مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

وبالجملة ، وجوب تخصيص الكتاب بالخبر الواحد عندهم على منار ، بل ربّما يظهر من بعضهم (١) أنّ الوجه في اعتبار الخبر هو لزوم تخصيص الكتاب على وجه لو لم يخصّص به يعلم بأنّ الأمور الثابتة بالكتاب ليست بحقيقة تلك الأمور ، كما قرّر في محلّه.

ومن هنا يظهر أنّه لو قلنا باعتبار الخبر من باب الظنّ المطلق يجب التخصيص أيضا ، للعلم الإجمالي بورود التخصيص بالكتاب ووجود المخصّصات في الأخبار الظنّيّة ، فلا وجه للتعويل على أصالة الحقيقة ، لطروّ الإجمال.

فلا وجه لما تخيّله البعض : من أنّه على تقدير الظنّ المطلق لا وجه للتخصيص ، لوجود الظنّ الخاصّ وهو العامّ الكتابي (٢) وعلى تقديره فلا انسداد حتّى يؤخذ بالظنّ.

واستدلّ بعض الأفاضل (٣) على المطلب بأنّه لولاه لزم إلقاء الخبر بالمرّة ، إذ ما من خبر إلاّ وهو مخالف لعموم الكتاب ، ولا أقلّ من عموم ما دلّ على أصل البراءة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الخبر المخالف لأصل البراءة لا يعقل أن يكون مخصّصا للعموم كما قرّر في محلّه ، وستعرفه بعد ذلك من عدم ورود الدليل والأصل في مورد واحد.

احتجّ المانع تارة : بأنّ العام المفروض في الكتاب قطعيّ وخبر الواحد ظنّي ، وهو لا يعارض القطعيّ.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) لم يرد « الكتابي » في ( ع ).

(٣) وهو المحقّق القمّي في القوانين ١ : ٣١٠.

٢٢١

والجواب : أنّ القطعيّ لا يعارض بالظنّي في جهة ما هو القطعيّ. وأمّا في غيرها فلا نسلّم عدم المعارضة. وبعبارة واضحة : الكتاب قطعيّ سندا وخبر الواحد ظنّي سندا ولا تعارض بينهما من هذه الجهة ، وإنّما التعارض بينهما من جهة الدلالة الراجعة في العامّ إلى أصالة الحقيقة التي يجب تقديم ما هو صالح للقرينة عليها ، لارتفاع موضوع الأصل ، لوجود الدليل حقيقة إذا كان علميّا أو حكما إذا كان ظنّيّا ولو مع ملاحظة العلم باعتباره ، والمفروض أنّ خبر الواحد صالح لذلك ، أمّا دلالة فظاهر ، وأمّا سندا فلأنّ كلامنا في قبال هذا المانع إنّما هو بعد الفراغ عن حجّية الخبر ، والمانع إنّما زعم ذلك بواسطة ما زعمه من عدم قابليّة التخصيص بالظنّي كما هو ظاهر. ولا فرق فيما ذكرنا بين اعتبار أصالة الحقيقة تعبّدا أو من باب الظنّ ؛ لأنّه مقيّد بعدم ورود ظنّ على خلافه قطعا ؛ ولذا لا يتأمّل أحد في تقديم الخاصّ على العامّ ، فتدبّر.

وقد يجاب بأنّ الكتاب وإن كان قطعيّ المتن ، إلاّ أنّه ظنّي الدلالة ، والخبر بالعكس ، فيتساويان. وردّ بأنّ الدلالة في الخبر أيضا ظنّيّة ، لاحتمال التجوّز فيه أيضا. وفي كليهما نظر. أمّا الأوّل : فلأنّ فرض التساوي لا يوجب التخصيص.

وأمّا الثاني : فلأنّ المفروض في محلّ البحث عدم احتمال تصرّف آخر في الخاصّ ، إمّا بالنظر إلى أنّ التخصيص أشيع فلا يعارض احتمال التجوز ، وإمّا بواسطة عدم احتماله في نفسه.

وأخرى : بأنّ جواز التخصيص يلازم جواز النسخ ، والتالي باطل إجماعا. أمّا الملازمة ، فلأنّ مرجع النسخ أيضا إلى التخصيص. والجواب أوّلا : بمنع بطلان التالي من حيث القاعدة ، وقيام الإجماع هو الفارق.

وثانيا : بأنّ الفرق ظاهر بين النسخ والتخصيص ، من حيث إنّ النسخ ممّا يتوفر الدواعي إلى ضبطه ونقله ونشره ، بخلاف التخصيص. ويرشدك إلى

٢٢٢

ذلك أنّ الموارد المنسوخة ممّا شذّ فيه الخلاف على تقدير وجوده فيها ، بخلاف موارد التخصيص ، فإنّ الخلاف فيها على منار ، فالملازمة ممنوعة.

