مطارح الأنظار - ج ٤

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-37-3
الصفحات: ٧٨١

قال : فإن قيل : الإجماع يخرم الخلاف فكيف يرتفع بالخلاف (١)؟ أجاب بأنّ هذا الخلاف غير مخرم بالإجماع وإن لم تكن المخالفة خارقة للإجماع ؛ لأنّ الإجماع إنّما انعقد على حالة العدم لا على حالة الوجود ، فمن ألحق الوجود بالعدم فعليه الدليل. لا يقال : دليل صحّة الشروع دالّ على الدوام إلى أن يقوم دليل على الانقطاع ، لأنّا نقول : ليس ذلك الدليل الإجماع ؛ لأنّه مشروط بالعدم فلا يكون دليلا عند العدم فإن كان نصّا فيه (٢) لننظر هل يتناول حال الوجود أم لا؟ لا يقال : لم تنكرون (٣) على من يقول : الأصل أنّ ما ثبت دام إلى وجود قاطع فلا يحتاج الدوام إلى دليل في نفسه ، بل الثبوت هو المحتاج ـ كما إذا ثبت موت (٤) زيد أو بناء دار كان دوامه بنفسه لا بسبب (٥)؟ لأنّا نقول : هذا وهم باطل ، فإنّ كلّ ما ثبت جاز دوامه وعدمه ، فلا بدّ لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت ، ولو لا دليل العادة على أنّ الميّت لا يحيى والدار لا تنهدم بعد البناء إلاّ بهادم أو بطول زمان ، لما عرفنا دوامه بمجرّد موته ، كما لو أخبر عن قعود الأمير وأكله ودخوله الدار ولم تدلّ العادة على دوام هذه الأمور ، فإنّا لا نقضي بدوامها ، فكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده ، فيفتقر دوامها إلى دليل آخر (٦) ، انتهت (٧) عبارته المحكيّة في شرح الوافية.

ومن المعلوم الظاهر عدم دلالتها على التفصيل المذكور ، بل المستفاد منها نفي الاستصحاب رأسا ، كما يستفاد من قوله ـ في الجواب عن الاعتراض في آخر كلامه ـ : هذا وهم باطل ، ومنشأ الاشتباه هو وقوع كلامه في ردّ القائل بالاستصحاب فيمن وجد الماء في الأثناء ، وظنّي أنّه لم يكن ملتفتا إلى الاستصحاب بالمعنى المصطلح

__________________

(١) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الخلاف.

(٢) « ج » : فبيّنة ، وفي شرح الوافية : فبيّنه ( ظ ).

(٣) « ج ، م » : لم ينكرون وفي المصدر : لم ينكروا.

(٤) « ج » : ثبوت.

(٥) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لسبب.

(٦) شرح الوافية ( مخطوط ) ١٣٤ / أ ـ ١٣٥ / أ ؛ المستصفى ١ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ مع تصرّف وتلخيص.

(٧) « ز ، ك » : انتهى.

٢٠١

أصلا ، كما يظهر من حمل كلام المستصحب تارة : على ما هو المعروف من عدم حاجة النافي إلى الدليل ، وأخرى : على دعوى الدوام ، نعم قد (١) استشعر بذلك أخيرا فأورده بقوله : لم ينكرون على من يقول؟ والعجب منهم أنّهم كيف استنبطوا من هذه العبارة هذا التفصيل.

وأمّا الدقيقة التي تخيّلها دقيقة فمن المعلوم عدم مدخليتها في ذلك ، نعم هو تفصيل في الدليل بمعنى أنّ الأدلّة حالها مختلف (٢) في إمكان البقاء ، فالإجماع على معتقدهم ينافي الخلاف فلا يمكن بقاؤه في حال الخلاف ، وذلك بخلاف العموم أو دليل العقل ؛ إذ ذلك لا ينافي الخلاف فيتحقّق في مورد الخلاف أيضا. وقد يتوهّم أنّه مفصّل مثل ما فصّل المحقّق نظرا إلى كلامه أوّلا ، وليس على ما ينبغي ؛ لمنافاة سابقه ولاحقه له. وقد يتوهّم أنّه يفصّل بين الإجماع وغيره من الأدلّة في استصحاب حال الدليل وعدّه من المفصّلين من حيث كون استصحاب الدليل من أقسام الاستصحاب ، وليس في محلّه أيضا ؛ لردّ استصحاب حال (٣) الدليل بأنّه (٤) إنّما يتصوّر في العامّ أو في المطلق دون سائر الألفاظ المجملة أو الساكتة (٥) أو المردّدة أو العقل ، وصريح كلامه في بيان الدقيقة هو الفرق بين الألفاظ والعقل وبين الإجماع ولا مدخل له في الاستصحاب أصلا ، على أنّ استصحاب حال الدليل ليس من الاستصحاب حقيقة إلاّ بواسطة الاستصحاب في عدم التخصيص والتقييد كما مرّ فيما تقدّم ، فكيف (٦) كان فجريان الاستصحاب في موارده موقوف على احتمال بقاء المستصحب في محلّ الشكّ وإمكانه من غير مدخلية للدليل فيه ، ولا فرق في ذلك (٧) بين كون الدليل لفظا أو غيره.

__________________

(١) « ز » : ـ قد.

(٢) « ز ، ك » : مختلفة.

(٣) « ج » : ـ حال.

(٤) « ج ، ك ، م » : ـ بأنّه.

(٥) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الشاكّة.

(٦) « ج ، م » : وكيف.

(٧) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ـ في ذلك.

