مطارح الأنظار

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-36-6
الصفحات: ٦١٥

بكونه معاقبا مطلقا على نفس العمل طابق الواقع ، أو خالف ، ولا عقاب على ترك الفحص ، وقيل بالتفصيل بين ما إذا طابق الواقع ، فلا عقاب وبين ما إذا خالف فيعاقب على المخالفة ، ويترتّب على فعله ما يترتّب على نفس الفعل حال المخالفة العملية (١).

ومبنى الأوّل يمكن أن يكون القول بوجوب تحصيل العلم والتعلّم وجوبا نفسيّا كما يظهر عن بعض الأعاظم (٢) ، فلا يرد ما أفاد محقّق الجمال (٣) من أنّ هذا قول غريب.

وأمّا عدم العقاب على نفس الفعل ولو في صورة المخالفة ، فلقبح العقاب على الجاهل كما يظهر عن صاحب المدارك في بعض فروع المسألة ، ويمكن أن يكون مبناه ما نسب إلى السبزواري من العقاب على المقدّمة ؛ لأدائه إلى ترك ذيها ، و (٤) لا يخفى أنّه لا يقضي بالعقاب عند المطابقة كما هو ظاهر ، فلا يصحّ أن يكون مبنى هذا القول.

ووجه الثاني هو حرمة التجرّي ، فإنّ في هذا الفعل مع قطع النظر عن (٥) حرمة الفعل في الواقع تجرّيا فيعاقب عليه.

وأمّا عدم العقاب على الفعل ، فللجهل ، ويحتمل القول بالتداخل كما عليه بعض الأجلّة (٦) ، والتحقيق هو الثالث ، ويتوقّف إثباته على إثبات مقدّمتين :

إحداهما : عدم العقاب عند الموافقة.

وثانيتهما (٧) : العقاب عند المخالفة.

أمّا الأولى ، فالعقاب إمّا على ترك الفحص والتعلّم ، أو على التجرّي ، فلا وجه لكلّ

__________________

(١) « س ، م » : العلمية.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٥.

(٣) الحاشية على شرح اللمعة : ٣٤٥ عند قول الشهيد في كتاب الصوم : « ولو نسي صحّ والجاهل عامد ».

(٤) « م » : ـ و.

(٥) « م » : ـ عن.

(٦) الفصول : ٨٧.

(٧) « ج ، س » : ثانيهما.

٥٨١

واحد منهما ، أمّا الأوّل ، فلأنّ الفحص والتعلّم ليس من الواجبات النفسيّة حتّى يقال بالعقاب على تركه بل الظاهر أنّه واجب غيري مقدّمي كما يظهر من لفظ السؤال ، فإنّ المستفاد منه هو مطلوبية العمل بجوابه كما لا يخفى ، وسياق أدلّة السؤال كقوله : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )(١) وغير ذلك شاهد صدق على أنّ العلم ـ ولا سيّما في العمليات ـ ليس مطلوبا بنفسه ، وإنّما المقصود منه تحصيله للعمل.

ويدلّ على ذلك ما رواه المفيد الثاني (٢) في تفسير قوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ )(٣) من أنّه تعالى يحتجّ على العباد بقوله : « أما علمت؟ فإن قال : نعم ، فيقول : فهلاّ عملت؟ وإن قال : لا ، فيقول : فهلاّ تعلّمت فعملت؟ » (٤) وجه الدلالة ظاهر فإنّ التوبيخ على ترك العمل بعد العلم ، وعلى عدمه بعد عدمه على تقدير تحصيله كما لا يخفى.

ويتّضح ذلك غاية الاتّضاح عند ملاحظة قوله : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(٥) فإنّه تعالى جعل الحذر غاية للإنذار وهو واجب نفسي ، وغاية الحذر في العمل (٦) بفعل الواجبات وترك المحرّمات ، ولو لا أنّ المقصود هو العمل ، لكان بدل قوله : « يحذرون » « يتعلّمون » فإنّ الإنذار هو الإبلاغ والإرشاد كما لا يخفى.

وأمّا الثاني ، فبالمنع صغرى وكبرى إذ التارك للفحص والعامل بالبراءة قد يكون غافلا عن الفحص ، فلا تجرّي إلاّ أن يقال : إنّه مستند إلى اختياره بعد علمه الإجمالي بالواجبات والمحرّمات في الشريعة ، فغفلته بعد تقصيره غير مجدية.

__________________

(١) النحل : ٤٣ ؛ الأنبياء : ٧.

(٢) هو أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي ، ولد شيخ الطائفة الطوسي ، وقد ينسب أمالي والده إليه خطأ ؛ لأنّه كان راويه.

(٣) الأنعام : ١٤٩.

(٤) أمالي الطوسي : ص ٩ ، مجلس ١ ، ح ١٠ ؛ أمالي المفيد : ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، مجلس ٢٦ ، ح ٦ ، الحديث منقول بالمعنى.

(٥) التوبة : ١٢٢.

(٦) « ج » : ـ في العمل.

٥٨٢

ولو سلّمنا كونه تجرّيا ، فلا دليل على حرمة التجرّي مطلقا ؛ إذ له مراتب أعلاها الإتيان بالفعل رجاء المخالفة ، ولا يبعد كونه كفرا ، وأدونها الإتيان بالفعل رجاء عدم المخالفة عند احتماله ، ولا دليل على حرمة هذا الفرد منه كما حرّر ذلك في مقامه ، وتقدّم (١) جملة من الكلام فيه في الشبهة الغير المحصورة ، فتذكّر.

