مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

هداية

في ذكر احتجاج المانعين :

وهو بعد الأصل ـ كما عرفت (١) تقريره ـ وجوه :

الأوّل : الإجماعات المنقولة صريحا في كلام المحقّق الثاني (٢) ـ كما حكاه الأردبيلي عن بعضهم أيضا (٣) ـ وظاهرا في كلام الشهيد الثاني (٤) المؤيّد بنقل عدم الخلاف عند أصحابنا ، كما يظهر من السيّد في الذريعة (٥) ، والبهائي حيث قال : وتقليد الأفضل معيّن عندنا (٦) ، وفي المعالم : وهو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم (٧) المعاضدة بالشهرة المحقّقة بين الأصحاب. وهو الحجّة في مثل المقام الملحق بالفرعيّات ، بل ولا يجوز الاجتراء في الإفتاء في مثل هذه المسألة التي بمنزلة الإفتاء في جميع الفقه بخلاف المنقول

__________________

(١) انظر الصفحة : ٥٢٧.

(٢) حاشية الشرائع : ٩٩.

(٣) مجمع الفائدة ١٢ : ٢١.

(٤) انظر منية المريد : ١٦٦.

(٥) لم نعثر عليه بل الموجود فيه صريح في الاختلاف حيث قال : وإن كان بعضهم عنده أعلم من بعض ... فقد اختلفوا ، انظر الذريعة ٢ : ٨٠١.

(٦) زبدة الاصول ( مخطوط ) : ١٢٠.

(٧) المعالم : ٢٤٦.

٥٤١

من الأصحاب ، كيف! ولا نرى منهم الاختلاف مع وجود ذلك فيما هو أهون من المقام ، كما لا يخفى على من تتبّع فتاويهم.

ولا وجه للوسوسة بعدم حجّية الإجماع المنقول في المقام كما عرفت ، والتعليل الفاسد في كلام المجمعين ليس بضائر بعد الاتّفاق الكاشف مع ما تعرف من صحّة التعليل أيضا.

الثاني : الأخبار الدالّة على ترجيح الأعلم على غيره.

منها : مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال فيها : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر » (١).

ومنها : رواية الصدوق عن داود بن الحصين عن الصادق عليه‌السلام : « في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما خلاف ، واختلف العدلان بينهما عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال عليه‌السلام : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا » (٢).

ومنها : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام المنقول في نهج البلاغة : « اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك » (٣) والتقريب في الكلّ ظاهر ، فإنّ الإمام قدّم قول الأفقه والأعلم على غيره عند العلم بالمعارضة والمخالفة ، وهو المطلوب.

لا يقال : إنّ ظاهر المقبولة هو اختصاصها بالقضاء كما هو المصرّح به في صدرها ، حيث سأل الراوي عن رجلين بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فلا يستقيم الاستدلال بهما في الفتوى.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ ، الحديث ٢٠.

(٣) نهج البلاغة : ٤٣٤ ، الكتاب ٥٣ من رسائله عليه‌السلام.

٥٤٢

لأنّا نقول أوّلا : يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب ، إذ لا قائل بالفصل بين وجوب قضاء الأعلم وتقليده ، وإن احتمل عدم تحقّقه في العكس.

وتوهّم : اختصاص الرواية بظاهرها بصورة تقارن الحكمين ولم يثبت الإجماع حينئذ ، مدفوع : بأنّ ذلك يوجب حمل الرواية على النادر ، إذ التقارن قلّما يتّفق مع إمكان دعوى الإطلاق أيضا. وثانيا : أنّ ظاهر المقبولة صدرا وذيلا فيما إذا كان الاشتباه في الحكم الشرعي الّذي مرجعه إلى الاختلاف في الفتوى ، دون الأمور الخارجية التي لا يكون رفع الاشتباه فيها بالرجوع إلى الأحاديث ، فتكون الرواية دليلا على الترجيح بالأعلميّة عند اختلاف أرباب الفتوى. ويرشد إلى ذلك : أنّ رفع الاشتباه في غيرها إنّما هو بالأمارات المفيدة للأمور الخارجيّة كالأيمان والبيّنات ونحوها. بخلاف الاشتباه في الحكم الشرعي ، فإنّ مرجع الاشتباه فيها بالرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة التي منها الأحاديث الواردة بينهم.

