مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

الموضوعات الصرفة فظاهر ، وأمّا الأحكام الجزئية فلعدم كون الشارع مبيّنا لتلك الأحكام ، فإنّ وظيفته بيان الأحكام الكلّية ، وأمّا المعيار المختصّ بتميّز الفقه عن الأصول ، فيجري فيه أيضا (١) ؛ إذ لا حاجة إلى الرجوع إلى المجتهد بعد العلم باعتباره في تشخيص مجاريه ومحالّه ، بل المجتهد والمقلّد فيه سيّان كما في صورة العلم بها ، فلا يحتاج إلى بحث ولا فحص كما في سائر الأصول العملية كالبراءة والاشتغال والتخيير ، نعم ينبغي الاستثناء عن ذلك (٢) الاستصحاب في الموضوعات الرجالية لأوله إلى الاستصحاب في الأحكام الكلّية الفرعية التي ليس للمقلّد فيها حظّ ، ولذلك قد اختصّت من (٣) بينها باعتبار الظنّ فيها دون غيرها كما مرّ.

وأمّا بالنسبة إلى الأحكام الكلّية فلا ريب في كونه من المسائل الأصولية إن أخذناه من باب الظنّ وجعلناه دليلا عقليا كأضرابه من الوجوه الظنّية العقلية ، سواء كان المستصحب حكما أصليا ، أو فرعيا ؛ لرجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع ، سواء جعلنا الموضوع ذات الدليل كما في الكتاب والسنّة ، فلا ينافي البحث عن حجّيته ، أو هي متّصفة بالوصف ، لرجوع البحث عن سائر الوجوه المبحوثة عنه من بيان تعارضه وتقديم مزيله والانقسامات (٤) الحاصلة له إلى غير ذلك بحثا عن حال الموضوع ، ولصدق الحدّ عليه ؛ لكونه من القواعد الممهّدة للاستنباط ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحكم الراجع إليه إثباتا كالحجّية ، أو نفيا كعدمها ؛ لأنّ مسائل العلوم المدوّنة هي المحمولات المرتبطة إلى الموضوعات ربطا إيجابيا كما في الموجبات ، أو سلبيا كما في السوالب ، وإلاّ لخرج (٥) كثير من المسائل من كثير من العلوم.

وإن جعلناه من باب الأخبار الواردة عن السادة الأطهار فلا ريب في كونه من

__________________

(١) « ج ، م ، ل » : ـ أيضا.

(٢) « ج » : ينبغي أن يستثنى من ذلك.

(٣) « م ، ج » : ـ من.

(٤) « ز ، ك ، ل » : الانقلابات.

(٥) في النسخ : لخرجت.

٢١

المسائل الأصولية في الأحكام الأصلية ، وكذا في الموضوعات المستنبطة كالأصول المعمولة في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ؛ لرجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع أو عن أجزائه أو جزئياته ، كما هو المعتبر في البحث كما لا يخفى (١).

وأمّا في الأحكام الفرعية فقد يتوهّم كون الاستصحاب من القواعد الفرعية كنفي الحرج والضرر ولزوم العقود ونحوها ؛ لعدم الفارق بينهما ، وربّما فرّط في ذلك بعضهم فزعم عدم انطباقه على قاعدة الموضوع ، بل ولا الحدّ أيضا ؛ لعدم كونه بحثا عن اللواحق الراجعة إلى الموضوع ، ولعدم شمول الحدّ له.

والتحقيق خلاف ذلك (٢) ، أمّا حديث عدم اشتمال الحدّ فواه جدا ؛ إذ لا ريب في مدخليته في استنباط الأحكام ، بل وهو العمدة ـ على ما نبّه عليه بعض الأعاظم ـ في الاستنباط بعد الكتاب والسنّة ، وربّما يزيد في شأنه لو جعلنا استصحابي البراءة والاشتغال منه. ويوضح (٣) ذلك ما لو قلنا بأنّ الأصول اللفظية منه ؛ إذ لا يستقيم أمر الكتاب والسنّة بدونه حينئذ ، وذلك ظاهر في الغاية (٤).

وأمّا توهّم عدم رجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع ، فكأنّه ناش عمّا نبّهنا (٥) على فساده من منافات كون الاستصحاب من مقولة الفعل مع كونه دليلا ، وقد مرّ تحقيق القول فيه بما لا مزيد عليه.

وأمّا نفي الفارق بين الاستصحاب وسائر القواعد الفرعية كنفي الحرج والضرر ، فغير سديد ؛ لوضوح الفرق بينهما بعد ملاحظة ما أوردناه (٦) في المعيار في التميّز (٧) بين المسائل ، إذ لا شكّ ولا ريب (٨) في أنّ المجتهد بعد ما تصدّع في إثبات حجّية

__________________

(١) « ز ، ك ، ل » : على ما لا يخفى.

(٢) « ز ، ك ، ل » : والتحقيق في ذلك خلاف ذلك.

(٣) « م » : توضيح.

(٤) « ز ، ك ، ل » : ـ وذلك ظاهر في الغاية.

(٥) تقدّم في ص ٨.

(٦) « ج ، م » : أوردنا.

(٧) « ز ، ك ، ل » : للتميّز.

(٨) « ز ، ك ، ل » : ـ ولا ريب.

