في الموارد الجزئية الفرعية لو سلّم عدم العلم بتقدّمه على القرعة فالاستصحاب في المسألة الأصولية بحاله ؛ إذ يرجع (١) الكلام إلى أنّ المرجع هو القرعة (٢) وعدم الأخذ بأحكام الشكّ ، أو يجب الحكم بما يقضي (٣) به الاستصحاب ، والأصل يقضي بالثاني.

وقد يتخيّل في المقام : أنّ أخبار القرعة لمكان عمومها لأنواع (٤) الشكّ المعتبر (٥) في موارد الأصول أعمّ من أخبار الاستصحاب ، وهي بواسطة شمولها للأحكام والموضوعات أعمّ من أخبار القرعة ، فيتعارضان في مورد الاجتماع فلا وجه لتقديم الاستصحاب على القرعة. إلاّ أنّك بعد ما تعلم من أنّ النسبة بين الأدلّة إنّما تلاحظ (٦) قبل خروج فرد من أحد المنتسبين لا بعده ـ إذ المدار على إرادة الخاصّ من العامّ ولا فرق في ذلك بين الفردين كما لا يخفى ـ لا حاجة إلى تضعيف هذا الخيال وتزييف هذا الاحتمال (٧) فإنّه بمكان من الوضوح.

وقد يتخيّل أيضا ـ في تقديم الأصول على القرعة ـ : أنّ المتبادر من الاشتباه والجهل هو الاشتباه في جميع المراتب ، فمورد القرعة فيما إذا لم يكن في المقام شائبة من الدليل ولو كان أصلا. إلاّ أنّه مجرّد دعوى لا شاهد عليها.

وقد يقال في ذلك أيضا : إنّ الاستصحاب وكذا سائر الأصول مقدّم على القرعة طبعا ؛ إذ لا معنى للاستصحاب إلاّ الحالة السابقة والشكّ في ارتفاعها ، وبعد تحقّق مورده فلا بدّ من ترتيب (٨) آثاره عليه ، فلا يبقى للقرعة موضوع ولا مورد.

__________________

(١) « ج ، م » : مرجع.

(٢) « ز ، ك » : الفرعية؟

(٣) « ج » : يقتضي ، وكذا في المورد الآتي.

(٤) « ج ، م » : أنواع.

(٥) « ز ، ك » : ـ المعتبر.

(٦) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يلاحظ.

(٧) « ز ، ك » : ـ وتزييف هذا الاحتمال.

(٨) « ز ، ك » : ترتّب.

٤٣٥

قلت : ولعلّ (١) ذلك موقوف على عدم استفادة الطريقية من أخبار القرعة ، وإلاّ فهو في الأدلّة الاجتهادية كالبيّنة أيضا كذلك ، فتدبّر.

تنبيه

اعلم (٢) أنّ موارد القرعة على قسمين : قسم له واقع غير معلوم عندنا كما في قطيعة الغنم الموطوءة واحدة منها ، والآخر ما ليس له واقع كأكثر موارد القرعة التي قالوا بالقرعة فيها اتّفاقا ، كما إذا وقع التشاحّ بين الزوجات في المضاجعة فيمن قدم (٣) من سفره أو من (٤) عقد عليهنّ دفعة واحدة ـ مثلا ـ [ و ] كما إذا تنازع المتعلّمان في تقديم أحدهما على الآخر في التعليم ، وكما إذا وردا في مكان من المسجد أو من مباح الأصل للحيازة مثلا ، أو إذا تشاجر الإمامان في الجماعة في المسجد ، وأمثال ذلك ممّا يقرب من عشرين موردا على ما عدّها بعض الأكارم.

فبملاحظة هذين القسمين ينقدح لك القول بأنّ تشريع القرعة إنّما هو بواسطة الوصول إلى المصالح الجزئية التي لا تكاد تنضبط ؛ لعدم اجتماعها في عنوان كلّي وأمر جامع لجميعها المكنونة في خصوص الموارد الجزئية والموضوعات الشخصية (٥) ، فإنّ المصالح الكلّية المنضبطة المندرجة تحت قاعدة كلّية إنّما بيّنها (٦) الحكيم الخبير (٧) في ضمن أصول كلّية ، وحيث إنّه كان بعد ذلك مصالح جزئية لم يكن يصل إليها المكلّفون إلاّ بجعل طريق للوصول إليها ، شرّع لنا ما به نهتدي إليها أيضا كالقرعة في الموارد المذكورة التي لا واقع (٨) لها ، ومنه (٩) الاستخارة في مقام الحيرة ، كذا أفيد.

__________________

(١) « ز ، ك » : وبعد.

(٢) « ج ، م » : ـ اعلم.

(٣) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : أقدم.

(٤) « ز ، ك » : ـ من.

(٥) « ز ، ك » : الخفية.

(٦) « ك » : نبّهنا.

(٧) « ج ، م » : اللطيف.

(٨) « ز ، ك » : وقع.

(٩) « ز ، ك » : منها.

