مطارح الأنظار

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: علي الفاضلي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية
المطبعة: مؤسسة العروج
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7986-36-6
الصفحات: ٦١٥

لأخيه فخر الأعاظم (١)(٢) إلاّ أنّه قد مرّ في محلّه سقوطه ؛ إذ الواجب النفسي أو الغيري ليس مجرّد الاصطلاح والتعبير بل المناط فيه هو المصلحة الواقعية ، فلو كان الفحص ذا مصلحة واقعية في حدّ ذاته وفي مرتبة هويّته ، فهو واجب نفسي ولو لم يكن كذلك بل مصلحة وجوبه في غيره ، فهو واجب غيري ، فليس الأمر بيدنا حتّى نفرض وجوبه النفسي قبل الفحص والوقت ، ووجوبه (٣) الغيري بعده كما لا يخفى.

وإمّا أن يقول بأنّ الجهل بالتكليف مع عدم التمكّن يمنع من التكليف ولو عند العلم الإجمالي ، فالحاكم بيننا وبينه هي الأدلّة السابقة من عموم لزوم الإطاعة عقلا ، فكما أنّ العقل يحكم بلزوم الامتثال عند العلم التفصيلي ، فكذا يحكم به عند العلم الإجمالي وإن كان الخطاب مجهولا ؛ إذ لا تأثير فيه وعليه سيرة العقلاء في كلّ الأزمنة في جميع الأمكنة.

فإن قلت : مرجع النزاع عند التحقيق على ما قرّرت إلى أنّ شرط التكليف هل هو العلم التفصيلي ، أو لا؟ فالقائل بالبراءة يدّعي الاشتراط ، ومدّعي الاحتياط يقول

__________________

المظنون وجوبه دون نفس العلم أو الظنّ ، ولهذا لا يعاقب تارك الواجب على ترك تحصيل العلم أو الظنّ به أيضا.

(١) في هامش « م » : صاحب الفصول تبعا للشيخ المحشّي أخيه المحقّق.

(٢) هداية المسترشدين : ٢١٨ في بحث هل يتصوّر وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها؟ حيث قال : ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو بالنظر إلى دلالة الأمر الذي يتعلّق بذي المقدّمة ، وأمّا لو قام هناك أمر من الخارج على وجوب الإتيان بالمقدّمة قبل وجوب الفعل لأن يتمكّن من فعل المأمور به عند تعلّق الوجوب به ، فلا مانع منه أصلا كما قرّرناه ، ولا فرق حينئذ أيضا بين الصور المذكورة لكن في عدّ ذلك حينئذ من الوجوب الغيري تأمّل أشرنا إليه ، ولا يبعد إدراجه في الوجوب النفسي وإن كان الأمر به لإحراز مصلحة حاصلة بفعل غيره. انتهى كلامه.

أقول : وبما أنّ التعلّم تعلّق به أمر من الخارج ، فيندرج في الوجوب النفسي.

(٣) « س » : فوجوبه!

٥٠١

بالإطلاق ، فعلى الأوّل لا تكليف عند عدم العلم التفصيلي ؛ لانتفاء شرطه ، وعلى الثاني فلا بدّ من الامتثال ، والشبهة (١) في المقام ترجع إلى الشبهة البدوية التكليفية لما قد تقرّر في مقامه من أنّ الشكّ في اشتراط الواجب وإطلاقه راجع إليه ، والاشتراط موافق للأصل إذ قضية الاشتراط كما عرفت هو العدم ، عند العدم وبالجملة ففي المقام لا بدّ من إعمال البراءة لأنّه من جملة مواردها.

قلنا : نعم ، إذا دار الأمر بين الاشتراط والإطلاق الأصل الاشتراط ؛ لأنّ الأصل عدم التكليف ، ولا يجدي أصالة عدم الاشتراط ما لم يكن في البين إطلاق لفظي يؤخذ به ، ومرجعها إلى أصالة الحقيقة في المطلق ، وأمّا إذا لم يكن هناك إطلاق لفظي ، فمرجعها إلى إثبات التكليف في محلّ الشكّ وقد عرفت جريان البراءة فيه كما ستعرفه في بعض المباحث الآتية إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ المقام ممّا لا عبرة به ؛ لاختصاص مورد البراءة بما إذا لم يكن الشكّ في البراءة والاحتياط كما عند الشكّ في التكليف من غير أن يكون الشكّ في الاحتياط.

وأمّا إذا كان الشكّ في مورد البراءة والاحتياط كأن لم نعلم (٢) بأنّ المورد الكذائي من موارد البراءة أو الاحتياط ، فلا يجري فيه البراءة بل (٣) لا بدّ من الأخذ بالاحتياط.

والسرّ في ذلك أنّ مناط قاعدة البراءة هو حكم العقل بقبح العقاب عند الشكّ في التكليف ، فما لم يحكم العقل بذلك لم يؤمن من الضرر المحتمل ، فعند تردّد العقل في قبح العقاب وعدم قبحه يستقلّ بلزوم الاحتياط ؛ إذ لا رافع لاحتمال العقاب الحاكم بدفعه العقل المستقلّ ، فالشكّ في لزوم الاحتياط ، أو العمل بالبراءة عند الشكّ في البراءة إنّما هو شكّ بدوي يرتفع بملاحظة عدم ما يؤمننا من (٤) الضرر كما هو المفروض كما في الشكّ في البراءة في مواردها على ما مرّ تفصيل الكلام فيها.

__________________

(١) « ج » : فالشبهة.

(٢) « ج » : لم يعلم.