٢٢

الاستصحاب بتصحيح مبانيه وتوضيح الوجوه الناهضة عليه بدفع الشبه (١) وقطع المعارضات ، فليس من شأن المكلّف المقلّد العمل به ، إذ غاية ما صنعه المجتهد في المقام تحصيل كبرى لقياس يطلب فيه الحكم الاستصحابي ، ومن المعلوم أنّ المقدّمة الواحدة ليست منتجة ، بل لا بدّ من انضمام صغرى إليها (٢) في الاستنتاج ، والعلم بتلك الصغرى في الأحكام الكلّية الفرعية غير ممكن الحصول للمقلّد.

وتوضيحه : أنّ استنباط حكم الماء القليل الملاقي للنجاسة موقوف على مقدّمتين : إحداهما : أنّه مما لم يدلّ دليل على نجاسته ، والثانية : أنّ كلّما لم يدلّ دليل على نجاسة شيء مع العلم بالطهارة السابقة ، فلا بدّ من معاملة الطاهر معه ، وبعد ذلك ينتج طهارة الماء ـ مثلا ـ في الظاهر ، والمستنبط للمجتهد هو الكبرى في هذا القياس ، وأمّا الصغرى فلا يمكن استعلام تحقّقها لغير المجتهد ، فإنّها حاكمة بعدم (٣) ورود دليل على نجاسته (٤) ، وربما يكون في المقام ما يشبه أن يكون دليلا فلا بدّ من دفعه ، ولو لا أنّ المذكور كاف (٥) في المقام من إثبات توقّف إعمال الاستصحاب في محالّه على الاستنباط والاجتهاد ، لخرج عن المسائل الأصولية جلّها لو لم نقل كلّها ، كمباحث المقدّمة ، واجتماع الأمر والنهي ، ومباحث الشهرة ، ونحوها ، فإنّ حكم العقل بوجوب المقدّمة بمنزلة الكبرى ولا يكفي (٦) فى الحكم بوجوب الوضوء للصلاة هذا الحكم العقلي ما لم يثبت اندراج موضوع هذه القضيّة في موضوعها ، واستنباط هذا موقوف على النظر والاجتهاد في الأدلّة الشرعية التي تقصر عن الوصول دونه (٧) أيدي المقلّدة ، وكذا تميّز موارد الشهرة كما لا يخفى (٨).

__________________

(١) « ز ، ك » : الشبهة.

(٢) « ج ، م » : إليه.

(٣) « ج ، م » : لعدم.

(٤) « ز ، ك ، ل » : النجاسة.

(٥) « م » : كافيا.

(٦) « ج ، م » : ولا يخفى.

(٧) « ل » : « إليها » بدل : « دونه ».

(٨) « ز ، ك ، ل » : على ما لا يخفى.

٢٣

فظهر الفرق بين القواعد الفرعية كنفي الحرج ـ إذ بعد أنّ المجتهد في مقام الاجتهاد علم بأنّ الحكم في الشريعة نفي الحرج في كلّ ما يلازمه أو على بعض الوجوه التي أدّى إليه دليله كوجوب الوفاء بالعقود ، لم يبق للمكلّف حالة منتظرة في العمل به ، إذ الموضوع في تلك القواعد ممّا يرجع الأمر فيه إلى العرف ، والمقلّد منهم ، فيحصل عنده الصغرى من غير احتياج إلى ملاحظة الأدلّة ، والكبرى إنّما حصّلها من المجتهد ، فيعمل بمقتضاهما من غير حاجة إلى شيء آخر ـ وبين (١) الاستصحاب في الأحكام الفرعية ؛ إذ تحصيل الصغرى فيه اجتهادية ويكفي في كونه من مسائل الأصول ، و (٢) ذلك بناء على ما أصّلناه من المعيار ، مضافا إلى ما عرفت من صدق الحدّ عليه ورجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع.

لا يقال : إنّ الفحص عن مطلق الدليل لا يجعل البحث اجتهاديا ، بل إذا كان الدليل مثل أخبار الآحاد ، فإنّ ما يرد على خلافها معارض لها على اختلاف وجوه التعارض ، بخلاف الاستصحاب فإنّ الدليل مزيل له.

لأنّا نقول : نعم ، ولكن لا يجدي فيما نحن فيه ؛ إذ لا فرق في عدم إمكان المقلّد أن يكون الدليل مزيلا أو مفيدا كما هو ظاهر.

ومن هنا ينقدح أنّ الأصول العملية التي موضوعاتها (٣) الشكّ البحث عنها في الأحكام الكلّية الفرعية من مسائل الأصول ، ولهذا صرّح المحقّق (٤) في بعضها بكون المسألة أصولية ولا يكفي فيها أخبار الآحاد ، وقد سمعت أنّ تنصيص أهل الخبرة أيضا من المميّزات ، كما أنّه ينقدح أنّ قاعدة الطهارة أيضا من مسائل الأصول ؛ إذ لا فرق بين (٥) استصحاب الطهارة وقاعدتها سوى استناد الحكم في الأوّل (٦) شرعا إلى

__________________

(١) عطف على بين القواعد الفرعية.

(٢) « ج ، م ، ل » : ـ و.

(٣) « ز ، ك ، ل » : موضوعها.

(٤) انظر معارج الأصول : ٢٢٦.

