مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

وقال في موضع آخر ـ بعد ما مهّد كلاما يتفرّع على ما قدّمه في أوّل الباب ـ : لا حجّية للاستصحاب في القسم الثالث مطلقا ، وفسّره بأنّه الذي علم ثبوت الحكم في الجملة أو في حال أو (١) شكّ فيما بعده ، قال : وذلك لأنّ بعد ما علم حكم في وقت أو حال وشكّ فيما بعده وإن كان مقتضى اليقين السابق واستصحاب ذلك الحكم وجوده في الزمان الثاني و (٢) الحالة الثانية ولكن مقتضى استصحاب حال العقل عدمه ؛ لأنّ هذا الحكم قبل حدوثه كان معلوم العدم مطلقا ارتفع (٣) عدمه في الزمان الأوّل فيبقى الباقي ، ومثّل لذلك بأنّ الشارع إذا أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم أنّه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه بعد ذلك فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس فيه قبل الزوال ، فصار بعده موضع (٤) الشكّ ، فلنا (٥) شكّ ويقينان وليس بقاء حكم أحد اليقينين أولى من الآخر (٦).

إلى أن قال : وبالجملة : بملاحظة اليقين بالعدم الحاصل قبل الشرع أو التكليف أو (٧) البلوغ والعقل واستصحابه يحصل التعارض في جميع موارد القسم الثالث ، فلا مرجّح (٨) لأحدهما ، فلا يكون شيء منهما حجّة ويجب تركهما والرجوع إلى ما يقتضيه دليل آخر. وعليه فرّع الجواب عن شبهة النبوّة المتقدّمة.

ثمّ قال : وأمّا القسمان الأوّلان فيظهر ممّا ذكر أيضا عدم حجّية استصحاب حال الشرع فيهما أيضا إذا كان المستصحب من الأمور الشرعية بواسطة التعارض (٩) ، فإنّ استصحاب الطهارة والمالكية ونحوهما من الأمور المقرّرة في الشريعة إلى ثبوت رافعها عند الشكّ في الرافع ، أو في رافعية معارض باستصحاب عدم جعل الشارع لتلك

__________________

(١) في المصدر : « و ».

(٢) في المصدر : « أو » بدل : « و ».

(٣) في المصدر : علم ارتفاع.

(٤) في المصدر : بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى موضع.

(٥) في المصدر : قلنا.

(٦) في المصدر : ومن إبقاء حكم الآخر بها.

(٧) في المصدر : « و » بدل : « أو ».

(٨) في المصدر : ولا مرجّح.

(٩) في المصدر : الشرعية مطلقا لأجل تعارضه مع استصحاب حال العقل.

٢٤١

الأحكام عند الشكّ فيهما ، وإثبات التكليف والجعل ليس بأولى من إثبات عدمهما بالاستصحاب.

ثمّ قال : ولا يتوهّم أنّه يلزم على هذا انتفاء الحكم الثابت أوّلا (١) في القسمين بمجرّد الشكّ ، فإنّه ليس (٢) كذلك ، بل (٣) يحكم ببقاء الحكم ولكن لا لأجل استصحاب حال الشرع ، أي استصحاب ذلك الحكم ، بل لأجل استصحاب آخر من حال العقل. بيان ذلك أنّه قد عرفت في المقدّمة الأولى أنّ سبب الشكّ في هذين القسمين إمّا الشكّ في تحقّق المزيل القطعي (٤) ، أو الشكّ في جعل الشارع شيئا أو الشيء الفلاني مزيلا للحكم ، ولا شكّ أنّ الأصل عدم تحقّق المزيل وعدم جعل الشارع شيئا أو هذا (٥) الشيء (٦) مزيلا ، ويلزم من (٧) هذا الاستصحاب وجود هذا الحكم ، ولا يعارضه استصحاب عدم التكليف ؛ لأنّ الاستصحاب الأوّل سبب (٨) للحكم ببقاء استمرار الحكم ، وهو مزيل لعدم التكليف ، وليس استصحاب عدم التكليف سببا لوجود الشيء المعيّن الذي جعله الشارع مزيلا أو جعل (٩) هذا الشيء مزيلا (١٠).

إلى أنّ قال : وقد تلخّص من ذلك أنّ الأحكام الثابتة إنّما يحكم ببقائها بالاستصحاب إذا شكّ في المزيل لا في غيره ، وأنّ الحجّة (١١) من الاستصحاب إنّما هو في القسم الأوّل من قسمي الشكّ ولكن لا استصحاب حال الشرع ، بل استصحاب حال العقل.

ثمّ فرّق بين ما اختاره في المقام وما اختاره البعض من حجّية الاستصحاب عند

__________________

(١) « ز ، ك » : + في اليقين.

(٢) في المصدر : ـ ليس.

(٣) « ز ، ك » : « لذلك سبيل » بدل : « كذلك بل ».

(٤) في المصدر : + بعد العلم بعدمه.

(٥) « ز ، ك » : ـ هذا.

(٦) « ج ، م » : هذا لشيء.

(٧) في المصدر : ـ من.

(٨) في المصدر : ـ سبب.

(٩) « م » : بجعل وفي المصدر : بجعل الشارع.

(١٠) « ج » : ـ أو جعل هذا الشيء مزيلا.

(١١) « ج » : الحجّية.

٢٤٢

الشكّ في المزيل بأنّ الظاهر منه استصحاب حال الشرع ، وإن احتمل التوافق فنعم الوفاق.

