مطارح الأنظار

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-36-6
الصفحات: ٦١٥

شكّ في الوضوء ، لم يكن من الشكّ بعد الفراغ في شيء ؛ لبقاء محلّه فإنّه لو كان الشرط هو نفس تلك الأفعال ، فلا ينبغي الارتياب في مضيّ محلّه ، وإنّما يصحّ ذلك فيما لو قلنا بأنّ تلك الأفعال سبب للشرط ، وللحالة (١) المقارنة للمشروط لحصولها بها إلاّ أن يقال : إنّ سبق السبب يكفي في سبق المسبّب ، فبعد مضيّ زمان السبب وإن لم يمض زمان المسبّب إلاّ أنّه يعدّ في العرف من الشكّ بعد مضيّ زمانه كما لا يخفى.

وإذ قد عرفت الفرق بين الأجزاء والشرائط ، فيحتمل أن يقال : إنّ الجزء حيث كان ممّا يحتاج إلى عمل خارج عن سائر الأجزاء ، فلو شكّ فيه ، كان أصل البراءة محكّما بخلاف الشرط ؛ فإنّ الشرط ليس عملا حتّى يجري فيه البراءة إلاّ أنّ هذا الاحتمال في غاية السخافة ؛ فإنّ الشرط وإن لم يكن بنفسه عملا بل هو عبارة عن الحالة المقارنة إلاّ أنّ سببه عمل (٢) خارجي ، وأدلّة أصل البراءة ممّا لا تخصيص فيها ، فكلّ ما كان المكلّف لأجله في ضيق ، فتلك الأدلّة حاكمة بالسعة فيه ولو كان من أسباب الشروط ، ولا شكّ أنّ الأسباب التي تستند إليها الشروط إنّما هي أعمال خارجية كتحصيل الماء ونفس الأفعال والاستقبال ونحو ذلك ، فكما أنّ الأجزاء وجوبها مدفوع بالأصل ، فكذا الشرائط.

نعم ، للخبير أن يستشكل في مثل القيود المنضمّة إلى المطلقات كالإيمان في الرقبة والبياض فيها ، فإنّها لا تحتاج (٣) إلى زيادة عمل في الخارج بخلاف الشرائط ، فهل فيما

__________________

الالتفات ، فلا اعتبار بالشكّ في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدخول في الغاية ولا فرق بين الوضوء وغيره. انتهى.

وما أبعد ما بينه وبين ما ذكره بعض الأصحاب كصاحب المدارك [ في المدارك ٨ : ١٤١ ] وكاشف اللثام [ في كشف اللثام ٥ : ٤١١ ] من اعتبار الشكّ في الشرط حتّى بعد الفراغ عن المشروط ، فأوجب إعادة المشروط. انظر فرائد الأصول ٣ : ٣٣٩ و ٣١٣.

(١) « ج » : ـ وللحالة.

(٢) « س » : أنّ عمله سبب.

(٣) في النسخ : لا يحتاج.

٥٤١

دار الأمر بين المطلق والمقيّد هل يحكم بالبراءة عن المقيّد ويؤخذ بالمطلق ولو في فرد آخر غير المقيّد نظرا إلى عموم أدلّة البراءة ، أو لا بدّ من الأخذ بالمقيّد ؛ لعدم جواز الاستناد إلى البراءة إذ لا كلفة في المقيّد لاتّحاد وجودي القيد والمقيّد في الخارج ، فلا يحتاج إلى مشقّة زائدة على نفس تحصيل المطلق ؛ إذ بتحصيله يحصل المقيّد أيضا؟ وجهان ، والأقوى جريان البراءة أيضا.

والسرّ فيه أنّ أخبار البراءة بين مصرّح (١) بأنّ الناس في سعة ، ومشعر (٢) بذلك كما يظهر بالتأمّل في مساقها ، ولا شكّ أنّ الالتزام بالإتيان بالمقيّد ضيق على المكلّف وغير معلوم والناس في سعة ما لم يعلموا ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون محتاجا إلى مشقّة عملية أيضا كما عند الشكّ في الأجزاء والشرائط ، أو لم يكن ؛ فإنّ المناط رفع الضيق وإثبات السعة وهو في المقام أيضا موجود كما لا يخفى ، ومثل ذلك ما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير ؛ فإنّ في طرف التعيين والالتزام به ضيقا لا ينكره إلاّ العسوف وإن كان القول بوجوب المعيّن ممّا لا يتوقّف على مشقّة زائدة على أصل التكليف الثابت في مقام الفعل والعمل.

والحاصل : أنّ أخبار البراءة لها مراتب : فتارة : يتوهّم انحصار موردها بالواجبات النفسية دون الواجبات الغيرية كما زعمه بعض الأجلّة (٣) ، وقد عرفت (٤) فيما مرّ فساده ، ويزيدك توضيحا ملاحظة حال الواجبات الغيرية سواء كانت أجزاء ، أو غيرها من المقدّمات كالشرط والسبب وسبب الشرط ونحوها أن لو كان كلّ واحدة منها مطلوبة بطلب مغاير لطلب الآخر كأن يكون الأوامر متعدّدة كما لا يخفى ، وإطلاق الوجوب على الغيري غير عزيز في مطاوي كلماتهم كما في تقسيمهم النكاح إلى الواجب وغير ذلك.

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا.

(٣) الفصول : ٣٥٧.

(٤) عرفت في ص ٥٢٣.

٥٤٢

وأخرى : يعمّ الواجبات الغيرية أيضا مع تخصيصها بما فيه كلفة عملية ، فيشمل الأجزاء والشرائط دون القيود المعتبرة في المطلقات ، وقد عرفت أيضا عدم استقامة هذا التخصيص ؛ لعدم ما يوجبه مع وجود ما يقتضي العموم.

وثالثا : يعمّ جميع أقسام الضيق والكلفة من غير تخصيص بواحد (١) دون آخر كما هو المختار ، فكلّ ما ينافي السعة فهو مدفوع بالأصل ، فيشمل ما فيه الضيق ولو بحسب النفس كما لا يخفى ، فيمكن القول بأنّ مفاد البراءة هو الأوّل فيجري البراءة في الواجبات النفسية فقط كما يراه بعض الأجلّة (٢).

ويمكن القول بعمومها للغيرية فقط كما يظهر من المحقّق القمّي (٣) فإنّه قد قال بالبراءة عند الشكّ في الشرطية والجزئية (٤) ، وحكم بالاشتغال في مباحث المطلق والمقيّد (٥) ولا منافاة بين كلاميه وإن كان يرد عليه أنّ القول بجريان البراءة في المتباينين ليس بأولى من جريانها في المطلق والمقيّد كما لا يخفى.