(٥) « ز ، ك ، ل » : فيما بين.

(٦) كذا. والصواب : في الثاني.

٢٤

نفس الشكّ ، وفي الثاني (١) إلى الحالة السابقة ولا مدخل لهذا الفرق فيما نحن بصدده ، فتدبّر في المقام.

المقام الثاني

في أنّ الاستصحاب على أيّ وجه من أيّ المسائل

فنقول : بعد (٢) ما عرفت في (٣) المقام الأوّل يظهر لك أنّ التحقيق كونه من القواعد المشتركة ؛ لاختصاص بعض موارده بالبعض وآخر بغيره (٤) على ما مرّ ، وإنّما تدوينهم ذلك في الكتب الأصولية إنّما هو بواسطة مزيّة اختصاص يعلم منه بالمسائل الأصولية من حيث استنباط الأحكام الفرعية منه ، كما لا يخفى.

__________________

(١) كذا. والصواب : في الأوّل.

(٢) « ج » : إنّ بعد.

(٣) « ز ، ك » : ما في.

(٤) « ج ، م » : لغيره.

٢٥
٢٦

هداية

[ في تقسيمات الاستصحاب ]

ينقسم الاستصحاب باعتبارات مختلفة إلى أقسام متعدّدة :

فمنها : تقسيمه من حيث المستصحب إلى حال العقل وحال الشرع.

وقد يراد من الأوّل العدم الأصلي السابق على وجود كلّ موجود ، حكما شرعيا كان كالبراءة الأصلية ، أو موضوعا خارجيا كالرطوبة واليبوسة ، أو غيرهما كعدم النقل المعمول في الألفاظ ، ولعلّ وجه هذه التسمية حكم العقل بالعدم ما لم يعلم بعلّة الوجود ولا يجب الاطّراد في وجه التسمية (١).

ومن الثاني ما يقابله وهو الوجود ، سواء كان حكما شرعيا ـ تعبّديا أو عقليا ، كلّيا أو جزئيا ، تكليفيا أو وضعيا ـ أو موضوعا خارجيا ؛ إذ المقصود بالاستصحاب هو ترتيب أحكامه الشرعية من نجاسة ملاقيه ونحوها ، ومنه يعلم وجه التسمية أيضا في غيره ؛ إذ المطلوب فيها ذلك ، على أنّ أكثر مواردها حكم شرعي.

و (٢) تارة يراد منه الحكم العقلي ، سواء كان تكليفيا عدميا كالبراءة الأصلية ، أو وجوديا كإباحة الأشياء قبل الحظر الشرعي وكتحريم التصرّف في مال الغير ووجوب ردّ الوديعة إذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار والخوف ، أو وضعيا

__________________

(١) « ز ، ك ، ل » : ولا يجب اطرادها كما لا يخفى.

(٢) « ز ، ك » : ـ و.

٢٧

وجوديا كشرطية العلم لثبوت التكليف إذا عرض ما يوجب الشكّ في زوالها (١) مطلقا أو في خصوص مورد ، أو عدميا كعدم الزوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقّق موضوعهما. ومن الثاني الأحكام الشرعية التكليفية ـ إجماعا كان المستند فيها أو غيره ـ أو الوضعية كذلك هذا على ما قد يوجد في كلمات بعض الأواخر (٢).

والتحقيق : أنّ المراد من الأوّل هو استصحاب نفي الأحكام الكلّية وعدمها ، والتعميم إلى الموضوعات ليس في محلّه ؛ لما قد فسّره المحقّق في المعتبر بالبراءة الأصلية ، وكذلك المحقّق القمي (٣) ، وغيرهما على أنّ عدّ الاستصحاب من الأدلّة العقلية ينافي تعميم استصحاب حال العقل إلى الموضوعات ، فإنّه بالنسبة إليها أمارة ولا يسمّى دليلا ، فتأمّل.

ومن الثاني استصحاب وجود تلك الأحكام ، وأمّا تعميم العقلي إلى الوجودى من الأحكام العقلية كما في ثاني التفسيرين على ما تجشّمه بعض الأجلّة (٤) ، فليس على ما ينبغي أيضا ، أمّا أوّلا : فلمنافاته للتفسير المذكور في كلام المحقّقين وغيرهما ، وأمّا ثانيا : فلعدم معقولية الاستصحاب في الأحكام العقلية ؛ إذ حكم العقل بوجوب شيء أو حرمته أو شرطيته إمّا أن يكون مستندا (٥) إلى علّة معلومة للعقل من وجوه الحسن والقبح ، أو لا ، لا كلام على الثاني ، فإنّه بالإلحاق إلى الأحكام التعبّدية أولى ، كما في الإجماع ، وذلك (٦) العلم يستتبع العلم بحسنه أو قبحه لما قرّر من تبعية الأحكام للصفات ، وعلى الأوّل فتلك العلّة المعلومة إمّا معلومة بنفسها ، كما في الأحكام الضرورية العقلية التي يكفي في التصديق بوقوع نسبها تصوّر موضوعاتها ، وإمّا

__________________

(١) في المصدر : بقائها.

(٢) الفصول : ٣٦٦ ( مع تصرّف وتلخيص ) وعنه في بحر الفوائد ٣ : ٢١ ؛ أوثق الوسائل : ٤٤٦.