ثمّ قال : هذا في الأمور الشرعية ، وأمّا الخارجية ـ كاليوم والليل والحياة والرطوبة والجفاف وأمثالها ممّا لا دخل لجعل الشارع في وجودها ـ فاستصحاب الوجود فيها حجّة بلا معارض ؛ لعدم تحقّق استصحاب حال العقل فيها (١) ، انتهى كلامه مع تلخيص وتغيير ما (٢) منّي.

وملخّصه في تمام ما ذكر (٣) هو اعتبار الاستصحاب عند (٤) الشكّ في الرافع أو الرافعية (٥) ، وعدمه عند الشكّ من حيث المقتضي.

وكيف كان ففيما أورده نظر من وجوه :

أمّا أوّلا : فلأنّ ما فرضه من المثالين من وجوب الصوم أو الجلوس ممّا لا مجال للاستصحاب فيه كما بيّنا وجهه فيما أيّدنا به (٦) مذهب الفاضل التوني في الهداية التونية (٧). وتوضيحه أنّ الأحكام الشرعية على قسمين : فبعض منها ما يعدّ شيئا واحدا كالحرمة والإباحة مثلا ، وكالاستحباب (٨) في وجه ، ومنها ما يعدّ عندهم أحكاما (٩) متعدّدة كالوجوب مثلا ، ففيما إذا شكّ في الوجوب ثانيا فإمّا يشكّ في الوجوب الأصلي في قبال الوجوب الثابت أوّلا ، أو في الوجوب التبعي ، أو في الوجوب المردّد بين هذين القسمين ، ففي الأوّل فلا بدّ من الأخذ بالبراءة الأصلية ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ظاهرا كما حرّر في محلّه ، وفي الثاني فلا بدّ من الرجوع إلى قاعدة البراءة والاحتياط عند الشكّ في الجزئية ، فكلّ على ما اختاره في تلك المسألة ، وفي الثالث فاحتمال

__________________

(١) مناهج الأحكام : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ( الفائدة الأولى ).

(٢) « ز ، ك » : ـ ما.

(٣) « ز ، ك » : ذكرناه.

(٤) « ز ، ك » : في.

(٥) « م » : في الرافعية.

(٦) « ز ، ك » : ـ به.

(٧) انظر ص ١١٦.

(٨) « ز ، ك » : كالاستصحاب.

(٩) « ج ، م » : أحكام.

٢٤٣

الأصلي (١) مدفوع بالبراءة ، واحتمال التبعي كالثاني مرجعه إلى البراءة أو الاشتغال.

لا يقال : فعلى هذا لا مجال (٢) لاستصحاب الوجوب مطلقا ، لأنّا نقول : هو كذلك كما عرفت فيما تقدّم ، فالتمثيل (٣) بما ذكر غير ملائم لما هو بصدده كما هو ظاهر ، والأولى التمثيل بالتحريم أو الإباحة ممّا لا يعدّ أمورا متعدّدة كما لا يخفى.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الأحكام المجعولة في الشريعة لا تخلو من أحد الوجهين : إمّا أن تكون مقيّدة (٤) بالزمان على وجه تختلف تلك الأحكام باختلاف الأزمنة كما في الموقّتات ، وإمّا أن لا تكون مقيّدة (٥) بالزمان فهو إذن ظرف لها لا يختلف المظروف باختلافه ، وعلى التقديرين ممّا لا وجه للكلام المذكور.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ بعد تقضّي (٦) الزمان والقيد لا معنى لاستصحاب الوجود ، فيجري فيه استصحاب العدم ، ولا يضرّه (٧) وجوده في السابق بعد ما فرض تقييده بالزمان في استصحاب العدم بعد زوال القيد ؛ إذ وجوده في الوقت (٨) السابق عين عدمه في الوقت اللاحق كما لا يخفى.

وأمّا على الثاني : فلأنّ بعد انقطاع العدم المطلق في الأزل بالوجود المطلق وخروج الماهيّة من الليس إلى الأيس ، فلا وجه لاستصحاب العدم في موضع الشكّ ويجري فيه استصحاب الوجود ؛ لأنّ العدم المطلق قد انقطع بوجود مطلق ، فلا تعارض في المقام ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون مبنى الأمر في الاستصحاب على التدقيق في موضوعه أو على التسامح ؛ إذ على التقديرين يتّجه الترديد المذكور.

__________________

(١) « ز ، ك » : الوضع.

(٢) « ج ، م » : فلا مجال.

(٣) « ز ، ك » : فالتمسّك.

(٤) المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : « يكون مقيّدا ».

(٥) « ج » : لا يكون مقيدا.

(٦) « م » : تفصّي ، وفي « ز » : تفضي ( ظ ).

(٧) « ج ، م » : ولا يضرّ.

(٨) « ز ، ك » : الظرف.

٢٤٤

لا يقال : قد لا يكون جزم بأحد طرفي الترديد المذكور ، فيجري فيه الاستصحابان.

لأنّا نقول : لا خفاء في فساد هذا التوهّم (١) ؛ إذ لا يجري عنده إلاّ أحد الاستصحابين كما هو ظاهر.

وقد يتخيّل ابتناء (٢) هذا الكلام على ما تخيّله بعض أهل المعقول من كون الوجود أمرا ممتدّا في تشخّصه على وجه لا يناط امتداده بالزمان كنفس الزمان والحركة وسائر المقادير كما لا يخفى.

وهو أيضا ممّا لا يكاد يتمّ ؛ إذ بعد فرض الامتداد في نفس الوجود فعند الشكّ في حصول حدّه لا وجه لاستصحاب العدم ، وعند الشكّ في وجوده بعد الوصول إلى الحدّ لا وجه لاستصحاب الوجود كما هو ظاهر.