وتوضيح ذلك أيضا : أنّ المرجّحات المذكورة بعد ذلك أيضا من مرجّحات الاستنباط للحكم الشرعي ، مثل موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ونحوها. ويؤيّده :

أنّ النزاع في الأمور الخارجيّة لا وجه لاختلاف الحكمين فيه ، إذ لا يجوز نقض حكم الحاكم الأوّل للثاني ، فلا يعقل الاختلاف بينهما.

فإن قلت : لا وجه لحمل الرواية على التقليد أيضا ، فإنّ إعمال هذه المرجّحات ليس من مثال المقلّد أيضا ، ضرورة أنّ اللازم في حقّ المقلّد هو الأخذ بالفتوى من دون مراجعة إلى دليل الواقعة حتى يحتاج إلى إعمال المرجّحات.

قلنا : ذلك مبنيّ على اختلاف حال المقلّدين الموجودين في ذلك الزمان والموجودين في زماننا ، إذ يمكن أن يكون المقلّدون في ذلك الزمان من أرباب

٥٤٣

الاجتهاد. ولا ينافي ذلك تقليدهم لحصول الاطمئنان لهم بأنّ المذكور في مقام الفتوى هو مضمون الرواية المسموعة عن الإمام ، ألا ترى أمر الصادق عليه‌السلام بعبد الله بن أبي يعفور ـ مع كونه من أصحاب الرواية ـ بالرجوع إلى الثقفي (١). فالظاهر أنّهم كانوا يعتمدون بما عندهم من الروايات ، وإذا احتاجوا في واقعة إلى حكم كانوا يسألون بعضهم بعضا فيعتمدون على جوابه وإن لم يكن لفظ الرواية ، تنزيلا لفتواهم منزلة رواياتهم ، مثل المقلّدين في زماننا.

وأمّا اجتماع الأوصاف المذكورة في الرواية ، فالظاهر من مساقها اكتفاء بعضها أيضا ؛ مضافا إلى انعقاد الإجماع على خلافه ولا يوجب نقضا في الاستدلال. كما أنّ مخالفة ترتيب المرجّحات أيضا للعمل لا يضرّ ما نحن بصدده.

فلا وجه للمناقشة في دلالة المقبولة ، كما لا وجه للمناقشة في سندها ، فإنّها مقبولة معمول بها. مثل المناقشة في الرواية الثانية.

نعم ، لو كان ولا بدّ من المناقشة فليناقش في الرواية المنقولة في نهج البلاغة (٢) فإنّ الظاهر من مساقها الاستحباب.

الثالث (٣) : أنّ فتوى الأعلم أقرب من غيرها فيجب الأخذ بها عند التعارض ؛ لأنّ الأخذ بالأقرب لازم عند التعارض. أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلقضاء صريح العقل به.

واعترض عليه (٤) تارة في الصغرى وأخرى في الكبرى.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٠٥ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣.

(٢) تقدمت في الصفحة : ٥٤٢.

(٣) من وجوه احتجاج المانعين.

(٤) لم نعثر عليه.

٥٤٤

أمّا الأوّل : فبأنّ الأقربيّة على وجه الإطلاق ممّا لا وجه لها ، إذ ربما يكون فتوى غيره أقرب بواسطة اعتضادها بالأمور الخارجيّة ، كموافقتها المشهور أو لفتوى أعلم الأموات أو غير ذلك ، فإذا فرض اطّلاع المقلّد على هذه المرجّحات يكون فتوى غير الأعلم أقرب.

وأمّا الثاني : فبأنّه لا دليل على اعتبار الأقربيّة في الأمارات التعبّدية التي منها قول المفتي في حقّ المستفتي. نعم ، لو كان اعتباره من باب الظنّ كان ذلك وجها. ولكنّه قد اعترف (١) مرارا بفساد هذه الدعوى.

ويمكن الجواب ، أمّا عن الأوّل : فبأنّ الأقربيّة تارة تكون بواسطة المرجّحات الداخليّة في ذات الأمارة ، نظير قوّة الدلالة في تعارض الأخبار وقوّة السند فيها. وتارة تكون بواسطة أمور خارجيّة عن ذات الأمارة ، مثل موافقة المشهور وأمثاله ممّا لا ربط له بنفس الأمارة وإن كان يوجب أقربيّة مضمونها إلى الواقع. والفرق بينهما ظاهر مذكور في محلّه في باب التعارض.

