مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

قد يقال (١) : إنّ أغلب موارد استعمال المطلقات كذلك (٢) فعند الشكّ يحمل عليه. وليس بذلك البيعة ، فتأمّل.

وأمّا إذا علم بانتفاء أحدهما فلا ينبغي الأخذ بالإطلاق ، أمّا الأمر الثاني (٣) فلما عرفت من عدم الداعي لا لفظا ولا عقلا لعدم الدلالة وعدم لزوم القبيح (٤). وأمّا الأمر الأوّل (٥) فلو علم بورود ما يصلح للتقييد فلا وجه للاعتماد على أصالة عدم ورود القيد ، فهو ـ ولو بملاحظة أصالة الحقيقة ـ ينهض مقيّدا للمطلق ، لكفايته في مقام البيان ، ويستكشف من ذلك عدم ورود المطلق في مقام البيان ، ويرتفع بذلك ما هو الوجه في الحكم بإطلاقه.

وهذا هو السرّ في الحكم بتقديم التقييد على أنحاء التصرّفات المتصوّرة في اللفظ ، فلا حاجة إلى دعوى شيوع التقييد بالنسبة إلى غيره من التصرّفات وإن كان الوجه في شيوعه هو (٦) ما ذكرنا [ والله الهادي إلى سواء السبيل وهو خير معين ](٧).

__________________

(١) راجع ضوابط الاصول : ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) في ( ش ) والمطبوع : « إنّما هو ذلك ».

(٣) يعني كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد ، راجع الصفحة : ٢٦٧.

(٤) العبارة مشوّشة وقاصرة عن إفادة المراد جدّا.

(٥) يعني انتفاء ما يوجب التقييد داخلا أو خارجا ، راجع الصفحة : ٢٦٣.

(٦) في المطبوع بدل « هو » : « أيضا ».

(٧) من ( ق ).

٢٦١
٢٦٢

هداية

قد عرفت أنّ حمل المطلق على الإطلاق موقوف على أمرين : أحدهما عدميّ ، والآخر وجوديّ ، ويتولّد من كلّ واحد منهما شرط للحمل على الإطلاق ، كما أفاده بعض المحقّقين في فوائده (١).

الأوّل :

أن لا يكون منصرفا إلى بعض الأفراد. والوجه في ذلك : الاشتراط ظاهر بعد قيام الانصراف مقام التقييد اللفظي ، إلاّ أنّه لا بدّ من توضيح موارده ، فنقول : إنّ له أقساما :

أحدها : الشيوع الحضوري (٢) بمعنى حضور (٣) بعض أقسام المعنى في الذهن بواسطة استيناس حاصل به مع القطع بعدم كونه مرادا بالخصوص كانصراف الماء إلى ما هو المتعارف شربه في البلد ، كالفرات في العراق مثلا.

ثانيها : ما هو أقوى من ذلك مع ارتفاعه بالتأمّل ، وهو المسمّى بالتشكيك البدوي.

وثالثها : أن يكون الشيوع موجبا لاستقرار الشكّ واستمراره على وجه لا يزول بالملاحظة والتأمّل ، نظير الشكّ الحاصل في المجاز المشهور عند التردّد في وصول الشهرة حدّا يمكن معها التصرّف. إلاّ أنّه في المجاز محكوم بإرادة

__________________

(١) الفوائد الحائرية : ٣٦١ ، الفائدة ٥.

(٢) في ( ش ) و ( ع ) والمطبوع : « الخطوري ».

(٣) في المطبوع و ( ع ) : « خطور ».

٢٦٣

الحقيقة نظرا إلى أصالتها ، وفي المقام محكوم بالإجمال نظرا إلى أنّ الحكم بالإطلاق ممّا لا قاضي به. أمّا على المختار فلأنّ بعد احتمال البيان قويّا لا ضير في ترك الإطلاق ولا يجري فيه أصالة الحقيقة ، وأمّا على المجازيّة [ كما عليه المشهور ](١) فلأنّ شيوع هذا المجاز هو الفارق بينه وبين غيره من عدم جريان أصالة الحقيقة عند احتماله.

ورابعها : بلوغ الشيوع حدّ الشياع في المجاز المشهور عند تعارضه مع (٢) الحقيقة المرجوحة ، إلاّ أنّه يحكم في المجاز بالتوقّف وبالتقييد في المقام.

أمّا على المختار ، فلما عرفت من صلاحيّته للبيان وبعد وجود ما يصلح له لا يحكم العقل بالإطلاق من غير فرق بين القرينة الداخلية ـ أعني الشيوع ـ وغيرها. وما توهّم : من أنّ الشيوع لا يصلح أن يكون دليلا على الخصوصيّة والتقيّد (٣) ليلزم منه كون المطلق حقيقة ، بل إنّما هو صالح لأن يراد من المطلق المقيّد فيكون مجازا حينئذ لا محالة ، فهو فاسد ، إذ لم نجد ما يقضي بذلك ، فكما أنّه يمكن ذلك فيه فما نحن فيه أولى به.