و (٢) أمّا الثانية (٣) ، فلوجود المقتضي وفقد المانع.

أمّا الأوّل (٤) ، فالأدلّة الواقعية الآمرة بالواجبات والناهية عن المحرّمات الدالّة على استحقاق المخالف لها (٥) للعقاب كقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(٦) فإنّ صدق المخالفة عند ترك الحجّ مع الاستطاعة ظاهر ، وهو محقّق (٧) للحكم باستحقاق العقاب.

وأمّا الثاني (٨) ، فلأنّ المانع إمّا أن يكون هو العقل ، أو الشرع ، والكلّ منتف.

أمّا الأوّل (٩) ، فليس إلاّ ما تخيّله الخصم من قبح عقاب الغافل وتعذيب الجاهل وهو ليس بشيء ؛ لأنّ العقل قاض بذلك فيما لم تكن (١٠) غفلته مستندة إلى تقصيره ، وأمّا إذا استند جهله إلى مقدّمات مقدورة متروكة باختياره بعد العلم الإجمالي بتحقّق واجبات كثيرة في الشريعة ومحرّمات كذلك ، فلا قبح في العقول في تعذيب المخالف كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني ، فلعدم ما يدلّ على ذلك في الأدلّة الشرعية بل وجملة منها يدلّ على خلافه.

__________________

(١) تقدّم ص ٤٦٨.

(٢) « س » : ـ و.

(٣) يعني المقدّمة الثانية ، يعني العقاب عند المخالفة ، وفي نسخة « س » : الأوّل ، وهو غلط.

(٤) « س » : وأمّا الثانية ، وهو غلط.

(٥) « س » : ـ لها.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) « س » : مختصّ!

(٨) « س » : الأوّل ، وهو غلط.

(٩) « س » : وأمّا الثاني ، وهو غلط.

(١٠) « ج ، س » : لم يكن.

٥٨٣

فمنها : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في مجدور جنب ، فغسّلوه ، فكزّ ، فمات ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك : « قتلوه قاتلهم الله ألاّ سألوا ألاّ تيمّموه » (١) وصراحته في المقصود ممّا لا ينكر ؛ فإنّ إسناد القتل إلى مباشر الغسل مع ضعفه مع التوبيخ في عدم السؤال وعدم التيمّم ممّا ينادي بأعلى صوته على ترتّب العقاب عند عدم العلم وعدم السؤال.

لا يقال : التوبيخ على ترك التعلّم ، فيدلّ على وجوبه بالأصالة.

لأنّا نقول : التوبيخ على ترك التيمّم ينافيه (٢) كما لا يخفى.

ومنها : رواية سماع غناء الجواري ، فإنّ في ذيلها ما يدلّ على [ عدم ] معذورية الجاهل المقصّر ، وهو قوله : « ما أسوأ حالك لو كنت تموت على هذه الحالة » ، فإنّه تخيّل عدم حرمة السماع وهو جالس على الخلاء من غير أن يذهب برجله إلى الاستماع كما يدلّ عليه قوله : وكأنّي لم أسمع بها لا من عربي ، ولا من عجمي بعد ما قرأ له الإمام عليه‌السلام (٣) : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(٤).

ومنها : رواية عمّار في التيمّم حيث قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يهزؤه : « تمعّكت كما تتمعّك الدابّة » (٥) فإنّ في هذا التوبيخ والاستهزاء ما لا يخفى.

ومنها : إجماع أصحابنا على تكليف الكفّار بالفروع وعقابهم عليها ، فإنّ المسلمين ليسوا في العلم الإجمالي بالواجبات أدون من الكفّار ، فكما أنّ مصحّح العقاب على الكفّار هو العلم الإجمالي بالأحكام الفرعية مع الجهل بها تقصيرا ، فكذلك في المسلمين.

فالجهل مع التقصير والمخالفة الجهلية يصير منشأ للعقاب. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٣٤٧ ، باب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٥ ، وفيه : « قتلوه قتلهم الله ، إنّما كان دواء العيّ السؤال ». وسيأتي في ج ٤ ، ص ٥١٦.

(٢) « س » : ـ ينافيه.

(٣) « ج ، م » : ـ عليه‌السلام.

(٤) الإسراء : ٣٦. وتقدّم الحديث في ص ٨٤ و ٢٢٤ و ٤٩٩.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٥٨ ، باب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

٥٨٤

إجماع الأصحاب على عقابهم لا يحرز الاشتراط عند الشكّ في اشتراط شيء ، لأنّ الإجماع هذا إنّما هو في قبال أبي حنيفة (١) وبعض الأخباريين من أصحابنا (٢) القائلين بعدم عقاب الكافر [ على الفروع ] ولو كان عالما تفصيليا ، فإجماعهم في بيان مطلب آخر لا يمكن استعلام حال الشرائط منه ؛ إذ غاية ما يستفاد منه الحكم بمساواة الكافر للمسلم ، وأمّا لو شكّ في اشتراط أصل التكليف بشيء وعدمه ، فلا بدّ من ملاحظة ذلك لمساواة الكافر للمسلم (٣) في ذلك إلاّ أن يدّعى الإجماع على استحقاق الكافر للعقاب فيما لو استجمع الشرائط المعتبرة في التكليف من الأمور المتّفق عليها غير العلم

__________________

(١) عنه في منتهى المطلب ٢ : ١٨٨ وفي ط الحجري ١ : ٨٢ ؛ مدارك الأحكام ١ : ٢٧٧ و ٧ : ٦٩ ؛ ذخيرة الأحكام ٣ : ٥٦٣ ؛ كشف اللثام ٢ : ٤٢ و ١ : ٨٤ ؛ الحدائق الناضرة ٣ : ٣٩ ؛ جواهر الكلام ٣ : ٣٩.