وقد يجاب بأنّ التخصيص دفع والنسخ رفع ، والأوّل أهون بخلاف النسخ. وهو بظاهره فاسد جدّا.

وقد يوجّه ذلك بأنّ التخصيص هو الحكم بعدم ثبوت الحكم للبعض ، والنسخ هو رفع الحكم بعد ثبوته ، ولا شكّ أنّ الثابت وجودا كان أو عدما يجب الحكم بثبوته ما لم يعلم عدمه بالإجماع والاستصحاب ، فإذا دلّ خبر على النسخ فهو معارض لأدلّة الاستصحاب ولدليل ثبوت هذا الحكم. بخلاف دليل التخصيص ، فإنّها معاضدة بأدلّة الاستصحاب ، فيكون إعماله أهون ، انتهى ملخّصا (١).

أقول : لا نعرف فرقا بين النسخ والتخصيص بعد ملاحظة العموم الزماني في النسخ الملازم لعدم ثبوت الحكم في البعض ولو بملاحظة الزمان.

ومنه يظهر فساد ما أورده من حديث المعارضة مع أدلّة الاستصحاب ولدليل الحكم :

أمّا أوّلا : فلأنّ دليل الحكم لا يعارض الناسخ إلاّ باستصحاب عدم النسخ وعدم ورود مخصّص زماني ؛ لأنّه لا يزيد على أصالة الحقيقة كما هو ظاهر.

وأمّا ثانيا : فلأنّ دليل النسخ على تقدير اعتباره لا يعقل معارضته لأدلّة الاستصحاب ؛ لارتفاع موضوع الاستصحاب ـ وهو الشكّ ـ حقيقة أو حكما بعد ورود الدليل ، كما أنّه لا يعقل معارضته لأدلّة التخصيص.

__________________

(١) أي انتهى التوجيه ، والموجّه هو المحقّق النراقي في المناهج : ١١٦.

٢٢٣

ومرّة : بأنّ الدليل على العمل بخبر الواحد هو الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به ، وهو المحكي عن المحقّق (١).

والجواب : ما مرّ من أنّ الإجماع على العمل بالخبر المخالف لعموم الكتاب واقع وليس له دافع ، مضافا إلى ما قرّر في محلّه : من عدم انحصار الدليل في الإجماع.

وأخرى : بطائفة كثيرة من الأخبار الدالّة على أنّ الأخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها وضربها على الجدار وأنّها زخرف وأنّها ممّا لم يخبر بها الإمام وهي كثيرة جدّا وصريحة الدلالة على وجوب الطرح ، فلا وجه لما يجاب : من أنّ العمل بتلك الأخبار يوجب تخصيص الكتاب الدالّ على حجّيّة الخبر بالخبر الغير المخالف ، فإنّ هذه قطعيّة ، كما يظهر للمنصف.

والجواب ـ بعد القطع بصدور جملة من تلك الأخبار عن الحجج الطاهرة ـ : أنّ مخالفة العموم وأصالة الحقيقة لا تعدّ مخالفة عرفا ، ومع الشكّ في صدق المخالفة على مثل هذه المخالفة يستكشف من عموم ما دلّ على أنّ المخالف غير صادر منهم أنّ هذه الأخبار الصادرة عنهم قطعا ليست مخالفة للقرآن ، وإلاّ لزم التخصيص في العموم ، والأصل عدمه ، مع أنّ سياق هذه الأخبار يأبى عن التخصيص.

وبالجملة ، فتارة ندّعي العلم بعدم صدق المخالفة على مثل هذه المخالفة ، كما يشهد به العرف. وأخرى أنّه لا أقلّ من الشكّ في صدق المخالفة ، وبعد القطع بالصدور يستكشف بالعموم الغير القابل للتخصيص عدم كونها مخالفة ،

__________________

(١) المعارج : ٩٦.

٢٢٤

نظير استكشاف عدم كون النحويّ عالما على تقدير الشكّ فيه من عموم « أكرم العلماء » بعد القطع بعدم وجوب إكرام النحويّ. اللهم إلاّ أن يدّعى القطع بصدق المخالفة في المقام ، والإنصاف أنّه في غير محلّه.

ويؤيّد ما ذكرناه من عدم صدق المخالفة أنّ المشايخ الراوين لهذه الأخبار هم الذين رووا الأخبار المخالفة على التوجيه المذكور ، وكيف يتصوّر مع إكثارهم في هذه الرواية؟

والحاصل أنّه لا ينبغي التوقّف في العمل بالأخبار المخالفة لعموم الكتاب في زماننا هذا ، لاستلزامه حدوث شرع جديد ، كما لا يخفى على من تدرّب.