(٣) « م » : ـ بل.

(٤) « ج ، م » : ـ من.

٥٠٢

فظهر من جميع ما مرّ أنّه إذا شكّ في أنّ العلم الإجمالي أيضا منجّز للتكليف كالعلم التفصيلي ، أو ليس منجّزا كالجهل الساذج لا يصحّ التعويل بأصالة البراءة عن التكليف عند عدم العلم التفصيلي ولو مع وجود العلم الإجمالي ؛ إذ الأصل الأصيل في أمثال المقام هو الاحتياط ؛ لعدم ما يعارض وجوب دفع الضرر كما لا يخفى.

على أنّ العقل يحكم باستواء العلم الإجمالي والتفصيلي في تنجّز التكليف بهما كما يكشف عنه بناء العقلاء وإن كان التمسّك ببناء العقلاء في أمثال المقام لا يخلو عن شيء ؛ لاحتمال ارتكاز الاحتياط في أذهانهم حيث إنّ المقصود عندهم هو الوصول إلى المصالح الكامنة والمفاسد الموجودة في الأشياء من غير ملاحظة التعبّد بأمر المولى إلاّ أنّ الوجدان السليم لو لاحظ المقام ـ ولو بعد الغضّ عمّا ذكر ـ وتمحّص في ملاحظة الإطاعة والمعصية اللازمتين للتعبّد ، يحكم بعدم الفرق كما لا يخفى.

ثمّ إنّ من جميع ما مرّ يظهر وجه المختار من عدم جواز المخالفة.

المقام الثاني في وجوب الموافقة وعدمه المقام (١) الثاني في لزوم الموافقة (٢) القطعية وقد مرّ في تزييف احتجاج القائل بجواز المخالفة ما يغني عن إطالة الكلام في توجيه المختار إلاّ أنّه لا بدّ من تعرّض بعض الوجوه التي قد يستند لوجوب الموافقة كما هو الحقّ.

فمنها : استصحاب التكليف ، وبيانه أنّه لو فرض حصول الاشتباه بعد العلم التفصيلي ، فقبل حصول الاشتباه لا بدّ من الامتثال وبعده يشكّ فقضيّة الاستصحاب بقاؤه ، ويتمّ في الباقي (٣) بعدم القول بالفصل.

وفيه أوّلا : عدم ارتباطه بالمقام ؛ إذ على تقدير الإغماض عمّا فيه يثبت حرمة المخالفة لا وجوب الموافقة.

وثانيا : أنّ استصحاب التكليف في الصورة المفروضة معارض باستصحاب البراءة

__________________

(١) « س » : والمقام.

(٢) « س » : المخالفة!

(٣) « س ، م » : الثاني.

٥٠٣

قبل التكليف.

بيان ذلك [ أنّ ] الصبيّ المراهق لا تكليف له قطعا ، فلو بلغ وعلم إجمالا بوجوب شيء غير معلوم المراد ، فاستصحاب البراءة السابقة يقضي بعدم التكليف ، ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل.

اللهمّ إلاّ (١) أن يقال بتقديم استصحاب التكليف ؛ لأنّه أصل مثبت للتكليف ، وبه يرتفع الشكّ في التكليف كارتفاعه بدليل اجتهادي ؛ إذ مرجع استصحاب البراءة إلى نفس قاعدة البراءة ، وعند التعارض يقدّم الاستصحاب على البراءة.

ومنها : قاعدة اشتراك التكليف (٢) ، وبيانها أنّ الكلام في المجملات العرضية بعد تمام الحجّة على الكلّ بوجه متعارف في الإبلاغ ، وإنّما سنح الإجمال بعد خفاء الحجّة وحدوث الآراء الباطلة وكثرة القالة كما نطق بها جملة من الأخبار ، وبرهة من الآثار (٣) ، فكان الأمر المجمل معلوما عند المشافهين ، وقد انعقد الإجماع على اشتراك التكليف ، فيثبت في حقّنا أيضا.

وفيه : أنّ بعد الإغضاء (٤) عن معلومية الحكم للمشافهين أنّ المعلومية عندهم لا تقضي بثبوت (٥) الحكم في حقّنا عند الجهل ، على أنّ ذلك لا يقضي (٦) بوجوب الموافقة القطعية إلاّ بعد ضمّ قاعدة الاشتغال كما لا يخفى ، ولو فرض الجهل في حقّ المشافهين ، فلا نسلّم التكليف في حقّهم أيضا ، فلا فرق بيننا وبينهم إلاّ العلم والجهل.

ومنها : استصحاب الاشتغال ، وبيانه أنّ بعد الإتيان بأحدهما نشكّ في رفع

__________________

(١) « م » : ـ إلاّ.

(٢) استدلّ به في ضوابط الأصول : ٣٨٠.

(٣) انظر الوسائل ٢٧ : ٢٠٧ ، باب ١٤ من أبواب صفات القاضي ، ح ١ ؛ الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٥١٥ ـ ٥١٦ ؛ رسائل السيد المرتضى ٢ : ٥٦ ؛ المعتبر ١ : ٢٩ و ٣٠.

(٤) « ج ، م » : الاعتضاد!

(٥) « س » : ثبوت. « ج » : لا يقتضي ثبوت.

(٦) « ج » : لا يقتضي وكذا في المورد الآتي.

٥٠٤

الاشتغال وبقائه ، والأصل يقضي ببقائه (١).