قال النووي في المجموع فى شرح المهذّب ٣ : ٤ : وأمّا الكافر الأصلي فاتّفق أصحابنا في كتب الفروع على أنّه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وغيرها من فروع الإسلام ، وأمّا في كتب الأصول ، فقال جمهورهم هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان. وقيل : لا يخاطب بالفروع. وقيل : يخاطب بالمنهيّ عنه كتحريم الزنى والسرقة والخمر وأشباهها دون المأمور به كالصلاة. والصحيح الأوّل وليس هو مخالفا لقولهم في الفروع ؛ لأنّ المراد هنا غير المراد هناك ، فمرادهم في كتب الفروع أنّهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم ، وإذا أسلم أحدهم ، لم يلزمه قضاء الماضي ، ولم يتعرّضوا لعقوبة الآخرة. ومرادهم في كتب الأصول أنّهم يعذّبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر فيعذّبون عليها وعلى الكفر جميعا لا على الكفر وحده ولم يتعرّضوا للمطالبة في الدنيا ، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين والفروع حكم الطرف الآخر. والله أعلم.

وكذا قال في المجموع ٥ : ٣٨٧.

(٢) استظهر ذلك البحراني في الحدائق ٣ : ٣٩ من كلام المحدّث الأسترآبادي في الفوائد المدنية وذهب إليه المحدّث الكاشاني في الوافى والصافى كما عنه في الحدائق ٣ : ٤٠ و ٤١. وذهب إليه أيضا المحدّث البحراني في الحدائق ٣ : ٣٩ ـ ٤٢ ، وأجاب عنه النراقي في عوائد الأيّام : ٢٧٩ ـ ٢٩٢ ، عائدة ٣٠ ، وفي ط الحجري ٩٥ ـ ١٠٠.

(٣) سقط قوله : « وأمّا لو شكّ » إلى هنا من نسخة « ج ».

٥٨٥

التفصيلي وهو بعيد.

فظهر ممّا ذكرنا دليل وجوب الفحص أيضا إذ يحتمل في كلّ مورد ترتّب العقاب ويجب دفعه بحكم العقل القاطع كما ظهر أنّ الفحص واجب شرطي يجب عند عدم الاحتياط إذ لا ضير في الاحتياط كما سبق.

ومن ذلك ينقدح أنّ الفحص ليس من شرائط اعتبار البراءة على ما يظهر من بعضهم (١) بل التحقيق أن لا مجرى للبراءة بدونه ؛ إذ دليل البراءة ليس إلاّ قبح العقاب بدون البيان.

وأمّا الأخبار ، فجملة منها (٢) مفادها مثل مفاد العقل ، وبعض (٣) الآخر منزّلة عليه كما مرّ ، والعقل لا يقبّح تعذيب تارك الفحص والعامل بالبراءة : فإنّ مناط حكمه بالقبح هو معذورية المكلّف ، ولا عذر عند عدم الفحص ، ولا فرق في ذلك بين ما كان في موارد العمل بالبراءة علم إجمالي كما في أمثال زماننا ، أو لم يكن ، ألا ترى أنّ الفحص في معجزة النبيّ واجب ، ولا يجوز الاتّكال على البراءة مع احتمال صدقه وإن لم يكن علم إجمالي إذ لا عذر لمن ترك النظر.

فالبراءة لا مجرى لها عند عدم الفحص ، وذلك بخلاف الاستصحاب إذ أدلّتها عقلا ونقلا جارية عند عدم الفحص ؛ لصدق الشكّ واليقين المقوّمين في معناه.

فإن قيل : إنّ أخبار البراءة أيضا بعضها لا يعتبر فيها إلاّ الشكّ وعدم العلم كقوله : « الناس فى سعة ما لا يعلمون » (٤) وغير ذلك ، فلا فرق بينها وبين الاستصحاب.

قيل : قد عرفت أنّ المستفاد من مجموعها عدم العقاب على المعذور ، ولا عذر لغير المتفحّص ، وهذا هو العمدة في وجوب الفحص عند العمل بالبراءة ، ويؤيّده وجوه

__________________

(١) كالقمّي في القوانين ٢ : ٤٦ ، والأصفهاني في الفصول : ٣٦٥ ، والنراقي في المناهج : ٢٣٢.

(٢) « ج ، م » : ـ منها.

(٣) كذا.

(٤) تقدّم في ص ١٥٨ و ٣٥٥ و ٥٢٨.

٥٨٦

أخر أيضا كالإجماع من القائلين بها بحسب اختلاف مواردها أخباريا وأصوليا إلاّ في موارد ستعرف تحقيق القول فيه ، واستقرار عمل العقلاء على الفحص في مواردها ، ولزوم الهرج والمرج لو لاه ، والخرج من الدين على وجه لا يعدّ من المتديّنين بهذا الدين كما برهنّا (١) عليه في مقدّمات دليل الانسداد عند إبطال العمل بالبراءة.