فلا بدّ من حمل تلك الأخبار على الأخبار المخالفة على وجه المباينة. ولا ينافي قلّتها في زماننا ؛ لأنّ جوامع الأخبار الموجودة عندنا إنّما هو بعد التهذيب ، فلعلّها كانت كثيرة في تلك الأزمنة قبل التهذيب.

لا يقال : إنّه لا داعي إلى جعل الأخبار المباينة ، للعلم بكذبها ، فلا يقع بها التدليس المقصود من دسّ الكذّابين.

لأنّا نقول : لا ينحصر الداعي في التدليس ، بل يحتمل أن يقصد بالجعل الإبطال وإسناد الأباطيل إليه ، كما يومئ إليه جملة من الأخبار (١) على ما لا يخفى على المتتبّع فيها. أو يحمل (٢) على الأخبار الواردة في مسائل اصول الدين ، كأخبار الغلوّ والجبر والتجسيم والتشبيه ، ونحو ذلك من الامور المعلومة بنصّ الكتاب الموافق للسنّة السنيّة والملّة المحمّدية صلى‌الله‌عليه‌وآله على صادعها ألف سلام وتحيّة.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٨ : ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي وغيره.

(٢) عطف على قوله : « فلا بدّ من حمل تلك الأخبار ».

٢٢٥

وبالجملة ، فعلمنا بصدور الأخبار المخالفة لا على وجه التباين واعتبارها إنّما يمنعنا عن الأخذ بظواهر هذه الأخبار لو سلّم ظهور صدق المخالفة على ذلك.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف القول بالوقف ، كما يظهر من الوافية حيث استند فيه إلى أنّ العامّ الكتابيّ غير ظاهر المراد والحجّيّة ، وكذا الخبر المخالف لعموم الكتاب مشكوك في اعتباره (١).

ووجه الضعف : أنّه لا وجه لكلتا مقدّمتيه.

أمّا الأولى : فلأنّ أصالة الحقيقة في الكتاب إنّما يجب الأخذ بها ما لم يدلّ دليل معتبر على خلافها ، والمفروض في كلامه عدم اعتبار الخبر في قبالها. وأمّا الثانية : فلأنّه لا وجه للشكّ في اعتبار الخبر في قبال العامّ ، كيف! وهو الذي حاول إثبات حجّيّة الخبر بما أشرنا إليه فيما عوّلنا عليه في إثبات الجواز : من أنّه لو لم يؤخذ الخبر لزم خروج الامور الثابتة بالكتاب عن حقيقتها. وهذا أيضا من الشواهد على أنّ النزاع في المسألة إنّما هو مبنيّ على غفلة عمّا هو مركوز في أذهانهم وجرى عليه ديدنهم في الفقه.

وأمّا حجّة المفصّل وجوابه فيظهر ممّا ذكرنا ، فتدبّر. والله الهادي.

__________________

(١) الوافية : ١٣٦ و ١٤٠.

٢٢٦

هداية

الأقرب أنّ الخاصّ المخالف لحكم العامّ إنّما هو بيان له تارة وناسخ له أخرى ، وفاقا لجلّ المحقّقين بل كلّهم.

وتفصيل المقام بعد تمهيد ، وهو أنّ عقد هذه المسألة ليس لبيان أظهريّة الخاصّ عن العام ، فإنّ ذلك موكول إلى بحث تعارض الأحوال ، وقد قرّر فيه : أنّ التخصيص لكونه أشيع أرجع على أنحاء التصرّفات في الخاصّ نوعا ، فإعادته في المقام تكرار لا طائل تحته ، بل المبحوث عنه في المقام هو أنّ الخاصّ هل هو بيان أو ناسخ للعامّ؟ وأنّه في أي مقام يحكم بكونه بيانا؟

ومن ذلك يظهر : أنّه لا وجه لتخصيص محلّ الكلام بالعامّ والخاصّ المطلقين ، إذ بعد ما صرّح جماعة بجريانه في العامّين من وجه ـ كالتفتازاني (١) وصاحب المعالم (٢) والفاضل الشيرواني (٣) ـ أنّ ملاك البحث موجود فيه أيضا ، فإنّه لو فرض تأييد أحد العامّين بما يوجب التقديم من دعوى ظهور ناش عن قلّة الأفراد ـ كما قيل (٤) ـ مثلا ، فيمكن أن ينازع فيه أنّ ذلك المقدّم هل هو بيان أو ناسخ؟ وبعد وجود الملاك وتصريح جماعة بالشمول لا وجه للتخصيص ، مع أنّه ليس في كلامهم عنوان آخر له.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) انظر المعالم ( الحجرية ) : ١٤٩ ، ونسبه إليه المحقق الشيرواني في الحاشية.

(٣) انظر حاشية المعالم ( الحجرية ) : ١٤٩.

