مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

هداية

الحقّ ـ كما عليه المحقّقون ـ أنّ تقييد الحكم بواسطة كلمة « إن » وأخواتها يفيد انتفاءه عند انتفاء مدخولها.

وما ذكرنا أولى ممّا قيل في العنوان : إنّ تعليق الحكم ... ؛ لإشعار لفظ « التعليق » بالانتفاء عند الانتفاء ، فلا يناسب أخذه في العنوان. وإن كان ذلك أولى ممّا قيل : هل مفهوم الشرط حجّة أو لا؟ لظهوره في أنّ النزاع ليس في ثبوت الدلالة ؛ مضافا إلى أن لفظ « الشرط » ممّا لا وقع له ، أمّا على مصطلح الاصوليّين فلعدم تأتّي النزاع على تقديره ، وأمّا على مصطلح النحاة فلأنّ الشرط عبارة عن المقدّم في الجملة الشرطيّة ، ولا يطلق على نفس الجملة عندهم.

وبما ذكرنا يظهر أنّه لا حاجة إلى بيان معنى لفظ « الشرط » فيما نحن بصدده. ولكنّه لا بأس بالتنبيه على ذلك احتذاء.

فنقول : الشرط يطلق في العرف على معنيين :

أحدهما : المعنى الحدثي ، وهو بهذا المعنى مصدر « شرط » بمعنى الإلزام ، فهو شارط للأمر الفلاني وذلك الأمر مشروط له أو عليه ، ومنه الاشتراط بمعنى الالتزام. من غير فرق في ذلك بين أن يكون ابتدائيا أو ضمن العقد ، كما يساعد عليه العرف ، كما في قولك : « شرطت على نفسي كذا » أو « فلان شرط على نفسه كذا ».

٢١

وعن الصحاح : « الشرط معروف » (١) من دون تعرّض لاختصاصه بما إذا كان في ضمن العقد فضلا عن البيع فقط.

لكن في القاموس : « أنّه إلزام الشيء والتزامه في البيع » (٢).

وظاهره كون استعماله في الإلزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح. مع أنّه لا إشكال في صحّته ، بل وفي اطّراده في موارد استعماله ، كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قضاء الله تعالى أحقّ وشرطه أوثق » (٣) ، وقوله عليه‌السلام إنّ « شرط الله قبل شرطكم » (٤). وقد اطلق على النذر والعهد والوعد (٥). وعن الحدائق : أنّ إطلاق الشرط على البيع في الأخبار كثير (٦). مضافا إلى أولويّة الاشتراك المعنوي. وفي بعض الروايات استدلّ الإمام عليه‌السلام بقوله : « المؤمنون عند شروطهم » على إمضاء النذر والعهد (٧).

ومع ذلك لا يبقى وجه لما زعمه في القاموس ، ولعلّه لم يعثر على موارد هذه الاستعمالات.

ثمّ إنّه قد يستعمل الشرط بالمعنى المذكور (٨) في المشروط كالخلق في المخلوق. ولا ريب في كونه مجازا ، فيراد منه ما ألزمه الإنسان على نفسه من عمل ونحوه.

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١١٣٦ ، مادّة « شرط ».

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٣٦٨ ، مادّة « شرط ».

(٣) كنز العمال ١٠ : ٣٢٢ ، الحديث ٢٩٦١٥.

(٤) الوسائل ١٥ : ٣١ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٦.

(٥) راجع الوسائل ١٥ : ٢٩ و ٤٦ ـ ٤٨ ، الأبواب ٢٠ و ٣٧ ـ ٤٠ من أبواب المهور.

(٦) الحدائق ٢٠ : ٧٣.

(٧) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٨) لم يرد « بالمعنى المذكور » في ( ع ).

٢٢

الثاني : ما يلزم من عدمه العدم ، من دون ملاحظة أنّه لا يلزم من وجوده الوجود. وهو بهذا المعنى من الجوامد ولا يكون مشتقّا.

فيكون لفظ « الشرط » مشتركا بين المعنيين ، مثل اشتراك لفظ « الأمر » بين المعنى الحدثي الذي يشتقّ منه « الأمر » و « المأمور » ، والمعنى الاسمي كـ « الشيء » و « الشأن » ونحوهما. وأمّا اشتقاق « المشروط » منه بهذا المعنى فهو ليس على الأصل ، بل هو اشتقاق جعليّ مثل اشتقاق « المسبّب » من لفظ « السبب » مع أنّه ليس المراد منه معنى يمكن الاشتقاق منه كما هو ظاهر ؛ ولذلك ليس الفاعل وهو « الشارط » والمفعول وهو « المشروط » منه (١) متقابلين في الفعل والانفعال ، بل الشارط هو الجاعل والمشروط هو ما جعل له الشرط ، كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة. وقاعدة الاشتقاق تقضي بأن يكون المشروط هو نفس الطهارة ، وذلك ظاهر.