(٣) « ز ، ك ، ل » : + رحمه‌الله.

(٤) الفصول : ٣٦٦.

(٥) المثبت من « ج » : وفي سائر النسخ : « مستندة ».

(٦) المثبت من « ج » : في سائر النسخ : « فذلك ».

٢٨

معلومة بواسطة اندراج موضوع القضيّة المفروضة في (١) موضوع آخر يعلم ثبوت الحكم له بداهة ولو بتعدّد الوسائط ، لامتناع التسلسل واستحالة الدور ، لا إشكال في عدم معقولية الاستصحاب على الأوّل ؛ إذ المفروض أنّ نفس تصوّر الموضوع يكفي في الحكم العقلي الضروري (٢) ، فعند الشكّ بواسطة حدوث حادث إمّا أن يكون الحكم المتعلّق بذلك الموضوع باقيا فلا استصحاب ؛ إذ لا شكّ ، ففرض الشكّ خلاف للفرض ، وإمّا أن يكون الموضوع مغايرا فلا استصحاب ؛ لعدم الموضوع ، وكذا على الثاني ؛ لأنّ موضوع القضيّة المشكوكة لا بدّ وأن يكون معلوم الاندراج في موضوع تلك القضيّة المعلومة الضرورية ، ومع حدوث الحادثة بازدياد شيء إمّا أن يكون مندرجا فيه (٣) ، أو لا يكون (٤) ، وعلى التقديرين لا استصحاب ؛ إذ على الأوّل لا شكّ (٥) ، وعلى الثاني لا يكون الموضوع باقيا ، والاستصحاب فرع الموضوع.

لا يقال : قد يكون العقل حاكما بقبح شيء بواسطة اندراجه في موضوع غير معلوم للعقل ؛ لتردّده بين أمور غير معلومة ، فيجري فيه الاستصحاب.

لأنّا نقول : على تقدير وجود ذلك وليس كذلك قطعا ، كما يظهر بعد الرجوع إلى الوجدان ، سيّما بالنسبة إلى الأمثلة المذكورة ، فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا ؛ لعدم العلم بالموضوع فلعلّه مقيّد بعدم تلك الحادثة في الأحكام العقلية ، ولهذا (٦) ترى فيما لم يحرز الموضوع لا يحكم بالاستصحاب في الأحكام الشرعية أيضا ، سيّما فيما كان الحكم مستفادا من الإجماع لا لما زعمه الغزالي (٧) على ما نسب (٨) إليه ، بل لعدم العلم بموضوع الحكم كما ستطّلع على تفاصيل ذلك إن شاء الله (٩).

__________________

(١) « ز ، ك » : كما في.

(٢) « ز ، ك ، ل » : الضروري العقلي.

(٣) « م ، ج » : فيها ، وكتب فوقها « فيه » وعكس ذلك في « ز » ، وفي « ك » : فيها.

(٤) « م » : ـ أو لا يكون.

(٥) « م » : ـ لا شكّ.

(٦) « ز ، ك » : لذا.

(٧) سيأتي عنه في ص ٦١.

(٨) « ج ، م » : نسبه.

(٩) « ز ، ك ، ل » : على تفصيله.

٢٩

فإن قلت : إنّ الوجه المذكور في استصحاب الأحكام الوجودية العقلية بعينه جار في استصحاب الأحكام العدمية ، فإنّ العقل لا يحكم إلاّ بعد الإحاطة بجميع قيود موضوع الحكم والاطّلاع على حدوده وأطرافه ، ولا يفرق في ذلك الوجود (١) والعدم ، فلا بدّ من عدم (٢) جريان استصحاب حكم العقل مطلقا ، ولا وجه للتفصيل.

قلت : ليس الحكم بالعدم الأزلي الأصلي الذي هو المستصحب (٣) إلاّ بواسطة انتفاء أحد أجزاء علّة الوجود الراجعة إمّا إلى الفاعل أو إلى القابل ـ مثلا ـ على سبيل منع الخلوّ ، فعند حكم العقل بالعدم بواسطة وجود المانع أو فقد المقتضي ـ مثلا ـ لا يجب أن يكون المعلول موجودا على فرض حصول الشكّ فيه بواسطة انتفاء العلّة التي استند حكم العقل بالعدم إليها ؛ لاحتمال انتفاء جزء آخر من علّة الوجود ، فنفس العدم الأزلي مستصحب ؛ لعدم (٤) العلم بالعلّة التامّة (٥) للوجود ، نعم لو فرض وجود تمام أجزاء (٦) العلّة التي يستند إليها الوجود عدا ما حكم العقل بعدم المعلول بواسطة انعدامه من أجزاء العلّة التامّة فبعد (٧) فرض وجود الجزء (٨) المعدوم لا ينبغي (٩) الشكّ في وجود المعلول ، وبذلك يسقط استصحاب العدم الأزلي ، وهذا بخلاف الوجود ، فإنّ العقل ما لم يقطع بوجود جميع أجزاء علّته التامّة لا يحكم بوجوده ، فعند الشكّ في جزء منها مع (١٠) الإحاطة بتمام أطرافه وحدوده ، يعلم إمّا بانتفاء علّة الوجود فلا شكّ (١١) في الارتفاع ، وإمّا بوجوده فلا شكّ في البقاء.