(٤) لم نقف عليه.

٢٢٧

وتوهّم جماعة اختصاص النزاع بالمطلقين (١). ولعلّ الوجه فيه عدم تعيين المخصّص فيهما ، أو عدم تصوّر بعض الأقسام الآتية كتقديم الخاصّ ، إذ لكلّ منهما جهة عموم ، إلاّ أنّ ذلك لا ينهض له وجها ، إذ عدم التعيين لا ينافي ما ذكرنا : من أنّه عند التعيين هل هو بيان أو ناسخ؟ كما أنّ عدم تصوّر بعض الأقسام لا يمنع عن النزاع في القسم المتصوّر. نعم ، شاع بينهم التمثيل بالمطلقين وهو لا يقاوم التصريح ، مضافا إلى تمثيل الحاجبي والعضدي (٢) ـ كما حكي ـ بآيتي عدّة الحامل والمتوفّى عنها زوجها ، مع كون النسبة بينهما عموما من وجه.

ثمّ إنّ الكلام في المقام ليس من حيث السند ، فلو كان العامّ قطعيّا يجري فيه الكلام كما لو كان ظنّيّا ، إذ المبحوث عنه ـ كما عرفت ـ لا يفرق فيه بالقطعيّة والظنّية بعد فرض اعتبار الظنّي من غير فرق بين أن يكون اعتبار أصالة الحقيقة من باب التعبّد أو الظنّ ، لكونه مقيّدا بعدم ورود ظنّ على خلافه ، كما قرّر في محلّه.

وإذ قد تقرّر ذلك ، فاعلم أنّ الصور المتصوّرة كثيرة ، بل انتهت ـ كما عن الوافية (٣) ـ إلى ما يقرب من ألفين ، بل يمكن تصوّرها بأضعاف ما ذكره ، إلاّ أنّ الحكم لا يختلف في كثيرها فنحن نقتصر على ما هو المعتدّ بها منها.

فنقول : إنّ العامّ والخاصّ إذا تنافيا ظاهرا ، إمّا يعلم اقترانهما ـ كما إذا صدرا عن معصومين في زمان واحد ـ أو افتراقهما ، أو يجهل ذلك إمّا مطلقا أو في أحدهما ، فهذه صور ستّة.

__________________

(١) منهم المحقق القمي في القوانين ١ : ٣١٤ ، وسلطان العلماء في حاشيته على المعالم : ١٤٩ ، والنراقي في المناهج : ١١٧ ، وغيرهم.

(٢) راجع المختصر للحاجبي وشرحه للعضدي : ٢٧١.

(٣) الوافية : ١٣٤.

٢٢٨

الأولى : أن يعلم اقترانهما ، فلا بدّ من حمله على البيان ، ولا وجه لاحتمال النسخ ، لبطلانه قبل حضور وقت العمل ، وفهم العرف الراجع إلى تقديم ما هو صالح من الدليل على أصالة الحقيقة في العامّ لو كان التخصيص مجازا أو ما يضارعه على تقدير عدمه. ولعلّ الحكم في هذه الصورة وفاقيّ ، إلاّ عن شاذّ لا يعتنى به ، من غير فرق في ذلك بين العامّين من وجه وبين غيره فيما لو اقترن أحدهما بما يوجب تخصيصه بالآخر ، كما هو ظاهر.

الثانية : أن يعلم تقدّم العامّ على الخاصّ ، فعلى تقدير ورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ فلا بدّ من حمله على النسخ إذا أحرزنا ورود العامّ في مقام بيان الحكم الواقعي. وأمّا إذا شكّ فيه ففيه إشكال ستعرفه. والوجه فيه : أنّه لولاه لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. هذا إذا كانا من المطلقين.

وأمّا في العامّين من وجه : فلا بدّ من حمل العامّ الأوّل على كونه مخصّصا للثاني ، إذ ورود الثاني إنّما هو بعد حضور وقت العمل بالأوّل ، فيكون نصّا في مورد التعارض ، وذلك يصير قرينة على إرادة التخصيص في الثاني ، من غير فرق بين العمل بالعامّ وعدمه. ولو ورد الخاصّ قبل حضور وقت العمل فعلى تقدير جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا إشكال في التخصيص ، لما عرفت في الأوّل. وعلى تقدير عدمه فكذلك ، إلاّ على القول بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل. ولعلّه لم يذهب من أرباب المقالة الأولى إلى الجواز أحد ، كما لا يخفى. هذا في المطلقين.

وأمّا في العامّين من وجه : فعلى القول بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ، فلا بدّ من تخصيص الثاني بالأوّل ، للزوم التأخير لولاه. وعلى الجواز فيجوز تخصيص كلّ ما اقترن بما يوجبه بالآخر من غير فرق بينهما ، ولا وجه للنسخ فيهما إلاّ على قول من يجوّزه قبل الحضور.