٢٠٢

هداية

[ في جواب المحقّق القمّي عن استصحاب الكتابي وردّه ]

قد تحقّق في الهدايات (١) السابقة جريان الاستصحاب فيما كان (٢) المستصحب محتملا للبقاء وقابلا له ، ولا فرق في ذلك بين كون المستصحب أمرا شخصيا معيّنا شكّ في بقائه في الزمان المتأخّر ، كما إذا شكّ في وجود زيد المعلوم وجوده سابقا ، ثمّ شكّ في بقائه في الحالة المتأخّرة ، وبين أن يكون أمرا مردّدا بين شيئين يعلم بانتفائه في زمان الشكّ على تقدير ، ويقطع بوجوده وبقائه على تقدير آخر ، كما إذا علمنا بوجود حيوان في الدار مردّد بين كونه فرسا أو غيره ممّا يعيش في عام ، و (٣) بين كونه ممّا لا يعيش في عام كأنواع الحيوانات المخلوقة في الأرض من فئران وديدان ونحو ذلك ؛ لاحتمال بقاء الموجود المجمل وعموم أخبار الباب.

لا يقال : إنّ احتمال البقاء يكفي في جريان الاستصحاب فيما لو كان الشيء الواحد محتملا للبقاء ، وليس كذلك في المقام فإنّ كلّ واحد من الأمرين المردّدين لا احتمال فيهما ؛ للعلم بالوجود على تقدير ، وبالعدم على تقدير آخر.

لأنّا نقول : المستصحب ـ وهو الوجود المجمل (٤) ـ شيء واحد ومحتمل للبقاء ، غاية ما في الباب أنّ الاحتمال إنّما نشأ من الترديد بين الشيئين ، فالترديد في المقام إنّما هو

__________________

(١) « م ، ج » : الهداية.

(٢) « ج » : لو كان.

(٣) « ج ، م » : أو.

(٤) « ز ، ك » : المحتمل.

٢٠٣

محقّق للاحتمال لا أنّه ينافيه كما هو ظاهر. ويترتّب على هذا فروع كثيرة ، كما إذا علم بنجاسة مردّدة بين كونها ممّا ترتفع عن محلّها بغسلة أو لا ترتفع إلاّ بغسلات ، فالنجاسة مستصحبة على المختار ، وخالف في ذلك المحقّق القمي فقال : إنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار صلوحه للامتداد ، فإن كان الموضوع جزئيا معيّنا ثبت بالاستصحاب بقاؤه إلى أقصى مدّة يمكن بقاؤه فيها ، وإن كان كلّيا كما لو علمنا بوجود حيوان في موضع وتردّدنا بين كونه من نوع ما يعيش قليلا كالذباب والنمل أو كثيرا كالإنسان والفرس ، فلا يثبت بالاستصحاب إلاّ بقاؤه في أقصى مدّة ما (١) هو أقلّ الأنواع بقاؤه.

ثمّ بنى (٢) على ذلك في الردّ على استصحاب أهل الكتاب كاليهود والنصارى وغيرهم (٣) لنبوّة موسى أو عيسى أو غيرهما على نبيّنا وعليهم الصلاة والسلام فذكر ما حكى له بعض سادات الأفاضل من مخاصمة جرت بينه وبين بعض علماء اليهود حيث تمسّك اليهودي باستصحاب نبوّة موسى في إثبات دينه ، فأجابه السيّد بما أجاب الإمام عليه‌السلام لجاثليق (٤) في مجلس المأمون عليه ما عليه من أنّا (٥) مقرّ بنبوّة موسى الذي بشّر أمّته بنبوّة (٦) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكافر بموسى لم يخبر بذلك ، فاعترضه اليهودي بأنّ موسى بن عمران الذي حاله معروف وشخصه معهود وأتى بالمعجزات النيّرات (٧) وأنتم تعترفون بنبوّته (٨) يستصحب دينه ، فعلى المسلمين إبطاله ، ولا يتفاوت في ذلك بين أن يقول بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن لا يقول.

فقال المحقّق المذكور ـ في إبطال الاستصحاب ـ : إنّ موضوع الاستصحاب لا بدّ أن

__________________

(١) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ـ ما.

(٢) « ز ، ك » : وبنى.

(٣) « م » : غيرها.

(٤) « ز ، ك » : بجاثليق.

(٥) « ج ، م » : عليه آلاف اللعون بأنّا.

(٦) « ز ، ك » : بشّر بأمّته نبوّة.

(٧) « ز ، ك » : المنيرات.

(٨) « ز ، ك » : نبوّته.

٢٠٤

يكون متعيّنا (١) حتّى يجري على منواله ، ولم يتعيّن هنا إلاّ النبوّة في الجملة ، وهي كلّي من حيث إنّها قابلة لأن تكون نبوّة (٢) إلى آخر الأبد بأن يقول الله : أنت نبيّ وصاحب دين إلى يوم القيامة ، أو إلى زمان (٣) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يقول : أنت نبيّ ودينك باق إلى زمان (٤) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأن يقول : أنت نبيّ بدون أحد القيدين ، فعلى الخصم أن يثبت إمّا التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد وأنّى له بإثباته ، أو الإطلاق ، ولا سبيل إلى الأوّل مع أنّه خارج عن محلّ الفرض ، ولا إلى الثاني ؛ لأنّ الإطلاق في معنى القيد ، فلا بدّ من إثباته ، ومن الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة ، والذي يمكن استصحابه هو الثاني دون الأوّل ؛ إذ الكلّي لا يمكن استصحابه إلاّ بما يمكن من بقاء أقلّ أفراده (٥).

وأنت خبير بفساد المبنى والبناء كليهما. أمّا الأوّل فلما عرفت من أنّ عموم أخبار الباب دليل على الاستصحاب في الكلّي أيضا بعد إمكان البقاء واحتماله كما قرّرنا.

فإن قلت : لو كان الاستصحاب مبنيّا على الأخبار فالأمر (٦) كما ذكرت ، وأمّا لو كان مبنيّا على الظنّ فهو كما ذكره المحقّق ؛ ضرورة عدم حصول الظنّ من الاستصحاب إلاّ فيما كان مقدار استعداد البقاء معلوما ، وحيث إنّ مقدار الاستعداد في الأحكام الشرعية لا يصير معلوما إلاّ بعد المراجعة إلى الدليل الدالّ عليه ، فلهذا أحال إلى ملاحظة الدليل الدالّ على النبوّة وقال بالتفصيل المذكور ، ومن المعلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب في قبال المسلمين في إثبات الدين ليس مبنيّا على الأخبار وإنّما هو من حيث إفادته الظنّ.

