مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

وأخرى بدليل شرعيّ كذلك ، ولا ريب في كونه شرعيا. وأمّا مدخليّة العقل فيه فإنّما هو من حيث انتهائه إليه في إثبات حجّيته ، ولا شكّ في عدم اعتباره بعد إحراز حجّيته كما هو المقصود في أمثال المقام على ما لا يخفى.

واخرى : بما يكون إحدى مقدّمتيه عقليّة والأخرى نقليّة ، فالمقدّمة العقليّة لو كانت معلومة مفروغا عنها ومحرزة صحّ تسمية الدليل بالشرعيّ ، سواء كانت صغرى للقياس أو كبراه ، والمقدّمة الشرعيّة لو كانت مفروغا عنها ـ ولو في الاعتبار ـ فالدليل عقلي ، فإنّ المقدّمة العقليّة حينئذ ممّا (١) يتوصّل به إلى حكم شرعي ، كما يقال : بأنّ مقدّمة الواجب ممّا يتوصّل بها إليه ، يعني أنّ بعد إحراز الشرائط ورفع الموانع ـ مثلا ـ يتوصّل بها إليه ؛ ولا يراد منه أنّها علّة تامّة للتوصّل إلى ذيها ، ولكن حيثما كان وجود المعلول متوقّفا على حصول العلّة وكان حصولها لوجود الجزء الأخير منها صحّ إسناد المعلول إليه فكان الموصل هو هذا الجزء.

وبالجملة ، المقدّمة العقليّة سواء كانت صغرى للقياس الذي هو المفيد للعلم بالحكم أو كبرى له فيما لو كانت المقدّمة النقليّة الأخرى محرزة مفروغا عنها تجري مجرى الجزء الأخير من العلّة ، فيصحّ استناد العلم إليها والقول بأنّها الموصلة إليه كما لا يخفى. وإليه ينظر كلام من قسّم الدليل إلى العقلي والنقلي من أساطين العلماء ، كالمحقّق في مقدّمات المعتبر (٢) والشهيد في الذكرى (٣) على ما حكى عنهما (٤).

__________________

(١) في ( ش ) بدل « ممّا » : « ما ».

(٢) انظر المعتبر ١ : ٢٨ ـ ٣١.

(٣) انظر الذكرى ١ : ٤٤ ـ ٥٢.

(٤) في ( ط ) : « عنها ».

٣٢١

فإن قلت : ما ذكر من أنّ المراد من الموصل أعمّ من العلّة التامّة وغيرها ينافي ما هو المصرّح به في كلامهم : من أنّ الدليل النقلي ما لا يكون مقدّماته عقليّة صرفة ، فإنّ ذلك إنّما يلائم كون المراد من الموصل خصوص العلّة التامّة كما هو الظاهر.

قلت : قد يطلق الدليل العقلي ويراد به ما ليس بنقلي في قبال الدليل النقلي ، وقد يطلق ويراد به ما يقابل غير العقلي ، فالعقلي بأحد المعنيين لا ينافي النقلي بالمعنى الذي لا يقابله ، بل ينافي ما يقابله ، فالمراد من التسمية بالعقلي : أنّ الحكم مستند إلى العقل ، لا الإجماع وغيره من الأدلّة الشرعيّة. ولا ينافي كونه نقليّا بالمعنى الذي ذكروه ، فإنّه ربما يستند الحكم إلى الكتاب أو السنّة ؛ مع أنّ كلاّ منهما لا يكاد يتمّ الاستدلال بهما إلاّ بعد ضمّ مقدّمة عقليّة أو نقليّة كالإجماع ـ ولو مركّبا ـ ونحوه ؛ ومع ذلك فالحكم مستند إلى الكتاب أو السنّة.

مثلا : لزوم الاجتناب عن الأثواب الملاقية لأبوال ما لا يؤكل لحمه يستفاد من السنّة ، والحكم في الأبدان إنّما يتمّ بعد انضمام عدم القول بالفصل بين الأبدان والأثواب إلاّ (١) أنّ الحكم في الأبدان أيضا مستند إلى الكتاب (٢).

وبالجملة ، لا تنافي بين كون الدليل نقليّا بمعنى كون بعض مقدّماته نقليّة وكونه عقليّا بمعنى استناد الحكم إلى العقل ، كما عرفت عدم المنافاة بين استناد الحكم إلى السنّة أو (٣) الكتاب مع عدم انتهاضهما على تمام المطلوب إلاّ باعتبار مقدّمة خارجة عنهما.

__________________

(١) لم يرد « إلاّ » : في ( ش ).

(٢) كذا ، والظاهر : السنّة.

(٣) في ( ش ) بدل « أو » : « و ».

٣٢٢

ثم إنّه لا يخفى عليك عدم انعكاس الحدّ المذكور ، نظرا إلى أنّ المتبادر منه هو اختلاف حكمي العقل والشرع ، كما هو ممّا لا مناص عنه حذرا عن اتّحاد الدليل والمدلول ؛ ومع ذلك فبعض أفراد الدليل العقليّ ـ كالحكم بوجوب المقدمة بعد وجوب ذيها ـ هو عين الحكم الشرعيّ ، فإنّ العقل يدرك وجوب المقدّمة وهو نفس المدلول ، فيلزم الاتّحاد المحذور.