ومن هنا يظهر اندفاع ما قد يتوهّم من التدافع بين ما ذهب إليه صاحب المدارك من القول بالبراءة عند الشكّ في الجزئية والشرطية (٦)(٧) ، والقول بلزوم الاحتياط فيما إذا شكّ في كفاية الفارسية في التكبيرة والتقديم والتأخير (٨) ؛ إذ لعلّه يرجع إلى الإطلاق والتقييد ، فيحكم بالاشتغال فيه ، فتدبّر.

__________________

(١) « ج » : بوجه.

(٢) هو صاحب الفصول وتقدّم عنه.

(٣) « س » : + رحمه‌الله.

(٤) القوانين ٢ : ٣٠.

(٥) القوانين ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٦) « س » : الشرطية والجزئية.

(٧) انظر المدارك ٣ : ٣٠٨.

(٨) قال في المدارك ٣ : ٣٢٠ : لمّا كان النطق بالعربية واجبا وقوفا مع المنقول كان التعلّم لمن لا يعرف واجبا من باب المقدّمة ، فإن تعذّر وضاق الوقت أحرم بلغته مراعيا المعنى العربي فيقول الفارسي : خدا بزرگتر است. وهذا مذهب علمائنا وأكثر العامّة ... ويفهم من قول المصنّف رحمه‌الله : فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ، عدم جوازها مع السعة ، وهو إنّما يتّجه مع إمكان التعلّم لا مطلقا.

٥٤٣

ونحن حيث فرغنا من إبطال التخصيصين ، فجريان البراءة فيما دار الأمر بين المطلق والمقيّد ممّا لا كلام فيه عندنا.

فإن قلت : قد مرّ فيما سبق أنّ وجود العلم الإجمالي مع فقد طريق يعيّن أحد الأطراف يوجب الاحتياط ، والأصل في المقام معارض بمثله ، فلا مجال للقول بالبراءة ؛ إذ المطلق بوصف الإطلاق يباين المقيّد ، فإنّه أحد أقسام الماهية المجرّدة كما هي مورد القسمة ، فكما أنّ الأصل براءة الذمّة عن المقيّد ، فالأصل براءة الذمّة عن المطلق ؛ إذ هو حينئذ في عرض المقيّد ، وليس لك أن تقول : إنّ وجوب المطلق في الجملة معلوم ، وإنّما الشكّ في وجوبه النفسي ، أو الغيري إذ المطلق ليس مقدّمة للمقيّد بل هما في محلّهما طبيعتان متباينتان كما يظهر من ملاحظة انقسام الماهية التي ليست إلاّ هي إليهما كما لا يخفى ، فالأصل معارض بمثله ، فيجب الاحتياط كما يظهر من المحقّق القمّي (١) على ما وجّه به كلامه بعض تلامذته في بعض تعليقاته على ما نقله الأستاد دام علاه.

قلت : قد عرفت فيما مرّ أنّ المناط في مسائل البراءة والاشتغال هو حكم العقل بلزوم دفع العقاب في جانب الاشتغال ، والأمن منه في طرف البراءة كيف ما اتّفق وفيما دار الأمر بين المطلق والمقيّد وإن كان رجوعه إلى المتباينين إلاّ أنّ العقاب في طرف المطلق معلوم ، ولا يجدي الاستفصال في أنّ الموجب للعقاب أيّ شيء بعد العلم بترتّبه في طرف ترك المطلق ، وبالجملة فالظاهر جريان البراءة بالنسبة إلى القيود أيضا.

وأمّا الموانع والقواطع لو شكّ فيهما ، فهل يدفعان بالأصل ، أو لا؟ الأقرب : نعم.

وتوضيح ذلك : أنّ المانع والقاطع مرجعهما إلى اشتراط عدم أمر وجودي ، فبالحقيقة الشكّ في المانعية والقاطعية راجع إلى الشكّ في الشرطية ، وقد عرفت جريان البراءة فيه.

__________________

(١) « س » : + رحمه‌الله.

٥٤٤

ويؤيّد ما ذكرنا تمسّك الصدوق (١) بعدم مانعية القنوت بالفارسية في الصلاة بأخبار البراءة مثل قوله : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (٢) و [ نحو ] ذلك.

وأمّا الفرق بينهما ، فهو أنّ المانع إنّما يمنع عن فعلية اقتضاء (٣) المقتضى مع وجود المقتضي ، والقاطع كأنّه يقطع المقتضي على ما يظهر من لفظهما لغة. وبعبارة أخرى : إنّ القاطع ما ينهدم به بنيان العمل ، وينتشر منه نظم المأمور به على وجه لا يرتبط بعض أجزائه بآخر ، والمانع ما يفسد منه نفس المأمور به ، أو جزؤه لاشتراطه بعدم وجود المانع ، فالقاطع كالحدث الواقع في الصلاة ، والمانع كالرياء في نفس العبادة ، أو في جزئها فإنّه مفسد للمأمور به ولو باعتبار فساد جزئه ، فلا يجزي إعادة الجزء المتراءى فيه ، والفرق هذا إنّما هو بحسب ما يساعد عليه اللفظان لغة.

ويمكن الفرق بينهما أيضا بأنّ القاطع إنّما يكون منسوخه وحدوثه في أثناء العمل بخلاف المانع ؛ فإنّه ربّما يمنع عن الدخول في نفس العبادة ، أو جزئها كما لا يخفى ، فالقاطع يؤثّر أثره وإن لم يقارن عملا في الأثناء ، والمانع الأثنائي يمكن القول بعدم تأثيره فيما لم يقارن عملا كنسبة الخلاف في أثناء الصلاة ؛ فإنّها لو كانت قاطعة ينهدم الصلاة عن أصلها ، ولو كانت مانعة ، فإن قارنت فعلا من أفاعيل الصلاة ، فيحتمل القول ببطلانها بخلاف ما لم يقارن فعلا منها كما لا يخفى ، فالمعتبر في العبادة إمّا وجود شيء ، أو عدمه ، والأوّل إمّا جزء ، أو شرط ، والثاني إمّا مانع ، أو قاطع وقد عرفت جريان البراءة على التقادير الأربعة ، لعموم أدلّتها بل وحكم العقل كما استكشفناه عن بناء العقلاء.