وله في اصطلاح أرباب النحو معنى ، وهو : الجملة الواقعة عقيب « إن » وأخواتها ، وهو مأخوذ من المعنى الثاني من جهة إفادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعنى الثاني.

وفي اصطلاح أرباب المعقول والاصول له معنى آخر ، وهو : ما لا يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم ، فيكون مأخوذا أيضا من المعنى الثاني ، إلاّ أنّه اعتبر فيه عدم اللزوم بين الوجودين ، في قبال السبب حيث اخذ فيه الملازمة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المعنى الثاني ليس خارجا عن المعنى الأوّل ، بل هو من نتائج بركاته ولو بنحو من العناية ، كما لا يكاد يخفى.

__________________

(١) كذا ، والظاهر زيادة : « منه ».

٢٣

وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أنّ تنقيح البحث في موارد :

الأوّل : في أنّ الجملة الشرطيّة هل هي ظاهرة في اللزوميّة؟ فيستفاد منها تعلّق أحد الجزءين بالآخر على وجه يكون الاتّفاقيّة خارجة عن حقيقتها أو لا.

فنقول : لا ينبغي الإشكال في أنّ الجملة الشرطيّة ظاهرة في إفادة الربط والتعلّق بين جزأيها ، كما يقضي بذلك العرف في موارد استعمالها ، بل لا يكاد يتّضح معنى أداة الشرط في قولك : « لو كان الإنسان ناطقا كان الحمار ناهقا » إلاّ بضرب من التأويل.

وأمّا استعمال أدوات الشرط في الوصليّة ـ مستعملة في التسوية (١) ـ كما في قوله : « أكرم الضيف ولو كان كافرا » (٢) فيحتمل أن يكون المراد منها إفادة التسوية بين الكفر والإسلام في لزوم الإكرام ، فيكون أداة الشرط مثل استعمال بعض الحروف في غير معناه ، كاستعمال « في » في قوله : إنّ « امرأة دخلت النار في هرّة » (٣) في التعليل.

ويحتمل أن يكون المراد منها الربط بين الشرط والجزاء ، لكنّه بعد إعمال ضرب من التأويل ، كأن يقال : إنّ المتكلّم بواسطة زيادة اهتمامه واعتنائه في إفادة لزوم إكرام الضيف في المثال المذكور ، جعل ما ليس بسبب سببا وحكم بالتسوية بين الكفر والإسلام ، فالسببيّة بواسطة العطف مبالغة في دفع ما يتوهّم من كونه مانعا عن الحكم بالإضافة والإكرام ؛ ومن هنا يشترط في حسن استعمال الوصليّة احتمال مانعيّة مدخول أداة الشرط عن الحكم المذكور قبلها ، ومن ثمّ لم

__________________

(١) لم ترد « مستعملة في التسوية » في ( ع ).

(٢) كنز العمّال ١٥ : ٣٨ ، الحديث ٣٩٩٧٦.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٥٠٧.

٢٤

يحسن قولك : « أكرم الزائر ولو كان حافيا » فإنّ كونه حافيا يوجب مزيد الإكرام (١) فلا يحسن ذكره عقيب أداة الوصل. فليس التجوّز في كلمة « إن » وأخواتها ، بل التصرّف إنّما هو في المعنى بادّعاء سببيّة ما يحتمل مانعيّته ، كما في قوله تعالى : ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً )(٢) تنزيلا للعدوّ منزلة الصديق في وجه.

الثاني : في أنّ العلاقة المعتبرة بين الشرط والجزاء هل هي السببيّة وعلّيّة الشرط للجزاء ، أو هي أعمّ منها؟ ظاهر كثير من الاستعمالات هو الأوّل ، حتّى أنّ جماعة ـ كالمحقّق القمّي رحمه‌الله (٣) وغيره (٤) ـ راموا تأويل الموارد التي لا يكون الشرط فيها علّة للجزاء ، كما في قولهم : « إذا نزل الثلج فالزمان شتاء » : بأنّ الشرط في المقام وإن لم يكن سببا لتحقّق الجزاء ، بل الأمر على عكس ذلك ، إلاّ أنّ الشرط سبب للعلم بتحقّق الجزاء. وإن كان ذلك لا يخلو عن مساهلة ، حيث إنّ العليّة المفروضة إنّما هي بين العلمين ، لا بين جزأي الكلام.