اللهمّ إلاّ أن يجاب عنه : بأنّ الحكم العقلي في المقام هو وجوب المقدّمة عند وجوب ذيها على وجه إجمالي كلّي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ خاصّ ، كوجوب الوضوء للصلاة والخروج مع الرفقة للحجّ ، وأمثال ذلك ممّا هو ظاهر كالحكم في سائر الكبريات المستدلّ بها على ثبوت أحكام أفراد موضوعها ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ التقسيم المذكور ممّا لا وجه له ظاهرا ، إذ العقل بعد فرض حكمه فهو مستقلّ فيما يحكم به ، ولا ينافيه ثبوت موضوعه بالشرع ، فإنّ العقل يستقلّ بوجوب مقدّمة الواجب وحرمة الضدّ كما يستقل بوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظلم ، من غير فرق بينهما إلاّ فيما لا عبرة به في الاستقلال وعدمه ، وهو تحقّق موضوعه شرعا في الخارج ، فالحاجة إلى ثبوت الموضوع لو كان ممّا يؤثّر في الاستقلال وعدمه لما كان هناك حكم يستقلّ به العقل ، للاحتياج المذكور.

وبالجملة ، فالعقل يحكم بامتناع انفكاك أحد المتلازمين عن الآخر وإن كان ثبوت الملزوم متوقّفا على شيء آخر في الخارج.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الكلام ليس في تلك العناوين الكلّية ـ كوجوب المقدّمة عند وجوب ذيها أو امتناع الانفكاك بين المتلازمين ـ بل الكلام إنّما هو في العناوين المخصوصة المعنونة (١) في كتب الفقهاء : من وجوب الوضوء عند

__________________

(١) في ( ش ) : « المعهودة ».

٣٢٣

وجوب الصلاة ، وحرمة الصلاة عند نجاسة المسجد ، وحرمة الضرب عند حرمة التأفيف ، ونحوها من الأحكام الخاصّة. ولا ريب أنّ العقل لا يستقلّ بإدراك أحكام تلك الأمور المخصوصة إلاّ بعد ورود خطاب شرعيّ على وجوب الفعل أو حرمته بخلاف حكم العقل بحرمة الظلم ولو في مورد خاصّ ، فإنّه لا حاجة في ذلك إلى خطاب أصلا ، بل يكفي فيه مجرّد حكم العقل بالتحسين والتقبيح ، فالحكم الكلّي بحرمة الأشدّ عند تحريم الأخفّ أو وجوب المقدّمة عند وجوب ذيها أو حرمة الضدّ عند وجوب الضدّ الآخر لا يثمر في حكم العقل بحرمة (١) الصلاة والتأفيف ووجوب الوضوء إلاّ بعد ورود خطاب الشرع. وهذا هو المراد بالتقسيم.

وأمّا ما عدّه الفاضل التوني من الدليل العقلي كالحكم بالملازمة بين القصر والإفطار ولو كانت الملازمة شرعيّة (٢) ، فهو بظاهره أيضا ليس بشيء ؛ لأنّك قد عرفت آنفا أنّ الدليل لو كان بكلتا مقدّمتيه شرعيّة صغرى وكبرى فهو دليل شرعي لا وجه لعدّه من الأدلّة العقليّة ، وفي المقام صغرى القصر شرعيّة ، والكبرى وهي القضيّة القائلة بالملازمة أيضا شرعيّة لا مدخل للعقل فيها إلاّ مجرّد الاستنتاج ، وهو لا يثمر في نسبة الدليل إلى العقل ، لوجوده فيما ليس بعقلي قطعا (٣).

وبالجملة : إذا ثبت وجوب القصر في أربع فراسخ وثبت أيضا وجوب الإفطار فيما وجب فيه القصر على وجه كلّي ، ثبت وجوب الإفطار في المسافة

__________________

(١) في ( ش ) : « بحكم العقل في حرمة ».

(٢) الوافية : ٢١٩.

(٣) في ( ش ) : « اتّفاقا ».

٣٢٤

المقدرة من غير توسيط للعقل إلاّ فيما لا مدخل له في انتساب الدليل إلى العقل ، وهو مجرّد الاستنتاج (١) ، وإلاّ فيلزم أن يكون الأدلّة الشرعيّة بأجمعها أدلّة عقليّة ، وفساده غير خفيّ.

قال الاستاذ ـ دام عزّه (٢) السامي ـ : وهذه الإيرادات على التعريف والتقسيم وعلى ما أفاده الفاضل التوني ممّا كنّا نورده في سالف الزمان ، وأمّا الآن فنحن معرضون عنها.

أمّا بالنسبة إلى التعريف والتقسيم ، فلما عرفت.

وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده الفاضل التوني ، فلأنّ الحكم في الكبرى قد يكون على وجه كلّي ، كأن يقول الشارع : « كلّ ما وجب فيه القصر وجب فيه الإفطار » ولا ريب في صلوحه لإثبات النتيجة بعد ضمّ الصغرى الشرعيّة إليها من غير حاجة إلى حكم العقل بامتناع انفكاك أحد المتلازمين عن الآخر ، بل وهذا عين مفاد حكم العقل كما في قولنا : « كلّ متغيّر حادث » على ما لا يخفى.