وقد يتمسّك للقول بعدم الاعتناء لاحتمال القاطعية ـ كما هو المختار ـ باستصحاب الصحّة ، وعلى تقدير استقامته ، فهو يجدي على القول بالاشتغال أيضا ، لورود

__________________

(١) « س » : + رحمه‌الله.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٦ / ٩٣٧. وتقدّم عنه أيضا في ص ٣٥٩.

(٣) كذا. لا يخفى ما في إسناد الاقتضاء إلى المعلول.

٥٤٥

الاستصحاب عليه إلاّ أنّ الكلام فيه وإن وقع الاستدلال به في كلام أساطين العلماء ، وذلك لأنّ المراد بهذا الاستصحاب إمّا استصحاب صحّة الكلّ ، أو صحّة الأجزاء السابقة ، أو الأجزاء اللاحقة ، وعلى التقادير فلا وجه له.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ الكلّ لم يقع كما هو المفروض ، فلا معنى لاستصحاب صحّة شيء غير واقع.

وأمّا على الثاني ، فلامتناع الشكّ في ارتفاع صحّتها فإنّ ما يقع على صفة ، يمتنع (١) ارتفاعها منه في وقت ما وقع ، وإلاّ فلم يكن ممّا وقع عليها ، فلا يعقل ارتفاع صحّة الأجزاء ؛ إذ لا معنى لها إلاّ إسقاط القضاء بها ، أو (٢) موافقتها للأمر ، أو ممّا يترتّب عليها أثرها المطلوب منها بعد انضمام سائر الأجزاء المعتبرة على جميع التقادير ، فهي كذلك قطعا (٣) من غير ارتياب إلاّ على القول بالاحتياط كأن يقال : إنّ الشرك محبط للأعمال ، فلو شكّ في أنّ العجب أيضا محبط أو لا ، فيستصحب كونها على حالتها الأوّلية (٤) كما لا يخفى.

وتوضيح ذلك : أنّ صحّة الأجزاء السابقة صحّة مشروطة تأهّلية (٥) ، فهي بحيث ما لو انضمّت إليها الأجزاء الأخر على ما هي عليها ، تقع صحيحة مؤثّرة غير فاسدة بأيّ معنى من المعاني للصحّة ـ عبادة ومعاملة ـ على اختلاف الاصطلاحين ، فإنّ التحقيق عندنا رجوع الكلّ فيها إلى معنى واحد ، وصدق الشرطية موقوف على صدق التعليق (٦) وإن كان التالي (٧) كاذبا ، فصحّة الأجزاء السابقة لا ينافيها (٨) القطع بفساد الأجزاء اللاحقة ، فكيف بالشكّ في القطع ، فالصحّة في تلك (٩) الأجزاء على ما

__________________

(١) « ج ، م » : يمنع.

(٢) « م » : و.

(٣) « س » : ـ قطعا.

(٤) « س » : الأولوية!

(٥) « ج ، س » : بأهلية!

(٦) « س » : التعلّق!

(٧) « م » : الثاني.

(٨) « ج ، س » : لا تنافيها.

(٩) « س » : ـ تلك.

٥٤٦

هي المتنازع فيها مقطوعة معلومة ، فلا وجه للاستصحاب.

وأمّا على الثالث ، فلعين ما مرّ في الأوّل ؛ فإنّ (١) الأجزاء اللاحقة على ما هو المفروض لم تقع ، فلا معنى لاستصحابها.

فإن قلت : المراد صحّة الأجزاء السابقة والشكّ في بقاء صحّتها على أيّ معنى من المعاني معقول ؛ إذ لعلّ الشرط فيها على أيّ وجه عدم حدوث القاطع ، فالشكّ فيه يستلزم الشكّ في الصحّة ، فيستصحب.

قلت : فلا يقين بالصحّة في السابق ، فلا يعقل الاستصحاب ؛ إذ مع احتمال عروض القاطع لا قطع بالصحّة في الأوّل ، ولو فرض القطع بذلك ، ثمّ طرأ له الشكّ في الأثناء فيسري شكّه إلى زمن قطعه وهو كالشكّ ابتداء ، فلا يجري فيها الاستصحاب.

وتحقيق هذا أنّ القاطع لا يخلو عن أحد وجوه : فتارة يكون عدمه ـ مع قطع النظر عن الأجزاء السابقة واللاحقة ـ شرطا في الصلاة ، فهو بنفسه من شرائط الصحّة ، وأخرى يكون عدمه معتبرا في صحّة الأجزاء السابقة ، ومرّة في صحّة الأجزاء اللاحقة.

فعلى الأوّل ، فلا شكّ في صحّة الأجزاء السابقة كما عرفت ؛ إذ لا تناط صحّتها بشيء كما هو المفروض.

وعلى الثاني ، فالشكّ في عروض القاطع لا يجامع العلم بوقوع الأجزاء السابقة صحيحة.

وعلى الثالث ، فعدم جريان استصحاب الصحّة أظهر ؛ لعدم الارتباط كما عرفت.

فإن قلت : لا شكّ أنّ بعض هذه الأجزاء مرتبط بالآخر بحيث يعدّ هذا الارتباط والالتيام أيضا من أجزاء الصلاة ، وقبل الشكّ في (٢) قاطعية شيء كان الارتباط بحاله ، وبعد الشكّ وحصول ما يحتمل القاطعية يشكّ في بقائه على حالته الأوّلية ، فالأصل

__________________

(١) « س » : فلأنّ.

(٢) « م » : ـ في.

٥٤٧

بقاؤه.

وبعبارة ثانية : كان للمكلّف إلحاق بعض الأجزاء ببعض آخر ، وأن ينضمّ بعضها إلى بعض حتّى يحصل المأمور به ، وبعد حصول المشكوك فيه كالعجب ـ مثلا ـ يشكّ في بقائه ، والاستصحاب يقضي بوجوده ، و (١) لا ضير فيه.

قلت : فلا قطع بالصحّة في السابق ، وتفصيل الكلام في المقام ممّا ستعرفه في بحث الاستصحاب إن شاء الله.

ثمّ إنّ بعض من يدّعي الفضل في هذا الفنّ ، ويزعم أنّه ممّن صبغ يده في هذه الصناعة قد أورد على المحقّق القمّي (٢) بما لا محصّل له أبدا ، فزعم أنّ بين القول بالبراءة وصحّة الصلاة والعبادة عند الشكّ في الجزئية ونحوها ـ كما يظهر منه (٣) في المقام ـ والقول بأنّ الأصل في العبادات هو الفساد ـ كما يظهر في مبحث النهي عن العبادات ـ تناقضا.