وبالجملة ، لا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر من الجمل الشرطيّة هو سببيّة الاولى للثانية ، وإنّما الإشكال في أنّ الوجه في ذلك الظهور هو الوضع فاستعمال الجملة الشرطيّة فيما يكون الجزاء علّة للشرط أو كلاهما معلولي علة ثالثة أو غير ذلك من أنواع اللزوميّة استعمال مجازيّ ، أو الوجه فيه هو إطلاق الجملة وعدم تقييدها؟ وجهان :

للأوّل : أنّ الأصل في الظهور استناده إلى الوضع.

__________________

(١) في ( ع ) زيادة : « بطريق أولى ».

(٢) القصص : ٨.

(٣) القوانين : ١٧٥.

(٤) انظر الفصول : ١٤٩ ، ومفاتيح الاصول : ٢١١ ـ ٢١٢ ، ونقلا عن التفتازاني أيضا.

٢٥

وللثاني : عدم تنافر (١) استعمال الشرطيّة فيما يكون المقدّم معلولا ، وذلك دليل عدم اختصاص الوضع بما إذا كان علّة ، غاية الأمر أنّ هذه العلاقة الخاصّة حيث كانت أكمل أفراده (٢) انصرف الإطلاق إليها ، نظير انصراف الأمر إلى الفرد المتكامل من أفراد الطلب ، فإنّ علاقة العلّية هي أتمّ العلائق وأكملها.

وفي الأوّل منع. وفي الثاني ـ بعد تسليم أنّ هذه العلاقة هي أتمّها وكفاية ذلك في المدّعى ، فإنّ ما ذكر لا ينافي كون الجزاء علّة ـ : أن (٣) لا وجه للانصراف المذكور ، إذ لا يعقل ذلك إلاّ بواسطة غلبة الاستعمال ، ومن المعلوم أنّ ذلك الظهور ليس مستندا إليه كما يظهر بالتأمّل ؛ مضافا إلى أنّ الانصراف إنّما هو في المطلقات ولا يعقل ذلك في مدلول أدوات الشرط ـ كما في الأمر أيضا ـ فإنّ الموضوع له فيها هي المعاني الخاصّة ، كما لا يخفى.

وقد تستند الدلالة المذكورة إلى إطلاق الشرط. وتوضيحه : أنّ ظاهر الجملة يفيد وجود الجزاء عند وجود الشرط على وجه الاستقلال ، سواء فرض وجود شيء آخر معه أو لم يفرض ، فلا مدخليّة لشيء في وجود الجزاء ، سوى وجود الشرط ، وهو معنى السببيّة ، إذ لو لم يكن ذلك كافيا لم يحسن عدم انضمام شيء آخر إليه كما ينضمّ إليه عند تعدّد الشروط.

ولا يخفى ما فيه من المنع والمصادرة في وجه وعدم كفايته في المدّعى في وجه آخر ، وذلك يظهر بأدنى تدبّر وتأمّل.

فالأولى دعوى استفادة السببيّة من أدوات الشرط بحسب الوضع ، كما لا بعد في ذلك أيضا عند ملاحظة معناها.

__________________

(١) في ( ع ) : « عدم تنافي ».

(٢) في ( ط ) : « أفرادها ».

(٣) في ( ع ) : « إذ ».

٢٦

وممّا ذكرنا يظهر جريان الوجهين في كون الشرط علّة تامّة وسببا مستقلاّ من دون مداخلة أمر آخر ، وكونه سببا ناقصا ، فلا نطيل بالإعادة.

الثالث : أنّه بعد ما عرفت في المورد الأوّل أنّ الجملة الشرطيّة تستفاد منها العلقة فاستعمالها في الاتّفاقيّات ليس استعمالا حقيقيّا. وفي المورد الثاني (١) أنّ هذه العلقة هي علّية الشرط على وجه الاستقلال ، دون المعلوليّة لعلّة ثالثة ولا التضايف ولا معلوليّة الشرط للجزاء ، كما عرفت.

فهل يستفاد منها انحصار العلقة التامّة في الشرط ، كأن لا يكون من أفراد ما هو العلّة حقيقة ، أو لا يستفاد ذلك منها؟ وهذا هو النزاع المعروف بين القوم.

فالمثبتون على أنّ الجملة ظاهرة في انحصار العلّة التامّة في الشرط ، ولذلك يحكم بانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ولو مع احتمال قيام شرط آخر مقامه ، إذ ذلك الاحتمال مدفوع عندهم بظهور الانحصار من اللفظ ، فلا يعتنى به.

والمانعون على أنّه لا يستفاد منها ذلك. وربّما يحتمل أن يكون وجه المنع التأمّل في أحد الموردين المتقدّمين كما يتراءى من بعضهم (٢). لكن استدلال السيّد باحتمال قيام سبب آخر مقام الشرط (٣) ينادي بتسليمه الموردين ، وإنّما النزاع في الثالث كما لا يخفى.