ومن هنا ينقدح أنّ ما أفاده المحقّق القمي (١٢) في بحث الإجزاء من أنّه (١٣) بعد حصول

__________________

(١) « ك » : بين الوجود.

(٢) « ز ، ك » : نفي.

(٣) « ج » : مستصحب.

(٤) « م » : بعدم.

(٥) « ج » : المتأخّرة.

(٦) المثبت من « ل » في سائر النسخ : « الأجزاء ».

(٧) « ز ، ك ، ل » : وبعد.

(٨) المثبت من « ل » وفي سائر النسخ : « جزء ».

(٩) « ل » : لا يبقى.

(١٠) « ك » : بعد.

(١١) « ل » : فلا يشكّ ، وكذا في المورد الآتي.

(١٢) لم أجده في بحث الإجزاء من القوانين.

(١٣) « ج ، م » : أنّ.

٣٠

الذكر المسبوق بالنسيان عدم التكليف مستصحب ، ليس فى محلّه ؛ إذ المفروض أنّ العدم مستند إلى عدم جزء خاصّ من أجزاء علّة الوجود وهو الذكر بواسطة حدوث النسيان ، والمفروض اجتماع بقيّة الأجزاء ، فعند زوال النسيان ووجود الذكر لا مجال للشكّ في التكليف كما لا يخفى. والقول بأنّ العدم المضاف بخصوصه مستصحب ، مدفوع : بعدم التمايز بين الأعدام.

ومنها : تقسيمه باعتبار الدليل إلى استصحاب حال النصّ إلى أن يثبت الناسخ ، وإلى استصحاب حال الإجماع كاستصحاب وجوب المضيّ في الصلاة بعد ما وجد الماء في الأثناء.

ومنها : تقسيمه باعتبار المشكوك فيه إلى استصحاب الحكم الشرعي ، تكليفيا كان أو وضعيا ، وإلى استصحاب الموضوع الخارجى كالرطوبة واليبوسة.

ومنها : تقسيمه باعتبار الشكّ ، فإنّ الشكّ في وجود المستصحب تارة : مسبّب عن الشكّ في وجود المقتضي ، وأخرى : عن الشكّ في وجود المانع ، ولا ثالث في البين فيما كان العلّة التامّة مركّبة من وجود المقتضي وفقد المانع ، فإنّ عدم المعلول علما وظنّا وشكّا من توابع عدم العلّة علما وظنّا وشكّا ، فالشكّ في وجود المستصحب المعلول دائما ناش إمّا من الشكّ في نفس المقتضي أو شرط من شروطه أو جزء من أجزائه ، أو ناش من الشكّ في وجود المانع.

[ أقسام الشكّ في المقتضي ](١)

ثمّ الشكّ في المقتضي على أقسام ؛ إذ الشكّ تارة : في مقدار صلوحه للبقاء واستعداده في الوجود (٢) ، كما لو علمنا بوجود حيوان لم نعلم بمقدار استعداده وصلوحه للبقاء ومثله الخيار في خيار العيب ، فإنّه لا يعلم بقاؤه في الزمن الثاني من العلم به بعد

__________________

(١) العنوان من هامش نسخة « ز ».

(٢) « ك » : للوجود.

٣١

الخلاف في فوريته وعدمها.

وتارة : يشكّ في تعيين (١) الاستعداد بعد العلم بأصل الصلاحية ، كما فيما علمنا بوجود حيوان مردّد بين ما يعيش في السنة كالعصفور مثلا ، وبين ما يعيش في الأقلّ منها كالذباب والديدان ، فإنّ الشكّ في البقاء ناش من الشكّ في أنّ الموجود من أيّ النوعين.

وأخرى : يشكّ في زمان حدوثه بعد العلم باستعداده وكونه ممّا يعيش في السنة مثلا ، فلا يعلم أنّ (٢) العصفور ـ مثلا ـ في أيّ زمان صار موجودا ، فلو كان بدو وجوده في أقلّ من السنة فهو موجود قطعا ، ولو كان فيها فليس بموجود قطعا ، فالشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في ابتداء الوجود (٣).

[ أقسام الشكّ في المانع ](٤)

والشكّ في المانع أيضا يتصوّر (٥) على أقسام : فتارة : يشكّ في وجود المانع مع العلم بمانعيته ، وقد يعبّر عنه بالشكّ في عروض القادح ، كما إذا شككنا في بقاء الطهارة بواسطة الشكّ في طروّ البول.

وتارة : يشكّ في مانعية الموجود ، وقد يعبّر عنه أيضا بالشكّ في قدح العارض ، وهذا القسم أيضا على أقسام ؛ لأنّ (٦) الشكّ في تلك (٧) الصفة.

إمّا أن يكون بواسطة الشكّ في كونه مانعا وناقضا في أصل الشّرع ، فلا نعلم أنّ الشّارع الصادع (٨) كما جعل البول ناقضا للوضوء فهل جعل المذي أيضا من نواقض الطهارة أو لا؟

__________________

(١) « ز ، ك » : تعيّن.

(٢) « ك » : في أنّ.

(٣) « ز ، ك » : الموجود.

(٤) العنوان من هامش نسخة « ز ».

(٥) « ز ، ك ، ل » : ـ يتصوّر.

(٦) « ز ، ك ، ل » : فإنّ.

(٧) « ز ، ك » : هذه.