فإن قلت : إنّا نختار جريان الاستصحاب الوجودي بجعل الزمان ظرفا ، ومع ذلك فلا يعقل جريان استصحاب الوجود ؛ لأنّ الممكن ليس مستغنيا عن المؤثّر في البقاء أيضا ، فوجوده (٣) في الزمان الثاني لا بدّ له من مرجّح به ينسدّ جميع أنحاء عدمه ويتفاضل إحدى كفّتي ميزان وجوده وعدمه ، والأصل عدم المرجّح ، فيتعارضان ، فلا يحكم بوجود المستصحب في الزمان الثاني كما هو المقصود من الاستصحاب (٤) في الأحكام الوجودية.

قلت أوّلا : لا معنى لمعارضة استصحاب الوجود (٥) لاستصحاب عدم المرجّح ؛ إذ الشكّ في الوجود في الزمان الثاني ناش من الشكّ في وجود مرجّحه فيه ، فعلى فرض جريان الأصل في المرجّح لا يبقى للشكّ في وجود المعلول مجال كما لا يخفى ؛ إذ به

__________________

(١) « ج ، م » : التوهّم هذا.

(٢) « ز ، ك » : استناد.

(٣) « ز » : وجوده « ك » : ووجوده.

(٤) « ز ، ك » : بالاستصحاب.

(٥) « ز ، ك » : ـ الوجود.

٢٤٥

يرتفع ارتفاعا موضوعيا.

وثانيا : على تقدير المعارضة ـ كما توهّم ـ فنقول : إنّ استصحاب عدم المرجّح معارض باستصحاب وجوده ؛ إذ احتياج الممكن في البقاء إلى المؤثّر لا يقضي (١) بأن لا يكون المؤثّر هو المفيض الأوّل ، بل والتحقيق أنّه على تقدير وجود الممكن في الزمان الثاني لا بدّ وأن يكون هو المؤثّر الأوّل ؛ لانتفاء المعلول الأوّل بانتفاء علّته الأولى ، فعلى فرض وجوده ثانيا يباين الأوّل على هذه الملاحظة كما لا يخفى ، فالأصل بقاء مرجّحه في الزمان الأوّل ، فيتعارضان فيتساقطان (٢) ويبقى استصحاب الوجود بلا معارض.

والقول بأنّ الثابت من وجود المرجّح هو الوجود في الزمان الأوّل فلا يجري فيه استصحاب الوجود ، رجوع إلى ما أبطلناه سابقا من عدم تقييد الوجود بالزمان.

وبالجملة فالمعترض إنّما انتقل من الاعتراض في المعلول إلى العلّة كما لا يخفى ، والجواب هو ما قدّمناه. على أنّه يمكن أن يقال : إنّ الفاضل المذكور إنّما تصدّع بالتفصيل المزبور في الأحكام الشرعية الجعلية ، وأمّا المرجّح لوجود الشيء والحكم وعلّة الجعل ليس منها ، فهو إذن كالموضوعات الخارجية التي يلتزم باستصحاب الوجود فيها.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما زعمه من إجراء الاستصحاب العدمي في القسمين الأوّلين ـ وهما ما شكّ في وجود المزيل أو إزالة الموجود ـ ليس على ما ينبغي فيما زعمه ؛ لأنّ المستفاد من كلامه أخيرا عدم تعارض الاستصحاب الوجودي للعدمي فيما إذا كان المستصحب موضوعا خارجيا كالرطوبة والحياة ونحوهما ، والوجه في ذلك أنّ الوجود في الموضوعات الخارجية ليس ممّا يختلف باختلاف الأزمنة ، فاستصحاب

__________________

(١) « ج » : لا تقتضي.

(٢) « م » : ويتساقطان ، وفي « ج » : فيعارضان فيساقطان.

٢٤٦

العدم ليس جاريا فيها ، فلا يعارض استصحاب الوجود. وقد قرّر وجه التعارض في القسمين بأنّ استصحاب الطهارة والملكية في الزمان الثاني معارض باستصحاب عدم جعل الشارع الطهارة في الزمان الثاني عند الشكّ في وجود الرافع أو الشكّ في رافعية الموجود ، فهل ترى يختلف جعل الشارع طهارة الشيء باختلاف حالات المكلّف من الشكّ في وجود الرافع؟ إذ من المعلوم عدم مدخلية ذلك في الجعل ، فالحال في القسمين كالحال في الموضوعات فإن أمكن القول بالتعارض فلا فرق بينهما ، وإلاّ فلا فرق أيضا.

وتوضيحه : أنّ قضيّة الشكّ في وجود الرافع أو رافعية الموجود هو بقاء المعلول في الزمان الثاني بحسب وجود المقتضي لذلك ، فمع قطع النظر عن الرافع وجود الشيء المرفوع بحسب اقتضاء مقتضيه من الجعل ونحوه في زمان وجود الرافع معلوم ، فلا يتعقّل اختلاف الجعل عند اختلاف حالة المكلّف ، فتدبّر.

وأمّا رابعا : فلأنّ قول أبي جعفر عليه أفضل السلام وأكمل الصلاة (١) في رواية زرارة : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك » (٢) حجّة عليه ، فإنّه عليه‌السلام إنّما راعى جهة استصحاب الوجود وهو استصحاب الطهارة السابقة لا استصحاب عدم الرافع.

