مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

في مثل كتاب الوسائل والكتب الفقهيّة المفصّلة المصنّفة في زمان العلاّمة والشهيدين ومن تأخّر منهم إلى زماننا ، فإنّهم قد بالغوا في ضبط الأخبار وجمعها ، فلو فرضنا أنّ في باب لباس المصلّي خبرا يناسب باب الطهارة فقد تعرّضوا لذكره ولو بالإشارة الكافية لأهل الدراية ، فشكر الله مساعيهم الجميلة وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير جزاء السابقين واللاحقين بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

١٨١
١٨٢

هداية

الحقّ إمكان شمول الخطاب للمعدومين على وجه الحقيقة ، وتوضيح المرام بعد رسم أمور :

الأوّل : اعلم أنّ كلماتهم قد اختلفت في تحرير العنوان فقال في المعالم : ما وضع لخطاب المشافهة نحو « يا أيّها الناس » و « يا أيّها الذين آمنوا » لا يعمّ بصيغته من تأخّر عن زمن الخطاب وإنّما يثبت حكمه لهم بدليل آخر (١).

وظاهر المثالين ـ ولو بعد تصرّف في الثاني بتجريده عن الماضويّة ، أو بالقول بأنّ المناط اتّصافهم بالإيمان حال وجودهم وتعبير الماضوية بالنسبة إليها ، كما قيل (٢) ـ اعتبار أن يكون في تلو أداة الخطاب لفظ شامل للمتأخّر عن زمن الخطاب لو لا المخاطبة (٣) فيرجع النزاع إلى أنّ لفظ « الناس » بعده توجيه لغير المخاطب في نفسه هل يصلح له بعد الخطاب أيضا لعدم ما يقضي بالتقييد والتخصيص ، أو لا يصلح لاقتضاء أداة الخطاب ذلك؟ وقال بعض الأجلّة في فصوله : اختلفوا في أنّ الألفاظ التي وضعت للخطاب كـ « يا أيّها الناس » و « يا أيّها الذين آمنوا » هل يكون خطابا لغير الموجودين ويعمّهم بصيغته أو لا (٤).

__________________

(١) معالم الاصول : ١٠٨.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) في ( ع ) : « المخاطب ».

(٤) الفصول : ١٧٩.

١٨٣

وأنت خبير بأنّه لا يعقل النزاع في عموم صيغة الخطاب في قوله : « يا أيها الناس » على ما مثّل به ويقتضيه ظاهر الضمير في قوله : « بصيغته » على أنّ البحث على هذا لا يلائم مباحث العامّ ، كما لا يخفى.

وقريب من ذلك في وجه ما عنون به بعض الأعاظم ، حيث قال : اختلفوا في إمكان عموم خطاب المشافهة لغير الموجودين وعدمه (١).

ويمكن الذبّ عنه بأنّ المراد ليس عموم الخطاب ، بل عموم اللفظ الواقع في تلو أداته ، فينطبق على التحرير الأوّل ، إلاّ أنّه لا يخلو عن تمحّل في الأوّل ، فتدبّر.

فعلى ما هو الظاهر من العالم الأورع (٢) في عدم شمول الخطابات الخاصّة كـ « يا أيّها الرسول » و « يا أيّها المدّثر » و « المزمّل » و « أنت » وأشباهها ، لعدم تعقّل الشمول إلاّ على وجه بعيد كذكر المقيّد وإرادة المطلق ، وأما مثل قولك : « أنتم » وصيغ الجمع من الأمر الحاضر كـ « افعلوا » ونحوها فلا دليل على خروجه مع ظهور اتّحاد المناط أيضا. وحكي عن التوني التمثيل بذلك أيضا (٣). ومع ذلك فلا يخلو عن تأمّل.

الثاني : الخطاب بمعناه المصدري عبارة عن توجيه الكلام نحو الغير للإفهام. وبعضهم أسقط القيد الأخير (٤) وظاهر المحكيّ عن الطريحي أنّه معناه لغة (٥)

__________________

(١) إشارات الاصول : ١٣٩.

(٢) لعل المراد به هو الكلباسي صاحب إشارات الاصول ، انظر المصدر المتقدم : ١٤٢.

(٣) الوافية : ١١٩.

(٤) مثل النراقي في المناهج : ٩٠ ، والقزويني في ضوابط الاصول : ١٨٩.

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٥١ ، « خطب ».

١٨٤

وصرّح به بعض الأعاظم أيضا (١). وقد يطلق ويراد به الكلام الموجّه نحو الغير للإفهام ، فيكون اسم عين. والظاهر أنّه مجاز من الأوّل ، من حيث إنّه حاصل بسببه.