لا كلام في اعتبار المرجّح الداخلي في حقّ المجتهد. وأمّا المرجّحات الخارجيّة فقد تحقّق في محلّها أنّها معتبرة في حقّ المجتهد أيضا. وأمّا المقلّد فالإجماع بل الضرورة قضت على عدم اعتبار المرجّح الخارجي في حقّه. والسرّ فيه ظاهر ، حيث إنّه لو قلنا بذلك يلزم تديّن كلّ واحد من المقلّدين بغير ما تديّن به الآخر. بخلاف المرجّح الداخلي الذي منه الأعلميّة ، فإنّه معتبر في حقّه قطعا لانضباطه وعدم لزوم المحذور على تقديره ، مع حكم العقل بلزوم الأخذ بالأقرب. ولا يقاس ذلك بالشهرة ونحوها.

__________________

(١) في النسخ : اعترفت.

٥٤٥

والحاصل : أنّ الإجماع قام على عدم اعتبار ظنّ المقلّد في مقام الترجيح فيما إذا لم يكن مستندا بنفس الأمارة. نعم ، في المقام شيء آخر ، وهو أنّ فتوى غير الأعلم قد يكون بنفسها أقوى من فتوى الأعلم بواسطة زيادة حاصلة فيها من زيادة فحص وكثرة تتبّع لأقوال العلماء بعد اشتراكهما فيما هو المصحّح للاجتهاد والفتوى ، فلو لم نقل بأنّ ذلك يوجب الأعلميّة في هذه الواقعة الخاصّة لا يستقيم الاستناد إلى الدليل المذكور ، بل ولا يجري غيره من الأدلّة أيضا. أما الإجماعات المنقولة ، فلعدم الاطمئنان بشمولها للمقام. وأمّا الأخبار ، فيمكن دعوى عدم انصرافها إلى مثل المقام.

وهل يتخيّر بينهما نظرا إلى عدم الترجيح بينهما بواسطة اشتمال كلّ منهما على مرجّح داخليّ ، أو يقدّم الفاضل الأقوى نوعا نظرا إلى إطلاق معاقد الإجماعات والأخبار ، أو يقدّم المفضول نظرا إلى كونه أوثق شخصا؟ وجوه ، أوسطها الأوسط لو لم نقل : بأنّ ذلك يوجب أعلميّة المفضول في الواقعة الخاصّة ، فتدبّر.

وأمّا عن الثاني : فبأنّ التقليد إنّما هو ليس من الأمارات التعبّدية المحضة التي لا يلاحظ فيها حال الواقع بوجه ـ كأن يكون مفادها في عرض الواقع على وجه يكون موضوعا لما يترتب عليها حتى لا يكون الأقربية إلى الواقع موجبا للأخذ بها عند المعارضة ـ ولا من الأمارات الثابتة بواسطة دليل الانسداد حتى يؤخذ بالطرف الراجح ولو كان من الأمور الخارجية ، بل المتحقّق : أنّ اعتبار التقليد في حقّ العاميّ إنّما هو من باب التعبّد لكن على وجه الطريقيّة ، فالملحوظ فيه هو الكشف عن الواقع قطعا. ولا إشكال في أنّ الأخذ بما هو الأقوى في هذه الأمارات لازم لحكم العقل.

٥٤٦

والحاصل : أنّ التقليد إنّما هو معتبر من حيث إنّه يطابق الواقع في الأغلب وإن لم يكن مداره على حصول الظنّ في خصوصيّات الموارد ، وذلك يوجب الأخذ بالأقرب الأقوى نوعا إذا كان الأقربيّة مستندة إلى ذات الأمارة.

وقد يدّعى في المقام : أنّ بناء العقلاء على الرجوع إلى الأعلم. وهو في محلّه ، لما عرفت من أنّ بناء التقليد ليس على التعبّدية الصرفة ، فإنّ من المعلوم أنّ وجه بنائهم في أمورهم إنّما هو بواسطة إناطة أمورهم بالواقع المستكشف عندهم في الغالب بالإدراكات الظنّية.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول : الظاهر من لفظ « الأعلم » على حسب الاشتقاق في اللغة هو اختلاف الفاضل والمفضول في مراتب الإدراك المختلفة شدّة وضعفا. ولكنّه ليس بمراد قطعا ، بل المراد منه : إمّا من هو أقوى ملكة أو أكثر خبرة من غيره ، وإمّا من هو أكثر معلوما من غيره.

والظاهر هو الأوّل وإن قيل بانفكاكه عن الثاني في الغالب. والوجه في ذلك : أنّ كثرة المعلومات مع ضعف الملكة الحاصلة منها الاستنباط ربما يكون موجبا لمزيد البعد عن الواقع ، كما نشاهد في أغلب أبناء زماننا من الغلبة. ويشير إلى ذلك تفسير « الفقه » بالعلم بالملكة (١) مع شيوعه في العرف والعادة ، وفي بعض الآثار ما يرشد إليه حيث قال : « أنتم أعلم الناس إذا علمتم وفهمتم معاني كلامنا » (٢).