وأنت خبير بأنّه بمكان من الضعف والوهن حيث (٤) إنّ القول بالبراءة ـ بعد العلم بمشروعيّة أصل العبادة والشكّ في اعتبار شيء فيها جزءا ، أو شرطا (٥) ـ لا ينافي القول بالفساد نظرا (٦) إلى قاعدة التوقّف قبل دلالة دليل على مشروعية العبادة ، وإنّما الشبهة نشأت من الحكم بالصحّة على تقدير البراءة والقول بعدم الفساد كما يظهر من عنوانه البحث بأصالة الصحّة.

وفيه من عدم الاستقامة أيضا ما لا يخفى.

__________________

(١) « م » : ـ و.

(٢) « س » : + رحمه‌الله.

(٣) « س » : ـ منه.

(٤) « س » : وحيث.

(٥) « س » : شرطا وجزء.

(٦) « س » : ونظرا.

٥٤٨

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل (١) :

إذا علمنا باعتبار أمر في شيء مركّب وشككنا في أنّه هل هو من الأجزاء الركنية ، أو لا ، فهل الأصل الركنية ، أو لا؟

واعلم أوّلا (٢) : أنّ الركنية ليست عنوانا في الأدلّة الشرعية ، وإنّما عبّروا عن الأجزاء التي تنهدم الماهية عند انهدامها عمدا وسهوا بالركن ، ولذا اختلف في تحديده ، فزاد بعضهم (٣) الزيادة في الحالتين أيضا إلاّ أنّ الأوّل أقوى حيث إنّ النيّة ـ على القول

__________________

(١) سيأتي الثاني منها في ص ٥٥٩.

(٢) في هامش « م » : دفع لما توهّمه صاحب الحدائق [ ٨ : ٦١ ] من أنّ الركن ليس في عنوان الأدلّة مع أنّ الأصحاب قد رتّبوا عليه أحكاما كثيرة.

(٣) قال السيّد محمّد باقر الطباطبائي اليزدي في وسيلة الوسائل فى شرح الرسائل : ٢٤٧ : فمن الأوّل المحقّق في المعتبر [ ٢ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ] والشرائع [ ١ : ٦٢ و ٦٣ و ٦٧ و ٦٨ ط الشيرازي ] والعلاّمة في المنتهى والإرشاد والشهيد في الذكرى [١٧٨] والفاضل المقداد في التنقيح والسيّد في المدارك [ ٣ : ٣٠٨ و ٣٢٦ و ٤٠٠ و ٤٠١ ] بل عن جامع المقاصد والروض نسبته إلى أصحابنا ، ومن الثاني ابن فهد في المهذّب البارع [ ١ : ٣٥٦ ] والمحقّق الثاني في جامع المقاصد [ ٢ : ١٩٩ ] والشهيد الثاني في الروض [ ٢ : ٦٦٥ ، وفي ط الحجري : ٢٤٩ وسيأتي نصّ كلامه ] ونسبه في الروضة [ ٦ : ٤٦٨ ] إلى المشهور حيث قال : ولم يذكر المصنّف رحمه‌الله حكم زيادة الركن مع كون المشهور أنّ زيادته على حدّ نقيصته تنبيها على فساد الكلّية في طرف الزيادة لتخلّفه في مواضع كثيرة لا تبطل بزيادته سهوا ونسبه شيخ الجواهر إلى الشهرة في لسان جماعة من المتأخّرين بل نسبه في المهذّب البارع إلى الفقهاء. انتهى كلام اليزدي في الوسيلة.

أقول : نصّ كلام الشهيد في روض الجنان فى شرح ارشاد الأذهان ٢ : ٦٦٥ وفي ط الحجري : ٢٤٩ هكذا : الركن في في الصلاة عند أصحابنا ما ( تبطل الصلاة لو أخلّ به ) سواء كان الإخلال ( عمدا أو سهوا ) وكذا بزيادته إلاّ ما يستثنى.

قال في الجواهر ٩ : ٢٤١ : إنّ الزيادة غير معتبرة في مفهوم الركن في كلام كثير منهم وإن

٥٤٩

بركنيّتها ـ زيادتها غير مضرّة سهوا بل وعمدا كما لا يخفى ، فالركن عبارة عن جزء تبطل الماهية عند انهدامه (١) عمدا ، أو سهوا ، وبعد ملاحظة ما زاد البعض من قيد الزيادة تحصل (٢) في المقام صور :

منها : ما لو ترك المكلّف الجزء عمدا.

ومنها : ما لو ترك سهوا.

ومنها : ما لو زاد عمدا.

ومنها : ما لو زاد سهوا.

وحيث إنّ الصورة الأولى حكمها معلوم بعد كون الأمر المذكور جزءا ، أو لا أقلّ من انعدام الماهية عند انعدام الجزء عمدا ، وإلاّ لما كان جزءا كما هو ظاهر ، فلنذكر الصور (٣) الثلاثة الأخيرة ليتّضح الحال ، فنقول :

الصورة الأولى فيما إذا ترك الجزء سهوا ، فهل يحكم بالفساد ، أو لا؟ فنقول : مقتضى الأصل الفساد ؛ لعدم صدق امتثال الواقع على الإتيان بالماهية الناقصة ، فإنّ الأمر متعلّق على الصلاة الواقعية ، والمفروض اعتبار السورة مثلا فيها ، فالإتيان بالصلاة الخالية عن السورة ليس امتثالا بما هو لازم الامتثال في الواقع ، فالأمر الدالّ

__________________

اشتهر على لسان جماعة من المتأخّرين.

وقال في الحدائق ٨ : ٣١ في بحث التكبير : وهذا الحكم مبنيّ على أنّ زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه ، وهو على إطلاقه مشكل ، وأخبار هذه المسألة قد دلّت على البطلان بترك التكبير عمدا ، أو سهوا ، وأمّا بطلانها بزيادته ، فلم نقف له على نصّ ، وكون الركن تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا مطلقا وإن اشتهر ظاهرا بينهم إلاّ أنّه على إطلاقه مشكل ؛ لتخلّف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلّية كما يأتي بيانه كلّه في محلّه ، ومن ثمّ قال في المدارك في هذا المقام : ويمكن المناقشة في هذا الحكم أعني البطلان بزيادة التكبير إن لم يكن إجماعيا فإنّ أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا وهو لا يستلزم البطلان بزيادته. انتهى.

(١) « ج ، م » : انعدامه.

(٢) « س ، م » : يحصل.

(٣) « م » : الصورة!

٥٥٠

على وجوب الصلاة بإطلاقه موجود ، فلا بدّ من امتثاله.