وفيه أوّلا : أنّه لا يخلو عن نوع مصادرة لو أريد استصحاب التكليف بنفس الواقع المجهول ، وغير مفيد لو أريد استصحاب غيره ؛ إذ المفروض إتيانه بأحد المحتملين ، فانقطع الاستصحاب ، وإن أريد استصحاب الأمر المردّد بين الواقع وغيره ، فهو من فروع المسألة وسيجيء الجواب عنه.

وثانيا : أنّك قد عرفت فيما تقدّم في أوائل المبحث عدم جواز التعويل على الاستصحاب في مثل المقام.

وتوضيحه يحتاج إلى رسم مقدّمة وهي أنّه لا شكّ في أنّ مورد الاستصحاب لا بدّ له من أن يكون هناك يقين سابق (٢) ، ثمّ شكّ لاحق له ، فمن حيث ثبوت المتيقّن في السابق بعد الشكّ يحكم (٣) ببقائه ليترتّب عليه أحكامه ، فعلى هذا لا معنى للاستصحاب إلاّ ترتيب آثار المتيقّن على المشكوك حال الشكّ من حيث ثبوته في الزمن السابق ، فلو فرض انتفاء الشكّ في اللاحق ، فلا مجرى للاستصحاب إلاّ على وجه تقديري على تقدير ، كما أنّه لو فرض عدم ترتّب الأحكام المطلوبة على المشكوك ، فلا جدوى للاستصحاب (٤) بل لا يعقل له معنى ؛ إذ المتيقّن بحسب الواقع مشكوك ، فلا معنى للحكم ببقائه وعدم نقضه إلاّ الأخذ بأحكامه ، فعند عدم ترتّب الأحكام عليه يبقى الاستصحاب بلا محصّل كما لا يخفى.

وإذ قد تقرّر هذه (٥) ، فنقول : إنّ الحاكم (٦) بإتيان الفرد المحتمل هو العقل إذ بعد العلم بالتكليف ، فهو حامل على الامتثال وهو موجود في الأثناء ، فالمكلّف بملاحظة حكم

__________________

(١) استدل به في ضوابط الأصول : ٣٨٠.

(٢) « م » : من سابق.

(٣) « م » : نحكم.

(٤) سقط قوله : « إلاّ على وجه تقديري » إلى هنا من نسخة « س ».

(٥) « ج ، م » : هذا.

(٦) « س » : الحكم!

٥٠٥

العقل كأنّه بمسمع من المولى وهو يأمره بإتيان الواقع والمفروض عدم حصول العلم بالامتثال ، مع أنّ المطلوب منه هو الامتثال ، فلا مناص من الاحتياط ؛ إذ مجرّد الشكّ في الامتثال يكفي في استقلال العقل في الحكم بالامتثال ، ولا حاجة إلى ملاحظة ثبوته في الزمن السابق ، ولو فرض عدم حكم العقل بلزوم الامتثال ، فلا جدوى في الاستصحاب بل لا معنى له كما عرفت ؛ إذ غاية الأمر عند الشكّ في البراءة يحكم ببقاء الاشتغال بالواقع ، وحيث إنّ المفروض عدم حكم العقل بلزوم الامتثال لا يترتّب على بقاء الاشتغال إتيان المحتمل الآخر إلاّ على تقدير أن يكون الأصل مثبتا لكون الباقي هو الواقع ، فيجب امتثاله كما عند العلم التفصيلي.

ثمّ إنّ مجرّد كون الأصل مثبتا إنّما يجدي فيما إذا اتّحدت الجهة الباقية مثلا ، وإذا تعدّدت المحتملات ، فالأصل على تقدير الإثبات يقضي بأنّ الواقع بين الجهات الباقية ، ولا يجب الامتثال والاحتياط إلاّ على تقدير حكم العقل بلزوم الاحتياط ، والمفروض عدم استقلال (١) العقل به ، فلا يترتّب الإتيان بالمحتملات أيضا على الاستصحاب وإن كان المثبت منه أيضا معوّلا عليه كما يراه بعض من لا تحقيق له.

وقد يستدلّ في المقام بأخبار الاحتياط عموما كقوله : « أخوك دينك » (٢) وقوله : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣).

وقد عرفت (٤) فيما سبق في المقامات السابقة عدم صحّة الاستناد إليها ؛ لضعف سندها وعدم الاعتداد بدلالتها.

نعم ، ربّما يصحّ التأييد بها وخصوصا مثل ما رواه الشيخ عن عليّ بن سندي ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن [ بن الحجّاج ] قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان : الجزاء بينهما ، أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ فقال : « [ لا ] بل عليهما

__________________

(١) « م » : استقلالها!

(٢) تقدّم في ص ٣٦٩.

(٣) تقدّم في ص ٣٦٩.

(٤) عرفت في ص ٣٧٤.

٥٠٦

جميعا ويجزي كلّ واحد منهما الصيد » فقلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدر ما عليه ، فقال : « إذا أصبتم مثل ذلك (١) فلم تدروا ، فعليكم بالاحتياط حتّى تسألوا وتعلموا (٢) » (٣).

والتقريب ظاهر بعد ظهور أنّ المقام من الشكّ في المكلّف به إلاّ أن يقال : إنّ الأمر بالاحتياط إنّما هو بواسطة إمكان الوصول [ إلى ] الحجّة وتحصيل العلم ، فيدلّ على عدم جواز العمل بالأصل قبل الفحص ، ولا دلالة فيه على لزوم الاحتياط فيما لم يكن هناك رجاء حصول العلم كما في أمثال زماننا.

على أنّ الأمر بالاحتياط يحتمل رجوعه إلى الفتوى بغير علم كما لا يخفى ، فيكون مفاده مفاد سائر الأخبار العامّة.