__________________

(١) كذا ، ولعلّ المراد : العلم الحاصل بسبب الملكة.

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧ ، وفيه : « أفقه الناس » بدل « أعلم الناس ».

٥٤٧

وبالجملة ، « الأعلم » من الأمور الخفيّة التي لا يعرفها العرف والعادة ، ولا مدخليّة لكثرة المعلومات في ذلك. نعم ، لو كان ذلك سببا لوثاقة فتواه بناء على الاختلاف (١) بين الأعلميّة والأوثقيّة كان الوجه ما عرفت من الوجوه.

فلو علم المقلّد بواسطة مراجعة أهل الخبرة إتقان أمر المفتي في الاستنباط واستحكام مباني اجتهاده على وجه يكون ذلك زائدا على ما هو المعتبر في الاستنباط ، فالواجب الرجوع إليه.

وهل الظنّ بذلك يقوم مقام العلم؟ الأقرب نعم ، لا لما يتوهّم من اعتبار الظنّ في أمثاله ، بل لما عرفت من كفاية احتمال وجود ما يحتمل المرجحيّة بين المتعارضين ، فكيف بالظنّ بوجوده!

وهل يجوز التعويل على الظنّ مع إمكان تحصيل العلم؟ الأقرب نعم إذا لم يحتمل أعلميّة الموهون بل يحتمل مساواتهما ، فإذا احتمل الأعلميّة فاللازم هو الفحص على القول بوجوبه كما ستعرف ، وعلى القول بعدمه فلا فحص.

الثاني : هل اللازم هو الأخذ بالأورع عند تساويهما في العلم والفضيلة أو يتخيّر بينهما؟ قولان :

ظاهر المنقول (٢) من النهاية (٣) والتهذيب (٤) والذكرى (٥) والدروس (٦)

__________________

(١) في النسخ : « اختلاف ».

(٢) نقله السيد المجاهد في المفاتيح : ٦٣٠.

(٣) نهاية الوصول : ٤٤٧.

(٤) تهذيب الوصول : ١٠٥.

(٥) الذكرى : ٤٣.

(٦) الدروس ٢ : ٦٧.

٥٤٨

والجعفريّة (١) والمقاصد العليّة (٢) والمسالك (٣) والتمهيد (٤) وشرح الزبدة للفاضل الصالح (٥) هو الأوّل.

وهو الأقوى ، لما عرفت من الأصل وبعض الأخبار ، ويزداد قوّة إذا فرض وثاقته بواسطة شدّة ورعه وبذل جهده ، فإنّه يندرج في عنوان الدليل العقلي أيضا.

وهل يتخيّر بين الأعلم والأورع؟ أو يقدّم الأوّل أو الثاني؟ وجوه.

الأقرب الثاني ؛ لأنّ المناط في الاستفتاء والعمل بقوله آكد فيه من غيره وإن كان أورع. اللهم إلاّ أن يكون ذلك سببا لوثاقة فتواه بواسطة إعمال الفكر زائدا على ما هو المعتبر ، لو لم نقل بخروجه عن الفرض.

الثالث : إذا علم المقلّد كون زيد أعلم وعلم موارد الاختلاف تفصيلا بينه وبين غيره ، فقد عرفت وجوب الأخذ بالأعلم.

وإذا علم بالأعلم تفصيلا وبالاختلاف إجمالا ، فهل يجب تمييز المسائل المختلف فيها عن غيرها أو لا؟ وجهان :

الأظهر الوجوب إذا كان المعلوم بالإجمال غير ملحق بالشبهة الغير المحصورة ، فإنّ العلم الإجمالي على الوجه المذكور كالعلم التفصيلي من غير فرق. وأمّا إذا كان ملحقا بالشبهة الغير المحصورة فهو نظير ما إذا علم التفاضل ولم يعلم الاختلاف أصلا ، ولا دليل على وجوب الفحص عن الاختلاف سوى الأصل

__________________

(١) الرسالة الجعفرية ( رسائل المحقّق الكركي ) ١ : ٨٠.

(٢) المقاصد العليّة : ٥١.

(٣) المسالك ١٣ : ٣٤٥.

(٤) تمهيد القواعد : ٣٢١ ، قاعدة ١٠٠.

(٥) شرح الزبدة ( مخطوط ) : ٢٦١.