فرع

هل المدار في الواقع الذي جعلنا العقاب دائرا مداره ما ذا؟ فهل هو الواقع في نفس الأمر ، أو ما يصل إلى أنظار المجتهدين بعد الفحص المعتبر ، أو ما يصل إلى نظر المقلّد؟

وتظهر الثمرة فيما إذا (٢) انكشف اختلاف الواقع (٣) مع ما وصل إلى الأنظار المسمّى بالحكم الظاهري عند بعض ، وبالواصلي عند الأخباري مثلا فيما لو كان شرب التتن في الواقع مباحا وارتكبه المكلّف ، ثمّ انكشف أنّ الحكم الظاهري بحسب ما أدّى إليه اجتهاد المجتهد كان حراما ، أو العكس ، فعلى تقدير كون المدار على الواقع الواقعي ، يعاقب عند المخالفة وإن وافق الحكم الظاهري ، وعلى تقدير كون المدار على الواقع الثانوي ، لا يعاقب على تقدير الموافقة وإن خالف الحكم الواقعي وجهان.

نعم ، في صورتي الموافقة لكلّ واحد من الحكمين ، أو المخالفة لهما لا ثمرة إلاّ نادرا كأن يكون من لوازم الواقع أو الظاهر.

وكيف كان ، فوجه الأوّل أنّ الحكم الظاهري إنّما هو مجرّد طريق إلى الواقع ولا عبرة به في شيء سوى مجرّد الطريقية ، وبعد موافقة الواقع لا ضير في مخالفة الطريق ؛ إذ لا مصلحة في الطريق سوى الوصول إلى ما هو طريق إليه والمفروض حصوله.

ووجه الثاني فلأنّ الواقع لمكان الجهل به وعدم التمكّن من العلم به ـ إذ المفروض

__________________

(١) « س » : نبّهنا.

(٢) « ج ، م » : إذ.

(٣) « ج » : الرأيان!

٥٨٧

مخالفة ما هو طريق إليه له ـ مرفوع عن المكلّف ، ولا يجوز العقاب عليه ، ولك أن تقول : إنّ المدار على عدم التكليف ، فإن كان الواقع حراما ، ومؤدّى الاجتهاد أو التقليد إباحة ، فالمحكّم هو الأخذ بالطريق وعدم الحكم بكونه معاقبا ، وإن كان الواقع على الإباحة دون مؤدّى الطريق ، فالمدار على الواقع.

أمّا إذا كان الواقع على الإباحة ، فالوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من عدم ترتّب شيء على الطريق سوى ما يترتّب على الواقع ، وأمّا إذا كان الواقع على الحرمة دون مؤدّى الطريق ، فلأنّ شرط الحرمة الواقعية تنجّز التكليف والمفروض عدم العلم وعدم تمكّنه أيضا ، لأنّ الطريق إليه على تقدير الفحص عن الواقع مخالف له ، فلا يمكن الوصول إليه.

ويمكن الإيراد عليه بأنّ الأخذ بالطريق الظاهري في مرتبة أحد أفراد الواجب المخيّر ، وبعد تعذّر أحد أفرادي الواجبين فالباقي هو المعيّن ، ويلازمه العقاب عند التخلّف عنه.

قلت : بعد القطع بكون الأمارات المعمولة عند المجتهد طريقا إلى الواقع سواء قلنا باعتبار الظنّ المطلق ، أو لا ، فلا يعرف في ترتّب العقاب على الطريق بعد فرض المطابقة وجها عدى ما يتوهّم من عنوان التجرّي ، وقد عرفت تحقيق القول في حرمة التجرّي بما لا مزيد عليه.

[ عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية ]

هذا بالنسبة إلى الحكم التكليفي في الشبهات الحكمية عند عدم الفحص وإعمال البراءة ، وأمّا بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية فلا ريب في جريان البراءة في مواردها من دون لزوم الفحص فيها ، فلو شكّ في كون إناء خمرا ، أو خلاّ ، فيعمل بالبراءة من غير ملاحظة أنّه الخمر ، أو الخلّ.

٥٨٨

والأصل في ذلك هو الإجماع القطعي فإنّ بناء العلماء (١) سلفا عن خلف على الأخذ بالبراءة في الشبهات الموضوعية من غير توقّف على الفحص بل ولو فيما يعلم باستكشاف الواقع عند الفحص ، ولا اختصاص لهذا الحكم بالبراءة بل يجري في جميع الأصول العملية الدائرة في الموضوعات من الاستصحاب وقاعدة اليد وأصالة الطهارة ونحوها.

مضافا إلى أخبار كثيرة :

منها : ما رواه في الكافى عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجبنّ قال : « كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أنّ فيه ميتة » (٢).

ومنها : ما رواه فيه عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه (٣) فتدعه » (٤).

ومنها : ما رواه فيه أيضا عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبنّ قال : « لقد سألت (٥) عن طعام يعجبني » ثمّ أعطى الغلام درهما ، فقال : « يا غلام ، ابتع لنا جبنّا » ودعى بالغداء فتغدّينا (٦) معه وأتى بالجبن فأكل وأكلنا ، فلمّا فرغنا عن الغداء ، قلت له : ما تقول في الجبنّ ، فقال لي : « أو لم ترني أكلته؟ » قلت : بلى ، ولكنّي أحبّ أن أسمعه منك ، فقال عليه‌السلام : « أخبرك (٧) عن الجبنّ وغيره ، كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال

__________________

(١) « س » : العقلاء.

(٢) الكافى ٦ : ٣٣٩ / ٢ ؛ الوسائل ٢٥ : ١١٨ ، باب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٢.