وأمّا على المشهور ، فلوضوح الفرق بين المجازات كما عرفت ، ولعلّ الوجه هو الأخذ بالمعلوم ، فإنّ المقيّد هو القدر المتيقّن على دخوله في المطلق ، إلاّ أنّ ذلك خلاف الاحتياط عند عدم التمكّن من المقيّد ، فلا بدّ من بيان ما هو الملاك في التقييد. نعم ، يتمّ ذلك في مقام العمل ، فتأمّل.

وخامسها : بلوغ الشيوع حدّ الاشتراك ثمّ النقل. وقد يتوهّم على المختار من عدم لزوم مجاز في التقييد بلوغه ذلك الحدّ مشكل ؛ لأنّ المعنى الموضوع له

__________________

(١) من ( ش ).

(٢) في ( ش ) زيادة : « أصالة ».

(٣) في غير ( ش ) : « التقييد ».

٢٦٤

محفوظ في جميع المراتب ولا يختلف باختلاف الوجوه كما عرفت والنقل مسبوق بالمجاز لا محالة ، فكيف يتصوّر ذلك؟

والجواب عن ذلك : أنّ ما ذكرنا إنّما هو في مقام بيان عدم الملازمة بين التقييد والمجاز ، وإلاّ فقد يمكن أن يكون التقييد مجازا ، كأن يراد من لفظ المطلق ـ الموضوع لنفس المعنى ـ المقيّد بواسطة القرينة ، ولا امتناع في ذلك ، كيف والعموم والخصوص من العلائق التي تراعى بين المعاني الحقيقيّة والمجازيّة ، ومن موارد تلك العلاقة استعمال الكلّي والمطلق في الفرد والمقيّد ، فيمكن حصول النقل بملاحظة هذا النحو من الاستعمال. نعم ذلك غير ممكن على الوجه الآخر الذي لا يلزم على تقديره مجاز ؛ مع أنّه يمكن القول بإمكانه على ذلك التقدير أيضا ، كأن يكون الذهن غير ملتفت إلى ما يوجبه التقييد لكثرة استيناسه بما يوجب التقييد ، فينتقل تارة بعد تأكيد الأنس إلى المقيّد مع قطع النظر عمّا يوجبه ، نظير حصول النقل على وجه المجازيّة أيضا.

ثمّ إنّ الانصراف كما يختلف مراتبه ـ كما عرفت ـ كذلك يختلف مراتبه ؛ لأنّه بمنزلة التقييد ، بل هو هو بعينه ، إلاّ أنّ المقيّد هنا لبّي ، فقد يكون اللفظ من إحدى الجهات منصرفا ومطلقا من جهة غيرها ، ويلحق بكلّ جهة حكمها ، من دون سراية إلى الاخرى.

ولو شكّ في الانصراف أو في بلوغه حدّا لا يؤخذ معه بالإطلاق ، ففي الأخذ به أو عدمه وجهان ، ولعلّ الأوّل أقرب ، لعدم العلم ولا ما يقوم مقامه من أصل ونحوه بالبيان ، فاعتبار (١) المتكلّم على ذلك قبيح ولا رافع له من حكم العرف بالبيان ، فتأمّل.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : فاعتماد.

٢٦٥

تفريع : إذا قام إجماع أو نحوه على ثبوت حكم المنصرف إلى الشائع للفرد النادر ، فهل يوجب ذلك الحكم بإطلاقه من جميع الجهات التي يكون منصرفا بالنسبة إليها ، أو لا فيقتصر على ثبوت الحكم لذلك المورد بالخصوص ويؤخذ بالانصراف في الجهات الباقية؟ وجهان بل قولان ، فالمشهور على الثاني ، ونسب إلى الشريف المرتضى (١) الأوّل حيث حكم بجواز التطهير بالمضاف. خلافا للمشهور لذهابهم إلى عدم الجواز لانصراف الغسل إلى ما يحصل بالماء المطلق. فقال المرتضى : إنّ الغسل بالمضاف كما أنّه من الأفراد النادرة فكذلك الغسل بماء الكبريت ونحوه من الأفراد النادرة أيضا ، والإجماع على جواز التطهير بأمثال ماء الكبريت ثابت (٢) وبذلك يستكشف عن كون المراد هو المطلق على وجه الاطلاق (٣).

وقال بعضهم : إنّ الحقّ في ذلك هو التفصيل ، بأن يقال : إن علمنا أنّ مستند الإجماع على تعلّق الحكم الكذائي ببعض الأفراد (٤) النادرة هو تعلّق الحكم على المطلق ليكون فتوى المجمعين مستندا إلى ظاهر الإطلاق ، فالتعويل على ما اختاره الشريف المرتضى كما هو كذلك في الفرع المتنازع فيه ، فلا وجه لردّ السيّد بالانصراف ولا بدّ له من إبداء وجه غيره. وإن لم يعلم ذلك فلا ، إذ لعلّ هناك دليلا خاصّا دلّ على تعلّق الحكم المذكور بخصوص هذا الفرد النادر ، كما لا يخفى.