قلت : لا يتفاوت الحال فيما ذكرناه بين أن يكون الاستصحاب من باب الظنّ ، أو

__________________

(١) في المصدر : معيّنا.

(٢) في المصدر : هو كلّي قابل للنبوّة.

(٣) « ج ، ز » : زمن.

(٤) « ز ، ك » : زمن.

(٥) القوانين ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ ، مع تصرّف وتلخيص.

(٦) « م » : فأمره.

٢٠٥

من باب التعبّد. أمّا الثاني فكما عرفت واعترفت (١) ، وأمّا الأوّل فلأنّ مناط الظنّ لو كان هي الحالة السابقة فهي (٢) موجودة في المقامين ، وإن كان هي الغلبة فالنوعية منها غير مفيدة ، والصنفية غير موجودة ، وإن كان لتوهّم أنّ مجرّد الاستعداد يكفي في حصول الظنّ ، ففيه : أنّ الظنّ بوجود المعلول لا يحصل إلاّ بعد حصول الظنّ بوجود أجزاء (٣) علّته التامّة ، فإذا كان المانع مشكوكا لا بدّ من تحصيل الظنّ بعدمه حتّى يصير المعلول مظنونا ، وإذا كان المقتضي واستعداد المعلول مشكوكا فلا بدّ من تبديل الشكّ ظنّا ، وإلاّ فلا يمكن أن يكون المعلول مظنونا ، ففيما لو قلنا بالاستصحاب من جهة الظنّ أيضا لا يتفاوت الحال فيما ذكر ، ولهذا ترى أنّ القائل به لم يفصّل بين الشكّ في المقتضي والمانع ، فإنّ معيار الظنّ هو الظنّ ببقاء العلّة في الزمن الثاني ، نعم على القول بالظنّ يجب إحراز هذه الجهة أيضا كما لا يخفى ، على أنّ التمسّك بالاستصحاب لا ينحصر في إفادته الظنّ في المقام ؛ لإمكان الاستصحاب بناء على التعبّد العقلائي كما مرّ (٤) الإشارة إليه فيما تقدّم (٥).

وأمّا الثاني فلأنّ انقسام النبوّة إلى الأقسام الثلاثة المذكورة إن كان بالنظر إلى المعنى ونفس الأمر مع قطع النظر عن اللفظ وما يعبّر به عن المقصود من العبارات وغيرها ، فممّا لا محصّل له عند التحقيق ؛ إذ الإطلاق ليس وسطا واقعيا ، فالموجود في نفس الأمر القائم بذات الجاعل هو أحد القسمين ؛ لامتناع الجهل بالمراد والمجعول من الجاعل في مقام الجعل كما هو ظاهر ، وإن كان بالنسبة إلى اللفظ والتعبير فمع الإطلاق لا يجري (٦) الاستصحاب.

وتوضيح المقام هو أن يقال : إنّ للماهيّة عند العقل وجوها ومراتب : فتارة : يلاحظ

__________________

(١) « ز ، ك » : أو اعترفت.

(٢) « م » : فهو.

(٣) « ز ، ك » : إحراز.

(٤) مرّ في ص ٥٦.

(٥) « ز ، ك » : ـ فيما تقدّم.

(٦) « ز ، ك » : لا يحرز.

٢٠٦

من حيث اعتبار شيء معها وجودا وعدما وعدم ملاحظة شيء معها ، وبهذا الاعتبار ينقسم إلى أقسامها الثلاثة من الماهيّة المطلقة ـ أي المعرّاة عن القيد ـ وتمايز المقسم بالالتفات إلى هذه التعرية في القسم وعدم الالتفات إليها في المقسم وإن كان هو كذلك في نفس الأمر ، والماهيّة بشرط شيء ، والماهيّة بشرط لا.

وأخرى : يلاحظ من حيث تحقّقها في الخارج فيمتنع انفكاكها عن أحد القيود الوجودية ؛ إذ لا وجود للعامّ من حيث هو عامّ مع قطع النظر عن أحد الأفراد كما في الطلب ـ مثلا ـ فإنّ الأمر القائم بنفس الطالب الذي هو موجود خارجي لا محالة يكون على أحد الوجهين : إمّا الوجوب ، أو الندب.

وأخرى : يلاحظ من حيث التعبير ، فتارة : يعبّر عنها بلفظ يقصر (١) عن إفادة شيء زائد على الطبيعة المطلقة ، بل هو مقصور على إفادتها فقط ، ومرّة : يعبّر عنها بعبارة وافية لأحد القيود الوجودية أيضا ، كما إذا قال : جئني بزيد ـ مثلا ـ على الأخير أو برجل أو بإنسان (٢) على الأوّل.

ولا شكّ في أنّ (٣) التقسيم المذكور للنبوّة ليس بالاعتبار الأوّل حتّى يتصوّر فيه أن يكون الإطلاق وسطا بين القسمين الآخرين (٤) ؛ إذ اختلاف الأقسام في المقام باعتبار اختلاف القيود الوجودية كما هو ظاهر ، فلا بدّ أن يكون إمّا على الوجه الثاني ، وإمّا على الوجه الثالث ، وعلى التقديرين لا وجه له ، أمّا على الأوّل فلما عرفت من أنّ الإطلاق ليس وسطا واقعيا في مرحلة التحقّق (٥) والوجود ؛ إذ الجنس ما لم (٦) يتخصّص بفصل يمتنع وجوده ، وأمّا على الأخير فلأنّ بعد فرض إطلاق العبارة لا مجرى للاستصحاب ؛ لحكومة الإطلاق عند الشكّ ، فإنّه دليل اجتهادي به يرتفع الشكّ ، فلا

__________________

(١) « ج ، م » : يقتصر.