ومثل ما رواه في الصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة : أهي ممّن لا تحلّ له أبدا؟ فقال عليه‌السلام : « لا ، أمّا إذا كان بجهالة ، فليتزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك ».

فقلت : بأيّ الجهالتين أعذر (٤) : بجهالته أن يعلم أنّ ذلك محرّم عليه ، أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال : « إحدى الجهالتين أهون من الأخرى : الجهالة بأنّ الله حرّم عليه ذلك ، وذلك لأنّه (٥) لا يقدر على الاحتياط معها ».

فقلت : هو في الأخرى معذور؟ قال : « نعم ، إذا انقضت عدّتها ، فهو معذور في أن يتزوّجها » (٦) الحديث.

__________________

(١) في المصدر : هذا.

(٢) في المصدر : تسألوا عنه فتعلموا.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٦ ، باب ٢٦ ، ح ٢٧٧ ؛ الوسائل ١٣ : ٤٦ ، باب ١٨ من أبواب كفّارات الصيد ، ح ٦ ، و ٢٧ : ١٥٤ ، باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

(٤) في المصدر : يعذر.

(٥) في المصدر : بأنّه.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، باب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٣.

٥٠٧

والتقريب أنّ المفهوم من الرواية لزوم الاحتياط فيما يمكن الاحتياط كما في الجهل بأنّها في العدّة أو لا.

والجواب : أنّ ذيل الرواية دليل على عدم وجوب الاحتياط كما يشعر (١) قوله : « أهون » بذلك ، وحسن الاحتياط ممّا لا يحتاج إلى بيّنة كما لا يخفى.

تنبيه :

العلم الإجمالي يتصوّر على صور :

الأولى : أن يكون العلم الإجمالي في أمرين يجمعهما تكليف تفصيلي وعنوان غير انتزاعي كأن يكون الواجب شيئا (٢) يمكن أن يتحلّى بأطوار (٣) مختلفة على وجه يقع كلّ واحد منها بدلا عن الآخر كالجهر والإخفات والظهر والجمعة والقصر والإتمام ، فإنّ المكلّف بعد علمه تفصيلا بوجوب (٤) الصلاة يشكّ كذلك في كلّ من الخصوصيتين (٥) مع العلم الإجمالي باعتبار واحدة منهما (٦) ، فمصبّ العلم الإجمالي والشكّ نفس الخصوصيات ؛ إذ المكلّف شكّه في أنّ التكليف بالصلاة المعلومة تفصيلا هل يجب امتثاله في ضمن الظهر ، أو الجمعة ، فيشكّ في الأفراد مع العلم بأحدها إجمالا ، ونظير ذلك الأخبار المشتملة على القدر الجامع على وجه لو تكثّرت ، لتواترت (٧) كما لا يخفى ؛ فإنّ من طرح الخصوصيتين (٨) ، يلزم طرح حكم شرعي تفصيلي غير انتزاعي وهو التكليف بالصلاة المعلوم (٩) تفصيلا.

الثانية : أن لا يكون العلم الإجمالي بين أمرين كذلك بل يكون على وجه لو

__________________

(١) « س » : « في » بدل : « يشعر ».

(٢) في النسخ : شيء.

(٣) « ج » : بأطور.

(٤) « ج » : في وجوب.

(٥) « ج ، م » : الخصوصتين.

(٦) « ج ، س » : منها.

(٧) « ج ، س » : لتوارت!

(٨) « م » : الخصوصتين. « ج » : الخصوصين؟

(٩) « ج » : المعلومة.

٥٠٨

طرحنا الخصوصيات ، لا يلزم منه طرح أمر معلوم شرعا تفصيلا ، غاية ما يلزم فيه طرح خطاب انتزاعي وهو الخطاب بـ « أحدهما » كما إذا علم إجمالا إمّا (١) بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، أو بوجوب الجمرة (٢) في الحجّ ، أو بوجوب المضاجعة مثلا ، فإنّ من طرح الخصوصيات ، لا يلزم طرح خطاب شرعي إلاّ ما ينزعه العقل من وجوب أحدها ، فمصبّ العلم الإجمالي هو تمام الخصوصية والطبيعة ، ونظيره الأخبار التي لا تجتمع (٣) في مضمون على وجه لو تعدّدت لتواترت كما لا يخفى.

الثالثة : أن يكون العلم الإجمالي حاصلا بين وجوب شيء وحرمة الآخر كما إذا علم إجمالا بوجوب غسل الجمعة ، أو حرمة الاستقبال عند التخلية.

ولك أن تقول : إنّ المكلّف إمّا أن (٤) يعلم جنس الخطاب ، أو لا يعلم ، فلا يدري أنّ تكليفه هل هو الأمر ، أو النهي؟ وعلى التقديرين ، فإمّا أن (٥) يعلم بأمرين يجمعهما خطاب تفصيلي ، أو لا يعلم بهما بل علمه الإجمالي دائر بين أمرين في مسألتين.

لا شكّ في لزوم امتثاله في الصورة التي يجمعهما عنوان تفصيلي كما يحكم به العقل السليم الخالي عن شوائب الوهم (٦) على ما عرفت فيما تقدّم بصدق العصيان الموجب إلى وصول النيران أعاذنا الله منها وجميع الإخوان.