وقد يكون الحكم الثابت بالشرع على وجه يحتاج إلى ملاحظة حكم العقل بامتناع انفكاك المتلازمين أيضا ، كأن يقول : « القصر ملازم للإفطار » أو ما يؤدّي مؤدّاه ، وحينئذ فلا بدّ من ضمّ كبرى عقليّة إليها يستند الحكم في الواقع : من امتناع الانفكاك بين المتلازمين ، وإن كان اللزوم شرعيّا ، فإنّه ليس بضائر كما في الحكم بوجوب المقدّمة وحرمة الضدّ. وما أفاده من قبيل الثاني لا الأوّل ، فصحّ إفادته (٣).

__________________

(١) لم ترد « وهو مجرّد الاستنتاج » في ( ش ).

(٢) في ( ط ) : « دام ظلّه ».

(٣) العبارة في ( ط ) هكذا : « فصحّ التعريف والتقسيم وما أفاده بأجمعها ، كما لا يخفى ».

٣٢٥
٣٢٦

أصل (١)

لا كلام في المقام في حجّية العلم الحاصل من الأدلّة العقليّة (٢) التي لا تبتني على (٣) التحسين والتقبيح العقليّين ، فإنّ لها محلاّ آخر قد فرغنا عنه فيما سلف في حجّية الظنّ وذكرنا : أنّ المخالف فيها هناك (٤) هو بعض الأخبارية وتبعهم في ذلك بعض المتأخّرين (٥)(٦)؟

بل الكلام هنا في أنّ العقل فيما هو مبنيّ على القول بالحسن والقبح هل هو حجّة؟ بمعنى أنّه إذا أدركت عقولنا حسن شيء على وجه ملزم أو قبحه كذلك ، فهل هو ممّا يعتبر في التوصّل به إلى الحكم الشرعي ويصحّ استكشاف الحكم الشرعي منه أم لا؟

ولا بدّ أن يعلم أيضا أنّ محلّ الكلام بالتقييد المذكور ليس عامّا بحيث يشمل أفعاله تعالى أيضا ، كوجوب العدل وقبح الكذب والظلم في حقّه تعالى ، فإنّ هذه الأحكام وإن كانت ممّا يتفرّع على الحسن وما يقابله ، إلاّ أنّ أفعاله تعالى

__________________

(١) في ( ش ) : « هداية ».

(٢) في ( ط ) : « الشرعيّة العقليّة ».

(٣) في ( ش ) : « لا ينتهي إلى ».

(٤) لم يرد « هناك » في ( ش ).

(٥) راجع الفوائد ١ : ٥١ ـ ٦٤.

(٦) في ( ط ) زيادة : « فلا نطيل بإعادته ».

٣٢٧

ليس ممّا يتعلّق به حكم شرعي حتّى يتوصّل بالحكم العقلي إلى الحكم الشرعي كما في أفعال العباد ، فإنّ من قبح الظلم وحسن ردّ الوديعة يستكشف الحكم الشرعيّ في حقّهم ، وذلك ظاهر لا سترة عليه.

ثم اعلم أنّ المعروف بين من تقدّم على الفاضل التوني اكتفاؤهم عن هذا العنوان بعنوان « مسألة إثبات إدراك العقل للحسن والقبح » وأوّل من جعل هذا المبحث عنوانا آخر هو الفاضل المذكور (١) ، ولعلّه أخذه من كلام الفاضل الزركشي (٢) حيث التزم بالحكم العقلي ونفي الملازمة بينه وبين الحكم الشرعيّ ، إلاّ أنّه تبعه في ذلك جماعة ممّن تأخّر عنه.

ولكن التحقيق : أنّ البحث الأوّل على ما يستفاد من عناوينهم للمبحث وإقامة الأدلّة من الطرفين وثمرات المسألة بين الفريقين مغن عن العنوان الثاني.

وتوضيح ذلك يتوقّف على ذكر كلمات من تعرّض لها من أصحابنا ومخالفينا في الموارد الثلاثة.

أمّا كلمات أصحابنا في أوّل المقامات :

فمنها : ما ذكره الفاضل المحقّق اللاهيجي في رسالته الفارسيّة المسمّاة بـ « گوهر مراد » حيث فسّر الحسن في محلّ النزاع بـ : « جزاء الخير » ، والقبح بـ : « جزاء الشرّ » ، لكن إذا أضيف إلى الله تعالى يكون الأوّل ثوابا ـ لعدم كون جزاء الخير منه إلاّ الثواب ـ والثاني عقابا (٣).

__________________

(١) الوافية : ١٧١.

(٢) لا يوجد لدينا كتابه.

(٣) گوهر مراد : ٢٤٤.

٣٢٨

فلولا أنّ النزاع في المقامين ممّا يرجع إلى نزاع واحد لم يصحّ ذلك كما لا يخفى (١).

ومنها : ما ذكره العميدي في شرح التهذيب : من أنّ الحسن : هو الفعل الذي لم يكن على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ.