(٢) « ج ، م » : إنسان.

(٣) « ز ، ك » : الأوّل لا شكّ أنّ.

(٤) « ز ، ك » : الأخيرين.

(٥) « ج ، ك » : التحقيق.

(٦) « ز ، ك » : ـ لم.

٢٠٧

يتصوّر الاستصحاب إلاّ بعد فرض انتفائه ، والمفروض أن لا مسوّغ للاستصحاب عنده إلاّ الإطلاق وهو ينافي الشكّ كما لا يخفى.

فقوله : « من الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة » معناه أنّ الأمر الدائر بين الأقسام من الماهيّة المطلقة التي تتحصّل (١) بأحد القيود غير النبوّة التي تعبّر عنها بعبارة مطلقة ، وقد عرفت أنّ التعبير ممّا لا أثر له في الواقع ، فإنّ النبوّة المجعولة المعبّرة بالإطلاق أيضا مردّدة بين أحد القيدين في الواقع ، نعم قد يستكشف من الإطلاق الدوام الذي هو أحد القيدين.

ومن هنا يظهر أيضا أنّ قوله : « إذ الإطلاق في معنى القيد (٢) فلا بدّ من إثباته » ممّا لا محصّل له ، سواء أخذ الإطلاق في التعبير أو في الملاحظة ؛ إذ الإطلاق هو عدم ملاحظة القيد واعتباره في المطلق ، فلا يكون في معنى القيد ، ولا حاجة إلى إثباته بدليل غير الأصل ، واستفادة الدوام الذي هو القيد معنى إنّما بواسطة عدم ذكر القيد لفظا كما لا يخفى ، على أنّ منع الاستصحاب في النبوّات (٣) باعتبار تردّدها بين الأفراد المختلفة استعدادا يلازمه القول بمنعه في الأحكام الشرعية ، فوجوب الصلاة واقعا مردّد بين الأفراد المختلف (٤) استعدادها ، ولا يمكن استصحابه إلاّ في أقصى مدّة يحتمل بقاء أقلّ أفراده استعدادا مع أنّه لا مانع منه عنده ، وقد تفطّن بذلك أيضا حيث قال : ثمّ إنّك بعد ما بيّنا لك سابقا لا أظنّك رادّا علينا الاستصحاب (٥) في الحكم الشرعي بما ذكرنا في هذا المقام بأن تقول : إنّ الأحكام (٦) الواردة في الشرع إنّما يسلّم جريان

__________________

(١) في النسخ : يتحصّل.

(٢) « م » : التقييد.

(٣) « ز ، ك » : « النبوّة إمّا ».

(٤) « ج » : المختلفة.

(٥) في المصدر : أمر الاستصحاب.

(٦) في المصدر : بأن تقول : يمكن أن يردّ الاستصحاب فيها بمثل ذلك ، ويقال : إنّ الأحكام.

٢٠٨

الاستصحاب فيها إن ثبت كونها مطلقات (١) لم تكن (٢) مقيّدة (٣) إلى وقت خاصّ واختفى علينا أو ممتدّة إلى آخر الأبد ، والذي يجوز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل ، وذلك لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان (٤) بأنّ غالب الأحكام الشرعية في غير ما يثبت (٥) له حدّ ليست بآنية ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن ، وأنّ الشارع يكتفي (٦) فيما ورد عنه مطلقا في استمراره ، ويظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار ، وأنّ تتبّع أكثر الموارد واستقراءها يحصّل الظنّ القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هو (٧) الاستمرار إلى أن ثبت الرافع من دليل عقلي أو نقلي (٨) ، انتهى.

ومحصّل ما ذكره في الجواب هو دعوى مظنونية الاستمرار باعتبار الغلبة في الأحكام الشرعية.

وفيه أوّلا : أنّ الأحكام المحدودة إذا شكّ في انقضاء حدّها ـ كما في خيار الحيوان ونحو ذلك ـ يجري فيه الاستصحاب مع أنّ اللازم ممّا ذكره عدم جريان الاستصحاب إلاّ في المطلقات.

وثانيا : أنّه يظهر من كلامه عدم الاعتبار بالإطلاق في استفادة الدوام منه ، وإنّما يستفاد ذلك منه بواسطة الغلبة ، وفساده غير خفيّ على أحد ، بل هو أيضا معترف بهذا في غير المقام ، فإنّ التحقيق استفادة الدوام منه ولو كان المصداق الموجود منه واحدا نظير إفادة العامّ ذلك إلاّ أنّه ليس بهذه المثابة من الإفادة على ما هو ظاهر.

وثالثا : أنّ بعد فرض الإطلاق فلا مجرى للاستصحاب ؛ إذ هو دليل اجتهادي ، ولو لم تكن (٩) الغلبة معتبرة فيه وبإطلاقه شامل لمورد الشكّ فكيف بما إذا كان الغالب في

__________________

(١) « ز ، ك » : مطلقا.

(٢) في النسخ : لم يكن ، وفي المصدر : ولم تكن.

(٣) « ج » : مقيّدا.

(٤) « ز ، ك » : إنّما يحكمان.

(٥) في المصدر : ما ثبت في الشرع.

(٦) في المصدر : يكتفي فيها.

(٧) في المصدر : هي.

(٨) القوانين ٢ : ٧٣ وفي ط : ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٩) « ج ، م » : يكن.

٢٠٩

المطلقات على ما هو المدّعى منه مفيدا للدوام؟

لا يقال : إنّما هو يستصحب عدم الرافع وهو مشكوك حال وجود الإطلاق أيضا.

لأنّا نقول : إنّ من الواضح المعلوم عدم اقتصاره في موارد الاستصحاب على استصحاب عدم الرافع ، بل الحكم الشرعي المدلول لنفس الدليل أيضا يقول (١) بجريان الاستصحاب فيه على ما هو غير خفيّ.