(٣) في النسخ : « أبدا » بدل : « بعينه ».

(٤) الكافى ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ؛ الوسائل ١٧ : ٨٧ ـ ٨٨ ، باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١ و ٢٤ : ٢٣٦ ، باب ٦٤ من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح ٢ ، وتقدّم ص ٣٥٩.

(٥) في المصدر : سألتني.

(٦) « ج » : بالغذاء فتغذينا.

(٧) في المصدر : سأخبرك.

٥٨٩

حتّى تعرف منه بعينه فتدعه » (١) إلى غير ذلك.

ولعلّ بناء العقلاء على عدم الفحص أيضا (٢) ، كذا أفاد إلاّ أنّه ربّما ينافي ما قيل : من أنّ بناءهم على الاحتياط في أمور معاشهم ، فتدبّر.

والفروع المترتّبة على عدم وجوب الفحص في الموضوعات عند إعمال الأصول ممّا لا يحصى كالبناء من المرأة على عدم الحيض قبل الفحص ، والبناء على عدم الاستطاعة فيما لو شكّ في وجود مال به يستطيع ، وكالبناء على جواز الأكل قبل الفحص في ليالي رمضان ، وكالبناء على الطهارة فيما لو شكّ في حمرة أنّها الدم أو البقّم (٣) ، ونحو ذلك.

نعم لبعض الأصحاب في بعض موارد الشبهة الوجوبية كلام يشعر بحكمه بوجوب الفحص في تلك الموارد دون الشبهة التحريمية مثل ما حكم به بعضهم (٤) : من لزوم الفحص عن الهلال وعدم الحكم لعدم دخول الشهر الآتي ، ومثل ما حكم جملة منهم (٥) بلزوم الفحص عن قدر المال فيما لو شكّ في حصول الاستطاعة بالقدر الموجود دون ما

__________________

(١) الكافى ٦ : ٣٣٩ / ١ ؛ الوسائل ٢٥ : ١١٧ ـ ١١٨ ، باب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ١. وتقدّمت قطعة منه في ص ٣٦٥.

(٢) « س » : ـ أيضا.

(٣) البقّم صبغ معروف ( الصحاح ٣ : ١٨٧٣ ).

(٤) أوجبه على الكفاية العلاّمة في تحرير الأحكام ١ : ٤٩٣ وفي ط الحجري ١ : ٨٢ وعنه في الدروس ١ : ٢٨٥ ؛ ومشارق الشموس : ٤٧٤ وقال في كشف الغطاء ٤ : ١٧ وفي ط الحجري : ٣١٦ بعد حكمه باستحبابه : وقيل بوجوبه مطلقا ، قال المفيد في المقنعة : ٢٩٧ : ويجب على المكلّف الاحتياط لفرض الصيام بأن يرقب الهلال. انظر أيضا تذكرة الفقهاء ٦ : ٢٦٨ وفي ط الحجري ١ : ٢٦٨ ؛ الحديقة الهلالية : ٧٠ ؛ غنائم الأيّام ٥ : ٢٩٢.

(٥) كالقمّي في القوانين ١ : ٤٦٠ ، قال في أجود التقريرات ٢ : ٢٢٥ : قد أفتى به جملة من الأعلام بل الظاهر أنّه المشهور. انظر أيضا كتاب القضاء للآشتياني : ٣٨٦ ؛ مقالات الأصول ٢ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ؛ وكتاب الصلاة ، تقريرات بحث النائيني للكاظمي ١ : ٢٨٦ ؛ كتاب الصلاة للسيّد الخوئي ٨ : ٣٨ و ٦٢ ـ ٦٣ ؛ كتاب الزكاة للسيّد الخوئي ١ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ؛ مصباح الأصول ٢ : ٤٩٢.

٥٩٠

إذا شكّ في أصل وجود المال ، فإنّ البناء فيه على العدم كما عرفت ، فلا بدّ من توجيه لهذه الموارد.

وغاية ما يمكن أن يقال : هو أنّ الخطاب الوارد من الشارع قد يكون معلّقا على أفراد غير محصورين كما إذا أوجب علينا إكرام العلماء وقد يكون معلّقا على أفراد محصورين ، كما إذا أوجب علينا إكرام علماء البلد.

فعلى الأوّل فقد عرفت أنّ المشكوك كونه من العلماء ملحق في الحكم بعدم الوجوب بغير العلماء ؛ لما عرفت من أنّ الحكم بالوجوب ليس بأولى من الحكم بالوجوب (١) ، لاستواء المشكوك بالنسبة إليهما.

وأمّا على الثاني ، فقد يمكن دعوى القول بأنّ العقلاء في أمثال هذه الخطابات ليس بناؤهم على الأخذ بالبراءة بل إنّما يأخذون بها بعد الفحص ، ولعلّه إليه ينظر كلام صاحب المعالم عند دعوى عدم جواز العمل بخبر المجهول من أنّ وجوب التثبّت في الآية متعلّق بوصف الفسق ، ويحتمل كون هذا الرجل فاسقا في الواقع ، ومقتضى ذلك وجوب الفحص عن وجوده وعدمه.

قال : ألا ترى أنّ قول القائل : « أعط كلّ بالغ رشيد من هذه الجماعة [ درهما ] » يقتضي السؤال والفحص عمّن جمع هذين الوصفين لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (٢).