٥٤٩

المنقطع بالسيرة المستمرّة على ما مرّ الوجه فيها ، فيجوز الأخذ بفتوى المفضول مع العلم بالتفاضل ؛ مضافا إلى أصالة عدم المعارض الغير المعارضة بأصالة عدم غيره ، إذ لا يترتّب عليها حكم مع جواز الرجوع إلى بعض الإطلاقات عند القائلين بدلالتها ، فتدبّر.

وإذا علم الاختلاف واحتمل الفاضل فهل يجب الفحص أو لا؟ وجهان ، بل لعلّه قولان ، يدلّ على عدم الوجوب أمران :

أحدهما : أنّهما أمارتان تعارضتا لا يمكن الجمع بينهما ولا طرحهما ولا تعيين أحدهما ، فلا بدّ من التخيير بينهما.

وفيه : أنّ احتمال التعيين موجود ولا يندفع بأصالة عدم التفاضل ؛ لأنّها بعد كونها أخذا بالأصل في تعيين الحادث لا يتمّ ، حيث إنّ التخيير العقلي عدمه من اللوازم العقليّة لوجود الاحتمال ، والأصل لا يجدي في رفع الاحتمال حقيقة.

وثانيهما : أصالة البراءة عن وجوب الفحص.

وفيه : أنّ وجوب الفحص في المقام بمنزلة الفحص عن نفس المرجع في الأحكام الشرعية. ويدلّ على الوجوب أمور :

منها : الأصل ، حيث إنّ قبل الفحص لا يعلم البراءة ، بخلافه بعد الفحص ، فالواجب هو الفحص.

ومنها : قوله في رواية داود بن الحصين « تنظر إلى أفقههما » (١) فإنّه في قوله : « تنظر » دلالة واضحة على وجوب الفحص ؛ مضافا إلى كونه معمولا به في جميع الطرق المتعارضة. ولعلّ وجوب الفحص موافق للقاعدة أيضا ، فإنّ التكليف معلوم إجمالا وإنّما الشكّ في كونه على وجه التعيين على تقدير التفاضل ، أو على

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠ ، وفيه ينظر.

٥٥٠

وجه التخيير على تقدير عدمه ، ومنشأ الشكّ هو الاشتباه في المصداق مع انتفاء ما يشخّصه من الأصول وإمكان استعلامه ، فلا بدّ من الفحص حتّى يعلم المكلّف به أو ظنّ (١) به ، سواء كان من مطلق الظنّ أو غيره ، لكفاية احتماله على ما عرفت.

ومن هنا يعرف وجوب الفحص فيما لو علم بالتفاضل إجمالا بعد العلم بالاختلاف. وإن علم بالاختلاف إجمالا مع الشكّ في التفاضل ، فاللازم الفحص عن التفاضل ثمّ الأخذ بموارد الاتّفاق والتميز عن موارد الاختلاف فيما إذا كان كثيرا.

وإذا شكّ في التفاضل والاختلاف معا فلا يجب الفحص ؛ لأنّه مع العلم بالتفاضل قد عرفت عدم الوجوب ففي المقام أولى. فلو علم التفاضل والاختلاف إجمالا فالواجب هو الفحص ؛ لما عرفت. ولو علم بالتفاضل إجمالا مع الشك في الاختلاف فلا فحص.

والحاصل : أنّ مجموع الصور تسعة لا يجب الفحص مع الشكّ في الاختلاف ، سواء علم التفاضل تفصيلا أو إجمالا أو لم يعلم. ويجب الفحص من التفاضل فيما إذا علم الاختلاف تفصيلا أو إجمالا على وجه يعتدّ به سواء علم التفاضل إجمالا أو لم يعلم به.

الرابع : لو قلّد أحد المجتهدين بواسطة التفاضل ثمّ تعاكست النسبة بينهما ـ أو كانا متساويين في العلم ـ إمّا لاشتغال أحدهما بالمباحث العلمية دون الآخر أو لغير ذلك ، فهل يجب الرجوع عن تقليد الأوّل ، أو يجب البقاء عليه ، أو يتخيّر بينهما؟ وجوه :

__________________

(١) كذا والمناسب : يظنّ.