والقبح : ما كان على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ.

وفسّر الذمّ : بأنّه قول أو فعل أو ترك قول أو فعل ينبئ عن اتّضاع حال الغير.

ومثّل للأوّل بالشتم من الرئيس لذي المروّة ، وللثاني بالضرب منه له ، وللثالث بتركه ردّ السلام ، والرابع بترك القيام له مع أهليّته لذلك (٢).

ولا شكّ أنّ اعتبار الذمّ في الحسن والقبح وجودا وعدما ثم تفسيره بما عرفت أصرح دليل على الاكتفاء عن الثاني بالأوّل ، إذ ليس الذمّ بهذا المعنى إلاّ العقاب.

ومنها : ما أفاده جمال المحقّقين في تعليقاته على العضدي : من نسبة الحسن والقبح بالمعنى المذكور إلى المعتزلة (٣). وفي مورد آخر ادّعى الإجماع من الإماميّة على القول بالحسن والقبح بالمعنى المذكور (٤).

__________________

(١) في ( ط ) زيادة : « على المتدبّر ».

(٢) منية اللبيب : ١٦ ـ ١٧.

(٣) الحاشية على شرح مختصر الاصول ( المخطوط ) ، بداية مبحث مبادئ الأحكام : ٦٥.

(٤) الحاشية على شرح مختصر الاصول ( المخطوط ) ، بداية مبحث مبادئ الأحكام : ٦٦ ونسب فيه هذا القول إلى المذهب.

٣٢٩

ومنها : ما عن الكاظمي في شرح الزبدة : من تفسيره للحسن والقبح بما ذكرناه (١).

ومنها : ما ذكره جملة من أساطين العلماء ـ كالمحقّق (٢) والشهيد (٣) وأضرابهما ـ : من تقسيم حكم العقل إلى ما يتوقّف على خطاب شرعيّ وما لا يتوقّف ، ومثّلوا للثاني بالتحسين والتقبيح العقليّين كحرمة الظلم ووجوب ردّ الوديعة.

وأمّا كلمات مخالفينا :

فعن المواقف : تفسير الحسن ـ في محلّ النزاع ـ باستحقاق المدح في العاجل والثواب في الآجل ، والقبح باستحقاق الذمّ والعقاب كذلك (٤).

وعن القوشجي : تفسير الحسن والقبح أيضا بما سمعت (٥) ، كما عن الباغنوي (٦) أيضا (٧).

وقال الاسنوي في شرح المنهاج : اعلم أنّ الحسن والقبح قد يراد بهما ملائمة الطبع ومنافرته ، وقد يراد صفة الكمال وصفة النقص ، وليس نزاع فيهما ، وإنّما النزاع في الحسن والقبح بمعنى ترتّب الثواب والعقاب ، فعندنا أنّهما

__________________

(١) لا يوجد لدينا.

(٢) المعتبر ١ : ٣١ ـ ٣٢.

(٣) الذكرى ١ : ٥٢.

(٤) المواقف المطبوع مع شرحه للسيد الشريف ٨ : ١٨٣.

(٥) شرح التجريد للقوشجي : ٣٣٨.

(٦) الحاشية على شرح مختصر الاصول ( المخطوط ) ، بداية مبحث مبادئ الأحكام.

(٧) في ( ط ) زيادة : « مثل ما مرّ ».

٣٣٠

شرعيّان ، وذهب المعتزلة إلى أنّهما عقليّان ، بمعنى أنّ العقل له صلاحيّة الكشف عنهما وأنّه لا يفتقر الوقوف على حكم الله ، لاعتقادهم وجوب مراعاة المصالح والمفاسد وإنّما الشرائع مؤكّدة (١) ، انتهى. وصراحة ذلك في المقصود ممّا لا يخفى (٢).

فظهر من جميع ما مرّ : أنّ المراد بالحسن والقبح الواقعين في العنوان ما ذا ، فإثبات أنّ العقل يحكم بالحسن والقبح في قوّة إثبات أنّ العقل يدرك حكم الله كما هو المراد بالملازمة. ويكفيك شاهدا في المقام قولهم : إنّ « الظلم حرام » و « ردّ الوديعة واجب » حيث لا يعنون بالوجوب إلاّ الطلب الملازم للعقاب عند المخالفة. نعم ، لو كان المراد من الحسن والقبح هو مجرّد المدح والذمّ دون الثواب والعقاب كان لتغاير العنوانين وجه. هذا تمام الكلام في عناوين القوم.

وأمّا الأدلّة الواردة من الفريقين على الطرفين القاضية (٣) باتّحاد العنوانين وكفاية إثبات الحسن العقلي عن الملازمة :

فمن أدلّة المثبتين : هي لزوم إفحام الأنبياء وعدم وجوب معرفة الله لولاه ، حيث إنّ مجرّد (٤) إدراك استحقاق الذمّ والمدح لا يلزم منه الوجوب ولا يندفع منه إفحام الأنبياء ما لم يلاحظ مع ذلك العقاب ولو احتمالا.

__________________

(١) لا يوجد لدينا.

(٢) في ( ط ) : « ممّا لا ينبغي أن ينكر ».