وزعم بعضهم أنّه الحاصل لذلك المصدر (٢) ، فإن أراد ما هو المتعارف في غير المقام ، ففيه نظر واضح ، حيث إنّ الكلام ليس حاصلا لذلك المصدر ، بل هو أيضا مصدر آخر يعمّ نفس الكلام يمكن اعتباره حاصلا لمصدره كما لا يخفى. وإن أراد حصوله بسببه ولو بوجه تجوّزيّ وإن لم يكن حاصلا له ، فهو حقّ ، كما ذكرنا. لكنّه خلاف ظاهر كلامه. ولعلّ المراد بالكلام معناه اللغويّ ، فيشمل المخاطبة بنحو « يا زيد » لو لم نقل بكونه كلاما نحويّا.

وكيف كان ، فما ذكر من معنى الخطاب يحصل بمجرّد المواجهة بالكلام نحو الغير وإن لم يكن الكلام مقرونا بواحدة من أدوات الخطاب كالنداء ونحوه ، كما في قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(٣). نعم ، قد يكون الكلام مقرونا بأداة الخطاب ، كما عرفت من التمثيل. والظاهر أنّ النزاع إنّما هو في الثاني لا في الأوّل ، إذ لم نجد مخالفا في شمول حكم الآية السابقة لمن تأخّر عن زمن الخطاب ، ولا يلازم ذلك مخاطبة المعدوم حتّى يشاجر في إمكانه وامتناعه. وليس هناك لفظ خوطب به حتّى يقال : إنّه حقيقة أو مجاز. ولا ينافيه اختصاص التوجيه والخطاب بواحد ، كما إذا وجّه الخطاب بواحد وكان غيره مكلّفا ، نحو قولك : « يا زيد يجب على عمرو كذا ».

__________________

(١) صرّح به الكلباسي في الإشارات : ١٣٩.

(٢) إشارات الاصول : ١٣٩.

(٣) آل عمران : ٩٧.

١٨٥

نعم ، لو فرض إرادة المواجهة بالكلام والمخاطبة به للمعدوم أو لغير الحاضرين توجّه النزاع في أنّه هل يمكن مخاطبة المعدوم أو لا؟

وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام المعالم في بحث الأخبار حيث قال : « إنّ أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين » (١) إذ الأحكام المستفادة من الكتاب قد تكون مستفادة من نحو قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ) ولا نزاع في شموله لغير الحاضرين وإن اختصّ خطابه بهم على تقدير الامتناع.

وقد يذبّ عنه بأنّ الاختصاص بالحاضرين يستند إلى أنّ لفظ « الناس » حقيقة في الموجودين. وهو خبط وخلط ولا يخفى على أحد ، إذ الظاهر أنّه قياس اسم الجنس الواقع في تلو أداة النداء بغيره ، حيث إنّ المنادى على تقدير امتناع نداء المعدوم يجب أن يكون موجودا حال النداء ، وأمّا اسم الجنس الخالي عن النداء فعلى تقدير اعتبار الوجود فيه أيضا ـ على ما هو خلاف التحقيق ـ لا يقتضي ما زعمه من عدم الشمول ، فإنّ إطلاق « الناس » على غير الموجودين إنّما هو باعتبار حال وجودهم ، ولا إشكال أنّه حقيقة حينئذ على هذا القول.

الثالث : هل النزاع المذكور عقليّ أو لغويّ؟ يشهد للثاني ظاهر عنوان الحاجبي (٢) وصاحب المعالم (٣) وجماعة آخرين (٤) حيث إنّهم جعلوا النزاع في

__________________

(١) معالم الاصول : ١٩٣.

(٢) انظر المختصر وشرحه : ٢٤٥.

(٣) معالم الاصول : ١٠٨.

(٤) انظر القوانين ١ : ٢٢٩ ، والفصول : ١٧٩ ، والمناهج : ٨٧.