٥٥١

والتحقيق : أنّه إن قلنا بجواز العدول فلا إشكال في وجوب الرجوع ، لوجود المقتضي ـ وهو التفاضل ـ وعدم المانع ، إذ لا مانع إلاّ احتمال حرمة العدول ، والمفروض جوازه فيجري فيه الأدلّة السابقة. وإن قلنا بحرمة العدول ـ كما لعلّه الأوفق ؛ لأنّه مقتضى الأخذ بالأصل ـ فيشكل الأمر ، نظرا إلى تعارض ما هو العمدة في المقامين : من الأصل والإجماعات المنقولة وعدم انصراف الأخبار إلى مثل المقام المسبوق بالتقليد ، فيحكم بالتخيير بينهما. إلاّ أنّه مع ذلك فالأقوى الرجوع إلى الأعلم ، والوجه أمران :

الأوّل : أنّ العمدة في دليل حرمة الرجوع هو الأصل المتعاضد بنقل الإجماع من العلاّمة (١) والعميدي (٢). ولم يظهر عموم مقالتهم للمقام ، حتّى أنّ بعض مدّعي الإجماع هناك قد اختار الرجوع في المقام ، كالعميدي (٣).

فالأظهر : أنّ الاجماعات المنقولة في وجوب تقليد الأعلم تشمل المقام من دون معارض ، فإنّ المعتمد من الإجماعات في العدول هو إجماع العلاّمة والعميدي وقد اختارا القول بالعدول في المقام. مع إمكان دعوى انعقادها فيما لو أريد العدول في الواقعة الّتي قلّد فيها ، مثل ما إذا عمل بقول المفتي في جواز البيع بالفارسيّة ثمّ باع على الوجه المذكور ، فإنّه يحرم عليه العدول عن التقليد الخاصّ وإن جاز له العدول في مبيع آخر. وأمّا إجماع العضدي والحاجبي (٤) فعلى تقدير عمومه ممّا لا يزيح علّة. ومن هنا ينقدح جريان الأصل في المقام ، لأنّ احتمال حرمة البقاء أقوى من احتمال حرمة العدول.

__________________

(١) نهاية الوصول : ٤٤٧.

(٢) منية اللبيب : ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٣) منية اللبيب : ٣٧٠.

(٤) المختصر وشرحه : ٤٨٥.

٥٥٢

الثاني : أنّ الأمر وإن كان دائرا بين المحذورين ، إلاّ أنّه دائر في الحكم الظاهري بين التخيير والتعيين ، والأصل هو التعيين ، فتأمّل.

ومن هنا يظهر : أنّه لو قلّد المفضول بواسطة تعذّر الوصول إلى الفاضل فبعد التمكّن منه يجب الأخذ بالفاضل والعدول عن تقليده ، فكيف بالمسائل الّتي ما قلّد فيه المفضول!

الخامس : هل يجوز الترافع إلى المفضول مع وجود الفاضل؟ فيه تفصيل ، فإنّ القضاء إمّا أن يكون باستعمال أمور اجتهاديّة يلزم منه عمل المترافعين بقوله ، كترجيح البيّنة الداخلة على غيرها والحكم بردّ اليمين ، وكما إذا كان وجه النزاع هو اختلاف المجتهدين ، كما إذا ادّعى أحدهم ملكيّة عين مشتراة بالفارسيّة والآخر عدمها ونحوه. وإمّا أن لا يكون كذلك ، كما إذا كان رفع التشاجر بينهما موقوفا على سماع البيّنة من المدّعي أو حلف المنكر.

لا إشكال في جواز الترافع إلى المفضول في الثاني. وأمّا الأوّل : فإن كان بين الفاضل وغيره اختلاف في الفتوى فمع العلم بالاختلاف على جواز (١) الترافع إلى المفضول ، للأدلّة السابقة الدالّة على عدم جواز الأخذ بالمفضول مع وجود الفاضل. ولا دليل على أنّ القضاء لا يجوز من المفضول ولو عند الوفاق أو عدم احتياج الواقعة إلى إعمال الفتوى ، لإطلاق أدلّة القضاء. وذلك لا ينافي كون القضاء منصبا فيحتمل اعتبار الأعلميّة فيه تعبّدا لعدم كونه طريقا ، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي بعد وجود الدليل على وجه الإطلاق.

__________________

(١) كذا ، والعبارة ناقصة ، ولعلّها في الأصل : فالمشهور ـ أو المعروف ـ عدم جواز الترافع ....

٥٥٣

وهل للمفضول سائر الولايات : من التصرّف في أموال الأيتام والأوقاف الراجعة إلى الحاكم الشرعي ونحو ذلك؟ الأقرب نعم ، لإطلاق ما دلّ على ثبوت تلك المناصب. ويحتمل اختصاصها بالفاضل ، نظرا إلى كونها نيابة عن الإمام فلا بدّ من الاقتصار على مورد العلم بالإذن والفاضل معلوم النيابة والأصل عدم نيابة المفضول على الفاضل. إلاّ أنّه مدفوع بالإطلاق. نعم لو تحقّق مورد التفصيل كان ذلك وجها.