فإن قلت : إنّ غاية ما يستفاد ممّا دلّ على اعتبار السورة مثلا في الصلاة هو اعتبارها حال الذكر والعلم ، وأمّا عند النسيان والسهو فلا دليل على اعتبارها فيها ، فلا نسلّم أنّ الامتثال الواقعي في الصلاة يتوقّف على الإتيان بالصلاة مع السورة ؛ لرجوع الكلام في المقام إلى جزئية السورة في حقّ الناسي (١) وهو بعينه الكلام فيما إذا شكّ في جزئية شيء ، وقد عرفت أنّ التحقيق هو القول بالبراءة ، هذا إذا قلنا باختلاف أحكام الناسي والذاكر قطعا ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، ومعه يتمّ المطلوب أيضا ؛ إذ الشكّ في الجزئية مع هذا أيضا باق ، والأصل البراءة لا يختلف في ذلك اختلاف أسباب الشكّ كما لا يخفى.

قلت : ما ذكر يتوقّف على أن يكون الناسي والذاكر موضوعين مستقلّين كأن يكون أحدهما في عرض الآخر كالحاضر والمسافر ، وليس كذلك ؛ فإنّ المستفاد من أدلّة النسيان غايته معذورية الناسي كما في صورة الجهل ، فإطلاق الأمر الدالّ على وجوب الجزء حال النسيان أيضا بحاله ، فيجب الإعادة بعد الذكر.

والسرّ فيه : أنّ النسيان وإن خالف الجهل في بعض الوجوه إلاّ أنّ الذكر هو عين العلم ، وقد مرّ أنّ العلم لا يكون مناطا (٢) لاختلاف الأحكام كما في بعض الصفات.

وربّما يقال : إنّ المسألة تبتني (٣) على أنّ الأمر العقلي الظاهري هل يفيد الإجزاء (٤) ، أو لا؟ فعلى الأوّل يقال بعدم الركنية ؛ لأنّ الأمر بالإتيان في حال النسيان مجز ، فلا يجب الإعادة ، وعلى القول بعدم الإجزاء فالأصل الركنية ، وحيث إنّ القائل ممّن يرى الإجزاء في الأمر الظاهري العقلي (٥) ، فجزم بالأوّل.

__________________

(١) « س » : العامي.

(٢) « س ، م » : مناط!

(٣) « س ، م » : يبتني ، « ج » : تبنى.

(٤) « ج ، س » : الإحراز.

(٥) « س » : الفعلي!

٥٥١

وفيه أوّلا : فساد البناء حيث إنّ في مثل النسيان لا يكون أمرا ظاهريا من العقل بل (١) وهو تخيّل الأمر كما في صورة الجهل المركّب فإنّ المكلّف بعد الاعتقاد بوجوب (٢) شرب الخمر ليس مكلّفا بشربه لا واقعا ولا ظاهرا.

أمّا الأوّل ، فظاهر.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الأمر الظاهري العقلي على تقدير إمكانه فهو إنّما فيما لو كان حكم العقل في عنوان اعتبره العقل لأن يحكم عليه من حيث هذا العنوان كما في حكم العقل بحجّية الظنّ بعد الانسداد ، و (٣) حكم العقل بالإباحة قبل الشرع على القول بظاهرية حكم العقل ، فإنّ الحكم بالحجّية إنّما هو باعتبار الانسداد ، فما لم يلاحظ العقل عنوان الانسداد لا يحكم بالحجّية ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ فإنّ الجاهل مع اعتقاد علمه يعمل لا من حيث إنّه جاهل ومعتقد بل علمه يستند إلى اعتقاده.

وتوضيح ذلك : أنّ عنوان الناسي والجاهل المركّب لو كان مناط حكم العقل ، لوجب أن يكون عمل الناسي والجاهل المركّب من حيث نسيانه وجهله بالواقع ، مع ما ترى من فساده ؛ حيث إنّ الناسي يفترق غيره في عقد سلبي وهو عدم وجوب الجزء المنسيّ عليه حين نسيانه بمعنى عدم عقابه بواسطة النسيان ولا يلتفت إلى نسيانه ، كيف وهو تارك للفعل نسيانا ، وكذا الجاهل المركّب فإنّ أعماله إنّما تستند (٤) إلى علمه باعتقاده لا إلى أنّه جاهل مركّب وحكم الجاهل كذا كما في الحكم بالظنّ ، فإنّ حكم العقل بحجّية الظنّ بعد الانسداد إنّما هو من حيث الانسداد. وبالجملة ، فعند نسيان الجزء لا يكون للمكلّف أمر ظاهري من العقل.

وثانيا : فساد المبنى إذ لو كان في النسيان وما يشبهه أمر ظاهري عقلي ، فنحن قد بيّنّا في محلّه عدم إفادته (٥) الإجزاء.

__________________

(١) « س » : ـ بل.

(٢) « س » : لوجوب.

(٣) « م » : ـ و، وفي « س » : أو.

(٤) في النسخ : يستند.

(٥) « م » : إفادة.

٥٥٢

وهذا تمام الكلام في مقتضى الأصل الأوّلي ، وهل في المقام أصل ثانوي يفيد صحّة العبادة عند النقيصة السهوية ، أو لا؟ الأقرب : نعم ؛ لاستصحاب الصحّة على ما استند إليه جملة من الأصحاب إلاّ أنّك قد عرفت (١) عدم اتّجاهه سابقا ، وسيجيء (٢) تفصيله بما لا مزيد عليه في مقامه لا حقا إن شاء الله ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رفع عن أمّتي تسعة » (٣) وعدّ منها النسيان.

والتقريب في ذلك يحتاج إلى تمهيد ، فنقول : لا شكّ في وجود نفس النسيان وذاته في الأمّة ، فرفع النسيان لا بدّ وأن يحمل على رفع أحكامه فإنّ رفع الذات عن مجموع الأمّة ـ كما يراه مخالفونا (٤) عند الاحتجاج بمثله للإجماع على أن يكون المجموع معصوما واحدا ـ خلاف الظاهر كما يظهر من رفع الاستكراه وما لا يطيقون ، كما هو كذلك فيما لو حمل على نفي الذات باعتبار اشتمال الأمّة في كلّ زمان على معصوم كما هو الحقّ عندنا معاشر الإمامية ، وحمل الإكراه حينئذ على معنى آخر بعيد عن مساق الرواية.