وأمّا في غيرها من الصور ، ففي جواز المخالفة القطعية مطلقا نظرا إلى أنّ المردّد بين الحجّ والمضاجعة مثلا ، أو بين الدعاء عند الرؤية والجمرة لم يقع في تلو الخطابات الشرعية ، فلا يلزم من مخالفة العلم الإجمالي في المقام مخالفة خطاب تفصيلي حتّى يلزم العقاب والمعصية فإنّ العلم الإجمالي حصل بينهما اتّفاقا ، فكلّ من الخصوصيتين مشكوك صرفا ، فيجري فيها البراءة ؛ أو عدم جوازه كذلك نظرا إلى عدم الفرق بين

__________________

(١) « س » : ـ إمّا.

(٢) « س ، ج » : العمرة؟

(٣) في النسخ : لا يجتمع.

(٤) « ج ، م » : ـ أن.

(٥) « ج ، م » : ـ أن.

(٦) « م » : التوهّم. « ج » : توهم.

٥٠٩

الصورتين إلاّ فيما لا يجدي في صدق المخالفة والمعصية ؛ إذ من المعلوم إجمالا تعلّق التكليف بأحدهما جزما ، وكون العلم الإجمالي دائرا بين أمرين يجمعهما عنوان تفصيلي ، أو دائرا بين أمرين ليس كذلك ممّا لا دخل له في المقام أبدا ، حيث إنّ الكلام هو أنّ المكلّف لا يعلم أنّ الخطاب المتوجّه إليه في يوم الجمعة هل هو قوله : « صلّ الظهر » أو « صلّ الجمعة » ولمّا فرض أنّهما فردان من كلّي الصلاة ، فقد يتخيّل أنّ القدر المشترك فيهما معلوم تفصيلا ، وإلاّ ففي الحقيقة قد يمكن منع تحقّق الفرق بينهما ، وعلى تقديره أيضا فقد عرفت أنّ العقل لا يفرق بينهما بعد صدق المخالفة ، أو يفصل بين ما كان جنس (١) التكليف معلوما فيحكم بعدم جواز المخالفة القطعية ، وبين ما لم يكن جنس (٢) التكليف كما إذا علم إجمالا بوجوب شيء ، أو حرمة شيء آخر ، فيحكم بالجواز نظرا إلى عدم معلومية الخطاب جنسا وشخصا ، فيعمل بالبراءة مثلا ، أو يفصل بين ما إذا كان مريدا للمخالفة ابتداء وبين ما إذا اتّفق فعل أحدهما ، ثمّ بدا له فعل الآخر نظرا إلى عدم القصد (٣) في الثاني بخلاف الأوّل؟ وجوه :

قال الأستاذ ـ دام علاه في فلك المعالي ـ : والإنصاف : أنّ العقل لم نجد منه الحكم بعدم جواز المخالفة القطعية في المردّد بين أمرين لا يجمعهما الخطاب التفصيلي كما في الشبهة الغير المحصورة ، لا يحكم العقل بلزوم الاجتناب لبعد الأطراف عن نظر العقل.

قلت : قد تقدّم في الأصل السابق في الشبهة المحصورة في مقام الردّ على المحدّث البحراني عدم تفاوت حكم العقل بين المجتمع في الجنس الواحد والمختلف فيه في مقام الموافقة القطعية ، فكيف بجواز (٤) المخالفة القطعية ، فمناط حكم العقل هو العلم بالمحبوبية والمبغوضية وهو حاصل في المقامين من غير فرق في ذلك ، فالتوقّف في أحدهما يلازم التوقّف في الآخر ، فتدبّر تكن على بصيرة من الأمر.

__________________

(١) في النسخ : حسن ، وهو تصحيف.

(٢) في النسخ : حسن ، وهو تصحيف.

(٣) « ج » : التفصيل!

(٤) « ج » : يجوز.

٥١٠

أصل

في الشبهة التحريمية الحكمية فيما شكّ في المكلّف به فيما دار الأمر بين المتباينين كما إذا علمنا بحرمة الغناء في الشريعة وشككنا في أنّ المراد منه هل (١) هو الصوت المطرب أو الصوت مع الترجيع؟ فلا شكّ في حرمة القدر (٢) الجامع بينهما من مورد الاجتماع ، وأمّا في مورد الافتراق من الطرفين ، فنعلم (٣) إجمالا بحرمة أحدهما ، ولا نعلم (٤) أنّ الحرام أيّهما تفصيلا ، ولا فرق في ذلك بين الاشتباه الناشئ من إجمال النصّ أو فقده ، و (٥) أمّا التعارض فستعرف الحكم فيه فيما سيجيء ، وكيف ما كان فالتحقيق في المقام هو لزوم الاحتياط عن كليهما كالأصل السابق في جانب العكس.

__________________

(١) « ج » : ـ هل.

(٢) « س » : في قدر.

(٣) « ج » : فيعلم. « م » : فعلم.

(٤) « م » : لا يعلم.

(٥) « س » : ـ و.

٥١١
٥١٢

أصل

في الشبهة الحكمية عند الشكّ في المكلّف به فيما دار الأمر بين المحذورين في المتباينين كما إذا علمنا بصدور أمر ونهي ولم نعلم أنّ الأمر تعلّق بإكرام زيد مثلا والنهي تعلّق بإهانة عمرو ، أو تعلّق النهي بالإكرام والأمر بالإهانة ، فهل يجب الأخذ بأحدهما ولو تخييرا ، أو العمل بالأصل فيهما ، وعلى الأوّل فهو مخيّر بدوا ، أو استمرارا وعلى الأوّل ، فهل يفتى بالتخيير ، أو بالمختار؟ وجوه. مرّ تفصيل الكلام في نظير المقام في الشبهة التكليفية ، والمختار المختار ، والدليل الدليل ، والنقض النقض ، والجواب الجواب ، فلا نطيل بالإعادة.