٢٢٩

الثالثة : أن يعلم تقدّم الخاصّ على العامّ فيبنى على تخصيص العامّ بالخاصّ ، من غير فرق بين ورود العامّ قبل حضور وقت العمل بالخاصّ أو بعده.

أمّا الأوّل : فظاهر على القول بعدم جواز النسخ قبل الوقت ، وعلى الجواز فلا بدّ من القول بأنّ التكليف ابتلائيّ ، وهو خلاف ظواهر أدلّة التكليف ، فالراجح حملها على التكليف الحقيقي ، وهو يلازم التخصيص ويساعده فهم العرف وغلبة التخصيص.

وقد يستدلّ على المطلب بأنّ تقدّم العامّ المحتمل على الخاصّ القطعيّ قطعي البطلان (١).

وفيه : أنّ ذلك يتمّ فيما إذا اريد عدم التخصيص مع عدم النسخ ، وهو غير محلّ الكلام. وأمّا عند احتماله ـ كما هو المفروض في المقام ـ فليس من تقديم المحتمل على القطعيّ ، لرجوع النسخ أيضا إلى التخصيص في العموم الزماني المستفاد من الدليل أو من خارج قابل للتخصيص.

ونقل عن بعضهم القول بالنسخ في المقام محتجّا بأنّه لولاه لزم تقديم البيان وهو محال والشرطيّة ظاهرة (٢).

والجواب : أنّ تقديم البيان على أنّه بيان محال كتقديم ما له البيان أيضا. وأمّا تقديم ذات البيان فلا ضير فيه ، كما في ذات ما له البيان أيضا. والوجه فيه : أنّ البيانيّة من الأمور المنتزعة من الشيء باعتبار إضافته إلى شيء آخر ، ويجب

__________________

(١) المستدل هو صاحب المعالم في حاشيته عليه كما نسب ذلك إليه أيضا في القوانين ١ : ٣١٩ ، وحاشية الشيرواني المطبوعة مع المعالم ( الحجرية ) : ١٥٠.

(٢) نقله المحقق في المعارج : ٩٨ عن الشيخ ، راجع العدة ١ : ٣٩٣.

٢٣٠

تقارنهما في هذه الملاحظة وإن تقدّم أحدهما على الآخر بحسب الذات ، فالحاكم في مثل المقام هو رجحان أحد التصرّفين على الآخر ، وقد عرفت أنّ التخصيص أرجح من غيره. ومن هنا يظهر فساد القول بالوقف في المقام.

وأمّا الثاني : فالأمر فيه أيضا ظاهر ممّا مرّ ، إلاّ أنّ القائل بالنسخ في المقام الأوّل يقول به في الثاني بطريق أولى.

الرابعة : أن يجهل التقارن والتقدّم ، سواء علم تاريخ أحدهما أو لم يعلم ، والظاهر هو التخصيص في جميع الصور ؛ لأنّ الواقع لا يخلو عن إحدى الصور المتقدّمة ، وقد عرفت أنّ التخصيص هو الراجح فيها.

وينبغي التنبيه على أمور مهمّة :

الأوّل : أنّه يظهر الثمرة بين النسخ والتخصيص فيما إذا ورد مخصّصان مستوعبان للعامّ ، فعلى التخصيص يقع التعارض ، لاستهجان استيعاب التخصيص ، بخلاف النسخ ، ومثله ما إذا قلنا باستهجان تخصيص الأكثر وورد خاصّ مشتمل على حكم أكثر الأفراد ، فإنّه على النسخ لا ضير فيه ، بخلاف التخصيص. ومن موارد إمكان ظهور الثمرة ما إذا كان الخاصّ ظنّيّا والعامّ قطعيّا وقلنا بعدم جواز نسخ القطعيّ بالظنّي ، فإنّه يحمل على التخصيص ، فتأمّل.

الثاني : قد تقدّم في بعض الهدايات (١) أنّ تقدّم العامّ على الخاصّ لا يخلو عن إشكال ؛ لاستلزامه إمّا النسخ بعد انقطاع زمان الوحي والإجماع على خلافه ، وإمّا تأخير البيان عن وقت الحاجة التي اتّفقت كلمة أهل المعقول على بطلانه.

__________________

(١) راجع الصفحة : ٢٢٩.

٢٣١

والجواب عن ذلك ما أشرنا إليه في محلّه أيضا : من أنّ الخاصّ الوارد في كلام العسكري عليه‌السلام لعلّه كاشف عن خاصّ مقارن للعامّ الوارد في كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أنّ العموم حكم ظاهريّ لمن لم يبلغه حكمه الخاصّ ، وإنّما أخفاه من أظهر العامّ لحكمة داعية إلى ذلك. ويؤيّده القطع بأنّ الأحكام الشرعيّة إنّما بلّغها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجه التدريج ، كما يقضي به العادة أيضا.