فإن قيل : فلعلّه عليه‌السلام إنّما حكم بذلك من حيث إنّ اللازم لرفع الرافع وعدمه بالاستصحاب هو الوجود لا أنّه اعتبر استصحاب الوجود بنفسه كما هو المدّعى.

قلت : الوجدان (٣) السليم حاكم بفساد التوهّم المذكور ، وتوضحه (٤) ملاحظة ظاهر الرواية ، فإنّه علّله بوجود الطهارة اليقينية ، وإلاّ كان المتّجه تعليله بعدم العلم بالرافع وهذا ظاهر في الغاية.

فانقدح من جميع ما مرّ : أنّ ما أورده من تعارض الاستصحابين في الحكم الواحد

__________________

(١) « ز ، ك » : عليه‌السلام.

(٢) تقدّم في ص ٩٥.

(٣) « ز ، ك » : إنّ الوجدان.

(٤) « ج » : يوضحه.

٢٤٧

ممّا لا يصغى إليه لادّائه إلى اجتماع النقيضين ووجود اليقين على طرفي الخلاف والتناقض كما هو ظاهر على من تدبّر ، ولعلّه (١) إنّما قاس الاستصحابين بغيرهما من الأمارتين فيما إذا تعارضتا في موضوع واحد كاليدين ـ مثلا ـ على ما يظهر من كلامه أوّلا ، وأنت خبير بظهور الفرق بينهما ؛ حيث إنّ موضوعهما لا يناط بحالة نفسانية ، بخلاف الاستصحاب فإنّ تحقّق موضوعه منوط بتحقّق اليقين والشكّ ، ولا يتصوّر اليقين بطرفي (٢) النقيض. وانقدح (٣) أيضا بأنّ ما فرّعه من دفع شبهة النبوّة المتقدّمة ممّا لا أصل له كما هو ظاهر لا سترة عليه.

__________________

(١) « ز ، ك » : ولأنّه.

(٢) « ج ، م » : لطرفي.

(٣) « ز ، ك » : القدح.

٢٤٨

هداية

[ في الاستصحاب في الاعتقاديات ]

قد عرفت فيما قدّمنا (١) في الهداية المعقودة لتحرير محلّ الخلاف في الباب (٢) عمومه للأقسام الخمسة من الأحكام الكلّية الفرعية ، والاعتقادية ، والأصولية ، والموضوعات المستنبطة منها الأحكام ، والموضوعات الخارجية المتعلّقة بها الأحكام ، وقد مرّ أيضا ما يستظهر منه جريان الاستصحاب واعتباره وعدمهما في الأقسام المذكورة ، إلاّ أنّه لا بأس بتجديد (٣) المقال في توضيح الحال ، فنقول : أمّا الأحكام الكلّية الشرعية فقد عرفت (٤) تحقيق الكلام فيه بما لا مزيد عليه ، وأمّا الاعتقاديات فالمقصود من الاستصحاب فيها (٥) إمّا إثبات نفس الاعتقاد ، وإمّا إثبات حكمه كوجوب الاعتقاد ، وإمّا إثبات المعتقد ، ولا وجه للكلّ.

أمّا الأوّل : فلأنّ الاستصحاب لا يعقل في الاعتقاد المعلوم انتفاؤه حال الشكّ إن أريد إثبات ذلك الاعتقاد الشخصي الموجود في السابق ، وإن أريد تحصيل الاعتقاد بالاستصحاب على وجه يكون المستند فيه هو الاستصحاب فغاية ما يتعسّف في المقام القول بإفادته الظنّ ، ويرجع النزاع إلى ما فرغنا عن البحث عنه في مباحث

__________________

(١) « ز ، ك » : فيما مرّ منّا.

(٢) تقدّم في ص ٣٥.

(٣) « ج ، م » : لتجديد.

(٤) عرفت في الهداية الأخبارية ص ١٨٣.

(٥) « م » : ـ فيها.

٢٤٩

الظنّ من عدم اعتباره في الاعتقاديات.

وأمّا الثاني : فلأنّ بعد فرض انتفاء الموضوع لذلك الحكم لا معنى لاستصحاب الحكم. وتوضيحه أنّ الوجوب (١) المتعلّق (٢) بالاعتقاد لا يعقل وجوده بعد انتفاء الاعتقاد إن أريد إثبات الحكم والوجوب بعد ارتفاع الاعتقاد ، وإن أريد به بعد وجود الاعتقاد فلا ثمرة فيه ؛ إذ بعد الاعتقاد بنبوّة نبيّ لا يترتب على الوجوب المتعلّق به حكم ، فإنّ المقصود في المطالب الاعتقادية هو نفس الاعتقاد من غير مدخلية شيء آخر والمفروض حصوله.

فإن قلت : يمكن استصحاب وجوب تحصيل الاعتقاد فيما لو دلّ الدليل عليه في السابق عند انتفاء الاعتقاد.

قلت : مع قيام الدليل على الاعتقاد كأن يكون هناك دليل مفيد له لا وجه للاستصحاب ؛ إذ المفروض حصول الاعتقاد بواسطة ذلك الدليل ، ومع عدمه يمكن الاستصحاب ، إلاّ أنّ المقدّر خلافه ؛ لوجود الدليل دائما على ذلك ، فتدبّر. كذا أفيد.

وأمّا الثالث : فلأنّ المعتقد من الموضوعات لا معنى لاستصحابه في موارد الشكّ بمعنى أنّه لا يكون ثابتا في مقام الظاهر ، نعم معنى استصحابه هو ترتيب الآثار المترتّبة عليه حال العلم ، وليس ذلك إلاّ الأحكام الفرعية كما لا يخفى.