ثمّ إنّه أورد اعتراضا آخر على نفسه وهو دعوى الاستمرار في النبوّات أيضا باعتبار الغلبة كالأحكام الشرعية ، ففيما إذا شكّ في نبوّة نبيّ دلّ الدليل المطلق على نبوّته يحمل على الاستمرار إلحاقا بالأعمّ الأغلب كما في الأحكام.

فأجاب عنه بأنّ الغالب في النبوّات هو التحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه إلى آخر (٢) الأبد فهو نبوّة نبيّنا (٣) ، مع أنّه لا يحتاج (٤) في إثباته إلى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ (٥) نبوّته أيضا مردّدة (٦) بين الأمور الثلاثة ، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النصوص والإجماع ، قال : نعم لو كان تمسّكنا بالاستصحاب في المدّة (٧) لاستظهر علينا الخصم بما نبّهناه (٨) عليه (٩) ، انتهى.

فإن أراد بدعوى الغلبة هذه مجرّد أنّ الغالب فيها التحديد في قبال من ادّعى الغلبة فيها على الدوام من غير أن تكون تلك الغلبة مفيدة في إلحاق المشكوك بالأغلب الأعمّ ، فهو في محلّه ، إلاّ أنّ (١٠) من الواضح أنّ دعوى الغلبة إنّما هو لإلحاق المشكوك. وإن أراد بها الإلحاق والاستنتاج (١١) كما هو الظاهر من دعوى الغلبة في مواردها ، ففيه

__________________

(١) « ج ، م » : نقول.

(٢) في المصدر : ـ آخر.

(٣) « ك » والمصدر : نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) في المصدر : أنّا لا نحتاج.

(٥) « ز ، ك ، ج » : أنّ.

(٦) « ز ، ك » : مردّدة أيضا.

(٧) في المصدر : في الدوام.

(٨) « ز ، ك » : بما نبّهنا.

(٩) القوانين ٢ : ٧٣ وفي ط : ص ٢٧٦.

(١٠) « م » : أنّه.

(١١) « ج » : الاستباح ، وفي « م » : الاستناج.

٢١٠

أنّ الغلبة في أمثال الموارد ممّا لا فائدة فيها ؛ لأنّ الفرد المشكوك لا يصير مظنونا بملاحظة الغلبة ؛ إذ الجهة المشكوكة تخالف الجهة التي هي مورد الغلبة.

وتوضيحه : أنّ المستصحب للنبوّة وهو اليهودي مقصوده إثبات الدوام على ما فرضه المحقّق المذكور ، فادّعى غلبة الاستمرار في الاعتراض ، فيلحق (١) نبوّة موسى بغيرها ، فيجري فيها الاستصحاب كما في الأحكام الشرعية ، فأجابه (٢) المحقّق بأنّ الغلبة في النبوّات على التحديد عكس الأحكام ، فنبوّة موسى ملحقة بها ، فليس مجرى الاستصحاب.

ونحن نقول : إنّ غلبة التحديد لا تثمر في إلحاق المشكوك وهي نبوّة موسى ؛ إذ المعلوم والمسلّم عند المحقّق المذكور هو وجود فرد مستمرّ خاتم للنبوّات ، واليهود (٣) إنّما يدّعي بأنّ النبوّة المستمرّة إنّما هي قائمة بموسى عليه‌السلام ، فإنّه الخاتم ، فالشكّ إنّما هو في أنّ موسى هل هو آخر الأنبياء وخاتمهم ، أو هو ما قبل الآخر؟ وهذه الجهة ليست (٤) موردا للغلبة حتّى يقال بالإلحاق ، وذلك نظير ما لو علمنا بوجود رومي في أشخاص زنجية وفرضنا خروجهم من الدار ـ مثلا ـ بعد العلم بأنّ الرومي هو آخرهم ، فلو شككنا في فرد أنّه هل هو الآخر حتّى يكون هو الرومي ، أو هو ما قبل الآخر حتّى يكون هو الزنجي؟ فلا وجه في تشخيص (٥) الخارج بالغلبة كما لا يخفى ؛ إذ لا غلبة في هذه الجهة.

ثمّ إنّه اعترض على نفسه أيضا بما ملخّصه : أنّ الأحكام الواردة في شريعة موسى قد تكون (٦) مطلقات (٧) مثل الأحكام الواردة في شريعتنا ، فيمكن استصحابها.

__________________

(١) « م » : فلحق.

(٢) « ز ، ك » : وأجابه.

(٣) « ك » : اليهودي.

(٤) « م » : ليس.

(٥) « ك » : لتشخيص.

(٦) في النسخ : يكون.

(٧) « ز ، ك » : مطلقا.

٢١١

فأجاب بأنّ إطلاق الأحكام مع اقترانها ببشارة عيسى أو موسى برسول يأتي من بعده (١) اسمه أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينفعهم ؛ لاستلزامه قبول (٢) رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعد قبوله فلا معنى لاستصحاب أحكامهم (٣).

وفيه : أنّ اليهود إنّما هو في مقام الإلزام (٤) للمسلمين يقول باستصحاب الأحكام المطلقة ، وهو لا يسلّم البشارة على ما هو ظاهر ، فتأمّل.

فالأولى في مقام الجواب عن التمسّك بالاستصحاب وجوه :

الأوّل : ما أشار إليه المحقّق المذكور أيضا من أنّ التمسّك بالاستصحاب في أمثال المقام ممّا هو من الأصول الدينية ممّا لا يجدي شيئا ؛ إذ المقصود من المطالب الاعتقادية هو نفس الاعتقاد ، ومن المعلوم عدم حصول الاعتقاد بالاستصحاب لو أريد به تحصيل الاعتقاد من إجراء الاستصحاب ؛ إذ غاية ما تكلّفه القائل به هو إفادته الظنّ ، وعدم اعتباره أيضا في المطالب الاعتقادية ممّا لا يدانيه ريبة ، ولو أريد به استصحاب نفس الاعتقاد الموجود في الزمن الأوّل ، ففساده أجلى من أن يخفى ؛ ضرورة انتفاضه وتبدّله شكّا.