مضافا إلى أنّ الامتنان (٥) حينئذ غير معقول لوجود المعصوم في جميع الأمم في كلّ الأعصار كما هو المحقّق عند أهل التحقيق ، فيجب الحمل على رفع الأحكام ، وحينئذ فإمّا أن يراد به تمام الأحكام والآثار المترتّبة على ذات الفعل مع قطع النظر عن الخطأ ، أو بعضها ، لا سبيل إلى الثاني ؛ لعدم مخصّص له ، ودعوى ظهور المؤاخذة ممنوعة ولا سيّما بحيث يمنع عن إرادة الباقي ، فتعيّن الأوّل إمّا لأنّ الظاهر عند عدم ظهور واحد من الأحكام هو الجميع كما يساعده العرف ، أو لأنّ رفع جميع الأحكام أقرب إلى نفي الماهية ، وحيث تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات متعيّن (٦) ، أو لأنّ التخصيص بواحد (٧)

__________________

(١) عرفت في ص ٥٤٥ ـ ٥٤٦.

(٢) لعلّ مراده في الصورة الثالثة في الزيادة سهوا ولم يكمل البحث.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، ح ١ وتقدّم في ص ٣٥٥.

(٤) في النسخ : مخالفينا.

(٥) « س ، م » : الامتثال.

(٦) « س » : معيّن.

(٧) « ج » : بوجه!

٥٥٣

دون آخر تحكّم ، والحمل على بعض غير معيّن يلغي الكلام مع ظهوره في مقام البيان كما يوافقه الاعتبار.

مضافا إلى رواية صحيحة واردة في المقام تدلّ على أنّ المراد رفع جميع الأحكام وضعية كانت أو غيرها حيث إنّ الراوي سأل عن الحلف بالطلاق والعتاق مكرها ، فأجابه عليه‌السلام بعدم الوقوع مستندا في ذلك إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « رفع عن أمّتي ستّة » والرواية مذكورة في طلاق المكره من كتاب الوسائل (١).

ثمّ إنّ المراد بالأحكام المرفوعة الأحكام (٢) المترتّبة على ذات الفعل مع قطع النظر عن الخطأ والذكر ، فالمعنى أنّ ما يترتّب على فعل ، أو ترك ـ من مؤاخذة ، أو ضمان ، أو عقاب ـ فهو مرفوع عن هذه الأمّة المرحومة عند النسيان والخطأ و (٣) الإكراه ونحو ذلك.

ومعنى الرفع عدم الجعل ، وحيث إنّ ظاهر الأوامر والأدلّة استواء الناسي والذاكر في الأحكام ، فالدفع في المقام بمنزلة الرفع ، أو لأنّ المانع من الجعل ليس إلاّ الامتنان (٤) ، وإلاّ فالمصلحة الداعية للجعل موجودة ، فعلى ما عرفت من معنى الرفع والمراد بالأحكام المرفوعة لا يرد ما قد يتوهّم من أنّ المقام لا رفع فيه ، ومن أنّ الأحكام المترتّبة على الخطأ كثيرة.

أمّا الأوّل ، فظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ ، باب ١٢ جواز الحلف باليمين الكاذبة للتقيّة كدفع الظالم عن نفسه أو ماله أو نفس المؤمن أو ماله ، ح ١٢ بإسناده ، عن صفوان بن يحيى والبزنطي جميعا ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال : « لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن أمّتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطئوا ». وأورده أيضا في الوسائل ٢٣ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ في باب ١٦ باب أنّ اليمين لا تنعقد في غضب ولا جبر ولا إكراه ، ح ٦.

(٢) « م » : والأحكام!

(٣) « س ، م » : ـ و!

(٤) « س » : الامتثال!

٥٥٤

وأمّا الثاني ، فلأنّ أحكام الخطأ ممّا يترتّب على نفس الخطأ ، ولا دخل لها للفعل ، فكما أنّ عند عدم العلم أحكام المعلوم مرفوع لا أحكام الشكّ لكون عدم العلم موضوعا لها ، فكذا حال الخطأ والنسيان أحكام الفعل المخطئ (١) فيه والمنسيّ مرفوع ، وأمّا الأحكام التي موضوعها الخطأ والنسيان ، فلا يرتبط بالمقام كما لا يخفى.

فإن قلت : إنّ المقصود في المقام هو القول بعدم وجوب الإعادة على الناسي عند التذكّر كما عرفت سابقا ، وإلاّ فالعقاب عنه مرفوع قطعا ، ولزوم الإعادة إنّما يترتّب على بقاء الأمر الأوّل ، فإنّها من آثاره ولوازمه فإنّها تنبعث (٢) من عدم انطباق المأتيّ به لما قد أمر به على وجهه ، ولا شكّ أنّ هذه صفة ينتزعها العقل ، ويعبّر عنها بفساد المأمور به ، فهذه الصفة ليست من الأمور المجعولة للشارع حتّى يقال بدلالة الحديث على رفعها ، فإنّ ما للشارع أن يضعه ، له أن يرفعه ، فلو حكم الشارع برفعه ، لزم التناقض بين الحكمين ، ولذلك (٣) ترى الشهيد الثاني (٤) يعترض على المستدلّ بالرواية في مثل المقام بأنّ الإعادة إنّما هو من آثار بقاء الأمر ، فلا يصحّ الاستدلال.

قلت : نعم ، ولكنّ المرفوع في المقام هو جعل الجزء المشكوك جزءا ، فلا يجب الإعادة ؛ إذ لو لم يكن المشكوك جزءا حال السهو لم يكن الإعادة واجبة ، وذلك ظاهر.

ثمّ إنّ في المقام شيئا يجب التنبيه عليه وهو [ أنّ ] التمسّك في رفع الأمور الوضعية ونحوها بالرواية إنّما يستقيم فيما لو كانت تلك الأحكام من الحقوق المتعلّقة بالله جلّ جلاله ؛ حيث إنّ الاستظهار المذكور من الرواية لا يتمّ إلاّ بعد اعتبار ورودها في مقام

__________________

(١) « ج » : ـ المخطئ.

(٢) ظاهر النسخ : ينعبث [ كذا ].

(٣) « س » : لذا.

(٤) انظر روض الجنان ٢ : ٥٤٨ وفي ط الحجري : ٢٠٥ وقارن بما ذهب إليه في تمهيد القواعد : ٧٣ ـ ٧٤.