الثالث : قد عرفت عدم جريان النسخ إلاّ في مورد يكون فيه عموم زمانيّ قابل للتخصيص ، إذ بدونه لا وجه لاحتمال النسخ ، سواء لم يكن هناك ما يتعلّق بحكم الزمان أو كان ولم يكن قابلا للتخصيص ، كما إذا كان من الأدلّة اللبيّة. وعلى هذا يكون موارد احتمال النسخ في غاية القلّة ، فإنّ اقتران الخطابات بعموم زمانيّ قليل جدّا. وقد تبيّن وجه العموم من وجوه : كعموم ما دلّ على أنّ « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة » (١) وكظهور الأدلّة الخاصّة مثل قولك : « الكلب نجس » في العموم ، وكظهور تأسيس الشرائع والأحكام في العموم ، كاستصحاب الأحكام ، وكإطلاق الأوامر بالنسبة إلى الأزمان.

وفيه : أنّ الأوّل إنّما هو في بيان عدم انقراض أصل الشريعة ، ولا ينافي ذلك نسخ بعض أحكامها ، كما يظهر من موارد ثبوت النسخ ، فإنّها لا تنافي الأخبار المذكورة. والثاني كالثالث ، ولا دلالة فيهما على العموم ، وعلى تقديره فلا يقبل التخصيص. وأمّا الاستصحاب فهو ممّا لا مساس له بالمقام. وإطلاق الأوامر لا يجدي ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه على تقدير وجود العامّ الزماني فمرجع البحث إلى تعارض الظاهرين.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٨ ، الحديث ١٩.

٢٣٢

الرابع : قد اشتهر عندهم أنّه ربّ عامّ يقدّم على الخاصّ وهو بظاهره ينافي ما قرّرنا : من أنّ أصالة الحقيقة في العامّ إنّما يعتمد عليها ما لم يقم دليل على خلافها ، والمفروض أنّ الخاصّ إذا بلغ إلى أدنى مراتب الاعتبار يكون دليلا ، فيجب تقديمه على العامّ ولو كان في أعلى مدارج الاعتبار ، فلا بدّ أن يكون ذلك مقصورا فيما إذا كان الخاصّ موهونا من جهة السند ، كما إذا كان ممّا قد أعرض عنه المشهور بناء على أنّ ذلك من الموهنات للرواية ، من غير فرق في ذلك بين تعدّد العام وانفراده ، فإنّ نسبة الخاصّ إلى جميع العمومات المخالفة نسبة واحدة ؛ ولذا استقرّ بناؤهم على التخصيص في موارد تعدّده ، مثل استقراره في مورد انفراده كما يظهر بالتتبّع.

نعم ، قد يظهر لهذه القاعدة مورد آخر ، وهو ما إذا كان العامّ غير قابل للتخصيص ، لوروده في مقام الامتنان أو مثل ذلك من الامور التي يستنكر معها التخصيص ، فإنّ العامّ فيها يقدّم على الخاصّ ، بل لعلّه هو أغلب موارد استعمال تلك القضيّة بل كلّها ، نظرا إلى أنّ الخاصّ إذا لم يكن حجّة لا وجه للقول بتقدّم العامّ عليه ، إذ على تقدير عدم العامّ أيضا يجب الرجوع إلى دليل آخر غير الخاصّ ، كما لا يخفى.

الخامس : قد يظهر من بعضهم (١) تقديم العامّ على الخاصّ فيما إذا كان العامّ مقرونا بشيء من المرجّحات التي تراعى في السند ، كموافقته للكتاب أو مخالفته للعامّة ، ونحو ذلك.

__________________

(١) نسب في هامش القوانين إلى السلطان ولكن لم نقف عليه في حاشيته على المعالم والموجود فيها عكس ذلك. انظر القوانين ١ : ٣١٥ ، والمعالم : ١٥١.

٢٣٣

ولعلّه خلط بينهما ، فإنّ المقام لا بدّ فيه من مراعاة المرجّحات المعمولة في الدلالة. وأمّا المرجّح السندي فلا ينبغي استعماله فيه ، إذ إعمال تلك المرجّحات إنّما يؤكّد الظنّ بصدور العامّ وهو لا يؤثّر فيما هو محلّ التعارض ، كيف! ولو كان قطعيّا أيضا لا يجدي ، لما عرفت من تخصيص الكتاب بالخبر الواحد. ويوميك إلى ذلك ملاحظة كلمات العلماء في الفروع والاصول ، فإنّه لم يعهد منهم تقديم الرواية المشتملة على العموم على الخاصّ بواسطة أعدليّة راويها ، إلى غير ذلك من مراتب الترجيح ، وما ذكرنا من الوضوح بمكان.