وأمّا الأصولية العملية فجريان الاستصحاب فيها فتارة : من حيث التعبّد بواسطة دلالة الأخبار ، وأخرى : من حيث إفادته الظنّ وبناء العقلاء (٣) ، فعلى الأوّل لا إشكال في جريان الاستصحاب واعتباره أيضا إلاّ أن يقال بعدم كفاية غير العلم فيها ، وعلى الثاني أيضا كذلك بناء على ما هو التحقيق من كفاية الظنّ في الأصول أيضا ، سيّما على تقدير كون الظنّ الحاصل منه ظنّا مخصوصا لقيام دليل على اعتباره كبناء العقلاء

__________________

(١) في النسخ : وجوب.

(٢) « ز ، ك » : المعلّق.

(٣) « ز ، ك » : الاستصحاب فيها من حيث ... الأخبار تارة ، ومن حيث ... بناء العقلاء أخرى.

٢٥٠

مثلا.

وأمّا الموضوعات المستنبطة فالاستصحابات المعمولة فيها ممّا لا ريب في صحّة مفادها بناء على اعتبارها من جهة الظنّ كما هو ظاهر ، وأمّا على تقدير الاستناد إلى الأخبار فاعتبارها مبنيّ على جواز التعويل على الأصول المثبتة وستعرفه بعيد ذلك.

وأمّا الموضوعات الخارجية الصرفة والأحكام الجزئية كحياة زيد والرطوبة واليبوسة والطهارة الخاصّة والزوجية الخاصّة ونحوها ، فجريان الاستصحاب واعتباره فيها ممّا لا كلام فيه كما مرّ (١).

__________________

(١) مرّ في ص ١٧٨ وما بعدها ، انظر أيضا ص ٤٩ وما بعدها.

٢٥١
٢٥٢

هداية

[ في الأصل المثبت ] (١)

المستصحب إمّا أن يكون حكما من الأحكام الشرعية فيمكن أن يكون مجعولا في مرحلة الظاهر ؛ لكونه من الأمور الجعلية ، بل لا معنى لاستصحابه إلاّ جعله في الظاهر كما عرفت فيما تقدّم في الهداية السبزوارية (٢) ، وإمّا أن يكون موضوعا من الموضوعات التي لا يمكن جعلها في مقام الظاهر.

فعلى الأوّل : لا إشكال في ترتيب كلّ ما يترتّب على الحكم الواقعي عليه ؛ إذ هو بعد الجعل حكم واقعا فيترتّب (٣) عليه جميع ما يتفرّع عليه من اللوازم الشرعية والعاديّة والعقلية ، اللهمّ إلاّ أن يكون ذلك الحكم من خواصّ الأحكام الواقعية من حيث هي واقعية إلاّ أنّه لم نجده.

وعلى الثاني : فما يراد إثباته باستصحاب ذلك الموضوع إمّا أن يكون بواسطة ملازمة وحصول علقة بينه وبين المستصحب على وجه تكون القضيّة الدالّة على الملازمة بينهما لزومية ، أو لا يكون كذلك بل يكون مقارنا للمستصحب اتّفاقا من غير ارتباط بينهما ، فالقضيّة الدالّة عليها اتّفاقية كما إذا علمنا إجمالا إمّا بموت زيد أو بحياة عمرو ، فاستصحاب حياة عمرو يلازم وجود زيد ملازمة اتّفاقية في تلك القضيّة

__________________

(١) العنوان من هامش « ك ».

(٢) انظر ص ١٨٠.

(٣) « م » : فرتّب.

٢٥٣

الشخصية بواسطة العلم الإجمالي المردّد بينهما ، فعلى الأوّل فإمّا أن يكون المستصحب ملزوما لذلك الأمر ، أو لازما له ، أو كلاهما لازمين لملزوم ثالث ، وعلى التقادير إمّا أن تكون (١) الملازمة عقلية أو عاديّة أو شرعية ، فذلك (٢) إذا عشرة بعد انضمام القسم الاتّفاقي إلى التسعة اللزومية.

وإذ قد تمهّد هذا فنقول : إنّ تحقيق الكلام في الأقسام المعهودة في مقامات :

[ المقام ] الأوّل

لا خفاء في عدم ترتّب الأمر المقارن الاتّفاقي على المستصحب بالاستصحاب ، سواء قلنا من حيث التعبّد بالأخبار ، أو باعتباره من حيث الظنّ ، أمّا على الأوّل فتوضيح المقصد يحتاج إلى بيان معنى الرواية ، فنقول : إنّ ارتباط النقض باليقين من عدم جواز نقضه بالشكّ كما هو المدلول عليه بالرواية ليس على ما هو الظاهر منه ؛ إذ بعد فرض الشكّ فالنقض حاصل قطعا فلا معنى للنهي عنه ، فصحّة الكلام عقلا موقوفة على تقدير ، وأقرب المجازات عند نفي ماهيّة أو إثباتها مع انتفائها أو وجودها حقيقة هو نفي الأحكام المترتّبة على تلك الماهيّة أو إثباتها ، كما في قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٣) وقوله : « الطواف بالبيت صلاة » (٤) كما هو ظاهر ، فقوله : « لا تنقض » معناه ـ على مقتضى الدلالة الاقتضائية ـ لا تنقض أحكام اليقين ، كما في قوله : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ )(٥) وليس المراد الأحكام المترتّبة على نفس اليقين موضوعا ؛ لانتفائها بانتفاء اليقين كما قرّرنا في محلّه من أنّ التنزيلات الشرعية ممّا لا يجدي فيما كان الموضوع فيه اليقين وذلك ظاهر ، بل المراد الأحكام المتفرّعة على المتيقّن من قبيل إضافة الشيء إلى

__________________

(١) « ج ، م » : يكون.