(٨) « ز ، ك ، ل » : ـ الصادع.

٣٢

وإمّا بواسطة عدم العلم بالمقتضي وتعيّنه ، فلا نعلم أنّ الموجود الفلاني مانع بواسطة عدم العلم بالمقتضي ، فلو علمنا به علمنا بالوصف المذكور ، للعلم بالموانع بعد العلم بالمقتضيات ، وذلك كما في موارد الاشتغال مثل دوران المكلّف به بين الظهر والجمعة ، فلو صلّينا الظهر شككنا في ارتفاع التكليف بواسطة عدم العلم بالمقتضي للتكليف.

وإمّا أن يكون بواسطة الشكّ في معنى اللفظ والموضوع المستنبط ، كما فيما لو فرضنا عدم العلم بدخول الخفقة والخفقتين في معنى النوم الناقض المعلوم ، فالشكّ في بقاء الطهارة بواسطة الشكّ في أنّهما من أفراد النوم أو لا (١).

وإمّا أن يكون بواسطة الشكّ في الموضوع الخارجي ، كما إذا عرض رطوبة مشتبهة مردّدة بين كونها بولا وبين غيره ممّا ليس بناقض قطعا.

ثمّ لا يذهب عليك تداخل بعض الأقسام المذكورة دون بعض آخر (٢) ، فلا ينبغي أخذ الأقسام الحاصلة من ضرب البعض في الآخر ، وفي المقام بعض تقسيمات أخر لا جدوى في التعرّض لها.

__________________

(١) « ز ، ك » : أم لا.

(٢) « ج ، ز » : ـ آخر.

٣٣
٣٤

هداية

[ في تعميم النزاع لأقسام الاستصحاب ]

هل النزاع في حجّية الاستصحاب وعدمها يعمّ البراءة الأصلية ، أو يخصّ بغيرها (١)؟ وهل يعمّ ما إذا كان المدرك إجماعا ، أو لا؟ وهل يختصّ النزاع بالأحكام الشرعية ، أو يجري في الموضوعات أيضا؟ وهل يجري النزاع في أقسام الشكّ في المقتضي أيضا ، أو يختصّ بأقسام الشكّ في المانع؟

ولمّا كان في كلّ من المقامات الأربع (٢) يظهر من بعضهم الخلاف ، فلا بدّ من ذكر كلّ واحد منها في مقام يختصّ به توضيحا (٣) للمقام وتحقيقا للمرام.

[ المقام ] الأوّل

في الجهة الأولى من وجوه تحرير الخلاف ، فنقول : زعم جماعة من متأخّري المتأخّرين ممّن عاصرناهم ومن يقاربهم في العصر إلى خروج البراءة الأصلية عن حريم الخلاف وانتظامها في سلك المسلّمات مستندين إلى وفاق المتنازعين فيه مستكشفين ذلك من جملة من عبارات القوم (٤).

فمنها : ما أفاده جواد الفضلاء حيث قال : لا كلام في حجّية استصحاب النفي وهو

__________________

(١) « م ، ج » : بغيره.

(٢) « ز ، ك ، ل » : الأربعة.

(٣) « م ، ج » : في مقامه توضيحا.

(٤) « ز ، ك ، ل » : من جملة عبائر القوم.

٣٥

المعبّر عنه بالبراءة الأصلية ، وحاصله استصحاب براءة الذمّة من (١) الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات إلى أن يرد الدليل الناقل من النفي الأصلي إلى نفي (٢) ذلك الحكم ، فيتّبع حيث ما دلّ الدليل عليه (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو بظاهره صريح فيما زعموا حيث نفى الكلام في حجّية استصحاب النفي بعد تفسيره بالبراءة الأصلية.

ومنها : ما أورده (٤) الشهيد السعيد في محكيّ الذكرى (٥) : الرابع دليل العقل وهو قسمان : قسم لا يتوقّف على الخطاب ، وهو خمسة :

الأوّل : ما يستفاد من قضيّة العقل ، كوجوب قضاء الدين ، وردّ الوديعة ، وحرمة الظلم ، واستحباب الإحسان ، وكراهة (٦) منع اقتباس النار ، وإباحة تناول المنافع الخالية عن المضار ، سواء علم ذلك بالضرورة ، أو بالنظر (٧) كالصدق النافع والضارّ ، وورود السمع في هذه (٨) مؤكّد.

__________________

(١) في المصدر : عن.

(٢) في المصدر : ـ نفي.

(٣) غاية المأمول فى شرح زبدة الأصول ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) ٨٤ / أوفي نسخة أخرى ١٧٨ / أ ، وعنه في اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) ٩٤ / أ ، ولا بأس بنقل عبارته :

اختلف كلامهم في تحقيق محلّ النزاع ، فمنهم من نفى الخلاف والإشكال في حجّية أحد القسمين من أصل النفي بعد أن قال وهو المعبّر بالبراءة الأصلية وهو البراءة من الوجوب ، ومنهم من يظهر منه عدم الخلاف في استصحاب النفي كالشهيد والتوني حيث خصّا نقل الخلاف بغيره والكاظميني حيث قال : لا كلام في حجّية استصحاب النفي ، وهو ظاهر كلام من جعل العنوان استصحاب الحال ولم ينقل الخلاف فيه كالتهذيب والمعالم وغيرهما ، وفي الأخير العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما يقتضيه البراءة الأصلية ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا.