٥٥٥

الامتنان على ما نبّهنا عليه وهو ـ كما لا يخفى ـ إنّما يصحّ فيما لم يكن من حقوق الآدميين ممّا يتعلّق بأموالهم وأنفسهم وإن كان الجاعل لتلك الحقوق هو الله سبحانه ؛ لاستلزامه رفع التفضّل بالنسبة إليهم (١) في خصوص الصلاة « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الوقت والقبلة والطهور والركوع والسجود » (٢) وجه الدلالة أنّ الرواية تدلّ على عدم وجوب الإعادة فيما سوى الخمسة المذكورة ، وحيث إنّ المستثنى في الرواية بعضها من الأجزاء كالركوع والسجود ، والآخر من الشرائط كالقبلة والطهور ، فيكشف عن عموم المستثنى منه ، فيتمّ التقريب في عدم وجوب الإعادة في كلتا السلسلتين.

لا يقال : إنّ نفي الإعادة ـ كما هو المستفاد من الخبر ـ ليس على ما ينبغي ، للزوم الإعادة في الأجزاء والشرائط بأسرها (٣) فيما لو أخلّ بأحدها عمدا ، فلا بدّ من تخصيصه بحالة السهو ، فيكون تخصيصا للأكثر.

لأنّا نقول : ليس ذلك من التخصيص في شيء بل هو تقييد لإطلاق الخبر ، ولا ضير فيه أبدا.

فإن قلت : وعلى تقدير التقييد بحالة السهو من عدم لزوم الإعادة ، فلا يتمّ أيضا ؛ للزوم الإعادة في النيّة والتكبيرة والقيام الركني المتّصل بالركوع.

قلت : أمّا الأوّلان ، فلا يصدق الصلاة بدونهما ، فإنّهما الفاتحة ، والمقصود لزوم إعادة الصلاة ، وأمّا الأخير ، فيلازم الركوع كما لا يخفى ، ثمّ المراد من نفي لزوم الإعادة من سوى الخمسة إنّما هو بالنسبة إلى الأشياء التي من شأنها إعادة الصلاة لأجلها ، وأمّا

__________________

(١) هنا في نسختي « س ، م » : قدر كلمتين بياض.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ ، باب ٣ من أبواب الوضوء ، ح ٨ و ٤ : ٣١٢ ، باب ٩ من أبواب القبلة ، ح ١ و ٥ : ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، باب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ١٤ و ٦ : ٩١ ، باب ٢٩ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ و ٦ : ٣١٣ ، باب ١٠ من أبواب الركوع ، ح ٥ و ٦ : ٣٨٩ ، باب ٢٨ من أبواب السجود ، ح ١ و ٦ : ٤٠١ ، باب ٧ من أبواب التشهّد ، ح ١ و ٧ : ٢٣٤ ، باب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

(٣) « س ، م » : وبأسرها.

٥٥٦

الأشياء التي لا دخل لها في الصلاة بحسب الاحتمال عند العلماء والفقهاء ممّا دلّ على اعتباره دليل مشكوك الدلالة أو الاعتبار ، فلا يرتبط بالمقام كما لا يخفى.

[ الصورة ] الثانية (١) : في الزيادة عمدا ، والكلام فيه تارة يقع في حكمها ، وأخرى في مفهومها.

أمّا الأوّل ، فظاهر بعد ما أصّلنا من التمسّك بأصالة البراءة عند الشكّ في الموانع لرجوع الشكّ عند الزيادة إلى المانعية.

وأمّا الثاني ، فيتصوّر (٢) على أقسام :

الأوّل : أن يزيد على الماهية المركّبة بما هو يباين أجزاءها جنسا ، وهذا يحتمل أن يكون مفسدا لخروج الماهية بالزيادة عمّا كانت عليها كالنقيصة ، ويحتمل أن لا يكون مفسدا لأنّ المفروض فيما إذا لم يكن تلك الزيادة موجبة لنقصان جزء من أجزاء المركّب ، وعلى هذا فلا دليل على فساد المركّب ، وقصد الجزئية لا يجعل الشيء جزءا حقيقة وإن حرم الاستناد بالأوّل.

الثاني : أن يزيد عليها بما لا يباين الأجزاء الماهية ، وحينئذ فلا بدّ من ملاحظة الدليل ، فتارة يدلّ على اعتبار ماهية الجزء من غير تقييده (٣) بفرد ، أو فردين كما في الذكر ، وأخرى يدلّ على اعتباره مقيّدا بعدد كسورة واحدة أو سجدتين ونحوهما.

فعلى الأوّل ، فلا ريب في صحّة المركّب ؛ لأنّ الزيادة امتثال للأمر بالماهية لعدم تفاوت الماهية بالزيادة والنقصان ويعدّ في العرف الزيادة هذه من الامتثال أيضا ، وليس هذا من الامتثال عقيب الامتثال المختلف فيه عندهم كما لا يخفى.

وعلى الثاني ، فإمّا أن يكون التقييد بالعدد الخاصّ على وجه ينافي الزيادة كما في

__________________

(١) هذا هو الصواب. وفي « س » : الثاني ، وموضع كلمة « الثاني » في نسخة « م » بياض ولم ترد في نسخة « ج ». وتقدّمت الصورة الأولى في ص ٥٥٠.

(٢) « س ، م » : فتصوّر.

(٣) « س » : تقييد.

٥٥٧

الوحدة المعتبرة في مدلول الألفاظ على ما يراه بعضهم ، أو لا يكون على هذا الوجه.

فعلى الأوّل ، فلا شكّ في فساد المركّب ؛ لانحلال المطلوب إلى شيئين : اعتبار الجزء ، واعتبار عدم غيره.

وعلى الثاني ، فقد يشكل كما إذا قيل : اقرأ سورة منوّنة بتنوين التنكير الدالّة على الوحدة ، فقرأ سورتين مع عدم قصد الزيادة كأن يقصد البدلية مع احتمال اللحن في الأوّل من حيث إنّ ظاهر التنوين ـ مثلا ـ اعتبار الوحدة ، ومن حيث الأصل ، فيشكّ في المانعية وقد قرّر جريان البراءة فيها ، وأمّا إذا قصد الجزئية ، فمرجع المسألة إلى التشريع ، والخلاف فيه في محلّه.