__________________

(١) نسبه في ضوابط الأصول : ٢٢٢ ، وراجع مفاتيح الأصول : ١٩٧.

(٢) لم يرد « ثابت » في ( ش ) والمطبوع.

(٣) راجع مسائل الناصريات : ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٤) في ( ق ) : « بالأفراد ».

٢٦٦

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ النسبة المذكورة ممّا لا دليل عليها ، فإنّ السيّد حكم بالإطلاق في ذلك المورد الخاصّ لا مطلقا ، وهو في محلّه.

ويمكن أن يقال : إنّ ذلك غير وجيه بعد تعدّد جهات الإطلاق والانصراف ، فإنّهم لو استندوا إلى الإطلاق من جهة خاصّة لا ملازمة بين ذلك وبين استنادهم إليه من جهة أخرى ، فإنّ الانصراف أيضا كما عرفت من التقييد ، فكما لا ينافي ورود التقييد اللفظي الآخذ بالإطلاق من جهة لم يرد فيها (١) فكذلك الانصراف.

ولكنّه لا بدّ من التأمّل من حيث نسبة ذلك إلى من هو أعرف منّا بمواقع الكلام.

الشرط الثاني :

إذا فرض لإطلاق المطلق جهات عديدة ، فالشرط في حمله على الاطلاق من كلّ جهة أن يكون واردا في مقام بيان تلك الجهة بخصوصها ، فلا يجوز التعويل على الإطلاق في الجهة التي لم يرد المطلق في مقام بيانها. ووجه الاشتراط ظاهر بعد ما عرفت من أنّ الإطلاق إنّما هو موقوف على وروده في مقام البيان ؛ لأنّه لو لم يحمل على العموم من تلك الجهة وحمل على الإهمال من جهتها لا يلزم قبيح على المتكلّم ، ويظهر ذلك في الغاية بالمراجعة إلى المحاورات العرفيّة ، فلو أفتى المجتهد مقلّده بجواز الصلاة في القلنسوة النجسة ، فهل ترى أن يؤخذ بإطلاق القلنسوة ويحكم بجواز الصلاة فيها إذا كانت مغصوبة أيضا؟ ومن هنا أوردوا (٢) على الشيخ في استدلاله على طهارة موضع عضّ الكلب

__________________

(١) في ( ش ) والمطبوع : « في جهة ولم يرد فيها ».

(٢) في المطبوع : « ومنها نقدوا على الشيخ ».

٢٦٧

بإطلاق قوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )(١) مع وروده في مقام بيان الحلّية ولا يرتبط بجهة الطهارة والنجاسة (٢).

نعم ، من لا يرى أنّ وجه العموم في المطلق هو ما ذكرنا بل العموم عنده وضعيّ يشكل عليه الأمر في إثبات الشرط ، مثل من ذهب إلى أنّ وجه العموم في المطلق هو استواء نسبة الماهيّة الملحوظة بنفسها إلى جميع الأفراد من غير حاجة إلى إحراز مقام البيان وإن كان قائلا بخروج الشيوع عن المعنى كما هو الظاهر من بعض الأفاضل ؛ قال في العوائد ـ بعد نقل ما ذكرنا عن الوحيد البهبهاني ـ : وهذا الكلام يجري على دليل الحكمة ، ولا يجري على المختار من كون عموم المطلق لوجود الطبيعة ؛ لأنّها موجودة في ضمن كلّ فرد من أفرادها (٣).

ثمّ إنّه حاول الاعتراض على ما ذكره ، فأورد عليه بما حاصله : أنّ ملاحظة الجهات والحيثيّات توجب ارتفاع التناقض بين المطلقين فيما إذا تقارب الجهات ، فلا يكون تعارض بين قوله : « في الغنم زكاة » وبين قوله « ليس في الحيوان الأسود زكاة ».

وأنت خبير بأنّ عدم التعارض إنّما هو الحقّ الحقيق بالتصديق ، لما عرفت من ارتفاعه حيث لا يلاحظ المعنى على وجه السراية والشيوع وبالجملة ، فملاحظة موارد إطلاق المطلق في العرف من أقوى الشواهد.

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) راجع المبسوط ٦ : ٢٥٩ ، والخلاف ٦ : ١٢ ، المسألة ٧ من كتاب الصيد والذبائح ، وراجع لما أوردوه عليه ، المسالك ١١ : ٤٤٣ ، والجواهر ٣٦ : ٦٧ ، والمستند ١٥ : ٣٦٠.

(٣) عوائد الأيّام : ٧٥٣.