(٣) العبارة في ( ط ) هكذا : « وأمّا أدلّة الطرفين الواردة على النفي والإثبات فتقضي ».

(٤) العبارة في ( ط ) هكذا : « فأدلّة المثبتين من لزوم إفحام الأنبياء وعدم وجوب معرفة الله لولاه تقضي بما ذكرناه ، لأنّ مجرّد ».

٣٣١

ومن أدلّة النافين : آية التعذيب (١) الصريحة في كون المراد من الحسن والقبح هو ما يلازم الثواب والعقاب (٢) ، وإلاّ فنفي التعذيب لا مساس له في نفي الذمّ والمدح. وكذا في جواب القائلين بالتحسين عنهم : بأنّ المنفيّ هو فعليّة العذاب دون استحقاقه إيماء إلى المطلب المزبور (٣) من حيث عدم تعرّضهم لعدم مدخليّة الحسن والقبح للعذاب ، فنفيه لا يدلّ على عدم الحسن ، كما لا يخفى.

وأمّا ثمرات المسألة على ما فرّع عليه العضدي (٤) وأضرابه (٥). من عدم وجوب شكر المنعم فلا عقاب ولا إثم في تركه على من لم يبلغه دعوة النبي (٦) فممّا لا تصحّ إلاّ بملاحظة الدعوى التي ادّعيناها.

وبالجملة : فنحن لا نقول بأنّ المقامين متّحدان لا تغاير بينهما بوجه لا يمكن النزاع في أحدهما مع تسليم الآخر ، ولكنّا نلتزم بأنّ النزاع الواقع بين العدليّة والأشعريّة ممّا يغني عن هذا النزاع في المقام الثاني ، فكان بعد تسليم صغرى الإدراك من العقل وأهليته ، فلا نزاع في كونه سبيلا إلى الحكم الشرعيّ على وجه لا ريب فيه كما استظهرناه من المقامات الثلاثة المذكورة من العناوين

__________________

(١) الإسراء : ١٥.

(٢) العبارة في ( ط ) هكذا : « وأمّا أدلّة النافين كآية التعذيب فدلالتها على أنّ المراد بالحسن والقبح ما يلازم الثواب والعقاب صريحة ».

(٣) لم يرد « المزبور » في ( ش ).

(٤) انظر المختصر وشرحه للعضدي : ٧٦.

(٥) انظر الإحكام للآمدي ١ : ١٢٦.

(٦) في ( ط ) : « النبوّة ».

٣٣٢

الواقعة في كتب القوم وأدلّتهم القائمة على الطرفين وثمرات المسألة المتفرعة عليها على ما هو الشأن في استكشاف أمثال هذه المقاصد ، وسيأتي ما يوضّح ذلك ، فإنّ الإيضاح عند الاستدلال على المقصود (١).

وتوضيح البحث وتنقيحه يقتضي بسطا في المقام ، فنقول : إنّ هنا نزاعين :

أحدهما : أنّ العقل هل يدرك حسن شيء أو قبحه أم لا يدرك؟ فأثبته الإماميّة ومن تابعهم من المعتزلة ، وأنكره الأشاعرة ؛ وحيث إنّ الكلام في المقام ليس من الكلام في مباحث الفن ـ لعدم كون المسألة أصوليّة بل إنّما هو من [ ال ] مبادئ الأحكاميّة ـ فقد طوينا الكشح عن ذكرها ؛ مضافا إلى بداهة المقصود ، حتى أنّ إكثار الكلام فيها ربما يعدّ من العبث ، حيث إنّه لا يفيدنا غير ما هو المعلوم لنا منها بسلامة الوجدان ، مع أنّ فيه غنى عن تجشّم البرهان.

إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ الحسن والقبح الواقعين في العنوان قد اختلف في تفسيرهما ، فعن بعضهم ـ كالفاضل التوني والفاضل الزركشي ـ تفسيرهما بمجرّد المدح والذمّ دون الثواب والعقاب.

قال الأوّل في محكيّ الوافية : « الحقّ ثبوت الحسن والقبح العقليّين في الجملة ، لقضاء الضرورة ، ولكن في إثبات الحكم الشرعي كالوجوب والحرمة الشرعيّين بهما نظر » (٢). ثم فرّق بين الوجوب العقلي والشرعي باستحقاق الذمّ (٣) على الأوّل والثواب على الثاني. ثم قال بعد ذكر أمور من وجوه النظر : فإن قلت :

__________________

(١) توجد هنا اختلافات في النسخ ، وقد أثبتنا ما في المخطوط ، ولم نتعرض للاختلافات ؛ لعدم الفائدة.

(٢) الوافية : ١٧١.

(٣) في نسخة بدل ( ش ) : « المدح » ، وفيها بعد كلمة « الذمّ » زيادة : « أي على تركه ».