وهل الأصل يقتضي ثبوت المفهوم أو عدمه؟ قد يقال بالثاني ؛ لأصالة عدم اعتبار الواضع في مدلول الأداة التعليق على وجه خاصّ. وفيه (٤) : أنّ ذلك الأصل ممّا لا عبرة به ، لمكان المعارضة ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) يعني عرفت في المورد الثاني.

(٢) راجع مفاتيح الاصول : ٢١٠.

(٣) الذريعة ١ : ٤٠٦.

(٤) « فيه » من هامش ( ع ).

٢٧

والحقّ أنّ مقالة القائل بالمفهوم مطابقة للأصل سواء كان نفس الحكم المذكور في المنطوق مخالفا للأصل كما إذا كان مثل الوجوب والحرمة ، أو مطابقا كالإباحة.

أمّا في الأوّل : فظاهر ، لأصالة عدمه في غير مورد اليقين ، وأصالة براءة الذمّة عن الشواغل الشرعيّة عند عدم ما يدلّ عليها.

وأمّا في الثاني : فلأنّ تعليل الإباحة وتعليقها على الشرط يشعر بأنّ تلك الإباحة الثابتة في المنطوق ليست إباحة مطابقة للأصل ، وإلاّ لم يحتج إلى التعليل بالعلّة المذكورة. ولا شكّ أنّ هذه الإباحة عند الشكّ فيها محكومة بالعدم. وليس ذلك قولا بالمفهوم ، كما هو ظاهر. وذلك نظير ما قيل (١) : من أنّ قوله « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (٢) يفيد أنّ الأصل في الماء انفعاله بالملاقاة ، فإنّ تعليق عدمه بالكرّية يفيد ذلك بحسب الأصل ، وهو ظاهر.

ثم إنّ القول بالمفهوم هو المشهور على ما نسبه جماعة (٣). وذهب السيّد (٤) من أصحابنا إلى عدمه ، واختاره بعض المتأخّرين أيضا ، كالشيخ الجليل الحر العاملي رحمه‌الله (٥). والحقّ ـ كما أشرنا إليه ـ هو الأوّل.

لنا : قضاء صريح العرف بذلك ، فإنّ المنساق إلى الأذهان الخالية من الجمل الشرطية هو التعليق على وجه ينتفي الحكم بانتفاء الشرط ، وكفانا بذلك دليلا

__________________

(١) لم نعثر عليه بعينه ، نعم في القوانين ( ١ : ٤٢٦ ) ما يفيد هذا المعنى.

(٢) الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الأحاديث ١ ، ٢ و ٦.

(٣) انظر مناهج الأحكام : ١٢٨ ، ومفاتيح الأصول : ٢٠٧.

(٤) الذريعة ١ : ٤٠٦.

(٥) الفوائد الطوسيّة : ٢٧٩.

٢٨

وحجّة ملاحظة الاستعمالات الواردة في العرف. وذلك لا ينافي ثبوت استعمال الجملة في معنى آخر ، فإنّ باب المجاز غير منسدّ ، ولم يزل البلغاء والفصحاء يستعملونه في موارد تقضي بها (١) الحال ، فما حكي عن الفوائد الطوسيّة : من أنّه تجشّم باستخراج مائة مورد بل وأزيد (٢) من القرآن الكريم لا دلالة فيها على المفهوم (٣) ، فهو تكلّف من غير حاجة ، إذ لا نزاع في ثبوت ذلك في الجملة ، ولا يوجب ذلك وهنا في قضاء العرف بثبوت المفهوم.

وإلى ما ذكرنا يرجع استدلال البعض باستدلال أهل اللسان بالمفهوم في موارد جمّة ، كما ورد ذلك في جملة من الأخبار (٤) ، وهي مذكورة في الإشارات (٥).

ولا ينافي ما ذكرنا من ثبوت المفهوم ، ما ذكره أهل الميزان : من أنّ القياس الاستثنائي وضع المقدّم فيه ينتج وضع التالي ، كما أنّ رفع التالي ينتج رفع المقدّم ، وأمّا رفع المقدّم فلا ينتج رفع التالي. ولو كان المستفاد من الجمل الشرطيّة هو سببيّة الشرط للجزاء كانت النتيجة المذكورة أولى بالثبوت من غيرها.

ووجه عدم المنافاة : أنّ مقصود المنطقيّين ومحطّ نظرهم في القياس الاستثنائي الاستدلال بالملازمة والاستكشاف منها على وجود أحد طرفيها أو

__________________

(١) في ( ع ) : « به ».