(٢) « م » : فلك.

(٣) تقدّم في ص ١٦٥.

(٤) نهج الحق : ٤٧٢ ؛ المستدرك ٩ : ٤١٠ ، عن عوالى اللآلى ١ : ٢١٤ و ٢ : ١٦٧.

(٥) يوسف : ٨٢.

٢٥٤

طريقه ، فلا مجاز في لفظ اليقين كما قد يتوهّم ، فمعنى الرواية هو النهي عن نقض أحكام المتيقّن نظير ما مرّ (١) في النبويّ الرافع للسهو والنسيان ، ولا ريب أنّ أحد المتقارنين في الوجود من غير أن يكون بينهما علقة وارتباط لا يعدّ في عداد الأحكام المترتّبة عليه والآثار المنتهية إليه ، فعلى هذا فلا مجال للقول بثبوت أحد المتقارنين وجودا وعدما عند استصحاب المقارن ؛ إذ ليس هو من أحكامه ، وأمّا الملازمة الاتّفاقية في القضيّة الشخصية المستندة إلى العلم الإجمالي فلا يجدي في كون أحدهما حكما للآخر ولا يجعله محمولا عليه.

نعم ، عند العلم بوجود أحدهما يلزم العلم بالآخر ، فإنّه من آثار العلم والكلام في الأحكام المتعلّقة بالمعلوم ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمرا عاديّا أو شرعيا أو عقليا ؛ إذ بعد فرض عدم الارتباط وعدم محمولية أحدهما على الآخر لا يعقل من ثبوت أحدهما بالاستصحاب ثبوت الآخر وإن كان الآخر حكما شرعيا.

ولو سلّم من ترتّب (٢) أحدهما على الآخر بدعوى كونه من أحكامه فلا يثبت أيضا أحدهما باستصحاب الآخر ؛ إذ ذلك الآخر المقارن إمّا أن يكون الحالة السابقة فيه موافقة (٣) للاستصحاب في المستصحب ، فلا حاجة إلى استصحابه (٤) في إثباته لإمكان استصحابه أيضا ، كما إذا فرضنا ثبوت الواسطة بين العادل والفاسق وعلمنا إجمالا إمّا بعدالة زيد أو بفسقه فاستصحاب عدالة زيد لا يجدي في ترتّب فسقه ؛ لأنّه أيضا مستصحب في عرض هذا المستصحب إلاّ في أحكام قليلة الجدوى كما لا يخفى.

وإمّا أن يكون الحالة السابقة مخالفة للحالة المفروضة في المستصحب ، كما إذا فرضنا حصول العلم الإجمالي على الانفصال الحقيقي بين وجود زيد وبين وجود عمرو ، فإن كان وجود زيد وعمرو كلاهما معلومين (٥) سابقا فاستصحاب وجود زيد لا يمكن به (٦)

__________________

(١) مرّ في ج ٣ ، ص ٣٥٦.

(٢) « ج ، م » : ترتيب.

(٣) « ج ، م » : موافقا.

(٤) « ج » : استصحاب.

(٥) « ج » : معلومان.

(٦) « ج ، م » : ـ به.

٢٥٥

إثبات عدم عمرو ؛ لجواز استصحاب وجود عمرو فيثبت (١) به عدم زيد ، وإن كان أحدهما معلوم الوجود والآخر معلوم العدم كان من القسم الأوّل.

ومن هنا انقدح أنّ مدار الاستصحاب لو كان على الظنّ أيضا لا وجه لإثبات أحد المتقارنين بالاستصحاب ؛ إذ المفروض كونهما مسبوقين بالحالة السابقة ، فلا يحصل الظنّ بأحد الطرفين ، وتعلّقه بهما أيضا مستحيل ، فيتساقطان (٢).

نعم ، لو فرض في مورد حصول العلم بالحالة السابقة في أحدهما ولم يعلم بها في الآخر جاز التمسّك بالاستصحاب في إثبات الآخر على الظنّ مطلقا ، وعلى الأخبار بعد التنزّل على ما عرفت ، ولكن لا بدّ من ملاحظة اعتبار الظنّ في الأمر الآخر وعدمه ، فاللازم الاتّفاقي قد لا يكون ممّا يكتفى فيه بالظنّ مطلقا أو الظنّ النوعي مثلا.

وبالجملة : ففي الفرض المذكور الظنّ بأحدهما يلازم الظنّ بالآخر ، وأمّا اعتبار الظنّ في الآخر وعدم اعتباره فأمر (٣) خارج عمّا نحن بصدده ولا بدّ من مراعاته كما في نفس المستصحب على ما لا يخفى.

المقام الثاني

لا خفاء في عدم ترتيب الملزوم على اللازم عند استصحابه ، وفي عدم ترتيب أحد المتشاركين في اللزوم على استصحاب الآخر ، سواء كانا عقليين أو عاديّين أو شرعيين بناء على اعتبار الاستصحاب من حيث التعبّد بالأخبار.

بيان ذلك : أنّك قد عرفت في المقام الأوّل أنّ معنى الرواية الدالّة على الاستصحاب هو عدم جواز نقض الأحكام التي يكون اليقين طريقا إليها ومرآة لها ، وأحكام الشيء عبارة عن الأمور المحمولة على ذلك الشيء والآثار المتفرّعة عليه والعنوانات المنتهية

__________________

(١) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : فثبت.