٢٦٨

ثمّ إنّ وروده في مقام بيان حكم آخر قد يكون واضحا جليّا ، وقد لا يكون كذلك فيحصل الشكّ ، فهل يحكم بوروده في مقام بيان الحكم من جميع الجهات أو من الجهة المشكوك فيها ، أو لا؟ وجهان مبنيّان على دعوى الغلبة ومنعها ، ومجال الكلام فيه واسع.

تذنيب :

ما ذكرنا من عدم السراية إلى الجهة التي لم يرد المطلق في بيانها إنّما هو إذا لم يكن لتلك الجهة ملازمة عقليّة أو عاديّة أو شرعيّة للجهة التي ورد في بيانها ، مثل ما ورد في صحّة الصلاة في ثوب فيه عذرة ما لا يؤكل لحمه من جهة النجاسة عند عدم العلم بها (١) ، فإنّها تدل على صحة الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل عند عدم العلم بها إذا كانت النجاسة من الأجزاء ، لعدم الانفكاك بينهما على هذا التقدير ، فلو حمل على نفس الجهة التي ورد في بيانها لزم إلغاؤه بالمرّة.

ومثله أيضا أنّه سئل الإمام عليه‌السلام عن الكافر إذا وقع في البئر ومات ، قال : « ينزح سبعون دلوا » (٢) فإنّه وإن ورد من جهة النجاسة من حيث إنّه كافر ، لكن النجاسة الحادثة بالموت نظرا إلى الإطلاق لا يمكن أن يكون أزيد منها ، وإلاّ لغى الكلام ويبقى بلا مورد.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٦ ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، الحديث ٥.

(٢) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المجاميع الحديثية ، نعم ورد في موثّق عمّار نزح سبعين دلوا لموت الإنسان في البئر ، راجع الوسائل ١ : ١٤١ ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

٢٦٩

ومثله ما ورد من طهارة سؤر الهرّة (١) حيث إنّ الغالب عدم خلوّ موضع السؤر عن النجاسة ، فيحكم بكون السؤر طاهرا مطلقا ولو كان قبل الملاقاة ملاقيا بالنجاسة ، بل وذلك هو عمدة الوجه في اتكالهم على طهارة الحيوان بزوال النجاسة فراجع.

ومثله الاستدلال بعمومات البراءة الواردة في الشبهة الموضوعيّة البدويّة على حلّيّة أطراف الشبهة الغير المحصورة ، لعدم انفكاك هذه الجهة في الأغلب عنها ، فلمّا لم يدلّ على هذه الجهة يبقى تلك العمومات عادم المورد ؛ لأنّ النادر كالمعدوم ... إلى غير ذلك من الموارد لا يكاد ضبطها ولا خفاؤها على الملاحظ المتتبّع ، والله الهادي.

__________________

(١) راجع الوسائل ٢ : ١٦٤ ، الباب ٢ من أبواب الأسآر ، الحديث ١ و ٢.

٢٧٠

هداية

إذا ورد مطلق ومقيّد ، فإمّا أن يكون المحكوم به متّحدا أو متعدّدا ، وعلى التقديرين فهما إمّا منفيّان أو مثبتان أو مختلفان ، وعلى التقادير إمّا أن يكون الموجب فيهما مذكورا أو لا ؛ وعلى الأوّل إمّا أن يكون الموجب واحدا أو متعدّدا وتنقيح البحث في طيّ مقامات :

المقام الأوّل : فيما إذا كان المحكوم به متعدّدا بجميع الصور المفروضة (١) لا حمل ، كقولك : « أطعم فقيرا » و « اكس فقيرا هاشميا » لعدم ما يقضي (٢) بالحمل ، ضرورة عدم ارتباط أحدهما بالآخر ، إلاّ أن يكون هناك ما يقضي بذلك من توقّف أحد الموضوعين على الآخر ، كقولك : « أعتق رقبة » و « لا يملك رقبة كافرة » فإنّ توقّف العتق على الملك أوجب تقييد الرقبة بالمؤمنة ، وعند التحقيق ذلك خارج عمّا نحن فيه ، فإنّ قولك : « أعتق » بمنزلة « املك رقبة وأعتقها » بواسطة التوقّف ، فيدخل في المتّحدين. هذا إذا كان اختلافهما على وجه التباين الكلّي.

وأمّا إذا كان بينهما عموم من وجه فلا حمل أيضا ، إلاّ أنّه يمكن الحكم في مورد اجتماع الفعلين بالامتثال إذا تعلّق الأمر بهما. ولعلّه ظاهر.

وأمّا إذا كان بينهما عموم مطلقا فكما إذا كان بين متعلّقيهما كذلك.

__________________

(١) في ( ع ) : « فجميع الصور المذكورة ».

(٢) في ( ع ) : « يقتضي ».