فإن قلت : لو كانت النبوّة محدودة وشكّ في حصول الحدّ فلا بدّ من استصحابها ، وإلاّ لاختلّ على الأمم السابقة أمور دينهم ، بل ودنياهم أيضا.

قلت : لا يعقل استصحاب الاعتقاد بنبوّته (٥) وإنّما يستصحبون أحكام تلك الشريعة.

فإن قلت : لا معنى لاستصحاب الأحكام بعد عدم العلم بالموضوع الذي يترتّب عليه الأحكام.

قلت : استصحاب الموضوع يكفي في ترتّب الأحكام وإن لم يكن كافيا في نفس

__________________

(١) « م » : من بعد.

(٢) في المصدر : وجوب قبول.

(٣) القوانين ٢ : ٧٤ وفي ط : ص ٢٧٦.

(٤) « ز ، ك » : الالتزام.

(٥) « م » : نبوّته.

٢١٢

الاعتقاد كما هو غير خفيّ على المتأمّل.

الثاني : أنّ المستصحب للنبوّة إن أراد باستصحابها جعل المسلمين مدّعين لأمر هو ينفيه وزعم عدم افتقار النافي في نفيه إلى دليل ، ففيه : أنّ من المقرّر في محلّه عدم الفرق بين النافي والمثبت في الاحتياج إلى الدليل ، فإنّ القضيّة الموجبة كما تحتاج (١) في إثباتها إلى قياس مفيد لتحقّق النسبة التي اشتملت القضيّة عليها ، فكذلك القضيّة السالبة محتاجة إليه ؛ إذ لا فرق في العقول بينهما.

نعم ، قد يكون عدم الدليل دليلا واقعيا على العدم ، فلا حاجة إلى الاستدلال في النفي ، كما إذا كان وجود الشيء ملازما للعلم به فيكون من القضايا التي قياساتها معها (٢) ، وهي كما توجّه في السلبيات كذلك توجّه في الإيجابيات كما لا يخفى.

نعم ، المانع الذي يدّعي عدم العلم بشيء لا يطالب بدليل حيث أن لا سبيل إليه إلاّ قوله بذلك ، ولهذا ترى فيما كان إلى إثبات العلم له سبيل لا يصغى إليه ، فإخباره (٣) حقيقة هو الدليل على عدم العلم كما لا يخفى.

وإن أراد المستصحب استصحاب الرسالة الثانية بإقرارنا والمنع من رسالة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) فلا يحتاج في المنع إلى الدليل ويكفيه في الاستصحاب إقرار الخصم بثبوت (٥) المستصحب في الحالة السابقة. ففيه : أنّ إقرار الخصم بثبوت (٦) النبوّة السابقة وعلمه بالمستصحب إن كان بواسطة الدليل الدالّ على نبوّة موسى أو عيسى (٧) غير ما أخبر به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياؤه الأطهار من تواتر واقعي أو إجماع من سائر الملل ، فعلى الخصم أن يقرّره فهو المستدلّ حينئذ ، وإن كان بواسطة أخبار محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ودلالة القرآن عليه كما هو كذلك الآن في حقّنا ؛ إذ لا شبهة في أنّ علمنا بنبوّة موسى أو عيسى فعلا مستند

__________________

(١) في النسخ : يحتاج.

(٢) « م » : معها قياساتها.

(٣) « ز ، ك » : فاختباره.

(٤) « ج ، م » : ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٥) « ز » : ثبوت.

(٦) « ز ، ك » : ثبوت.

(٧) « ز ، ك » : + أو غيرهما.

٢١٣

إلى أخبار المعصومين عليهم‌السلام بذلك ، ففرض العلم بالحالة السابقة يلازم القطع بارتفاعها وانتفائها ، فلا استصحاب ؛ لارتفاع أحد أركانه وهو الشكّ اللاحق ، فإنّ العلم بنبوّة موسى أو عيسى لا يحصل من القرآن وأخبار محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ بعد العلم بصحّة القرآن ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعلم بصحّة القرآن هو عين العلم بارتفاع نبوّة غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو ظاهر ، نعم يصحّ التمسّك بالاستصحاب فيما لو فرضنا حصول العلم من دليل آخر كالتواتر ، مثلا لو أسلم يهودي يصحّ له التمسّك بالاستصحاب على ما هو ظاهر.

فإن قلت : إنّ حصول العلم بنبوّة عيسى من قول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتفرّع على نبوّته ، بل هو موقوف على صدقه ولو في هذه القضيّة ، فيحتمل إثبات نبوّة عيسى وإن لم يستلزم صدق نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلت : لا سبيل لنا (١) إلى صدق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه القضيّة إلاّ بعلم بنبوّته (٢) كما هو ظاهر ، والأخذ بإقراره على تقدير كذبه ـ العياذ بالله ـ بعد كونه جدلا وخارجا عن طريق البرهان لا يفيد لنا العلم بثبوت نبوّة عيسى في الحال كما لا يخفى. اللهمّ إلاّ أن يدّعى العلم بصدقه في هذه القضيّة نظرا إلى ظهور برهان نبوّة عيسى أو موسى وسطوع آثارها في زمنه على وجه لا يقبل الإنكار ، ومع ذلك فالمانع مستظهر ؛ لانقطاع عدد تواترهم بقتلهم بخت نصر (٣) فتدبّر.

الثالث : أنّ معنى استصحاب نبوّة نبيّ هو وجوب التديّن بدينه لا الصفة الثابتة له في نفس الأمر ؛ إذ لا يعتبر فيها في الحالة السابقة و (٤) اللاحقة ، إذ لا ينعزل (٥) عن منصب النبوّة ، ولا يصير ذلك مشكوكا حتّى يستصحب ، فالمراد من استصحاب النبوّة هو وجوب اتّباعه في دينه والاعتقاد بصحّة ما جاء به من الله تعالى شأنه ، ولا ريب أنّ

__________________

(١) « م » : له.