(٢) « ج » : فتساقطان ، « ز » : فساقطان.

(٣) « ج ، م » : أمر.

٢٥٦

إليه والأشياء النائبة (١) منه ، وليس الملزوم (٢) عقليا كان أو شرعيا أو عاديّا ، ولا المشارك في اللزوم بأقسامه ممّا يتفرّع على اللازم أو الملازم (٣) كما هو ظاهر ، فباستصحاب اللازم أيّ لازم كان لا يترتّب الملزوم أيّ ملزوم كان ؛ لعدم ترتّبه عليه ، وإنّما الأمر فيه بالعكس كما لا يخفى ، وكذا باستصحاب أحد المتلازمين لا يترتّب المتلازم (٤) الآخر ، لعدم كونه من أحكامه وآثاره ، شرعيا كان أو عاديّا أو عقليا.

لا يقال : إنّ الملزوم الشرعي أو الملازم الشرعي إنّما هو من آثار اللازم الشرعي والملازم الشرعي (٥).

لأنّا نقول : هذا وهم باطل ؛ إذ لا فرق في ذلك بين أن يكون اللزوم شرعيا أو عقليا ، فلو جاز أن يكون اللازم (٦) الشرعي حكما جاز أن يكون الملزوم العقلي أيضا حكما كما هو ظاهر (٧).

وأمّا بناء على الظنّ فلا شكّ في أنّ الظنّ بالمعلول واللازم يلازم الظنّ بالعلّة والملزوم ، كما أنّ الظنّ بأحد المعلولين يوجب (٨) الظنّ بالمعلول الآخر المشارك له في المعلولية ؛ لأنّ الظنّ به كما عرفت يوجب الظنّ بالعلّة ، والظنّ بالعلّة يوجب الظنّ بتمام معلولاته كما هو ظاهر.

إلاّ أنّه لا بدّ (٩) أن يعلم أنّ ما ذكرنا من إثبات الملزوم باستصحاب اللازم عند حصول الظنّ به إنّما هو فيما كان الظنّ كافيا في إثباته على وجه يكون كالمستصحب ؛ إذ الظنّ الحاصل من الاستصحاب لا يختلف بالنسبة إلى اللازم والملزوم ، فإن كان

__________________

(١) « م » : نائية.

(٢) خبر لـ « ليس » ، واسمها ضمير عائد إلى « الأحكام » وقوله : المشارك معطوف على الملزوم.

(٣) « ز ، ك » : الملزوم.

(٤) « ج ، م » : الملازم.

(٥) « ج » : ـ والملازم الشرعي.

(٦) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : اللزوم.

(٧) « ز ، ك » : حكما وهذا ظاهر.

(٨) « ج » : لا يوجب.

(٩) « ز ، ك » : ـ لا بدّ.

٢٥٧

شخصيا ففيهما ، وإن كان نوعيا فكذلك. بل التحقيق أنّ الظنّ باللازم بعينه هو الظنّ بالملزوم كما لا يخفى ، فربّما لا يكون الملزوم ممّا يكفي (١) فيه مطلق الظنّ أو الظنّ النوعي على ما عرفت في المقارن ، وهكذا الكلام في استصحاب أحد الملازمين (٢) لإثبات الملازم الآخر ، إلاّ أنّ بينهما فرقا آخر من جهة أخرى وهو أنّ استصحاب الملازم قد لا يفيد الظنّ بوجود الملازم الآخر لجريان أصل آخر في طرف ذلك الآخر إمّا موافقا لاستصحاب المستصحب المفروض فلا حاجة إليه ، وإمّا مخالفا فيتعارضان.

لا يقال : يمتنع أن يكون في جانب اللازم الآخر أصل يعارض الأصل في المستصحب ؛ إذ المفروض أنّ العلم بأحد الملازمين (٣) يوجب العلم بالآخر ، فكلّما فرض أحدهما موجودا وعلمنا بوجوده علمنا بوجود الآخر ، فهو أيضا مستصحب مثل استصحاب الآخر ، فدائما يكون الاستصحاب فيهما موافقا.

لأنّا نقول : إنّ وجود أحد الملازمين والعلم به إنّما يلازم وجود الآخر والعلم به فيما كانت علّة الموجود المعلوم المفروض علّة تامّة للآخر ، وأمّا إذا كانت من جملة أجزاء علّتها كأن تكون (٤) مقتضية له فيتوقّف حصول العلم على العلم بعدم المانع ، فقد لا يكون المانع معلوما فيصير الملازم الآخر مشكوكا مع العلم بوجود الملازم الآخر ، فالأصل حينئذ عدمه ، فلا يحصل الظنّ بوجوده عند جريان الاستصحاب في أحدهما ، وما ذكر لا يجري في الظنّ لإمكان تحصيل الظنّ بأنّ علّة أحدهما علّة تامّة للآخر فيحصل الظنّ ، وذلك بخلاف استصحاب اللازم لإثبات الملزوم ؛ إذ كلّما فرض وجود اللازم والمعلول فيلازمه وجود الملزوم والعلّة ، فيصير الملزوم أيضا من موارد الأصل ومجرى للاستصحاب الموافق لاستصحاب اللازم ، إلاّ أنّه مع جريان الأصل في الملزوم وحصول الظنّ به (٥) لا حاجة إلى جريان الأصل في اللازم ؛ لأنّ الظنّ بالملزوم هو

__________________

(١) « ز ، ك » : ممّا لا يكفي.