٤٣٦

قلت : ولعلّ اختصاص الإجماع بالعمل بها في الموارد التي لا واقع (١) لها يكشف عن فهم المجمعين من لفظ الاشتباه والجهل الذي لا يشوبه غيره ظاهرا وواقعا ، فيسهّل الخطب في تقديم الاستصحاب عليه ، إلاّ أنّ دعوى ذلك في الأخبار مكابرة بعد ورود رواية قطيعة الغنم فيما له واقع ، فتدبّر (٢).

__________________

(١) « ز ، ك » : وقع.

(٢) « ز ، ك » : ـ فتدبّر.

٤٣٧
٤٣٨

هداية

[ في تعارض الاستصحاب مع اليد ]

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع اليد وليعلم أوّلا : أنّ (١) اليد تارة : تكون (٢) مثبتة للملك كما في الحيازة ، وأخرى : تكون (٣) كاشفة عنه ، لا كلام في الأولى (٤) منهما ، وأمّا الثانية فلا إشكال في كونها من أمارات الملك وعلامات الاختصاص عرفا ، وأمّا شرعا فلا ينبغي الارتياب في كاشفية اليد عن الملك في الجملة ، بل ونقل الإجماع ـ على ما قيل ـ عليها متضافر (٥) ، ويكشف عن ذلك (٦) حكمهم بتقديم قول ذي اليد على غيره في موارد الخصومات ومظانّ المرافعات ونحو ذلك ، والأخبار في ذلك أيضا كثيرة ، وإلاّ لم يقم للمسلمين سوق.

وليس المقام ممّا ينبغي فيه تحقيق الكلام فيهما وإنّما الشأن في كيفية تعارضها مع الاستصحاب ، فنقول : لا شكّ أنّ الوجه في حجّية اليد إنّما هو باعتبار ظهورها في الملكية فإنّ التعيين الموجود (٧) في اليد يحتمل وجوها (٨) : كأن تكون (٩) مغصوبة أو عارية

__________________

(١) « ج ، م » : أنّه انّ.

(٢) « ج ، م » : يكون.

(٣) « ج ، م » : يكون.

(٤) « ز ، ك » : الأوّل.

(٥) « ز ، ك » : متضافرة.

(٦) « ز ، ك » : عنه.

(٧) « ز ، ك » : تعيين موجود.

(٨) « ز ، ك » : وجودها.

(٩) « ج ، م » : يكون.

٤٣٩

أو مستأجرة أو مرهونة أو مملوكة ونحو ذلك من الوجوه المحتملة لها إلاّ أنّ الغالب في غالب أفراد (١) النوع هو الملكية ، وهذا الظهور المستفاد من هذه الغلبة قد اعتبره الشارع ، فاليد المردّدة بين هذه الوجوه المختلفة الظاهرة في الملكية قد جعلها الشارع أمارة للملك بإلغاء احتمال الخلاف وعدم لزوم ترتيب (٢) آثار الاحتمال عند الشكّ.

فلا جرم لا بدّ من تقديم اليد على الاستصحاب ، فهي (٣) حاكمة على الاستصحاب على نحو حكومة سائر الأدلّة الاجتهادية عليه ، ولا ينافي ذلك ورود البيّنة التي هي أيضا من الأدلّة الاجتهادية والأمارات الواقعية على اليد ؛ لما قد عرفت أنّ اليد المردّدة بين الوجوه المحتملة الظاهرة في واحد منها جعلها الشارع أمارة للملك ، والبيّنة إذا أقيمت فإنّما تدلّ على تعيين واحد من تلك الوجوه ، فتكون (٤) حاكمة عليها ، فإنّ مراتب الشكّ متفاوتة ، فربّما يعتبر موضوعا لحكم (٥) بعد فرض انتفاء العلم وحصول الشكّ في جميع المراتب ، وربّما يختلف ذلك بحسب ما يقتضيه الدليل ، وذلك نظير (٦) ما قرع الأسماع مرارا من لزوم حمل اللفظ على معناه الحقيقي عند دوران الأمر بين الحقيقة والمجاز لظهوره فيها ، ولا ينافي ذلك الظهور قيام دليل على اعتبار المعنى المجازي في مورد.

وكيف كان ، فالحقّ الحقيق بالتصديق هو حكومة اليد على الاستصحاب ، سواء قلنا به تعبّدا أو ظنّا ، أمّا على الأوّل فظاهر ممّا بيّنّا لك آنفا ، وأمّا على الثاني فقد يتراءى في بعض الأنظار الجليّة تساويهما ؛ لابتنائهما على الظهور والظنّ ، ولا بدّ من الأخذ بالمعالجات المعمولة بين أمثالهما من تقديم الظنّ الشخصي على النوعي مثلا ، والحكم بالمرجّحات عند تساويهما بذهاب الظنّ منهما ، إلاّ أنّه لا وجه لذلك عند

__________________

(١) « ز » : فرد ، وسقطت من « ك ».

(٢) « ز ، ك » : ترتّب.

(٣) « ز ، ك » : فهل هي.

(٤) « ج ، م » : فيكون.

(٥) « ز ، ك » : تعتبر موضوعا يحكم.

(٦) « ز ، ك » : ونظيره.

٤٤٠