(٢) لم يرد « بل وأزيد » في ( ع ).

(٣) الفوائد الطوسيّة : ٢٩١.

(٤) راجع معاني الأخبار : ٢٠٩ ، باب معنى قول إبراهيم ... ، الحديث الأوّل ، والوسائل ٨ : ٢٢٢ ، الباب ٩ من أبواب العود إلى منى ، الحديث ٤ ، و ٢٠ : ٣٩١ ، الباب ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٥.

(٥) إشارات الاصول : ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

٢٩

عدمه ، ولا شك أنّ صرف الملازمة بين الشيئين لا دلالة فيها زيادة على ما ذكروه : من ثبوت اللازم عند ثبوت الملزوم ، ومن انتفاء الملزوم عند انتفاء اللازم. وأمّا ثبوت اللازم فلا يدلّ على ثبوت ملزوم خاصّ ، لجواز كونه أعمّ ، كما أنّ نفي الأخصّ لا يلازم نفي الأعمّ ، كما يظهر من قولك : « لو كان هذا إنسانا كان حيوانا » فإنّ نفي الإنسان لا يلازم نفي الحيوان ، كما أنّ إثبات الحيوان لا يلازم إثبات الإنسان ؛ ولذلك لم يذكروا ذلك في عداد النتائج الحاصلة من الاستثنائي ، وحيث كانت الجملة الشرطيّة مفادها ثبوت الملازمة جعلوا تلك الجملة أمارة على ما راموه من الاستنتاج ، كما عرفت. وليس ذلك لأجل اختصاص تلك الجملة بإفادة الملازمة على وجه لا يلزم من نفي المقدّم نفي التالي.

والحاصل : أنّه حيث كان مقتضى الترتيب الطبيعي عند إرادة الاستنتاج أن يجعل ما هو الأعمّ مذكورا في التالي وما هو الأخصّ في المقدّم وكان ثبوت الخاصّ دليلا على ثبوت العامّ وعدم العامّ دليلا على عدم ثبوت الخاص ، اقتصروا في النتيجة على ما ذكروا ، وأين ذلك من انحصار مدلول الجملة الشرطيّة فيما لا يلزم من عدم المقدّم عدم التالي؟ وبالجملة ، فمنشأ ذلك اختلاف أنظارهم.

احتجّ المنكرون بوجوه :

الأوّل : ما عزاه جماعة إلى السيّد (١) وهو : أنّ تأثير الشرط إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس يمنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فإنّ قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ )(٢)

__________________

(١) الذريعة ١ : ٤٠٦.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

٣٠

يمنع من قبول الشاهد الواحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا أنّ ضمّ امرأتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا أنّ ضمّ اليمين إلى الأوّل يقوم مقامه أيضا ، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإنّ انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامه. والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.

والجواب : أنّ ما أفاده ممّا لا ينافي ما نحن بصدده ، فأنّ ظاهر الاستدلال ناظر إلى إمكان نيابة شرط عن شرط آخر فكأنّه جعل النزاع في أمر عقليّ ، فحاول رفع امتناع ذلك بما أفاده. وعلى تقديره فهو حقّ لا محيص عنه ، إلاّ أنّ الظاهر من عناوين المسألة رجوع البحث إلى الأبحاث اللغويّة ، مثل النزاع في وضع هيئة الأمر للوجوب.

وإذ قد عرفت ، فنقول : إنّ المستدلّ إن أراد بذلك منع الظهور الوضعي فيما نحن فيه ، فقد عرفت ممّا تقدّم جوابه. وإن أراد أمرا آخر فهو لا ينافي ما نحن بصدده. وكأنّ السيّد أيضا لا يمنع الظهور ، كما ربما يشعر به قوله في الاستدلال : إنّ قوله تعالى : ( فَاسْتَشْهِدُوا ) يمنع من قبول الشاهد الواحد ، فإنّ هذا هو عين القول بالمفهوم ، غاية الأمر أنّه لم يعوّل عليه ، لما ذكره بقوله : « ثمّ علمنا أنّ ضمّ امرأتين ... الخ » فإنّ الظاهر (١) يدفع بالقاطع كما هو المفروض في كلامه ، كيف! والمنقول منه اعترافه بثبوت مفهوم العدد (٢) مع كونه أضعف من مفهوم الشرط بمراتب.

__________________

(١) في ( ع ) زيادة : « قد ».

(٢) الموجود في الذريعة إنكار مفهوم العدد ، انظر الذريعة ١ : ٤٠٧ ، ولم نعثر على الحاكي.