٥١٣
٥١٤

أصل

في الشبهة الوجوبية الحكمية عند الشكّ في المكلّف به فيما دار الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، المراد بالأقلّ والأكثر الارتباطيين والمراد بالأقلّ والأكثر الارتباطيين ـ على ما ذكره بعضهم ـ هو ما كان الأقلّ مجزيا بقدره.

وليس كذلك بل المراد به هو ما كان الأمر دائرا بين واجبين نفسيين أحدهما الأقلّ والآخر [ الأكثر ] ، فإنّ نزح الماء في منزوحات البئر ارتباطي مع أنّه يجزي الأقلّ بقدره بمعنى (١) أنّه عند الاحتياط لا يجب إعادة العمل رأسا مثال ذلك الصلاة فيما لو شكّ في أنّ الواجب النفسي منها هو الصلاة بلا سورة مثلا ، أو مع السورة فعلى تقدير الأقلّ فالصلاة واجبة نفسية أيضا ، وكيف ما كان فالمشهور في المقام بين الفقهاء العظام البراءة ، فمن المتقدّمين الصدوق (٢) ـ كما يظهر عند الفتوى بجواز القنوت بالفارسية كما نبّهنا عليه (٣) ـ والمحقّق والعلاّمة (٤) من المتأخّرين ، وقد اضطرب كلام الشهيد في الذكرى (٥) في الوضوء حيث أفتى بالبراءة فيما لو نبت لحم زائد تحت المرفق ،

__________________

(١) « ج » : « مع » بدل : « بمعنى ».

(٢) الفقيه ١ : ٣١٧ / ٩٣٧.

(٣) نبّه عليه في ص ٣٥٩.

(٤) انظر المعارج : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ؛ مختلف الشيعة ١ : ٤٩٥ و ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٥) الذكرى ٢ : ١٣٣ وفي ط الحجري : ٨٥ ، قال : يجب غسل الكفّ والإصبع والذراع الزوائد تحت المرفق لتبعية اليد. ولو كانت له يد زائدة غير متميّزة عن الأصلية ، وجب غسلهما من

٥١٥

وبالاحتياط فيما لو نبت فوق المرفق ، وذهب جماعة إلى لزوم الاحتياط كالسيّد علم الهدى (١) ، وأوّل من نشر الاحتياط بين المتأخّرين من أصحابنا هو المحقّق السبزواري (٢).

ويحتمل أن يقال بالفرق والتفصيل بين الأجزاء والشرائط ، فبالاحتياط في الثاني ، وبالبراءة في الأوّل وإن لم نجد قائلا بهذا إلاّ أنّه للأصولي أن يحتمل ذلك لما ستعرف عند الخوض في الأدلّة نظرا إلى أنّ الشكّ في الجزء ربّما يصير مرجعه إلى المتباينين بخلاف الشرط.

ولا يخفى أنّ التفصيل هذا ربما (٣) يخالف التفصيل في الصحيح والأعمّ حيث إنّ الجزء أقرب إلى اعتباره في معنى اللفظ بخلاف الشرط ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشبهة ناشئة من فقد النصّ ـ كما إذا قام الإجماع مثلا على وجوب شيء في الجملة ولم

__________________

باب مقدّمة الواجب ، ولو تميّزت ، غسلت الأصلية خاصّة دون الزائدة. وعليه يحمل إطلاق المبسوط : بعدم وجوب غسل الزائدة فوق المرفق إلاّ أن تكون تحت المرفق فتغسل أيضا للتبعية.

ويمكن وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا كما هو ظاهر الشرائع والمختلف للعموم ، وأن يغسل من الزائدة ما حاذى مرفق الأصلية إلى آخرها ، تنزيلا له منزلة ما خلق تحت المرفق.

ويضعف بتبعيته لأصله هو في غير محلّ الفرض.

(١) انظر الانتصار : ١٤٦ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٠ و ١٥١ و ١٥٨.

(٢) انظر ذخيرة المعاد : ٢٧٣. قال السيّد محمّد باقر اليزدي الطباطبائي في وسيلة الوسائل فى شرح الرسائل : ٢٤٢ : وتبعه عليه جماعة من الأواخر كالمحقّق الشريف والمحقّقين صاحبي الهداية والفصول وغيرهم لكن ربما يظهر من كلام المحقّق في المعارج وجود القول بالاحتياط بين القدماء حيث قال : قال بعضهم بوجوب الاحتياط وصار آخرون إلى عدمه وإجراء أصالة البراءة ، وفصّل ثالث بين ثبوت الشغل كما في مسألة الولوغ وبين غيره فقال بوجوبه في الأوّل دون الثاني. والإنصاف أنّ نسبة الاحتياط في المقام إلى المشهور في غاية الغرابة وكأنّه اشتبه الأمر على صاحبها وتخيّل أنّهم اعتمدوا عليه على الإطلاق غايته أنّه وافق البراءة في بعض الموارد فهي لمجرّد التأييد ، ولا يخفى معارضته بمثله على ما ادّعاه المحقّق القمّي رحمه‌الله.

(٣) « س » : إنّما.

٥١٦

نعلم باعتبار شيء آخر جزءا ، أو شرطا فيه لعدم النصّ ـ أو كانت الشبهة ناشئة من إجمال النصّ كالصلاة بناء على مذهب الصحيح ، أو الأعمّ فيما لو قلنا بعدم وروده في مقام البيان كما قد يقال بذلك في قوله : « أقيموا الصلاة » فإنّه وارد في مقام الوعظ مثلا و (١) قلنا بالإطلاق إلاّ أنّه غرضه الإجمال من جهة كثرة ورود التقييدات.