[ الصورة ] الثالثة (١) : في الزيادة سهوا ، واعلم أنّ المقام عكس المقام السابق حيث إنّ الحكم فيه مشكل دون التصوير (٢) ؛ إذ الزيادة السهوية معلومة جدّا ، وأمّا الحكم ، فإن قلنا بعدم بطلان الزيادة العمدية كما عرفت ، فالحكم في الزيادة (٣) السهوية بطريق أولى ، فإنّ ما لا يفسد عمده لا يفسد سهوه (٤) قطعا ، وإن قلنا بالاشتغال في المقام الأوّل ، فيمكن القول بالصحّة أيضا في المقام لشموله لخبر الرفع وعدم العود إلاّ من خمسة كما عرفت إلاّ أنّ في المقام روايتين تدلاّن بظاهرهما على الفساد ، فلا بدّ من ذكرهما وتنقيحهما :

إحداهما : ما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أحدهما عليهم‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإنّ السجود زيادة في المكتوبة » (٥) فإنّ ظاهر التعليل إفساد (٦) الزيادة مطلقا ولو كان من غير قصد الجزئية للصلاة كما في سجدة العزائم بل ولو كان الزيادة عن سهو

__________________

(١) هذا هو الصواب ، وفي « س » : الثالث ، وموضع كلمة « الثالث » في نسخة « م » بياض ولم ترد في نسخة « ج ».

(٢) « ج » : التصوّر.

(٣) « س » : فالحكم لزيادة.

(٤) « ج » : عمدا ... سهوا.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٦ / ٣٦١ ؛ الوسائل ٦ : ١٠٥ ، باب ٤٠ من أبواب القراءة ، ح ١.

(٦) « س » : فساد.

٥٥٨

كما هو ظاهر الإطلاق.

وثانيتهما (١) : ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام : « من زاد في صلواته شيئا ، فعليه الإعادة » (٢) فالخبران يعارضان ما ذكر من خبر الرفع وعدم الإعادة (٣).

الأمر الثاني (٤) :

إذا ثبت اعتبار شيء في ماهية ـ شرطا أو شطرا ـ في الجملة كأن علمنا بذلك في حالة الاختيار ، فهل يحكم بذلك مطلقا حتّى عند الاضطرار إلى ترك ذلك الشيء ، فيجب الإتيان بالباقي ، أو لا يجب لانتفاء الكلّ ، أو المشروط عند انتفاء الجزء والشرط ، وتحقيقه في مقامين :

أمّا الأوّل ، فهل الأصل الأوّلي بمعنى أحد الأصول العملية براءة واشتغالا واستصحابا وتخييرا يقضي بالأوّل ، أو بالثاني؟ فنقول : الحقّ أن ليس في المقام أصل كلّي يرجع إليه عند الشكّ ، بل المقامات في ذلك متفاوتة ، فربّ مقام يؤخذ فيه بالبراءة قطعا ، وفي آخر بالاشتغال ، أو البراءة على الاختلاف ، والأمر الكلّي في المقام هو القول بوجوب ملاحظة حال الكلّ بعد ترك الجزء والمشروط بعد انتفاء الشرط وإعمال الأصول فيه (٥) ، ففي ما لو اضطرّ إلى ترك ما هو معتبر في الواجب النفسي كالوضوء للصلاة ، أو القراءة فيها ، أو غير ذلك ، فالأصل البراءة ؛ لأنّ مرجع الشكّ إلى وجوب الصلاة مثلا بدون هذه الأشياء و (٦) هو شكّ في التكليف قطعا ، والأصل البراءة ، وفيما لو

__________________

(١) « س ، ج » : ثانيهما.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ ، باب ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة ، ح ٢ وفيه : « صلاته » بدل : « صلواته ».

(٣) هنا في نسخة « س » قدر سطرين وفي نسخة « م » قدر نصف سطر بياض وكتب في هامش « م » بالفارسية : در اينجا يك صفحه باز گذاشته شده بود.

(٤) مرّ الأمر الأوّل في ص ٥٤٩.

(٥) « ج » : ـ فيه.

(٦) « ج ، م » : ـ و.

٥٥٩

اضطرّ إلى ترك ما هو معتبر في الواجب الغيري كشرائط الوضوء بناء على غيريتها ، أو أجزائه ، فإن سرى الشكّ إلى وجوب الواجب النفسي الذي ترك ما هو معتبر في مقدّمته ، فلا كلام أيضا في أنّ الأصل البراءة ؛ لعدم الفرق في ذلك بين الاضطرار إلى الجزء ، أو جزئه ، أو الشرط ، أو شرطه ، أو جزء شرطه ، أو شرط جزئه كما لا يخفى ، وإلاّ فيبنى على مسألة جريان البراءة في الواجبات الغيرية كما هو التحقيق ، واختصاصها بالنفسيات كما يراه بعضهم (١) ، وذلك كما إذا علمنا بوجوب الصلاة ولو عند ترك غسل اليد وعدم سقوطه بواسطة فقد جزء الشرط على ما هو ظاهر.

ثمّ إنّ أكثر ورود هذا إنّما هو في العبادات ، وأمّا في المعاملات ، فقد يتّفق أيضا كما في السلف لو تعذّر ذكر تمام الأوصاف ، وفي صيغ العقود عند عدم التمكّن من إحراز بعض الشرائط المعتبرة كالعربية ونحوها ، وحيث ما وقع فالأصل يقضي بالفساد كما في جميع الأحكام الوضعية عند الشكّ في تحقّق أسبابها ، وأمّا ما ذكره بعضهم في صحّة السلف والسلم من عزّة الوجود لو كان المعتبر ذكر تمام الأوصاف ، فهو مبنيّ على الأصل الثانوي كما ستعرفه ، ونظيره ما أفاده ثاني المحقّقين (٢) في بعض إفاداته عند الشكّ في اعتبار العربية حالة العجز عنها.

وربّما يقال في المقام بلزوم الإتيان بالباقي بعد الاضطرار شرعا ، أو عقلا نظرا إلى الاستصحاب ، وبيانه أنّ قبل العجز كان الباقي واجبا ، وبعده نشكّ فيه ، والأصل بقاؤه ، ويتمّ الكلام فيما لو بلغ المكلّف معذورا ؛ لعدم (٣) القول بالفصل ، ولا يمكن القول بالبراءة فيما لو بلغ معذورا ، والاستناد إلى عدم القول بالفصل في الباقي لقوّة الاستصحاب ووروده على ضميمة الآخر إلاّ أنّ وهن هذه الكلمات ممّا لا يكاد يخفى.

__________________

(١) وهو صاحب الفصول وشريف العلماء كما تقدّم.

(٢) انظر جامع المقاصد ٢ : ٢٣٥ و ٢٣٧ و ٢٤٦ و ٣٢١ و ٣٢٢ وج ٤ ، ص ٥٩ وج ٥ ، ص ٤٦ ، ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ج ١٢ ، ص ٧٤ و ٧٥ ؛ رسائل المحقّق الكركى ١ : ٦٩ و ٧٠ و ١١٠ و ١٩٩ و ٢٠٤.

(٣) « م » : بعدم.

٥٦٠