٣١

وأمّا ما لم يعلم بقيام سبب آخر فظاهر الجملة يلزم الأخذ به من دون اعتناء باحتمال وجود سبب آخر ، كما هو الحال في سائر الظواهر. وبالجملة ، فمع احتمال تعدّد الأسباب لا ينبغي الاعتناء به ، ومع العلم فهو المتّبع ، ولكنّه لا يضرّ ما نحن بصدده من ثبوت المفهوم ، فإنّ القائل بالمفهوم يلتزم بالتقييد (١) ويحكم بعدم الجزاء عند عدم الشرط بجميع أفراده لا في الجملة ، وهو ظاهر في الغاية.

لا يقال : يمكن أن يكون السبب الآخر المحتمل قيامه مقام السبب الأوّل ملازما في الوجود مع نقيض الشرط ، وحينئذ لا سبيل إلى القول بأنّ قيام سبب آخر لا ينافي ثبوت المفهوم.

لأنّا نقول : إن أريد أن يكون الحكم ثابتا على تقديري وجود الشرط وعدمه ؛ لأنّ عدمه يقوم مقام وجوده في ترتّب الجزاء عليه ، فلا يمكن القول بالمفهوم ، لاستلزامه ارتفاع النقيضين فهو على تقدير تعقّله يوجب إلقاء الاشتراط ، إذ لا فائدة في الاشتراط بالشرط المذكور. وإن اريد غير ذلك كأن يكون هناك ضدّان كالسواد والبياض وكلّ واحد منهما باعتبار جامع بينهما يقتضي حكما ، فيجوز التعلّق المذكور ، ولا يضرّ في ثبوت المفهوم ، إذ يقال : إنّه على تقدير وجود السواد والبياض (٢) الحكم كذا ، وعلى تقدير عدمهما معا فالحكم المذكور منتف. ولا ضير في ذلك.

فإن قلت : قد يكون السبب القائم مقامه محتملا لعدّة امور فيصير مجملا ، فيلغو اعتبار المفهوم.

__________________

(١) في ( ع ) : « بالتقيّد ».

(٢) في ( ع ) : « أو البياض ».

٣٢

قلت : نعم ، ولكنّه لا يضرّ بظهور اللفظ فيما لا يحتمل ذلك ، فإنّ الحكم بالإجمال في المجمل لا يسري إلى ما ليس بمجمل ، وهو ظاهر.

وقد يعترض على السيّد : بأنّ مجرّد احتمال قيام سبب آخر لا ينافي القول بالمفهوم ، لأنّ الأصل يقضي بعدمه.

وفيه : أنّ المانع أيضا لم يعلم من حاله الاعتداد بالاحتمال المذكور وعدم الأخذ بالأصل في مقام الشك في القيام ، لكنّه لا دخل له في ثبوت المفهوم ، فإنّ المقصود نفي الاحتمال المذكور بظهور اللفظ كما يدّعيه القائل بالمفهوم ، وهو ظاهر.

الثاني : أنّه لو دلّ لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة كبطلان التالي حيث لا لزوم عقلا ولا عرفا ـ ظاهرة.

والجواب : أنّا نمنع بطلان التالي ، إذ الالتزام ثابت ، فإنّا قد قدّمنا أنّ العرف قاض بأنّ المستفاد من أداة الشرط هو التعليق على وجه خاصّ يلزم منه الانتفاء عند الانتفاء ، وذلك نظير قضاء العرف باستفادة الطلب من الأمر على وجه لا يرضى الطالب بتركه ، وهو المعبّر عنه بالوجوب ، فيكون الوجوب مدلولا التزاميّا وضعيّا للأمر.

وقد يجاب : بأنّ الدلالة المذكورة من التضمّن ، فإنّ التعلّق المذكور في نظيره (١) مركّب من قضيّة يحكم فيها بالوجود عند الوجود وقضية اخرى يحكم فيها بالانتفاء عند الانتفاء ، نظير لفظ « السبب » في وجه. وهو بعيد ؛ إذ المعقول عندنا هو الالتزام دون التضمّن ، كما لا يخفى.

__________________

(١) في ( ع ) : « نظره ».

٣٣

ثم إنّا قد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى الفرق بين هذه الالتزامات وبين الالتزامات في مسألة الضدّ والمقدّمة ، وحاصله : أنّ النزاع في هذه المسائل في أنّ مدلول اللفظ هل المعنى الذي يلزمه اللازم الفلاني أو معنى لا يلزمه ، والنزاع في تلك المسائل إنّما هو في ثبوت الملازمة بين المعنيين ولو لم يعبّر عنهما بلفظ أصلا.

الثالث : قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً )(١) وجه الدلالة : أنّ اعتبار المفهوم يوجب إباحة الإكراه عند عدم الشرط ، وهو عدم إرادة التحصّن ، واللازم باطل ، والملزوم مثله.