السادس : إذا ثبت فتوى الفاضل بطريق مفيد للعلم أو ما يقوم مقامه من الأمارات المقرّرة في الشريعة بالخصوص لإثبات أمثال ذلك كالبيّنة ونحوها لا إشكال في وجوب الأخذ بها وترك التعويل على فتوى المفضول المخالفة لها ، سواء كانت فتوى المفضول معلومة أو لا.

وهل يلحق بتلك الأمارات الخاصّة الظنون المطلقة على القول بها فيما إذا كان فتوى المفضول معلوما ، أو يؤخذ بها ، أو يتخيّر بينهما لوجود المرجّح في الطرفين؟ وجوه :

الأقرب العدم ؛ لأنّ حجّية مطلق الظنّ إنّما هو فرع عدم وجود الظنّ الخاصّ ، والمفروض اطّلاعه على فتوى المفضول التي هي الحجّة الشرعيّة على عدم تقدير المعارض. وفتوى الفاضل الثابت بالظنّ لا يصلح معارضا إلاّ على تقدير عدم اعتبار فتوى المفضول. وهو بعد غير ثابت ، فيرجع إلى عموم ما دلّ على وجوب الأخذ بها لو كان.

فإن قلت : إنّ ذلك يوجب طرح الظنون المطلقة عند معارضتها بالأمارات الثابتة من باب الظنون الخاصّة ؛ لأنّ اعتبار مطلق الظنّ في مورد الظنّ الخاصّ موقوف على انتفاء الظنّ الخاصّ ولا يرتفع إلاّ بعد المعارضة ولا يصلح للمعارضة إلاّ بعد حجّية الظنّ المطلق الموقوف على ارتفاع الظنّ الخاص.

٥٥٤

قلت : إنّ الأخذ بالشهرة مثلا في قبال الخبر الواحد إمّا بواسطة خروج الخبر عن موضوع الحجّة كما إذا ارتفع الوثوق به بواسطة المخالفة ، وإمّا بواسطة العلم الإجمالي بتخصيص الأمارة الخاصّة بمضامين الأمارات الظنّية ، وأين ذلك من اعتبار الظنّ في قبال قول المفضول المعلوم حجّيته بالفرض؟

ولا يقاس ذلك بالظنّ بالأعلميّة ، فإنّه ظنّ بالمرجّح وهذا ظنّ بالحجّة. نعم ، لو تساويا في ذلك تعيّن الأخذ بالفاضل ، لكونه القدر المتيقّن. ومنه يظهر الكلام في غير الأعلميّة من المرجّحات.

السابع : إذا رجع المقلّد إلى الأعلم ، فإن أفتاه بوجوب تقليده فلا إشكال. وإن أفتى بجواز تقليده فهل للمقلّد الرجوع إلى غيره أو لا؟

حكى الأستاذ المحقّق دام مجده عن بعض معاصريه عدم الجواز ، ولم يظهر لنا وجه. فإن كان بواسطة أنّ غير الأعلم ربما يفتي بوجوب تقليد الأعلم فيلزم من وجوده عدمه ، فقد عرفت أنّه لا يجب أن يقلّد في هذه المسألة. وإن كان بواسطة أنّ العقل إنّما هداه إلى الأعلم فلا وجه للحكم بخلاف ما هداه إليه العقل ، ففيه : أنّ ذلك ليس اجتهادا منه في هذه الواقعة ، بل الرجوع إلى الأعلم في هذه الواقعة إنّما هو حكم ظاهريّ من العقل ، وليس مدركا للحكم الواقعي ، وبعد الفتوى يستعلم حكمه الواقعي ، فلا مانع من الرجوع إلى غير الأعلم.

الثامن : لا دليل على وجوب تعيين المجتهدين في العمل بقولهم إذا كانوا متوافقين في الفتوى وإن كان بينهم تفاضل ، بعد كون كلّ واحد منهم حجّة شرعيّة مع انتفاء ما يوجب التعدية بالنسبة إلى قول الأعلم.

التاسع : المعتبر في الفحص هو الفحص عن حال العلماء الذين تيسّر للمقلّد الرجوع إليهم ، فلا يجب الفحص عن حال الموجودين في مشارق الأرض ومغاربها ، عملا بالسيرة ، واعتمادا على نفي العسر والحرج.