٣٣٣

الواجب العقلي هو ما يكون تاركه مذموما عند كلّ عاقل حكيم ، والحرام العقليّ ما يكون فاعله مذموما كذلك ، فالحرام العقلي لا بدّ وأن يكون ممقوتا لله ، وليس الحرام الشرعيّ إلاّ ذلك ؛ لأنّ فاعل فعل ممقوت عنده مستحقّ لعقابه ضرورة. قلت : الحرام الشرعي ما يجوز للمكلّف العقاب عليه ، ولا يكفي مجرّد الاستحقاق وإن علم انتفاؤه بسبب ما كان من إخباره بذلك (١). وأيضا بداهة استلزام المكروهيّة عند الله لاستحقاق عقابه محلّ نظر ، انتهى (٢).

وقال الثاني ـ على ما حكاه الأوّل ـ : إنّ الحسن والقبح عقليّان والوجوب والحرمة شرعيّان ، فلا ملازمة بينهما حيث قال : تنبيهان ، الأوّل : أنّ المعتزلة لا ينكرون أنّ الله تعالى هو الشارع للأحكام وإنّما يقولون : إنّ العقل يدرك أنّ الله شرّع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها ، فهما عندهم مؤدّيان إلى العلم بالحكم الشرعي ، والحكم الشرعي تابع لهما لا عينهما ، فما كان حسنا جوّزه الشارع وما كان قبيحا منعه ، فصار عند المعتزلة حكمان : أحدهما شرعيّ والآخر عقلي ـ إلى أن قال في ثاني التنبيهين ـ ما اقتصر عليه المصنّف من حكاية قولهم هو المشهور بينهم (٣). ثمّ قال : وتوسّط قوم وقالوا : قبحها ثابت بالعقل ، والعقاب (٤) بالشرع. ثم قال : وهو المنصور ، انتهى (٥).

__________________

(١) في المصدر : بسبب ما كإخباره بذلك.

(٢) الوافية : ١٧٥.

(٣) في ( ط ) زيادة ما يلي : « يعني أنّ ما حكاه صاحب جمع الجوامع عن المعتزلة من إدراك العقل الثواب والعقاب هو المشهور ».

(٤) في ( ط ) زيادة : « ثابت » ، وفي المصدر : « والعقاب يتوقّف على الشرع ».

(٥) الوافية : ١٧٥ ـ ١٧٦.

٣٣٤

التحقيق ـ على ما عرفت من استظهارنا من العناوين والأدلّة والثمرة ـ :

أنّ المراد منها هو الثواب والعقاب ويرشدك إليه أيضا تصديق الزركشي باشتهاره بين المعتزلة ، كما لا يخفى.

وثانيهما (١) : ما اشتهر بين من (٢) تأخّر من التوني في مسألة الملازمة : من أنّه بعد تسليم إدراك العقل للمدح والذمّ ، فهل يدرك الثواب والعقاب؟ زعما منهم أنّ الحسن والقبح في محلّ النزاع هو مجرّد المدح والذمّ من غير مدخليّة للثواب والعقاب فيهما ، وهذا هو البحث الذي نحن بصدده.

فنقول : إنّ الحقّ ـ كما عليه المحقّقون ـ ثبوت الملازمة الواقعيّة بين حكم العقل والشرع ، وهذا الحكم هو مفاد قولنا : « كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع » وسيأتي بيان المراد من القضيّة المذكورة ، وحيث إنّ المخالف في المقام ممّن يعتدّ بشأنه ليس إلاّ جمال المحقّقين والسيّد الصدر شارح الوافية ، فالأقرب ذكر كلامهما لتوضيح مرامهما ، ثم ذكر ما يرد عليهما عندنا.

فقد قال السيّد المذكور في المقام بعد ما مهّد مقدّمتين في جملة كلام طويل له : إنّا إذا أدركنا العلّة التامّة للحكم العقلي بوجوب شيء أو حرمته ـ مثلا ـ يصحّ أن يحكم عليه : بأنّ الشارع حكم أيضا بمثل الحكم العقلي عليه ، لما مرّ في المقدّمة الأولى ، ولمّا فرضنا عدم بلوغ التكليف إلينا لا يترتّب عليه الثواب وإن ترتّب على نفس الفعل شيء من قرب أو بعد فلا يكون واجبا أو حراما شرعيّا ـ إلى أن قال ـ : وبالجملة ، وجود الإضافة التي يعبّر عنها بالخطاب معتبر في تحقّق حقيقة الحكم. وليس مجرّد العلم التصديقي من الشارع. بأنّ شيئا خاصّا ممّا

__________________

(١) يعني : ثاني النزاعين ، وقد تقدّم أوّلهما في الصفحة : ٣٣٣.

(٢) كذا ، والمناسب : عن.

٣٣٥

يحسن فعله أو تركه ، وكذا إرادته من المكلّف أن يفعل أو يترك ، ورضاه من فعل ومقته لآخر حكما شرعيّا من دون أن يصير المكلّف مخاطبا بالفعل بأن يصل إليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن « صلّ » و « صم » ؛ وكذا إخبار الشارع : بأنّ هذا الشيء واجب أو حرام ، إذ طلبه قبل بلوغ الخطاب ليس حكما ، فعلى هذا يكون كلّ الأوامر والنواهي قبل علم المكلّف بها خطابات بالقوّة لا يترتّب عليها آثارها من الثواب والعقاب.