والجواب : أنّ مجرّد الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ونحن لا ننكر استعمال الجمل الشرطيّة فيما يلغو فيه المفهوم ، وإنّما الكلام في الظهور العرفي ، ووجود الاستعمالات المخالفة (٢) وإن كانت غالبة ، غير مضرّ فيه ؛ لاقترانه بالقرينة في الكلّ.

وأجاب عنه في المعالم (٣) وغيره (٤) ، تارة : بالالتزام بالمفهوم والقول بأنّها تدلّ على عدم حرمة الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، وذلك لا يقتضي إباحة الإكراه ، إذ لا يعقل الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، فيصدق : أنّه لا يحرم الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، لأنّ السالبة صادقة عند انتفاء الموضوع أيضا. وأخرى : بأنّ التعليق بالشرط إنّما يقتضي الانتفاء إذا لم يظهر للشرط فائدة

__________________

(١) النور : ٣٣.

(٢) في ( ع ) : « المختلفة ».

(٣) المعالم : ٧٨.

(٤) انظر الفصول : ١٥١ ، ومناهج الاصول : ١٢٩.

٣٤

اخرى ، وأمّا إذا ظهرت فائدة فلا ، كما في الآية ، فإنّ الوجه في التعليق يحتمل أن يكون المبالغة في النهي عن الإكراه ، يعني : أنّهنّ إذا أردن العفّة فالمولى أحقّ بإرادتها.

ويرد على الأوّل ـ بعد الغضّ عن إمكان الواسطة عند عدم الالتفات أو عنده مع التردّد ـ : أنّ ذلك يوجب إلغاء المفهوم ، فإنّه كما ستعرف يجب أن لا يكون بين المفهوم والمنطوق اختلاف إلاّ من جهة الإيجاب والسلب ، والمفروض في المنطوق هو وجود الموضوع ، فيجب اعتباره في المفهوم أيضا.

وتوضيحه : أنّه لو قال المولى لأحد غلمانه : « إن جاءك زيد فأضفه » فلا بدّ أن تكون الإضافة المنفيّة في طرف المفهوم أمرا مقدورا كما أنّها في المنطوق كذلك ، فلو كان الإضافة في المفهوم غير مقدور كان التعليق المذكور تعليقا مجازيّا. وصدق السالبة بدون الموضوع وإن كان صادقا ، لكنّه لا يصحّح ثبوت المفهوم ؛ لما عرفت ، فلا وجه لتصحيح المفهوم بما ذكر ، بل الظاهر أنّ الجملة الشرطيّة مسوقة في مثله لبيان موضوع الحكم ، كما في قوله : « إن ركب الأمير فخذ ركابه » و « إن رزقت ولدا فاختنه » وقوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )(١) إلى غير ذلك من الموارد.

وعلى الثاني (٢) : أنّ ذلك ينافي القول بالمفهوم ، فإنّ اللازم حينئذ اقتصار الحكم بما إذا علم عدم الفائدة. ودعوى كونها أظهر الفوائد إن رجعت إلى دعوى الوضع ، فمرجعها إلى ما قلنا ، وإلاّ فلا فائدة فيها. وهو ظاهر.

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) عطف على قوله : « ويرد على الأوّل ».

٣٥
٣٦

هداية

بعد ما عرفت أنّ الحقّ هو المفهوم في الجملة الشرطيّة ، فهل يفرق في ذلك بين موارد الوصايا والأوقاف ونحوها وبين غيرها؟ فنقول : لا فرق فيما ذكرنا من ثبوت المفهوم بين كون الجمل الشرطيّة واقعة في موارد الوصايا أو الأوقاف أو الأقارير وبين غيره.

ويظهر من الشهيد الثاني اختصاص النزاع بالثاني بخروج الأوّل عن محلّ التشاجر ؛ للقطع بثبوت المفهوم فيها من غير أن يكون قابلا للنزاع. قال في محكيّ تمهيد القواعد : لا إشكال في دلالتها (١) في مثل الوقف والوصايا والنذر والأيمان ، كما إذا قال : « وقفت هذا على أولادي الفقراء » أو « إن كانوا فقراء » أو نحو ذلك (٢). ولعلّ الوجه في تخصيص (٣) المذكور هو عدم دخول غير الفقراء في الموقوف عليهم وفهم التعارض فيما لو قال بعد ذلك : وقفت على أولادي مطلقا.

وفيه : أنّ ذلك خلط بين انتفاء الإنشاء الشخصي الخاصّ الموجب لما يترتّب عليه من الآثار من ملك أو لزوم أمر آخر ، وبين انتفاء نوع الوجوب المعتبر في المفهوم ، فإنّ انتفاء الشخص قطعيّ لا يقبل إنكاره بعد ارتفاع الكلام الدالّ على الإنشاء ، ومن لوازم تشخّصه عدم سراية ذلك الحكم الثابت به

__________________

(١) في المصدر : « دلالتهما » ، أي : الصفة والشرط.