(٤) « ز ، ك » : أفاده.

(٥) « ج » : + حيث قال.

(٦) « ز ، ل » : كراهية.

(٧) في المصدر : أو النظر.

(٨) « ج » : هذا.

٣٦

الثاني : التمسّك بأصل البراءة عند عدم الدليل ، وهو عامّ المورد (١) في هذا الباب ، كنفي الغسلة الثالثة في الوضوء ، والضربة الزائدة في التيمّم ، ونفي وجوب الوتر ، ويسمّى ذلك استصحاب حال العقل ، وقد نبّه عليه في الحديث ، كقوله : « كلّ شيء [ يكون ] فيه حلال وحرام فهو لك حلال [ أبدا ] حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (٢) وسببه (٣) هذا.

الثالث : لا دليل على كذا فينتفي ، وكثيرا ما يستعمله الأصحاب ، وهو تامّ عند التتبّع التامّ ، ومرجعه إلى أصل (٤) البراءة.

الرابع : الأصل الأقلّ (٥) عند فقد دليل على (٦) الأكثر كدية الذمّي عندنا ؛ لأنّه المتيقّن ، فيبقى الباقي على الأصل وهو راجع إليها.

الخامس : أصالة بقاء ما كان ـ ويسمّى استصحاب حال الشرع وحال الإجماع ـ في محلّ الخلاف ، كصحّة صلاة المتيمّم الذي يجد الماء في الأثناء ، فنقول : طهارته (٧) معلومة والأصل عدم طار ، و (٨) صلاته صحيحة قبل الوجدان وكذا (٩) بعده. واختلف الأصحاب في حجّيته وهو مقرّر في الأصول (١٠). انتهى كلامه رفع مقامه.

وجه الدلالة يظهر من تخصيص الخلاف بقسم من الأقسام المذكورة التى منها استصحاب حال العقل.

ومنها : ما ذكره العلاّمة في محكيّ النهاية حيث قال : اختلفوا فى النفي الأصلي هل

__________________

(١) في المصدر : الورود.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ـ ٨٨ ، باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١ ، و ٢٤ : ٢٣٦ ، باب ٦٤ من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ٢ : ٢٨٢ ، باب ٣٢ ، ح ٥٧. وتقدّم في ج ١ ، ص ٣٥٩.

(٣) في المصدر : شبه.

(٤) « ز ، ك » : أصالة.

(٥) في المصدر : الرابع : الأخذ بالأقلّ.

(٦) « ز ، ك ، ل » : في.

(٧) في المصدر : طهارة.

(٨) في المصدر : طارئ أو.

(٩) « ل » : فكذا.

(١٠) ذكرى الشيعة ١ : ٥١ ـ ٥٢.

٣٧

يمكن التوصّل إليه بالقياس أم لا؟ بعد اتّفاقهم على اكتفاء حكم العقل فيه بالاستصحاب. انتهى.

وهذا (١) كما ترى ينادي بأنّ التوصّل بالاستصحاب إلى النفي الأصلي أمر مفروغ عنه عندهم.

ومنها : ما احتجّ به في المعالم من أنّ العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما تقتضيه البراءة الأصلية (٢) ، ومثله ما في المعارج (٣) ودلالتهما على مقصودهم وجهها (٤) ظاهر.

ومنها : عنوان غير واحد من أرباب الفنّ وأصحاب الصناعة بأنّ استصحاب الحال كذا ؛ إذ من الواضح أنّ المراد منه هو الأمر الوجودي.

إلى غير ذلك من الكلمات الدالّة على ذلك تصريحا أو تلويحا ، إلاّ (٥) إنّ ذلك بمعزل عن التحقيق ، فإنّ مدّعي الإجماع إن أراد أنّ القوم مطبقون على العمل بمقتضى قاعدة البراءة وهو الحكم بعدم ثبوت ما يترتّب على التكليف ، فهو حقّ ، لكنّه غير مفيد ؛ إذ من المحتمل قويّا ـ بل ولا بدّ أن يكون هو المتعيّن (٦) ـ أن يكون تعويلهم على ذلك من حيث اقتضاء مجرّد الشكّ من دون احتياج إلى انسحاب الحالة السابقة بالاستصحاب كما هو قضيّة قاعدة البراءة ، أو يكون حكمهم بالعدم مستندا إلى قاعدة العدم ؛ إذ قاعدة « عدم الدليل دليل العدم » من القواعد التي توافق الاستصحاب (٧) موردا. وإن أراد أنّ العمل على العدم بمقتضى قاعدة الاستصحاب بانجرار العدم المعلوم سابقا وانسحابه بالاستصحاب إلى زمن الشكّ ليترتّب عليه آثاره ، فغير سديد ؛ إذ عدم الخلاف فيما يستفاد من العبارات المتقدّمة إنّما هو إجماع عملي ، والوجه في أمثال ذلك

__________________

(١) « ج » : هو.

(٢) المعالم : ٢٣٤.

(٣) معارج الأصول : ٢٨٧.

(٤) « ز ، ك ، م » : وجها.

(٥) « م » : ـ إلاّ ، وفي « ز ، ك ، ل » : « و » بدل « إلاّ ».

(٦) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : المعيّن.