(٢) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : نبوّته.

(٣) « ز ، ك » : البخت النصر.

(٤) « ز ، ك » : أو.

(٥) « ز ، ك » : إذ يعزل.

٢١٤

الدين هو أمر وحداني وإن كان مركّبا عن أشياء مختلفة ، ومتى شكّ في جزء منه فالشكّ إنّما هو في أصل الدين وليس من الأمور التي يمكن أن يؤخذ منه أمر مشترك (١) كالصلاة بناء على الصحيح.

فعلى هذا نقول : إنّ من جملة الأمور المقرّرة في شريعة موسى أو عيسى على وجه يختلف تلك الشريعة بالاختلاف فيها الإقرار بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالخصم إن أراد إثبات المستصحب في الحالة السابقة بتسليمنا وإقرارنا فنحن مقرّون بشريعة هي عبارة عن أحكام منها : بشارتهم على نبيّنا ، فلا شكّ في الزمن المتأخّر ، فلا استصحاب. وإن أراد استصحاب شريعة ليس منها البشارة المزبورة فلا علم لنا بتلك الشريعة أوّلا ، فلا استصحاب ؛ لانتفاء أحد أركانه وهو اليقين السابق ، والعلم بأنّ شريعة عيسى أو موسى ـ مثلا ـ (٢) إنّما هي مغيّاة إلى زمن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو من ضروريات مذهبهم حتّى أنّه لم يسعهم إنكار ذلك ، كما يظهر من التزام الجاثليق بعد ما أجابه أبو الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه آلاف التحيّة والثناء (٣) بما عرفت ، ولعلّه (٤) منزل على هذا الجواب وإنّما استعار عليه‌السلام عن دين موسى و (٥) عيسى بهما نظرا إلى ما نبّهنا عليه من أنّ المراد باستصحاب النبوّة وإبقائها (٦) هو استصحاب الشريعة كما لا يخفى.

ويظهر ما ذكرنا من أنّ المعلوم في تلك الشرائع هو ما قرّرنا من البشارة من الكتب السماوية والآيات القرآنية كقوله تعالى : ( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )(٧). فإنّ المستفاد منها انحصار (٨) رسالته في التصديق بكتب الله والبشارة برسول

__________________

(١) « ج ، م » : أمرا مشتركا.

(٢) « ج ، م » : عيسى مثلا أو موسى.

(٣) « ز ، ك » : عليه‌السلام.

(٤) « ز » : لعلّ.

(٥) « ج ، م » : أو.

(٦) « ج » : بقائها.

(٧) الصفّ : ٦.

(٨) « ز ، ك » : هو انحصار.

٢١٥

الله (١). وقيل : إنّ عمر ذات يوم كان ينظر إلى التوراة ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألم آت بها بيضاء نقيّة ، والله لو كان موسى وعيسى لم يسعهما إلاّ اتّباعي » (٢).

وبالجملة : فمن المعلوم جدّا أنّ من الأمور الواضحة المقرّرة في سائر الملل والشرائع هو البشارة على بعثة النبيّ الأمّي ونحن عالمون بذلك ، فالمستصحب إن أراد إثبات دين مستصحب بإقرارنا فنحن نقرّ بهذا الدين ، ولا شكّ في ارتفاعه ، وإن أراد إثبات دين آخر فعليه بإثباته ، ولا علم لنا به سابقا أبدا.

وقد يقرّر ما ذكرنا بوجه آخر وهو أنّا نعلم بأنّ شريعة عيسى مغيّاة بمجيء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعد حصول الغاية لا حاجة إلى استصحاب الحكم ؛ لأنّه معلوم بعد الغاية كقبلها ، بل العمل بما بعد الغاية محقّق للعمل بالحكم المغيّى لا أنّه مناف لها ، فنحن في الحال متديّنون بدين عيسى ولا ضير فيه كما لا يخفى.

فإن قلت : إنّ شريعة عيسى مشتملة على أحكام كثيرة منها : البشارة على ما ادّعيت ، فالقدر المسلّم بيننا وبينكم مستصحب ، وعليك بإثبات البشارة.

قلت (٣) : قد عرفت (٤) أنّ الدين أمر وحداني لا يقبل التبعيض ، بل الاختلاف في جزئه يوجب الاختلاف في نفس الدين ، ألا ترى أنّ شريعتنا على صادعها آلاف التحيّة (٥) تختلف فيما لو خالف أحد في بعض أصولها (٦) كالتوحيد أو (٧) المعاد أو نحوهما.

لا يقال : لا سبيل إلى إنكار رسالة عيسى في الجملة ، فالقدر المشترك بين الكلّ مستصحب.

لأنّا نقول : إن أراد بالرسالة الصفة الواقعية الثابتة لنفس النبيّ والرسول في نفس

__________________

(١) « ز ، ك » : برسوله.

(٢) انظر بحار الأنوار ٢ : ٩٩ و ٣٠ : ١٧٨ و ٧٦ : ٣٤٧.

(٣) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : « فكذلك ».

(٤) عرفت في الصفحة السابقة.

(٥) « ز ، ك » : ـ على صادعها آلاف التحيّة.

(٦) « ز ، ك » : أصولنا.

(٧) « ز ، ك » : و.

٢١٦

الأمر فهي معلومة في الحال لا يطرأ إليها ريب ، وإن أراد الشريعة المعلومة إجمالا ففيه أنّه ليس من الدين أصلا بعد ما عرفت.

فإن قلت : لو سلّمنا أنّ البشارة على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت من دين عيسى على الوجه المفروض وتنزّلنا في قبول التحديد ، فلا نسلّم وجود المبشّر عليه وحصول الحدّ ، فلا ضير في الاستصحاب.