(٢) تمهيد القواعد : ١١٠.

(٣) كذا ، والظاهر : التخصيص.

٣٧

إلى غيره ؛ كما يظهر ذلك بملاحظة مفهوم اللقب ، فإنّ وجوب إكرام زيد الثابت بإنشاء خاصّ منفيّ عن عمرو قطعا. نعم ، يصحّ إنشاء الوجوب أيضا لعمرو بإنشاء آخر مماثل لإنشاء وجوب إكرام زيد. ولا يصحّ إنشاء الوقف لغير الفقير بواسطة عدم قابليّة المحلّ المذكور لوقفين ، حيث إنّ ذلك المتعلّق أمر شخصي ، بخلاف الإكرام فإنّه كلّي يحتمل الوجوبين بالنسبة إلى زيد وعمرو. ونظير الملك المذكور هو ما إذا أمر بفرد خاصّ شخصيّ للإكرام لو فرض ، فإنّه لا يحتمل الوجوبين أيضا.

وبالجملة ، فعدم دخول غير الفقراء في الموقوف عليهم لا يقضي بالمفهوم كما عرفت في اللقب أيضا. وفهم التعارض والتناقض بين قوله : « وقفت على أولادي إن كانوا فقراء » و « وقفت على أولادي » مطلقا بواسطة عدم تحمّل العين لتمليكين ، كما هو ظاهر. والمعتبر في المفهوم انتفاء الحكم عن مورد الشرط على تقدير انتفائه بحسب نوع الحكم وسنخه.

وقد يستشكل في المقام ، نظرا إلى أنّ الشرط المذكور إنّما وقع شرطا بالنسبة إلى الإنشاء الخاصّ الحاصل بذلك الكلام دون غيره ، فأقصى ما تفيده الشرطيّة انتفاء ذلك ، وأين ذلك من دلالته على انتفاء نوع الوجوب؟ كما هو المدّعى.

وقد يذبّ عنه : بأنّ الوجوب المنشأ في المنطوق هو الوجوب مطلقا من حيث كون اللفظ موضوعا له بالوضع العامّ ، واختصاصه وشخصيّته من فعل الآمر ، كما أنّ شخصيّة الفعل المتعلّق للوجوب من فعل المأمور ، فيحكم بانتفاء مطلق الوجوب في جانب المفهوم.

أقول : لا وقع للاشكال والدفع.

٣٨

أمّا الأوّل : فلأنّ الكلام المشتمل على المفهوم إمّا أن يكون خبريّا ، كقولك : « يجب على زيد كذا إن كان كذا » وإمّا أن يكون إنشائيّا ، كقولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » وارتفاع مطلق الوجوب في طرف المفهوم في الأوّل ظاهر ، حيث إنّ المخبر عن ثبوته في المنطوق ليس شخصا خاصّا من الوجوب ، ضرورة كون الوجوب كلّيا. فلا يتوجّه هنا إشكال حتّى يدفع بما ذكره أو بغيره. وأمّا ارتفاع مطلق الوجوب فيما إذا كان الكلام إنشائيّا فهو من فوائد العلّية والسببيّة المستفادة من الجملة الشرطيّة ، حيث إنّ ارتفاع شخص الطلب والوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلّة والسبب المأخوذ في الجملة الشرطيّة ، فإنّ ذلك يرتفع ولو لم يؤخذ المذكور في حيال أداة الشرط علّة له ، كما هو ظاهر في اللقب والوصف. فقضيّة العلّية والسببيّة ارتفاع نوع الوجوب الذي أنشأه الآمر وصار بواسطة إنشائه شخصا من الوجوب. وأمّا وقوع الشرط شرطا للإنشاء الخاصّ فهو بملاحظة نوع الوجوب المتعلّق به الإنشاء وإن لم يكن ذلك على ذلك الوجه مدلولا للّفظ ، إذ يكفي فيه ارتفاع شخصه من حيث إنّه عنوان لارتفاع نوعه ، نظرا إلى العلّية المذكورة.

وأمّا الثاني : فلأنّ ابتناء الدفع على ما زعمه من عموم الموضوع له والوضع ليس على ما ينبغي ، كما عرفت فيما ذكرنا ؛ مضافا إلى أنّ ذلك أيضا ممّا لم يقم دليل عليه لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث إنّ الخصوصيّات بأنفسها مستفادة من الألفاظ. والحمد لله.

٣٩
٤٠