والسرّ في ذلك ما قرّرنا في بحث التعارض : من أنّ العرف بعد اطّلاعهم على ما فيه من التنافي لا يلتفتون إلى السند ما لم يعجزوا عن الدلالة ، وبعد عدم الالتفات إلى السند لا معنى للتعويل على التراجيح المعمولة في السند ، كما لا يخفى على المتدبّر.

ومن هنا يظهر أنّه لا يصلح ذلك وجها في دفع الإشكال المذكور في الأمر الواقع ، كما عساه يتوهّم ، فتدبّر.

السادس : زعم بعض الفضلاء أنّ العامّ إذا خصّ بمخصّص ثمّ طرأ ورود مخصّص آخر له ينقلب النسبة بين العام والخاصّ الثاني عموما من وجه ؛ لأنّ التخصيص الأوّل تغيّر في موضوع العامّ وبذلك يحصل في الخاص جهة عموم (١).

وقد نبهنا على فساد ذلك مرارا ، فإنّ المخصّصات متساوية الأقدام بالنسبة إلى العامّ في مراد اللافظ وإن تقدّم أحدهما على الآخر من حيث وجود الكاشف عنه ؛ مضافا إلى أنّ الحكم بالتقديم أيضا في الأغلب بالنسبة إلى الروايات

__________________

(١) مناهج الأحكام : ٣١٧.

٢٣٤

في غاية الصعوبة ، لعدم العلم بالتاريخ. والعلم بورود المخصّص والاطّلاع عليه مقدّما على الآخر ممّا لا ينبغي أن يصغى إلى احتمال تأثيره في المقام ، كما لا يخفى.

السابع : إذا ورد عامّ كتابي ووافقه خاصّ آخر ثمّ عارضه خاصّ مقترن بمرجّح آخر ـ كمخالفته للعامّة مثلا ـ فهل العبرة بالخاصّ الموافق للكتاب أو بالخاص المعارض؟ الأقرب الثاني ، لدوران الأمر بين الأخذ بموافق الكتاب وطرح الخاص المخالف لا من ترجيح ، وبين الأخذ بالمخالف والتخصيص وطرح الخاصّ الموافق بواسطة ما يوجب ترجيح معارضه عليه ، ولا ريب أنّ الثاني أولى ، إذ به يرتفع موضوع الموافقة ، فلا مرجّح في البين. بخلاف ما لو قدّم الخاصّ الموافق ، فإنّ لازمه وجود موضوع المرجّح الآخر وعدم ثبوت الحكم له (١) وذلك نظير ما قلنا في ترجيح الأصل الحاكم في دخوله تحت دليله على الأصل المحكوم فيه.

لا يقال : إنّ موافقة الآخر للكتاب مرجّح فيتعارض المرجّحان.

لأنّا نقول : إنّ وجود الموافقة فرع لعدم اعتبار المخالف وعدم اعتباره فرع وجود الموافقة وهو دور صريح ، فلا بدّ من تقديم الخبر المرجّح بغير الموافقة. والسرّ فيه : هو ما قدّمنا في مباحث تخصيص الكتاب بالخبر الواحد : من أنّ الموافقة والمخالفة لا يراد بهما موافقة الظاهر ومخالفته من الكتاب ، وقد نبّهنا على ذلك في باب التعارض (٢) أيضا.

__________________

(١) في ( ع ) : « به ».

(٢) لم يطبع بحث التعارض للمؤلف في كتاب مطارح الأنظار.

٢٣٥

الثامن : قد عرفت في بعض الصور المتقدّمة (١) أنّ الخاصّ إن ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ فهو مخصّص بناء على عدم جواز النسخ حينئذ ، وإن ورد بعده فهو ناسخ بناء على عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ولو شكّ في وروده قبل الحضور أو بعده ، فإمّا أن يجهل زمان العمل بالعامّ وورود الخاص كليهما ، أو يعلم أحدهما دون الآخر. فعلى الأوّل : لا وجه لتعيين أحد المجهولين بأصالة التأخّر ، إلاّ أنّه مع ذلك يحكم بالتخصيص للغلبة. وعلى الثاني : فإن علم زمان العمل بالعامّ وشكّ في ورود الخاصّ قبله حتّى يكون مخصّصا أو بعده حتى يكون ناسخا ، فبأصالة تأخّر ورود الحادث يحكم بكونه واردا بعد زمان العمل ويحكم بكونه ناسخا.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ ذلك من الاصول التي لا تعويل عليها ؛ لأنّ الناسخيّة ليست من أحكام عدم ذلك الحادث في زمان وجود الحادث الآخر ، بل إنّما هو من أحكام تأخّره عنه. وهذا وإن كان من لوازم ذلك العدم ، إلاّ أنّه لازم عقليّ ولا دليل على ترتّبه على الملزوم بالاستصحاب ، كما تقرّر.