٢٧١

المقام الثاني : إذا اتّحد المحكوم به ، فمع تعدّد الموجب كقولك : « إن ظاهرت أعتق رقبة » و « إن قلت (١) أعتق رقبة مؤمنة » فلا حمل أيضا ، كما عليه أصحابنا الإماميّة أجمع على ما حكي (٢) ، لعدم ما يوجب ذلك من العقل والنقل ، لعدم التنافي بينهما. وحكي عن بعض أهل الخلاف : أنّهم خالفوا في ذلك وقالوا بالحمل (٣). وشذوذه يكفي في الأعراض عنه.

المقام الثالث : إذا اتّحد الموجب مذكورا أو مستورا وكان الكلامان مثبتين ، فالمشهور على الحمل ، بل وعليه الإجماع صريحا في كلام جماعة من أصحابنا كالعلاّمة (٤) والعميدي (٥) والبهائي (٦) ، وغيرهم كالآمدي (٧) والحاجبي (٨) والعضدي (٩).

ولعلّ ذلك هو الواقع أيضا ، فإذا قال القائل : « أعتق رقبة » و « أعتق رقبة مؤمنة » مجرّدين عن ذكر الموجب أو مضافين إلى قوله : « إن ظاهرت » فالعرف إنّما يساعد على الحمل المذكور وأنّ المراد بالمطلق هو المقيّد ، وهو راجع إلى التقييد وإن توهّم اختلافهما كما هو ظاهر.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : إن قتلت.

(٢) حكاه السيّد المجاهد في المفاتيح : ٢٠٤ ، عن نهاية المأمول.

(٣) حكاه السيّد المجاهد في المفاتيح : ٢٠٤ عن الشافعي وغيره ، وراجع شرح مختصر الأصول للعضدي : ٢٨٥.

(٤) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ١٧٤.

(٥) قاله في منية اللبيب : ١٩٤ ، وحكى عنه السيّد المجاهد في المفاتيح : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٦) زبدة الاصول : ١٠٤. وفي ( ط ) ونسخة من ( ش ) : « البهبهاني ».

(٧) الإحكام ٣ : ٧ ، وفيه : فلا نعرف خلافا في حمل المطلق على المقيد.

(٨ و ٩) راجع شرح مختصر الاصول : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٢٧٢

فاستدلّ الأكثرون بأنّه جمع بين الدليلين ، وهو أولى. وأورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر كحمل الأمر فيهما على التخيير أو في المقيّد على الاستحباب. والأوّل باطل لعدم معقولية التخيير بين الفرد والكلّي ، والثاني فاسد لما عرفت من أنّ التقييد ليس تصرّفا في معنى اللفظ وإنّما هو تصرّف في وجه من وجوه المعنى الذي اقتضاه تجرّده عن القيد مع تخيّل وروده في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطّلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال ، فلا إطلاق فيه حتّى يستلزم تصرّفا ، فلا يعارض ذلك بالتصرّف في المقيّد بحمل أمره على الاستحباب ، وعلى المشهور فلا يعارض أيضا بغلبة هذا المجاز على أقرانه ، وعلى تقدير التساوي فالحكم هو الإجمال على المشهور ، ولا بدّ من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل عند دوران الأمر بين المطلق والمقيّد من تحكيم البراءة والاشتغال ، على الخلاف المقرّر بينهم.

والعجب من المحقّق القمي رحمه‌الله حيث حكم بالبراءة عند دوران الأمر بين المتباينين كالظهر والجمعة (١) ، ويظهر منه الاشتغال في المقام (٢).

وممّا ذكرنا يظهر عدم استقامة ما قد يحتجّ على الحمل بالاحتياط ، فإنّه بعد كونه مختلفا فيه ليس حملا بل هو حمل في العمل كما لا يخفى.

وقد ذهب شيخنا البهائي إلى أنّ وجه الحمل هو اعتبار مفهوم الوصف في قبال المطلق (٣) ؛ ولذلك أورد عليهم التناقض. وهو ليس في محلّه ، إذ بعد النقض

__________________

(١) القوانين ٢ : ٣٧.

(٢) القوانين ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٣) لم نعثر عليه في الزبدة ولا في حواشيه ، نعم حكى في القوانين ١ : ٣٢٩ عن حواشي الزبدة ما يدل عليه.

٢٧٣

باللقب وعدّ هذا القسم في المثبتين يرد عليه : أنّ التنافي إنّما هو بواسطة اتّحاد التكليف والمفهوم لا يورث التنافي ؛ لأنّ المستفاد منه نفي وجوب الفعل (١) عن غير محلّ الوصف ، وهو لا ينافي وجوبه تخييرا كما هو قضيّة الأمر بالمطلق. ولو سلّم أنّ المستفاد منه هو نفي سنخ الوجوب مطلقا فاللازم هو التعارض ، لكونهما ظاهرين ، ولا وجه للترجيح بينهما من دون مرجّح ولو التزمنا ثبوت المفهوم صونا لكلام الحكيم عن اللغوية. فما ذكرنا : من أنّ المستفاد من المفهوم ليس إلاّ نفي الوجوب العيني يكون أقوى ، وقد فصّلنا ذلك في مباحث المفهوم ، فراجعه.