وبيان هذا المقال وتوضيح هذا الإجمال يحتاج إلى تحقيق القول في تلك المسألة ، فنقول : من الناس من يرى أنّ لفظ « الصلاة » وأمثاله كلفظ « السرير » و « البيت » ونحوهما موضوع لمعنى مركّب من أجزاء يصدق معها اسم الصلاة عرفا على وجه لو انضمّ إليها جزء آخر في خصوص مقام ، كان ذلك جزءا للفرد ، أو قيدا خارجا عن حقيقة تلك الماهية كما في السرير ؛ فإنّ الأجزاء المتبادلة يكفي في صدق اسم السرير ولو انضمّ إليه بعض الأجزاء في وقت كان ذلك قيدا لخصوص الفرد بعد صدق الماهية بدونه أيضا أو جزء له على اختلاف الاعتبارين.

ومنهم : من يرى أنّ لفظ « الصلاة » اسم للماهية المجتمعة لجميع الأجزاء والشرائط كما هي مطلوبة للشارع.

فعلى الأوّل فلفظ الصلاة كسائر المطلقات يكشف عن معناه المطلق بحيث لو شكّ في تقييده ، يدفع بأصالة عدم التقييد ، ويحكم بالإطلاق ، ويكشف عن ذلك بأنّ المطلوب أيضا هو هذا المعنى.

وعلى الثاني فلفظ الصلاة لا إطلاق فيه ففيما لو شكّ في تقييده بشيء لا مجال لدفعه بأصالة الإطلاق ، فهو من المجملات الذاتية لا بدّ من أن يبيّنها (٢) الشارع عند طلبه لها.

ومن هنا ينقدح ضعف ما قد يتوهّم من أنّ الإطلاق ممّا لا يجدي على تقدير القول بالأعمّ أيضا ؛ للقطع بأنّ المطلوب هو الصحيح فإنّ المطلوب إنّما يظهر لنا باللفظ ، فعلى تقدير إطلاقه يكشف عن أنّ المطلوب هو هذا كما في سائر المطلقات ، فبإطلاق الرقبة

__________________

(١) « ج » : أو.

(٢) « م » : يبيّنه. « س » : من يبينهم ، وفوقها : يبيّنه.

٥١٧

يستكشف (١) عن أنّ المراد بها هو مطلقها (٢) سواء كانت مؤمنة أو غيرها.

وبالجملة ، فلو قلنا بوضعه للأعمّ ، فإمّا أن نقول بأنّ الخطابات المشتملة على لفظ الصلاة كأقيموا الصلاة ونحوها إمّا أن تكون (٣) واردة في مقام البيان ولو من هذه الجهة ، أو لا نقول به ، وعلى الأوّل فإمّا أن نقول بأنّ الإطلاق هذا ممّا عرضه الإجمال بواسطة كثرة التقييدات ، أو لا نقول.

لا شكّ في بيان المراد وظهوره فيما لو قلنا بوروده في مقام البيان كما أنّه لا شكّ في إجماله على التقديرين الأخيرين ، فعلى هذين التقديرين يكون لفظ الصلاة من المجملات العرضية ، وعلى تقدير القول بوضعه للماهية الصحيحة يكون من المجملات الذاتية ، فلو شكّ في شرطية شيء ، أو جزئيته ، لا يصحّ دفعه بالإطلاق لإجمال الخطاب على هذه الوجوه كما إذا علمنا بالتقييد ولم نعلم المراد من المقيّد على وجه تردّد في جملة أشياء.

فظهر من جميع ذلك أنّ الصلاة على تقدير القول بالصحيح مطلقا من أمثلة المسألة التي نحن بصدد بيانها ، وكذا على القول بالأعمّ على التقادير المذكورة.

واندفع ما قد يتوهّم (٤) في المقام أنّ لازم القول بالصحيح هو الأخذ بالاشتغال ، ولازم القول بالأعمّ هو الأخذ بالبراءة ؛ إذ ربّ قائل بالصحيح في تلك المسألة يقول بالبراءة في هذه المسألة ، وربّ قائل بالاحتياط يقول بالأعمّ فيها.

__________________

(١) « م » : نستكشف.

(٢) « م » : مطلقا!

(٣) في النسخ : يكون.

(٤) ذكره السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٥٢٩ ، والنراقي في مناهج الأحكام والأصول : ٢٩ و ٢٣٦ ، والشيخ محمّد تقي الأصفهاني في هداية المسترشدين : ١١٣ وأخوه الشيخ محمّد حسين الأصفهاني في الفصول : ٤٩ ونسبه إلى جماعة والأردكاني كما في تقريرات درسه : غاية المسئول : ١٢٦ ثمّ أجابوا عنه وانظر أيضا اشارات الأصول ( قسم الأدلّة العقلية ) ١٨ / ب ـ ١٩ / أ. لاحظ كلام الآشتياني الآتي في التعليقة الآتية.