٥٥٥

وهل الواجب هو الفحص عن حال من يدّعي الأعلميّة ولو لم يعلم قابليّته ، أو لا بدّ من الفحص فيمن يعلم قابليّته؟ الأقوى هو الأوّل ، ولكن الأقرب هو الثاني ، لعدم الاعتناء بمن لم يثبت قابليّته بعد ، كما يظهر ذلك بالسيرة. وإن كان ربما يقال : إنّ ذلك في الغالب بواسطة العلم الإجمالي بانتفاء الأعلميّة فيمن لم يعلم قابليّته ، وإذا يعتبر الرجوع إلى الأعلم فاللازم هو الرجوع إلى من هو أعلم من غيره فالأعلم ، فإنّ ذلك مقتضى الأدلّة السابقة.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه المسألة المهمّة على ما أفاده الأستاذ المحقّق المدقّق العليم العلاّمة ـ مدّ الله ظلّه على رءوس أرباب العلم والعمل ـ بمحمّد وآله الطاهرين.

٥٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألتان ملحقتان : تقليد الميت وتقليد الأعلم

٥٥٧
٥٥٨

بسم الله الرحمن الرحيم

واعلم أنّ مسألتي تقليد الميّت وتقليد الأعلم اللتين ليستا بعنوان « الهداية » خارجتان عن أجزاء كتاب مطارح الأنظار وإن كانتا أيضا من إفادات المحقّق الثالث والعلاّمة الثاني ، الشيخ مرتضى الأنصاري ، التي حرّرها بعض الأساطين من تلامذته. ولعمري أنّهما في غاية الجودة والإتقان في الإفادة والتحرير ، ومن هنا أجبنا (١) التكرير ، هو المسك ما أكررته يتضوّع (٢).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على خير خلقه محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

[ الأقوال في اشتراط الحياة في المفتي ] :

وبعد فقد اختلف العلماء ـ بعد اتّفاقهم على جواز التقليد عند تعذّر العلم ، عدا بعض من فقهاء الحلب (٣) ، كابن زهرة (٤) وجملة من المعتزلة (٥) ـ في اشتراط

__________________

(١) كذا ، ولعله : « أحببنا ».

(٢) كذا ، والمناسب : كرّرته يتضوّع.

(٣) كذا ، والمناسب : حلب.

(٤) الغنية ٢ : ٤١٤.

(٥) انظر الإحكام للآمدي ٤ : ٢٣٤ ، والمعتمد في اصول الفقه ٢ : ٣٦٠.

٥٥٩

حياة المفتي في الاستفتاء والتقليد ، فالمعروف عند الإمامية والمشهور فيما بينهم ـ شهرة دعت جماعة من أجلاّء الأصحاب إلى نفي الخلاف ، أو دعوى الاجماع عليه (١) ـ هو الاشتراط ، فعن شرح الألفية (٢) للمحقّق الثاني : لا يجوز الأخذ عن الميّت مع وجود المجتهد الحي بلا خلاف بين علماء الإمامية. وعن المسالك : قد صرّح الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطوّلة وفي غيرهما ، باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله ، ولم يتحقّق إلى الآن في ذلك خلاف ممن يعتدّ بقوله من أصحابنا ، وإن كان للعامّة في ذلك خلاف (٣) مشهور. وبمثله قال في آداب العلم والمتعلّم (٤). وقال في محكي الرسالة المنسوبة إليه : نحن بعد التتبّع الصادق فيما وصل إلينا من كلامهم ما علمنا من أصحابنا السابقين وعلمائنا الصالحين مخالفا في ذلك ؛ فإنّهم قد ذكروا في كتبهم الاصوليّة والفقهيّة قاطعين فيه بما ذكرنا : من أنّه لا يجوز تقليد الميّت ، وأنّ قوله يبطل بموته من غير نقل خلاف أحد فيه (٥). وفي المعالم (٦) نسبه إلى ظاهر الأصحاب ، ثمّ قال : والعمل بفتاوى الموتى مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع عن الرجوع إلى فتوى الميّت مع وجود الحي. وعن القاساني (٧) الذي ستعرف خلافه في المسألة : الاعتراف بأنّه مختار

__________________

(١) راجع مفاتيح الاصول : ٦١٨ ـ ٦٢٤.

(٢) رسائل المحقق الكركي ٣ : ١٧٦.

(٣) المسالك ٣ : ١٠٩.

(٤) منية المريد : ١٦٧.

(٥) رسائل الشهيد الثاني ١ : ٤٤.

(٦) المعالم : ٢٤٨.

(٧) مفاتيح الشرائع ٢ : ٥٢.

٥٦٠