ثم قال : فحينئذ نقول : إن أردت بقولك : « كلّ ما يحكم به العقل مطابق للواقع (١) فقد حكم الشارع عليه بحكم مماثل له » : أنّه علم وأذعن بأنّ هذا الشيء بحيث لو نقل إلى المكلّف الأمر به أو النهي عنه لكان مستحقّا للثواب والعقاب مع الامتثال وعدمه.

أو أراد به (٢) : أنّ الفعل أو الترك مرضيّ عنده أو ممقوت له ، أو أخبر أهل بيته بالحكم ، أو قال لهم : « قولوا للناس : افعلوا أو لا تفعلوا إن رأيتم المصلحة » وهم ما رأوها ، فجميع ذلك لا نمنعه ونسلّمه ، ولكن لا يترتّب عليه الثواب والعقاب.

وإن أردت أنّه طلبه فعلا أو تركا بحيث حصل التكليف وصرنا مكلّفين فهو خلاف الفرض ؛ لأنّ المفروض عدم بلوغ الحكم إلينا ، بل نريد أن نثبت الحكم الشرعي بتوسّط الحكم العقلي.

ثم إنّه بعد ذلك أورد على نفسه سؤالا حاصله : أنّه بعد قطع العقل بالحكم الواقعي لا مجال لإنكار كونه حكم الله وهو المطلوب. فأجاب عنه : بأنّ التعبّد بمثل هذا الشيء محلّ نظر ؛ لأنّ المعلوم أنّه يجب فعل شيء أو لا يجب إذا حصل

__________________

(١) العبارة في المصدر : « كلّ ما حكم عليه العقل بحكم مطابق للواقع ».

(٢) في المصدر : « أو أردت ».

٣٣٦

الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان كالفتوى ، فإنّه لا يجوز الانقياد بقول المعصوم المسموع منه في المنام (١).

ثم إنّ السيّد المذكور قد أفاد شيئا آخر في إحدى المقدّمتين الممهّدتين ، وهو عدم كون الجهات المدركة للعقل علّة تامّة للحكم ، بل غاية ما يمكن أن يدركه العقل هو بعض الجهات المحسّنة والمقبّحة ، ويجوز أن يكون هناك جهة أخرى في الواقع لم يحصّلها [ فيمكن أن تكون ](٢) معارضة للجهة المدركة فلا يكون الحكم كما أدركه (٣).

وقال جمال المحقّقين بعد ما نقلنا عنه في عنوان النزاع : إنّ الحسن والقبح في بعض الأشياء مسلّم ، لكن يمكن أن لا يكون في بعض الأشياء جهة حسن ولا جهة قبح ، ومع ذلك أمر الشارع به ونهى عنه ليعلم المطيع من العاصي. ثم أجاب عن ذلك : بإمكان الاستكشاف من الأخبار والآثار الواردة عن الهداة الأبرار الأطهار والآيات القرآنيّة والبيّنات الفرقانيّة عدم تعلّق الأمر والنهي إلاّ لكلّ حسن وقبيح على أن يكون الحسن مأمورا به والقبيح منهيّا عنه (٤).

وبالجملة ، فلم يظهر من المحقّق المذكور مخالفة حتى يحتاج إلى دفع مقالته (٥).

__________________

(١) شرح الوافية للسيّد الصدر : ٢١٣ ـ ٢١٥.

(٢) لم ترد « فيمكن أن تكون » في ( ش ).

(٣) المصدر نفسه : ٢١١.

(٤) الحاشية على شرح مختصر الاصول ( المخطوط ) ، بداية بحث مبادئ الأحكام : ٦٦.

(٥) في ( ط ) زيادة : « ونقلها ».

٣٣٧

فالأولى عطف عنان الكلام إلى دفع ما أفاده السيّد المذكور ، وستعرف الجواب عمّا أورده المحقّق المذكور في دفع الشبهة التي أوردها بعض الأجلّة في منع الملازمة ، فنقول :

فيما أفاده السيّد نظر من وجوه :

الأوّل : أنّ ما أفاده في تفكيك حكم العقل والشرع بتسليم الرضا والمقت ومنع الثواب والعقاب ليس على ما ينبغي وذلك لأنّ (١) الحكم الشرعي قد يطلق ويراد به : الخطاب الفعلي التنجيزي الصادر منه تعالى أو أحد امنائه عليهم‌السلام ، وإليه ينظر تعريفهم له : بأنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين ، على حسب اختلاف القيود المعتبرة فيه عند بعضهم.

وقد يطلق ويراد به : الخطابات الشأنيّة التي صدرت عن الشارع وإن لم يعلم بها المكلّف ، لعدم وصولها إليه من حيث ممانعة مانع داخلي أو خارجي عنه ، فهي مخزونة عند أهلها ، وبعبارة واضحة : الأحكام التي يقول بثبوتها المخطئة وبعدمها المصوّبة ؛ ويشارك الأوّل في مجرّد الجعل ويمايزه من حيث عدم حصول فعليّة هنا (٢) بخلاف الأوّل.