٥١٨

نعم ، لا يثمر القول بالاحتياط على تقدير القول بالأعمّ ، وكان الإطلاق عنده واردا في مقام البيان ولم يقل بالإجمال من جهة كثرة التقييدات (١) نظرا إلى أنّ المقيّد الثابت ممّا لا يضرّ في الإطلاق ، وغير الثابت مدفوع بالأصل ، لأنّ القول بالاحتياط إنّما هو قول (٢) به من جهة القواعد والأصول العملية ، ولا ينافيها ورود دليل اجتهادي على عدم لزوم الاحتياط وهو الأخذ بالإطلاق ، وكيف ما كان ، فعندنا مسألتان :

إحداهما (٣) : مسألة لفظية يبحث فيها عن أنّ الألفاظ المستعملة عند المتشرّعة هل هي موضوعة للأعمّ من الماهية المجتمعة للأجزاء والشرائط على وجه تصدق (٤) بدون بعضها عرفا كما في سائر المطلقات العرفية ، أو هي موضوعة لخصوص المجتمعة للأجزاء؟ و (٥) حيث إنّا لا نعلم الموضوع لها من أجزائها وشرائطها ، فلا مناص من أن يكون تلك الألفاظ مجملة غير ظاهرة الدلالة على المراد بها.

وثانيتهما (٦) : أنّه فيما لم نعلم بجزئية شيء ، أو شرطيته هل القاعدة تقضي بأن يكون المشكوك جزءا أو لا؟ فالمحتاط على الأوّل ، وغيره على الثاني.

وعدم العلم تارة بواسطة فقد النصّ ، وأخرى بواسطة إجمال المراد كما في ألفاظ العبادات والمعاملات أيضا في وجه على القول الثاني في المسألة الأولى ، فتلك الألفاظ على مذهب الصحيح من موارد النزاع في هذه المسألة ولا ملازمة بين المسألتين ؛ لأنّ القائل بالأعمّ قد يقول بالبراءة إلاّ أنّه لا يجدي بالنسبة إليه بعد دلالة الإطلاق على عدم الجزئيّة ، وكذا لا يجدي لو قال بالاحتياط ؛ لورود الإطلاق على الأصل العملي (٧).

نعم ، إنّما يجديه فيما كان الشكّ ناشئا من فقد النصّ فقط ؛ إذ لا إجمال عنده ، فلو كان

__________________

(١) المثبت من « م » وهامش « س » وفي « ج » ومتن « س » : التخصيصات ، وفي خ ل بهامش « م » : المقيّد.

(٢) « ج » : قوله.

(٣) « س ، م » : أحدهما.

(٤) « ج » : يصدق.

(٥) « م » : أو!

(٦) « ج » : ثانيهما.

(٧) « ج » : ـ العملي.

٥١٩

اللفظ مجملا فيجديه أيضا ، والقائل بالصحيح لو قال بالبراءة كما هو المشهور ، فيبني عليها ، ولو قال بالاحتياط ، فكذلك ، وبعد ما عرفت من التوضيح ظهر لك فساد الوهم ، ولعلّه سرى الوهم من أنّ بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين (١) بعد ما عنون المسألة اختار القول بالصحيح ، وحيث كان مختاره في المسألة الثانية أيضا هو (٢) الاحتياط ، أطلق القول بوجوب الاشتغال ، فتوهّم (٣) منه بعض من لا تحقيق له أنّ القول بالاحتياط يلازم القول بالصحيح ، والقول بالأعمّ يلازم القول بالبراءة ، وظهر لك أنّ ثمرة النزاع في المسألة الأولى إنّما هو مجرّد الأخذ بالإطلاق.

ثمّ إنّه قد يكون منشأ الشكّ هو تعارض النصّين ، وبيانه موكول إلى مسألة التعادل والتراجيح ، وحاصل القول فيه التخيير كما ستعرف.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ الأصل في المسألة مع القول بالاحتياط لما عرفت في أوّل أصول

__________________

(١) قال الآشتياني في بحر الفوائد ٢ : ١٦٩ : والحاصل أنّا لم نجد في كلام الكلّ بل ولا الأكثرين تفريع الثمرة المذكورة وإنّما ذكره غير واحد ممّن تأخّر تبعا لما أفاده الفريد البهبهاني قدس‌سره في فوائده ، وردّه جماعة من المتأخّرين حتّى بعض تلامذته مثل المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين ومنعوا من لزوم الاحتياط على القول بالوضع للصحيح ، وقد وجّه شيخنا الأستاد العلاّمة ما أفاده الفريد البهبهاني قدس‌سره في المقام بأنّ غرضه ليس بيان الثمرة للمسألة وأنّ كلّ من قال بالوضع للصحيح يقول بالاشتغال أو يلزمه القول به بل بيان الثمرة على ما اختاره من الرجوع إلى الاحتياط في ماهيّات العبادات المردّدة بل ربما يتطرّق هذا التوجيه في كلام من تبعه في ذكر الثمرة المذكورة للمسألة كيف والمشهور مع قولهم بالوضع للصحيح قد ملئوا طواميرهم من إجراء أصالة البراءة عند الشكّ في الجزئية والشرطية ولا يظنّ اشتباه مثل هذا الأمر الواضح المبيّن على مثل هؤلاء الأعلام ، فغرضه أنّ القول بالصحيح ينفع الاشتغاليين لا أنّ كلّ من قال بالصحيح يلزمه القول بالاشتغال فضلا عن أن يقول به هذا ، ولكنّك خبير بأنّ هذا التوجيه وإن كان حسنا ينبغي إرادته إلاّ أنّ كلامهم يأبى عن إرادته سيّما بملاحظة ما ذكروه من أنّ لازم القول بالأعمّ عدم وجوب الاحتياط بل في كلام بعضهم أنّ لازمه الرجوع إلى البراءة فراجع إلى كلماتهم.

(٢) « س » : ـ هو.

(٣) « ج » : فيتوهّم.

٥٢٠