تنبيه فيه تحصيل : قد عرفت أنّ وجه التنافي بين المطلق والمقيّد هو اتّحاد التكليف ، إذ لو لم يكن ذلك فلا وجه للحمل ، لوجوب المقيّد هنا تارة بواسطة تعلّق الأمر به وأخرى تخييرا. نعم يتأتّى القول بالاكتفاء بفرد واحد على القول بأنّ تعلّق الأوامر العديدة على وجه العينيّة أو غيرها مع قبول المورد التعدّد لا يوجب تعدّد الامتثال ، وهو لا يرتبط بما نحن بصدده من الحمل ، كما هو ظاهر لمن تدبّر.

وهل يستفاد ذلك من نفس اللفظ ، أو لا بدّ من استفادته من الخارج كأن يكون السبب فيه واحدا بناء على أنّ ذلك من كواشفه كما قيل (٢)؟ وجهان مبنيّان على تشخيص معنى المطلق من خروج الإشاعة والسريان منه أو دخوله فيه ، فعلى الأوّل نعم ، وعلى الثاني لا.

__________________

(١) في ( ع ) و ( ق ) : « نفي الوجوب ».

(٢) لم نعثر على قائله.

٢٧٤

وتوضيح المطلب : أن ذلك من فروع ما قد عنونوا في غير المقام : من أنّ ورود الأوامر العديدة [ وتعلّقها ](١) هل يوجب تعدّد الامتثال بحسب الأوضاع اللغويّة أو لا؟ إذ لا فرق في ذلك بين أن يكون مورد الأمرين طبيعة واحدة كقولك : « اضرب رجلا ، اضرب رجلا » أو طبيعتين بينهما عموم مطلق نحو قولك : « اضرب رجلا ، واضرب رجلا بغداديّا » وقد قرّرنا في محلّه : أنّ مجرّد ذلك لا يقتضي التكرار بحسب الدلالة اللفظيّة لو خلّي وطبعها ؛ لأنّ اللفظ إنّما موضوع للطبيعة المرسلة ، ولا دلالة في تعدّد الطلب المدلول بالهيئة على تعدّد الامتثال ، فظاهر اللفظ [ إنّما ](٢) لا ينافي وحدة التكليف.

لا يقال : إنّ ذلك [ إنّما ](٣) يوجب التأكيد ، والتأسيس خير منه ، بل التأكيد إنّما هو من قبيل المجاز يحتاج إلى القرينة ، حتّى أنّ بعض الأفاضل منع من حمل الكلام على التأكيد والتأسيس إذا احتمل الوجهين (٤) نظرا إلى أنّه مثل استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي.

لأنّا نقول : ليس التأكيد إلاّ اعتبارا منتزعا من الكلام بعد وروده على وجه خاصّ ، وبعد تحقّق مورده ـ كما هو المفروض من تعاقب الأمرين وتوارد الطلبين ـ يصحّ انتزاعه من الكلام من دون ارتكاب مخالفة للظاهر ، فلا وجه لقياسه بالمجاز ، كيف! وذلك قضيّة أصالة الحقيقة في اللفظ الموضوع للماهيّة.

نعم. لو قيل بأنّ ظاهر حال المتكلّم إنّما هو التأسيس كان وجيها ، مع كونه أيضا في مجال المنع ، حيث إنّه لا يستبعد التأكيد مثل استبعاد كون المتكلّم في مقام الإلغاز والتعمية.

__________________

(١ ـ ٣) لم يرد في ( ق ).

(٤) لم نعثر عليه.

٢٧٥

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره ذلك البعض أيضا ، فإنّ اجتماع العنوانين من دون أن يكونا مقصودين ممّا لا إشكال فيه أصلا كما لا يخفى ، وعلى تقدير أن يكونا داعيين للمتكلّم في تكلّمه لا دليل على امتناعه لا عقلا ولا لغة ؛ ولا دخل لذلك باستعمال اللفظ في معنيين ، فإنّه لم يعهد من متكلّم إلى الآن استعمال اللفظ والإتيان به مرآة لمعنيين ، وأين ذلك من الاختلاف في الاستعمال؟ فربما يكون المتكلّم بكلام عامّ لأفراد كثيرة ذا إرادات عديدة ودواعي كثيرة بالنسبة إلى كلّ فرد ، كما لا يخفى على الملاحظ.

وكيف كان ، فبعد ما عرفت : من أنّ اللفظ إنّما هو موضوع للطبيعة المهملة لا دليل في اللفظ على تعدّد المطلوب ؛ لأنّ طلب المطلق لا ينافي طلب المقيّد ، بل يحتمل أن يكون المطلوب في أحدهما عين المطلوب في الآخر.