وقد يطلق ويراد به : الإرادة الجازمة والكراهة الثابتة في الواقع متعلّقة بالمراد في الأوّل وبالمكروه في الثاني على وجه يصير المظهر عنهما عند إرادة إظهارهما هو الأمر اللفظي والنهي كذلك ، فالإرادة هذه في الحقيقة روح الطلب ولبّه ، بل هو عينه بحيث لو أراد الشارع جعل حكم ، فلا بدّ من أن يكون مطابقا له.

__________________

(١) في ( ط ) : « وتوضيحه وتحقيقه أنّ ».

(٢) في ( ط ) : « الفعليّة فيه ».

٣٣٨

فإن أراد السيّد : أنّ حكم العقل بوجوب شيء وإدراكه العلّة التامّة المقتضية للوجوب لا يلازم صدور الخطاب على وجه يصدق أنّه حكم فعلي تنجيزيّ صادر من الشارع فمسلّم ، لكنّه لا يجديه ، فإنّ مدار الثواب والعقاب هو الإرادة والطلب الحتمي ، كما يشهد به الوجدان على ما ترى بالقياس إلى حال العقلاء في تعذيب عبيدهم ، فلو علم العبد بعدم إرادة المولى قتل ولده أو إرادة إكرامه وقتله أو أكرمه فيعدّ عندهم عاصيا ومطيعا من غير أن يدانيه (١) ريبة أو يخالطه شبهة ، كما لا يخفى (٢). وليس في صدور اللفظ المعبّر عنه بالخطاب مدخليّة في ذلك كما هو ظاهر لا سترة عليه (٣). ومثله ما لو أراد من « الحكم » فيما نفى الملازمة بينه وبين حكم العقل الحكم الشأني كما في الإطلاق الثاني.

والظاهر أنّ القائل بالملازمة أيضا لا يقول به بواسطة مجرّد حكم العقل ، ألا ترى في المثال المذكور مع قطع العبد بعدم إرادة المولى قتل ولده يقطع بعدم صدور الخطاب عنه أيضا ولا تنافي بين القطعين؟

ويؤيّد ما ذكرنا : من عدم إرادة القائل بالملازمة ذلك : أنّ المتكلّمين من أصحابنا مع كونهم قائلين بأنّ الجهات الثابتة في الأفعال علل تامّة لم يكتفوا في إثبات التكاليف بمجرّد ذلك ، بل قالوا بها بواسطة وجوب اللطف.

نعم ، لو انضمّ إلى ذلك مقدّمة خارجيّة أخرى كقولهم باللطف أو قولهم بعدم جواز خلوّ الواقعة عن الأحكام ـ كما يستفاد من جملة من الأخبار (٤) ـ صحّ

__________________

(١) في ( ش ) : « يذهبه ».

(٢) لم يرد « كما لا يخفى » في ( ش ).

(٣) لم يرد « لا سترة عليه » في ( ش ).

(٤) الوسائل ١٩ : ٢٧١ ، الباب ٤٨ من أبواب ديات الأعضاء.

٣٣٩

القول : بأنّ الحكم العقلي يلازم الخطاب الفعلي ، يعني بعد ملاحظة المقدّمة الخارجيّة العقليّة أو النقليّة. إلاّ أنّ الظاهر منهم في المقام دعوى ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع مع قطع النظر عنها ، كما يشعر بذلك قول الحاجبي : « شكر المنعم ليس بواجب عقلا ، فلا إثم على من لم يبلغه دعوة النبوّة » (١) حيث إنّ قوله : « فلا إثم » ـ على ما صرّح به السيّد الشريف (٢) ـ ثمرة المسألة ، ولا يخفى عدم ترتّبها إلاّ على دعوى الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع مع قطع النظر عن المقدّمات الخارجية ، وإلاّ فالثمرة (٣) لا تظهر إلاّ فيمن بلغه دعوة النبوّة. ويومئ إليه ما استدلّ به الفاضل التوني في نفي الملازمة (٤) بالأخبار ، فإنّ ثبوت الأحكام الشرعيّة ولو بعد ملاحظة المقدّمة الشرعيّة فيما استقل فيه العقل ممّا لا ينكر.

وبالجملة : فإن أراد منع الملازمة بين حكم العقل والحكم الشرعي (٥) اللفظي بأحد الوجهين فمسلّم ، ولكنّه كما عرفت غير مجد فيما يراه.

وإن أراد الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بمعنى طلبه وإرادته ، فهو محجوج بقطع العقل الخالي عن شوائب الوهم بخلافه ، فإنّ العقل إذا أدرك حسن الشيء على وجه يستحقّ فاعله الثواب وجزاء الخير ، فقد أدرك من كل عاقل حكيم شاعر فكيف بمن هو خالقهم (٦)! وكذلك إذا أدرك قبح الشيء كذلك.

__________________

(١) انظر المختصر وشرحه للعضدي : ٧٦.

(٢) انظر شرح المواقف ١ : ٢٧٤.

(٣) في ( ش ) زيادة : « ان » وفي ( ط ) زيادة : « إنّما » وكلاهما زائدتان ظاهرا.

(٤) الوافية : ١٧٢.

(٥) في ( ش ) بدل « الحكم الشرعي » : « حكم ».

(٦) في ( ش ) : « خالفهم ».

٣٤٠