ويحتمل أن يقال : إنّ ذلك إنّما يدور مدار الاهتمام بوقوع المأمور به وعدمه ، والمرجع فيهما (٣) عرض الخطاب على العرف ، فإن حكموا بمجرّد الخطاب على الفحص ، فهو ، وإلاّ فالإجماع على عدم وجوب الفحص في محلّه ، ثمّ (٤) إن طابق ما ذكرنا للموارد المفتى بها بلزوم الفحص ، فهو ، وإلاّ فالمفتي بذلك مطالب بالدليل.

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) المعالم : ٢٠١.

(٣) « ج » : فيها.

(٤) « س ، ج » : ـ ثمّ.

٥٩١

المقام الثاني (١)

في بيان الحكم الوضعي عند عدم الفحص والأخذ بالبراءة ، وتحقيق الكلام في ضمن مطلبين :

المطلب الأوّل

في المعاملات المعمولة فيها أصالة العدم قبل الفحص كما إذا شكّ في اشتراط شيء في العقد ، فأخذ بعدمه نظرا إلى أصالة العدم ، واعلم أنّ المراد بالمعاملات في المقام ما لا يجب في تحقّقه قصد القربة.

والحقّ أنّ مدار الأحكام الوضعية في المعاملات عند الأخذ بالأصول المعمولة فيها هو الواقع ، ولا يؤثّر الفحص فيها صحّة ولا فسادا ، فلو فرضنا أنّ أحدا قد اتّكل على نقل شيء بالمعاطاة تعويلا على أصالة عدم لزوم العقد في النقل والانتقال ، فلو كان الواقع على عدم الاعتبار ، فالنقل حاصل ، وإلاّ فلا أثر للفحص عن الاعتبار وعدمه فيما هو ثابت في الواقع ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون حين صدور الفعل المعاملي منه شاكّا في التأثير ، أو ظانّا ، أو قاطعا بالفساد ما لم يضرّ ذلك في تحقّق إنشاء النقل والانتقال منه إذا كان الفعل المعاملي من قبيله.

ويظهر ذلك من ملاحظة حال اللاعب بالشطرنج والنرد فإنّه مع علمه بالفساد شرعا قاصد للنقل ، وذلك ظاهر في الطهارة والنجاسة ، ولم نر في ذلك مخالفا إلاّ بعض المتأخّرين.

والوجه في ذلك هو الأخذ بعمومات أدلّة الأحكام الواقعية فإنّ ما دلّ على سببية البيع للنقل غير مقيّد بكون ذلك بعد الفحص ، فالمعاملات التي تقع بلا اجتهاد وتقليد صحّتها وفسادها وترتيب الآثار المطلوبة (٢) منها من نقل ملك ، أو منفعة ، أو رفع

__________________

(١) كذا. والصواب المورد الثاني. وتقدّم المورد الأوّل في بيان الحكم التكليفي في ص ٥٨٠.

(٢) « ج » : المطلوبية.

٥٩٢

خصومة معوّضا ، أو بلا عوض وجواز الدخول معه في الصلاة وعدمه تابع لحصول حقائقها الواقعية التي تترتّب عليها تلك الآثار الواقعية وعدم حصولها ، وذلك ظاهر جدّا ؛ فإنّ تأثير الأسباب الواقعية في مسبّباتها لا يتوقّف على العلم والجهل ، بل وكيف يعقل انقلاب وصف الشيء الذي وقع عليه إلى ما يضادّه؟ ولا وجه للقول بخلاف ذلك عدا (١) ما أورده بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين في مناهجه (٢) ، وهو ممّا لا وجه له ، فلاحظه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو في صحّة المعاملة فيما لو وقعت بلا اجتهاد وتقليد ، و (٣) أمّا لو وقعت على اجتهاد ، أو تقليد ، ثمّ انكشف خلاف ما ظنّه المجتهد ، فهل يحكم فيه بالصحّة ، أو بالفساد ، أو يفصّل بالنسبة إلى الآثار السابقة واللاحقة ، أو غير ذلك؟

وجوه وأقوال ستطّلع عليها ، وعلى تحقيق القول فيها في مسائل الاجتهاد والتقليد ، وليس المقام محلّه ، فانتظره إن شاء الله.

المطلب الثاني

في العبادات التي يتمسّك فيها بأصالة البراءة ، والمراد منها ما يقابل المعاملات ممّا يحتاج في تحقّقه إلى قصد القربة ، والكلام فيه تارة يقع في صحّة العبادة المعمولة فيها أصالة البراءة من غير فحص من اجتهاد ، أو تقليد ، وأخرى في أنّ العمل المعمول فيه بتلك الأصالة بعد ما انكشف الخلاف ، هل هو صحيح ، أو فاسد؟ والمتكفّل لبيان الثاني هو مسائل الاجتهاد والتقليد.

وأمّا الكلام في المقام الأوّل ، فقد يتراءى في بادئ الأنظار فساد تلك العبادات نظرا إلى امتناع تحقّق قصد القربة من الشاكّ في نفس العمل بل والظانّ أيضا فيما لم يكن ظنّه معلوم الاعتبار ، فإنّ الظنّ المشكوك الاعتبار مرجعه إلى الشكّ في العمل الواقع على

__________________

(١) « م » : غيرى؟

(٢) المناهج : ٣٢٢.

(٣) « س » : ـ و.