١٨٦

عموم الصيغة وعدمه ، وظاهر أنّ هذا من الأبحاث اللغويّة وإن كان البحث (١) في العموم والخصوص ممّا يرجع إلى أمر عقليّ من إمكان مخاطبة المعدوم وامتناعه ، إذ المدار في كون المسألة لغويّة أو عقليّة إنّما هو على ما هو المسئول عنه في عنوانها دون ما ينتهي إليه مداركها ، كما يشهد له عدّ المسألة في عداد مسائل العامّ والخاصّ ، فإنّ إمكان مخاطبة المعدوم وامتناعه لا ربط له بها جزما. ويؤيّده ما جنح إليه التفتازاني من الشمول فيما إذا كان الخطاب للمعدومين والموجودين على وجه التلفيق فمجاز لا حقيقة ويؤيّده استناده إلى التبادر في تشخيص معنى الخطاب. ويحتمل قريبا أن يكون ذلك بواسطة تسجيل معنى الخطاب وتعيينه حتّى يتمكّن من دعوى الاستحالة والامتناع ، بل هو المصرّح في كلمات جملة منهم (٢).

وبالجملة ، فظاهر جملة من الأمارات يشهد للثاني. وظاهر جملة اخرى يشهد للأوّل ، كإحالة المنكر الامتناع (٣) إلى الوجدان ورمي المخالف إلى المكابرة. وصريح عنوان بعضهم كما تقدّم عن بعض الأعاظم [ والإنصاف على ما ظهر لي بعد التأمّل إمكان الجمع بين هذه الأمارات ، بل لا يبعد أن يكون هو الواقع في كلام المتنازعين أيضا ](٤) أنّ النزاع في أمر لغويّ ، وهو شمول الصيغة للغائبين والمعدومين أو اختصاصها بالموجودين.

__________________

(١) في ( ع ) : « الوجه ».

(٢) نقل عنه في المناهج : ٨٨.

(٣) كذا ، والظاهر أن كلمة « الامتناع » زائدة.

(٤) ما جعلناه بين المعقوفتين غير ملائم لنظم الكلام ، وقوله بعده : « إنّ النزاع » ... خبر لقوله قبله : « وصريح عنوان بعضهم ... ».

١٨٧

لكنّ الوجه في الاختصاص هو ما يدّعيه المانع من امتناع شمول الخطاب حقيقة أو مجازا. والوجه في الشمول هو ما يراه المجوّز من إمكان ذلك حقيقة أو مجازا ، فلو لوحظ ما هو مناط القولين يمكن القول بأنّ النزاع عقليّ ، ولو لوحظ نفس الخلاف يمكن القول بكونه لغويّا ، ولكل وجهة هو مولّيها.

ثمّ على تقدير النزاع العقليّ قد عرفت إمكان جريانه بالنسبة إلى الخطابات التي لم يدلّ عليها بكاشف (١) لفظيّ كقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ) إلاّ أنّه غير مفيد ، كما أومأنا إليه.

وتوضيحه : أنّا لو قلنا بشمول الخطاب للمعدومين ففي أمثال « يا أيّها الناس » ممّا يكون في تلو أداة الخطاب لفظا عامّا لجميع أفراده المعدومة والموجودة ، فالمقتضي للحمل على العموم موجود لمكان ذلك اللفظ ، والمانع مفقود كما هو المفروض ، فيحمل على العموم بخلاف ما إذا لم يكن الخطاب مدلولا عليه بدلالة لفظيّة ، فإنّ غاية ما يكون هناك أن لا يكون مانع عن الخطاب بالمعدوم ، أمّا أنّه خاطب وأراد بذلك الكلام الخطاب العامّ للمعدوم والموجود فلا قاضي به من اللفظ ، لإمكان اختصاص المخاطبة بشخص خاصّ مع عموم الحكم المستفاد من ذلك الكلام ، فكلّ ما لا مانع من أن يكون خطابا للمعدوم لا يكفي في القول بالعموم ، بل لا بدّ من وجود المقتضي أيضا.

وممّا ذكرنا يظهر الوجه فيما قلنا من دخول نحو « أنتم » و « افعلوا » وأمثاله في النزاع ، حيث إنّ المخاطبة بها وأشباهها موقوفة على القصد وإرادة عموم الخطاب وشموله للمعدوم والغائب ، وذلك ممّا لا كاشف له ظاهرا بحسب الوضع.

__________________

(١) في ( س ) : « كاشف ».

١٨٨

ثمّ على تقدير النزاع اللفظيّ ، فهل الخلاف في الشمول على نحو الحقيقة ، أو في الأعمّ منه ومن المجاز ، أو في خصوص المجاز إمكانا على وجه لا خلاف في وقوعه على تقدير إمكانه ، أو وقوعا على وجه لا خلاف في إمكانه؟ وجوه يمكن استفادة كلّ منها من مطاوي كلماتهم عنوانا واحتجاجا واعتراضا ، على ما هو غير خفيّ على المتتبّع. وإذ قد عرفت ذلك ، فاعلم أنّ المنقول منهم في المقام أقوال :

أحدهما : ما اختاره في الوافية (١) ـ على ما حكي ـ من الشمول ، من دون تصريح بكونه على وجه الحقيقة أو المجاز.