ولا ينافي ذلك ما قرّرنا في محلّه من اعتبار هذه الاصول فيما يتعلّق بمراد الألفاظ وأوضاعها ، فإنّ ذلك ليس منها ، فتأمّل.

وإن علم زمان ورود الخاصّ وشكّ في حضور وقت العمل بالعامّ ، فبأصالة التأخّر أيضا يمكن القول بالتخصيص ، إلاّ أنّ فيه أيضا ما عرفت ، مع ما فيه من التأمّل.

التاسع : ذكر بعض الأجلّة (٢) في آخر المبحث تتمة ، وحاصلها أنّه إذا فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يخالف العامّ ، فلا إشكال في تخصيصه بالنسبة إليه. وأمّا بالنسبة إلى

__________________

(١) تقدم في الصفحة : ٢٢٩.

(٢) وهو صاحب الفصول قدس‌سره.

٢٣٦

غيره هل يقال بالتخصيص ، لعموم التأسّي (١) أو لا؟ قولان ، ثمّ اختار العدم نظرا إلى أنّ عموم التأسّي يعارض العامّ المخصّص بفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعارض العموم من وجه ، والمرجع فيه بعد عدم المرجح هو الإجمال والتوقّف فلا تخصيص. ثمّ قال : وما يقال : من أنّ المخصّص لعموم العامّ ليس عموم التأسّي وحده بل هو مع الفعل وهو أقوى ، ففيه : أنّ التنافي بين العامّين إنّما هو بسبب الفعل ، فلا اختصاص له بأحدهما ، إذ كما يمكن تخصيص العامّ بعموم التأسّي مع الفعل كذلك يمكن تخصيص عموم التأسّي بعموم العامّ مع الفعل.

ثمّ أورد على نفسه بأنّ العبرة في مقام التعارض بنفس الدليل لا بدليل الدليل وإلاّ لم يتحقّق لنا في الأدلّة دليل خاصّ ، إذ مرجع حجية كلّ دليل إلى أدلة عامة ، والفعل هنا خاص وإن كان دليل حجّيّته عامّا ، فيجب تخصيص العامّ به.

ثمّ أجاب بقوله : إنّما يتمّ ما ذكر إذا كان الخاصّ دالاّ في نفسه وإلاّ كان التعارض بين دلالتي العامّين كما في المقام ، فإنّ الفعل مشخّص لعنوان أحد العامّين ، وليس بدالّ (٢) ، انتهى ما أردنا نقله.

ومواقع النظر في كلامه غير خفيّة.

أمّا أوّلا : فلأنّ ما يظهر منه في جواب ما أورده على نفسه من تسليم كون عمومات التأسّي دليل الدليل ممّا لا وجه له ؛ لأنّ دليل الدليل هو ما يتوقّف عليه اعتباره بعد أن كان له دلالة كآية النبأ (٣) بالنسبة إلى قول العادل : يجب عليك كذا ، وعمومات التأسّي على ذلك المنوال بالنسبة إلى الفعل ، فإنّ الفعل من موارد ظهور

__________________

(١) مثل الآية : ٢١ من سورة الأحزاب.

(٢) الفصول : ٢١٧.

(٣) الحجرات : ٦.

٢٣٧

ذلك العموم ومظهر وروده كما لعلّه (١) يشعر به قوله : « فإنّ الفعل مشخّص لعنوان أحد العامّين » وبعبارة ظاهرة : أنّ عموم التأسّي إنّما تكفّل حكم موارد فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون موارد الفعل موضوعا لدليل التأسّي ، فعمومه دليل لنفس التأسّي والمتابعة ، لا للفعل ، كما لا يخفى.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما يظهر منه أيضا في الجواب من إمكان معارضة دليل الدليل والدليل الآخر إذا لم يكن بنفسه دالاّ ، ظاهر الفساد ؛ لأنّ دليل الدليل لا يرتبط بالدليل الآخر بنفسه حتّى يتصوّر فيه المعارضة. نعم ، يمكن المعارضة بين دليل الدليلين ، وذلك من الأمور الظاهرة. ويمكن توجيه كلامه على وجه لا يرد عليه ما أوردنا ، فتدبّر (٢).

__________________

(١) لم يرد « لعلّه » في ( ع ).

(٢) في ( ع ) و ( ط ) ما يلي : وما نقلنا في المقام إنّما هو من نسخة لاحظها نفسه ، وإلاّ ففي بعض النسخ ما لا يليق انتسابه به.

والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

٢٣٨

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في المطلق والمقيّد

٢٣٩
٢٤٠