٥٩٣

حسب ذلك الظنّ ، ولكن لنا أن نقول بصحّة تلك العبادات وإن كان تارك التقليد والاجتهاد والاحتياط معاقبا نظرا إلى تركه الطرق الظاهرية التي يجب الأخذ بها على القول بذلك ، فتصحّ العبادة المطابقة للواقع سواء كانت بطريق الاجتهاد ، أو التقليد المعتبر ، أو الاحتياط ، أو تقليد الآباء والأمّهات أو بغير (١) ذلك ، وتبطل العبادة الغير المطابقة للواقع إلاّ أنّ للإجزاء بالفاسدة وعدم الإجزاء بها مقاما آخر ، فالمدار على الواقع صحّة وفسادا ، فلو ترك السورة في الصلاة ثمّ اجتهد ، فاعتقد وجوبها ، فلا بدّ من القضاء في خارج الوقت ، والإعادة فيه ، ولو يرى (٢) عدم وجوبها ليس عليه شيء من القضاء والإعادة.

وأمّا حديث قصد القربة ، فمجرّد الشكّ في الواقع في اعتبار شيء في الصلاة مثلا لا ينافي تحقّقه ؛ إذ ليس الفاعل ملتفتا إلى ذلك بل إنّما يأخذ بأصالة البراءة وعدم الوجوب من غير رويّة ونظر تقليدا لما سلف من آبائه ، وتبعا لما وجّه من طريقة كبرائه بل ولو شئنا قلنا بذلك في المقصّر أيضا حين صدور الفعل منه فيما لو كان غافلا عن تقصيره.

نعم ، فيما لم يتحقّق الفعل بدون العلم ، فذلك مسلّم.

ولا يخفى جريان هذا الكلام فيما إذا كان الشكّ في صحّة العمل وفساده بعد وقوعه كما إذا شكّ في الشرطية والجزئية مثلا.

وأمّا إذا شكّ في واجب نفسي على وجه لا يؤتى بنفس العمل على تقدير البراءة فيه كالشكّ في وجوب قراءة الدعاء عند رؤية الهلال ، فلا يجري فيه الكلام المذكور ؛ لعدم تعقّل الصحّة والفساد في العمل الذي لم يقع في الخارج كما هو ظاهر لا سترة عليه.

وكيف كان ، فالمدار في ترتّب الآثار على الأفعال والأعمال الواقعة عن آحاد

__________________

(١) « س » : غير.

(٢) « م » : رأى.

٥٩٤

المكلّفين في مواردها ومواقعها وعدمه على وقوعها تامّة الأجزاء والشرائط على ما هي (١) عليها في نفس الأمر ، ولا مدخل للفحص في ذلك.

نعم ، قد يستثنى من ذلك في المعاملات إن كان الجهل وعدم الفحص مؤدّيا إلى عدم تعقّل وقوع تلك الأسباب الواقعية ، وفي العبادات ما لو أخلّ الجهل بقصد القربة وإتيان العمل بداعي الأمر وإيقاعه بعنوان الامتثال ؛ فإنّ مطابقة العمل للواقع لا يجدي في تحقّق عنوان الامتثال ، ولذلك قد حكمنا بصحّة عمل المحتاط لإحراز الواقع مع المطابقة لعنوان الامتثال أيضا ، فلو فرض تحقّق قصد القربة من العامل بالبراءة عند الشكّ مع المطابقة ، فلا مجال لإنكار صحّة العبادة بل لو استفتى من يرى عدم وجوب المشكوك من المجتهدين عن صحّة أعماله السابقة التي وقعت منه من دون اشتمالها على المشكوك اعتمادا منه في تركه على البراءة لا بدّ للمجتهد أن يفتيه بصحّة أعماله السابقة الغير المشتملة على المشكوك.

نعم ، لو كان ذلك المفتي ممّن لا يرى صحّة عبادة تارك الطريقين وإن طابقت الأعمال الواقع ، فهو يفتيه بفسادها ، وقد عرفت أنّ الكلام معه في مبنى هذه.

__________________

(١) « ج » : هو هي.

٥٩٥
٥٩٦

فهرس المطالب

تمهيد مقدّمة في تقسيم المكلّف الملتفت .............................................. ١

في القطع ................................................................... ٤

تنبيهات

الأوّل في التجرّي ............................................................ ١١

الثاني في القطع الحاصل من المقدّمات العقلية ..................................... ١٧

الثالث في قطع القطّاع ........................................................ ٢٧

تذييل ........................................................................ ٢٩

الرابع في العلم الإجمالي ....................................................... ٣١

تتمّة ......................................................................... ٣٧

في الظنّ وفيه مقامان :

المقام الأوّل في جواز التعبّد بالظنّ .............................................. ٦١

المقام الثاني في وقوع التعبّد به شرعا ............................................ ٦٩

في حجيّة الظواهر ........................................................... ٧٨

فوائد

الأولى في دفع توهّم عدم الثمرة في النزاع في حجيّة الظواهر القرآنية ................. ٩٣

الثانية في عدم وقوع التحريف في القرآن وعلى فرضه لا يمنع من التمسّك بظواهره .... ٩٤

الثالثة في دفع توهّم أنّ القول بحجّية الظواهر القرآنية يلازم القول بعدم حجّيتها ....... ٩٤

٥٩٧

الرابعة فيما إذا اختلفت القراءات على وجه يختلف باختلافها المعنى .................. ٩٥

في حجّية ظواهر الكتاب لغير المشافهين ......................................... ٩٦

القول في الإجماع المنقول....................................................... ١٠٧

تنبيهات

الأوّل في أنّه بناء على هذا المسلك لا فرق بين نقل الإجماع والشهرة .................. ١١٠

الثاني في التواتر المنقول بخبر الواحد .............................................. ١١١