قلت : إنّا ندّعي تطابق الأمارات والبشارات الحاصلة في سائر الأمم للنبيّ الأمّي العربي التهامي الذي يقوّي دينه بسيف وصيّه ، فمن ضروريات تمام الملل والشرائع هو كون هذا الجزئي المخصوص المدلول عليه بالأمارات الواضحة المعلومة عندهم نبيّنا كما هو ظاهر لمن تدبّر وتدرّب في الكتب الإلهية والسفر السماوية والصحف الربّانية.

هذا تمام الكلام في استصحاب النبوّة يعنى الشريعة السابقة ، وأمّا استصحاب الأحكام الفرعية الثابتة في واحد من الملل السابقة والأديان الماضية ، ففيه مقامان : فتارة : نحن نتكلّم في جريان الاستصحاب في حقّنا كما لو علمنا بثبوت حكم في زمان من الأزمنة السابقة (١) بطريق معتبر عندنا ، كما ثبت محبوبية ترك الازدواج في بعض الشرائع على ما يدلّ عليها قوله تعالى ـ في مدح يحيى أنّه كان ـ : ( سَيِّداً وَحَصُوراً )(٢) وتارة : نتكلّم فيه فيما لو خاصمنا واحد من أهل الملل.

أمّا الأوّل : فسيأتي تفصيله في هداية على حدة (٣) ـ (٤).

وأمّا الثاني : فقد يقال بجريان الاستصحاب فيها وكونه مثمرا في المقام ؛ إذ ليس المقصود فيها إلاّ العمل وهو حاصل نظير الاستصحاب في الأحكام الثابتة في شريعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الشكّ في النسخ ، لكن ينبغي أن يعلم أنّ أصالة عدم النسخ تارة : راجعة

__________________

(١) « م » : السالفة.

(٢) آل عمران : ٣٩.

(٣) « ج ، م » : على حدّها.

(٤) وهي هداية استصحاب أحكام الشرائع السابقة ص ٣٥٧.

٢١٧

إلى استصحاب حال الدليل الثابت في الزمن الأوّل من دعوى إفادته عموما أزمانيا ، والشكّ إنّما هو في تخصيصه بزمان دون آخر ، وأخرى : راجعة إلى استصحاب نفس الحكم الثابت في زمان ولو (١) لم يكن مدلولا عليه بلفظ عامّ كما لا يخفى.

والأوّل ليس من استصحاب عدم النسخ وإنّما هو الثاني كما عليه المشهور ، فعلى (٢) هذا فكما لا مانع من استصحاب الحكم الثابت في الزمن الأوّل مع حصول الشكّ في نسخه على مذاق القوم ، كذلك لا مانع منه فيما لو ثبت الحكم الفرعي في ملّة سابقة وشريعة ماضية ، ولا وجه لدفعه بالعلم الإجمالي بالنسخ في الأحكام الثابتة في سائر الأمم ؛ إذ ذلك لا يجدي في قبال دعوى اليهود والنصارى استصحاب الحكم وعدم نسخه ، نعم قد يكون مثمرا في المقام الأوّل وستعرفه فيه.

فإن قلت : لا يجري الاستصحاب فيها ؛ لعدم العلم بالمكلّف ، فإنّ المعلوم هو ثبوت الأحكام للأشخاص الموجودين في تلك الأزمنة ، وأمّا من تأخّر منهم فلا يقين في السابق.

قلت : فلا يجري الاستصحاب في الأحكام الثابتة في ديننا أيضا للوجه المذكور بعينه. ولو رام إلى التمسّك بأدلّة الاشتراك كقوله : « حلاله حلال وحرامه حرام » (٣) ، فهو إثبات للحكم في زمان الشكّ بدليل اجتهادي لا بالاستصحاب ، والمفروض جريانه على المشهور ، وإثبات الحكم في زمان (٤) الشكّ بنفس الاستصحاب لا بالعموم ، على أنّه يمكن إثبات الحكم بشخص واحد للزمانين ، ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره المحقّق القمي في دفع ما أورد (٥) على نفسه أخيرا من

__________________

(١) « م » : ـ لو.

(٢) « ز ، ك » : وعلى.

(٣) روى الكليني في الكافى ١ : ٥٨ ، باب البدع ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلال والحرام ، فقال : « حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة » ؛ ونحوه في بصائر الدرجات : ١٤٨.

(٤) « م » : زمن.

(٥) « ز ، ك » : أورده.

٢١٨

أنّه (١) بعد البشارة لا وجه لاستصحاب الحكم الفرعي الثابت ؛ لما عرفت من عدم التسليم إلاّ أن يكون إشارة إلى ما ذكرناه في ثالث الأجوبة والوجوه المتقدّمة كما لا يخفى ، ولعدم المنافاة بين ثبوت البشارة واستصحاب الحكم الفرعي ؛ إذ لا يصغى إلى دعوى كون الأحكام الفرعية التي كانت في تلك الشرائع مغيّاة ببعثة نبيّنا.

هذا غاية الانتصار لهم في المقام إلاّ أنّ الوجه الثاني من الوجوه المذكورة ينهض بدفعه ؛ إذ لا سبيل لنا إلى العلم بتلك الأحكام الثابتة في تلك الشرائع إلاّ أخبار المعصومين عليهم‌السلام بها ، بل الحقّ الحقيق بالتصديق انتفاء ما يوجب العلم بها واقعا في الأحكام الفرعية إلاّ ذلك ، بخلاف أصول دينهم ؛ إذ كما عرفت فيها يمكن دعوى تواترهم في ذلك ، وتشتّت فرقهم دليل على عدم الإجماع فيهم ، ولهذا تراهم تاركين لشريعتهم أيضا ، وانتسابهم إلى الدهر في هذه الأزمنة وما ضاهاها معلوم كما لا يخفى.

__________________

(١) « ج ، م » : أنّ.

٢١٩
٢٢٠