لا يقال : إنّ الأمر بالطبيعة كما لا ينافي أن يكون المطلوب فيها عين المطلوب بالفرد ، فكذا لا ينافي أن يكون غيره كما هو قضيّة ملاحظة نفس المعنى.

لأنّا نقول : نعم ، ولكنّه مجرّد عدم الدليل على التعدّد يكفي في الحكم بالاتّحاد كما هو قضيّة الأصل.

هذا إذا لم يعلم ورود المطلق في مقام بيان تمام المراد ، إذ لو علمنا ذلك فلا بدّ من استعلام الاتّحاد من الخارج ، بل ولا يعقل ذلك ، إذ بعد الاستعلام يعلم عدم وروده في مقام بيان تمام المراد. نعم يتمّ ، ذلك على المشهور من دخول الشياع في اللفظ ، فإنّه قبل الاستعلام لا بدّ من حمل اللفظ على الإشاعة والقول بوجوب المقيّد عينا وتخييرا وبعد الاستعلام والعلم باتّحاد التكليف لا بدّ من القول بكونه مجازا ، لعدم إرادة الشياع منه.

وبالجملة ، فمقتضى الأصل اللفظي هو تعدّد التكليف ؛ لأنّ المطلق بقيد

٢٧٦

الشياع يغاير المقيّد قطعا. ودعوى فهم العرف اتّحاد التكليف بناء على ذلك من اللفظ في نفسه جزاف من القول ، لا يساعده دليل ولا اعتبار. نعم ، فهم العرف مسلّم ، لكنّه بواسطة ما صرنا إليه من خروج الشياع ، فتدبّر.

تذنيبان :

الأوّل : قد تكرّر في كلماتهم دعوى انصراف المطلق إلى بعض الأفراد مثل ما يظهر من جماعة (١) : من دعوى انصراف المسح في آية التيمم (٢) إلى المسح بباطن اليد ، وقد عرفت أنّ قضيّة الانصراف كالتقييد اللفظي من أنّ متعلّق الحكم هو الفرد الخاصّ [ على وجه يدور معه الحكم وجودا وعدما فلا يصحّ التيمّم لو وقع المسح بظاهر اليد اختيارا ولو تعذّر الفرد الخاصّ ](٣) فيحتاج إثبات الحكم في فرد آخر إلى التماس دليل آخر ، ومع ذلك فقد تراهم يتمسّكون بنفس الإطلاق لإثبات الحكم في الفرد الغير الشائع عند تعذّر الفرد الشائع ، فقالوا بوجوب المسح بظاهر اليد عند تعذّر المسح بباطن اليد. ويمكن التفصّي عنه بوجهين :

أحدهما : أنّ الاستناد إلى الإطلاق بعد تعذّر القيد إنّما هو فيما إذا قلنا بالتقييد من حيث إنّ المقيّد هو القدر المتيقّن من المطلق ، ولا شكّ أنّ الأخذ بالفرد الآخر بعد تعذّر القدر المتيقّن أيضا احتياط. ولا ينافي ذلك عدم حصول الامتثال به عند إمكان القدر المتيقّن ؛ لأنّ الاحتياط في خلافه حينئذ.

__________________

(١) في ( ق ) : « من بعضهم ».

(٢) المائدة : ٦.

(٣) ما بين المعقوفتين من المطبوع.

٢٧٧

وفيه : أنّه وإن لم يكن بعيدا عن مذاق الجماعة ، إلاّ أنّه خلاف التحقيق في وجه الحمل ، كيف! والقول بالاحتياط عند وجود الدليل الكاشف عن الواقع وجوبا ممّا لم نقف على قائل به ، فإنّ المطلق ليس مجملا عندهم ، بل يعاملون معه معاملة الدليل ، كما لا يخفى ، فلا وجه لأن يكون ذلك وجها لهذه المسألة الاتّفاقيّة.

الثاني من الوجهين : أنّ أفراد المطلق كقولك : « رقبة » تارة تلاحظ من جهة الإيمان والكفر ، وأخرى من جهة حال الاختيار والاضطرار ، فإنّ هذه أيضا جهة ملاحظة الاطلاق (١) والتقييد بالنسبة إليها ، وتقييد المطلق من جهة لا يستلزم تقييده من جهة أخرى ، فإذا فرضنا أنّ الرقبة قد قيّدت بالإيمان في إحدى الحالتين فقط ، فلا بدّ من الأخذ بالإطلاق في غير تلك الحالة.

وإذ قد تقرّر ذلك نقول : يحتمل أن يكون الموارد التي رجعوا فيها إلى الإطلاق من هذا القبيل ، كأن نقول : إنّ المسح في آية التيمّم إنّما هو محكوم بالإطلاق بالنسبة إلى ما هو يقع به (٢) من الظاهر والباطن ، وانصرافه إلى أحد فرديه في حالة خاصّة ـ وهي حالة الاختيار ـ لا يقتضي انصرافه إلى أخرى ، فيصحّ التمسّك بالإطلاق فيها.