الثالث في جريان أحكام الخبر على الإجماع المنقول بناء على حجّيته .................. ١١٣

الرابع في أنّ الظاهر من القدماء لم يصطلحوا في الإجماع اصطلاحا جديدا ............. ١١٣

القول في الشهرة .............................................................. ١١٥

القول في حجّية خبر الواحد .................................................... ١١٩

ذكر القائلين بعدم الحجّية ...................................................... ١٢١

حجّة المانعين ................................................................. ١٢٢

الأوّل الاستدلال بالأخبار والآيات الناهيتين عن العمل بالظنّ وجوابه ................ ١٢٢

الثاني الإجماع المحكي وجوابه ................................................... ١٢٢

الثالث أصناف من الروايات والجواب عنها ....................................... ١٢٣

قد يستدلّ على المنع بآية النبأ ................................................... ١٢٦

حجّة المجوّزين ................................................................ ١٢٦

الثالث من وجوه تقرير الإجماع طريقة العقلاء على العمل بخبر الواحد ................ ١٤٧

الرابع من وجوه تقرير الإجماع هو إطباق أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام على العمل بخبر الواحد ١٥٠

كلام الشيخ في الأدلّة المذكورة كتابا وسنّة وإجماعا ................................ ١٥١

الكلام في آية النبأ ............................................................ ١٥١

الكلام في الأخبار ............................................................. ١٥٢

٥٩٨

الكلام في الإجماع ............................................................ ١٥٣

الاستدلال بالعقل وفيه مقامان :

المقام الأوّل في بيان الأدلّة التي تدلّ على حجيّة أخبار الآحاد بالخصوص .............. ١٥٦

منها : العلم الإجمالي بصدور جملة كثيرة من الأخبار عن الأئمّة عليهم‌السلام وشدّة اهتمام الأصحاب بتنقيح الأخبار ١٥٦

المناقشة فيه .................................................................. ١٥٧

منها : ما استند إليها الفاضل التوني ............................................. ١٥٩

المناقشة فيه .................................................................. ١٦٠

منها : ما أفاده صاحب هداية المسترشدين ........................................ ١٦٢

المناقشة فيه .................................................................. ١٦٢

المقام الثاني في بيان الوجوه التي تعمّ الخبر من الأدلّة الأربعة وهي أربعة :

الأوّل وجوب دفع الضرر المظنون ............................................... ١٦٥

المناقشة فيه بوجوه :

الوجه الأوّل ما أورده الحاجبي والجواب عنه ...................................... ١٦٦

الوجه الثاني ما ذكره صاحب الفصول والجواب عنه ............................... ١٦٧

الوجه الثالث ما أفاده المحقّق في المعارج والجواب عنه ............................... ١٦٧

عدم ترتّب النتيجة المطلوبة من اعتبار كلّ ظنّ ومطلق المظنّة ........................ ١٧٤

الثاني من الوجوه العقلية على التعميم قبح ترجيح المرجوح .......................... ١٧٥

جواب صاحب هداية المسترشدين عنه والمناقشة فيه ............................... ١٧٦

التحقيق في الجواب ........................................................... ١٧٧

الثالث من الوجوه العقلية على التعميم ما ذكره صاحب الرياض والمناقشة فيه .......... ١٧٧

الرابع من الوجوه العقلية دليل الانسداد .......................................... ١٧٩

٥٩٩

مقدّمات دليل الانسداد ........................................................ ١٧٩

المقدّمة الأولى انسداد باب العلم بالمعنى الأعم في معظم الأحكام الشرعية مسند ........ ١٨٠

المقدّمة الثانية أنّه تعالى لم يتركنا سدى وليس حالنا حال البهائم ..................... ١٨٢

المقدّمة الثالثة أنّ المرجع بعد الانسداد في معظم الأحكام ليس البراءة والدليل عليها وجوه ١٨٢

الأوّل الإجماع القطعي ......................................................... ١٨٢

الثاني لزوم المخالفة القطعية ..................................................... ١٨٢

الثالث لا دليل على اعتبار الأصل فيما لو خالف العلم الإجمالي ...................... ١٨٦

المقدّمة الرابعة أنّ المرجع بعد الانسداد ليس الاحتياط ، والدليل عليها وجوه ........... ١٨٩

الأوّل الإجماع القطعي ......................................................... ١٨٩

الثاني لزوم العسر والحرج ...................................................... ١٨٩

الثالث عدم لزوم تحصيل الموافقة القطعية بل يكفي عدم لزوم المخالفة القطعية وهو يحصل بالعمل بسلسلة المظنونات ، فلا وجه للاحتياط ............................................................................ ١٩٤

الرابع قد لا يمكن الاحتياط كما إذا دار الأمر بين المتباينين سيّما في الموضوعات ........ ١٩٤

الخامس أنّ الاحتياط قد يؤدّي إلى ترك الاحتياط .................................. ١٩٥

بطلان المقدّمة الخامسة بأنّ المرجع بعد انسداد باب العلم ليس إلى الأصول الجزئية في الموارد الجزئية ٢٠٠

تنبيهات :

التنبيه الأوّل أنّ نتيجة دليل الانسداد اعتبار الظنّ في نفس الأحكام الشرعية وفي الطرق إليها ٢٠٥

ذكر ادلّة القائلين بأنّ النتيجة اعتبار الظنّ في الطرق إلى الأحكام فقط ................. ٢٠٦

ذكر كلام صاحب الفصول .................................................... ٢٠٦

٦٠٠