(٧) « م » : الأصحاب.

٣٨

ممّا يحتمل أن يكون وقوعه على وجوه مختلفة عدم جواز تعيين وجه منها ، لعدم دليل عليه بالخصوص ، على أنّك قد عرفت (١) فيما تقدّم من مباحث البراءة عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند الشكّ في البراءة وعدمها ؛ لأنّ الأحكام المترتّبة على المستصحب بعد انسحابه بالاستصحاب إنّما هو مترتّب على ما هو مقدّم طبعا عليه وهو مجرّد الشكّ بقبح العقاب بدون البيان في مجاري البراءة.

وبالجملة : فمدّعي الإجماع لا بدّ له من إثبات انعقاد الإجماع على حجّية استصحاب البراءة وإن قطعنا النظر عن اعتبار قاعدة البراءة ، بل الحكم في مواردها إنّما هو مترتّب (٢) على العدم المنسحب بالاستصحاب ، ودون إثباته خرط القتاد.

على أنّ دلالة العبارات المتقدّمة على مطلوب مدّعي الإجماع في محلّ من المنع بالنسبة إلى جميعها فإنّ الاستشهاد بكلام العلاّمة إنّما يتمّ فيما لو قلنا بأنّ ضمير الجمع المضاف إليه الاتّفاق إنّما يرجع إلى القوم دون القائلين بالقياس ، مع أنّ سوق العبارة ظاهر فيه. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ القائلين بالقياس هم النافون (٣) للاستصحاب فيتمّ الاتّفاق إلاّ أنّه كما ترى.

وأمّا الاستشهاد بكلام المعالم فلم يثبت أنّ الفقرة الدالّة منها على المطلوب من كلام المستدلّ ولعلّه ناش من اجتهاده في استدلالهم.

وأمّا قولهم في العنوان فلا دلالة له على المطلوب بوجه ، وعلى التنزّل فلعلّ نظرهم مقصور على أنّ الآثار المطلوبة في الاستصحاب غالبا إنّما يترتّب على المستصحب الموجود ، فتأمل.

فالتحقيق في المقام ـ على ما أفاده الأستاد المحقّق المرتضى أديمت إفاداته ـ عموم النزاع لأقسام الاستصحاب الوجودي والبراءة الأصلية ، لأمرين :

__________________

(١) عرفت في ج ٣ ، ص ٣٣٠.

(٢) « ج » : إنّما يترتّب.

(٣) « م » : النافين ، وفي « ج ، ك » : القائلين.

٣٩

الأوّل : أنّه لا ريب في اتّحاد مناط الاستصحاب في الوجودي (١) والعدمي ، فإنّ المدار فيه (٢) على اليقين السابق والشكّ اللاحق بأخذه مصاحبا من زمن اليقين (٣) إلى زمن الشكّ ليحكم عليه بما كان يحكم عليه في ذلك الزمان ، إمّا بواسطة أنّ تحقّق الشّيء في السابق في مرتبته وتقرّره (٤) في ذاته ـ ولو كان أمرا عدميا ـ يحتاج في الخروج عنه والحكم بخلافه عند العقلاء إلى دليل مخرج عن ذلك بواسطة حصول الظنّ بالبقاء ، أو بواسطة معاملتهم إيّاه معاملة السابق ولو كان مشكوكا أيضا كما يشعر بذلك بعض وجوه استدلالاتهم في مطاوي كلماتهم ، وإمّا بواسطة دلالة الأخبار على ذلك ، فإنّ الوجوه القائمة على اعتبار الاستصحاب لا يخلو من ذلك ، وكلّ ذلك بالنسبة إلى الوجود والعدم سواء ، فنحن لا نرى (٥) فرقا في ذلك بين الوجود والعدم ، فتخصيص أحدهما بالخروج عن النزاع دون الآخر يشبه أن يكون ترجيحا بلا مرجّح.

الثاني : ما يدلّ على دخول البراءة الأصلية في محلّ الخلاف من عباراتهم تصريحا أو تلويحا.

منها : التفصيل الذي عزي إلى المحقّق على ما قد (٦) استفيد من قوله في المعتبر بعد تثليثه أقسام الاستصحاب ، قال : استصحاب حال العقل وهو البراءة الأصلية و [ الثاني ] أن يقال عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفاؤه ، وهذا إنّما يصحّ فيما أنّه (٧) لو كان هناك دليل لنظفر به (٨) ، وأمّا لا مع ذلك فيجب (٩) التوقّف ، ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة ، و [ الثالث ] استصحاب حال الشرع (١٠) ، انتهى. فإنّ اعتبار عموم البلوى في اعتبار

__________________

(١) « ز ، ك ، ل » : اتّحاد المناط في الاستصحاب الوجودي.

(٢) « ز ، ك » : في الاستصحاب.

(٣) « ك » : السابق.

(٤) « ز ، ك » : تقريره.

(٥) « ج » : سواء ، ألا ترى.

(٦) « ز ، ك » : ـ قد.

(٧) في المصدر : فيما يعلم.

(٨) « م » : نظفر به ، وفي « ج » : لظفر به.

(٩) في المصدر : فإنّه يجب.

(١٠) المعتبر فى شرح المختصر ١ : ٣٢ مختصرا ، وما بين المعاقيف منه.

٤٠