نعم ، لو كان المقيّد ممّا يعقل فيه إطلاق كان إطلاقه دليلا على التقييد في الحالتين ، إلاّ أنّ الانصراف حكمه حكم المقيّدات اللبيّة لا بدّ فيها من الاقتصار على ما هو المعلوم من التقييد ؛ وذلك نظير ما قلنا بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة

__________________

(١) في ( ق ) : « للإطلاق ».

(٢) في ( ق ) : « ما يقع فيه ».

٢٧٨

عند النسيان ، فإنّ الخارج من إطلاق الأمر هو حال الذكر والاختيار ، لامتناع الاجتماع على تقدير عدم خروجها ، وإطلاق الأمر باق يصحّ التعويل عليه في الحكم بالصحّة وحصول الامتثال عند عدم المزاحم (١).

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين المجاز من خروج الشياع عن معنى اللفظ (٢) وغيره ، والوجه في ذلك : أنّ المتكلّم بالمطلق إذا حاول الشيوع والسراية لا بدّ له من أوّل الأمر أن يلاحظ المعنى على وجه السراية والإشاعة ، ثمّ يستكشف ذلك بملاحظة عدم ورود البيان والقيد مع كونه واردا في مقام البيان. كما أنّه إذا لم يرد ذلك وأراد نفس المعنى لا بدّ وأن يكون مقصوده من أوّل الأمر الكشف عن نفس المعنى بدون ملاحظة شيء آخر ، ويستكشف ذلك من عدم وروده في مقام البيان ومن ورود القيد ، فإذا فرضنا ورود قيد للماهيّة يكشف ذلك عن إهمالها من أوّل الأمر ، وبعد تعذّر القيد لا يعقل أن ينقلب المعنى عمّا كان عليه من الإهمال ، لامتناع خروج الشيء عمّا وقع عليه.

إلاّ أن يستند إلى ما ذكرنا في الجواب من تغاير جهات الإطلاق. وإهمال المعنى من جهة ورود القيد الكاشف عنه لا ينافي إطلاقه من جهة أخرى ، لعدم ورود القيد مع وروده في مقام البيان من تلك الجهة. وانفكاك هذه الجهات بعضها عن بعض ممّا لا ينبغي الارتياب فيه كما يظهر بملاحظة العموم في هذه الجهات ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فلا وجه للفرق بين المذهبين في ورود الإشكال ودفعه ، كما قرّرنا.

__________________

(١) في ( ق ) : « المزاحمة ».

(٢) في ( ق ) : « مسمّى اللفظ ».

٢٧٩

نعم في المقام إشكال آخر يشبه بما تقدّم يحتمل فيه الفرق بينهما ، وتقريره : أنّهم قالوا في كثير من الموارد باختلاف حكم العاجز والقادر ، فيجب على القادر الإتيان بالسورة ويسقط عن العاجز ، فعلى المشهور من القول بالمجازيّة يكون الصلاة في قوله : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) مستعملة في المقيّد بخصوصها ، فإذا فرضنا تعذّر القيد لا وجه للاستناد إلى المطلق (١) في إثبات الصلاة بدون القيد للعاجز ولو بضميمة قوله (٢) : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٣) فإنّ ذلك يصلح وجها لتشريع وجوب الميسور بعد تعذّر المقيد ، لا لإرادة وجوبه من الدليل الأوّل ، لاستلزامه استعمال المطلق تارة في المقيّد وأخرى في المطلق على وجه الترتيب (٤) ، فإنّ الإطلاق ليس في عرض المقيّد (٥) ، بل إنّما هو مترتّب على انتفاء المقيّد ، وهذا موقوف على استعمال جديد وإنشاء لفظ آخر غير اللفظ المنشأ أوّلا وإن قلنا بجواز استعمال اللفظ في المعنيين أيضا ؛ لأنّهما إنّما يكون أحدهما في عرض الآخر على تقدير جوازه ، وعلى المختار يصحّ الاستناد إلى المطلق بضميمة قوله (٦) : « الميسور لا يسقط بالمعسور » فإنّ المطلق لا يراد منه غير نفس المعنى ، وله بيانان : أحدهما المقيّد وثانيهما قوله : « الميسور » بالنسبة إلى الحالتين. ولا ضير فيه بوجه ، لعدم اختلافه باختلاف أحواله وطواريه كما قدّمنا.

__________________

(١) في ( ق ) : « الإطلاق ».

(٢) لم يرد « قوله » في ( ق ).

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ، الحديث ٢٠٥ ، وفيه : لا يترك بالمعسور.

(٤) في ( ق ) : « الترتّب ».

(٥) في ( ق ) : « التقييد ».

(٦) لم يرد « قوله » في ( ق ).

٢٨٠