(٢) « ك » : المتلازمين.

(٣) « ك » : المتلازمين.

(٤) في النسخ : يكون.

(٥) « ج ، م » : بالملزوم.

٢٥٨

بعينه (١) الظنّ باللازم ، فليس مورد الشكّ ، ولا يعقل تعلّق الظنّ بخلافه لو كان مجرى لأصل مخالف للأصل في الملزوم ، مثلا إذا فرضنا ماء مستصحب الطهارة وثوبا نجسا فغسلنا ذلك الثوب بذلك الماء ، فإنّ الظنّ بطهارة الماء يوجب الظنّ بطهارة الثوب لا محالة ، ولا يعقل جريان استصحاب (٢) النجاسة في الثوب ولا تعلّق الظنّ بنجاسته ، ولا حاجة إلى استصحاب طهارة الثوب فيما لو كانت (٣) الحالة السابقة فيه هي الطهارة أيضا (٤). أمّا الأخير فظاهر و (٥) أمّا الأوّل فلأنّ الظنّ بالعلّة يوجب الظنّ بالمعلول ولا سبيل إلى القول بالعكس كأن يقال : إنّ الظنّ بنجاسة الثوب يلازم الظنّ بنجاسة الماء ؛ إذ ليس الكلام في الظنّ الحاصل من أيّ سبب كان من الأسباب الخارجية ، بل الكلام في الظنّ الحاصل من جهة الحالة السابقة والمفروض وجود الحالة السابقة فيهما ، والمفروض تقدّم العلّة على المعلول طبعا ، فيحصل الظنّ بوجود العلّة ويتبعه (٦) الظنّ بوجود المعلول ، وحيث إنّه يمتنع قيام الظنّ على طرفي الخلاف فتصير (٧) النجاسة في اللازم موهومة والطهارة مظنونة ، والوجدان حاكم صدق وشاهد عدل في المقام ، فظهر أنّ تقدّم الأصل السببي المزيل على الأصل المسبّبي المزال على تقدير الظنّ ، وحجّية الاستصحاب من جهة بناء العقلاء من أوضح الواضحات وأجلى (٨) الضروريات كما هو ظاهر.

المقام الثالث

قد عرفت في المقامين الأوّلين عدم إثبات المقارن الاتّفاقي باستصحاب المقارن الآخر ، والملزوم بأقسامه باستصحاب اللازم ، وأحد الملازمين باستصحاب الآخر

__________________

(١) « ج ، م » : + هو.

(٢) « ج ، م » : الاستصحاب.

(٣) « ج ، م » : كان.

(٤) « ز ، ك » : فيه أيضا هي الطهارة.

(٥) « ج » : ـ « و ». وشطب عليها في « م ».

(٦) « م » : وبتبعيته.

(٧) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : فيصير.

(٨) « م » أعلى.

٢٥٩

بأقسامه ، فهذه سبعة من الأقسام المعهودة ، وأمّا الثلاثة الأخيرة وهي ما كان المترتّب على المستصحب لازما له شرعيا أو عاديّا أو عقليا.

فتحقيق الكلام فيه أن يقال : لا خفاء في أنّه (١) ليس الكلام في ترتّب اللوازم المصاحبة للملزوم حال العلم به ؛ لأنّها حينئذ مسبوقة بالحالة السابقة مثل الملزوم فيستصحب كالملزوم ، فلا حاجة إلى استصحابه في إثباتها كما هو الظاهر ، بل الكلام في اللوازم المتجدّدة و (٢) الحادثة بعد العلم بوجود الملزوم ، كما (٣) في المثال المفروض في المقام الثاني من أنّ لازم طهارة الماء طهارة الثوب وليس طهارة الثوب من الآثار المترتّبة على طهارة الماء حال العلم بطهارته ، كيف ولو كان كذلك فكيف يعقل التعارض كما فرضنا في المثال المذكور؟ وذلك ظاهر في الغاية.

فعلى هذا نقول (٤) : لا ينبغي الارتياب في عدم ثبوت اللازم العقلي أو العاديّ على المستصحب على تقدير الاعتماد على الأخبار (٥) ؛ لما قد عرفت أنّ مقتضى الرواية على حسب الدلالة الاقتضائية عدم جواز نقض الأحكام (٦) المترتّبة على المتيقّن عند الشكّ ، فالمعنى لا بدّ من تنزيل المشكوك منزلة المتيقّن وأن تعاملونه (٧) معاملة المعلوم بترتيب آثاره عليه وإلحاق أحكامه له ، ولا ريب أنّ حكم الشارع بترتيب آثار المعلوم على المشكوك إنّما هو جعله لتلك الأحكام في موضوع الشكّ ، كما أنّ حكمه بترتيبها على المعلوم إنّما هو جعله لها فيه ممّا يمكن أن يكون مجعولا للشارع من حيث هو شارع في مقام التكليف وإن لم يكن خارجا عن مقدوره في مقام التكوين [ و ] يمكن أن يكون مترتّبا على المستصحب في مقام الشكّ ، فكما أنّ نفس الموضوع الخارجي لم يكن قابلا للجعل في المقام ولذلك التجأنا إلى تقدير الأحكام على سبيل المجاز في

__________________

(١) « ج ، م » : أن.

(٢) « ز ، ك » : ـ و.

(٣) « ز ، ك » : كما هو.

(٤) « ز ، ك » : وعلى هذا فنقول.

(٥) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : بالأخبار.

(٦) « ج » : أحكام.

(٧) « ج » : تعاملوا.

٢٦٠