الثاني : الشمول حقيقة لغة ، حكاه البعض عن الفاضل النراقي (٢) أنّه نسبه إلى بعضهم.

الثالث : الشمول حقيقة شرعا ، ونفي عنه البعد الفاضل المذكور فيما حكي (٣).

الرابع : الشمول مجازا ، حكاه البعض عن التفتازاني (٤). وظاهره دعوى ذهابه إلى أنّ الخطابات القرآنيّة تعمّ الغائبين أو المعدومين على وجه المجازية فعلا.

وظنّي أنّه ليس في محلّه ، فإنّ ما يظهر من كلامه المحكيّ دعوى إمكان الشمول على وجه المجاز ولم يظهر منه وقوعه. نعم ، قد اختاره في المناهج (٥) ـ على ما حكي ـ ونقله عن والده في الأنيس (٦).

__________________

(١) الوافية : ١١٩.

(٢) حكاه في المناهج : ٨٨ ، عن والده في الأنيس.

(٣) حكاه أيضا في المناهج : ٨٨ ، عن التجريد.

(٤) حكاه عنه في المناهج : ٨٨.

(٥) المناهج : ٨٨.

(٦) المصدر السابق.

١٨٩

الخامس : إمكان الشمول على وجه المجاز بنحو من التنزيل والادّعاء إذا كان فيه فائدة يتعلّق بها أغراض أرباب المحاورة وأصحاب المشاورة. ولعلّه المشهور كما قيل (١).

والأظهر عندي القول بإمكان الشمول على وجه الحقيقة إن اريد من المجاز المبحوث عنه في المقام المجاز في أداة الخطاب ، كما يظهر من جماعة ـ منهم بعض الأجلّة (٢) ـ حيث صرّحوا بأنّ الأداة حقيقة في خطاب الموجود الحاضر ، واستعماله في غير ذلك سواء كان على وجه التغليب ( كما إذا انضمّ إلى الموجودين غيرهم ) أو غيره ( كما إذا اختصّ بغيرهم ) مجاز إن اريد من المجاز ما هو المعهود مثله في المجاز العقليّ ، بمعنى أنّ التصرّف إنّما هو في أمر عقليّ من دون سرايته إلى اللفظ.

وتحقيق ذلك : أنّ أداة الخطاب إنّما هي موضوعة لأن يخاطب بها ، والمخاطبة إنّما تقتضي أن تكون إلى مخاطب يتوجّه إليه الخطاب ، وذلك لا يعقل في حقّ المعدوم ، إلاّ بتنزيله منزلة الموجود وادّعاء أنّه الموجود ، ومجرّد ذلك يكفي في استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزام لتصرّف آخر في اللفظ باستعماله في غير معناه ، وهل هذا إلاّ مثل استعمال الأسد في الرجل الشجاع بادّعاء أنّه الحيوان المفترس حقيقة؟ وما يتوهّم : من أنّ الأسد مجاز حينئذ لأنّه موضوع للحيوان المفترس الحقيقي لا الادّعائي ، فهو غلط ، فإنّ ادّعاء كونه من الأسد ليس من وجوه المعنى حتّى يقال : إنّه موضوع لغيره ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لم نعثر على القائل.

(٢) الفصول : ١٨٠ ، وانظر القوانين ١ : ٢٢٩.

١٩٠

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما بالغ فيه بعض الأجلّة : من امتناع تعلّق الخطاب بمعناه الحقيقي وتوجّهه نحو المعدوم (١). فإنّ ما ذكره في وجه الامتناع ممّا لا مدخل لكون أداة الخطاب على وجه الحقيقة أو المجاز ، كما هو ظاهر على المتأمّل ، ويظهر الصدق بمراجعة كلامه في فصوله.

والذي يقضي بذلك أنّه لا حاجة إلى أمر آخر بعد التنزيل ـ ولو عند التغليب ـ من ملاحظة أمر أعمّ لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيّ والمجازيّ ، بل ولا يعقل الأمر الأعمّ الشامل للمعدومين والموجودين في مدلول أداة الخطاب. والوجه في ذلك : أنّ الخطاب إمّا من الامور الحادثة بالأداة كما يراه البعض ، أو من الامور التي يكشف عنها الأداة ، سواء كانت الأداة علامة لها كما في علامة التأنيث والتذكير أو غيرها. وعلى التقادير فهي معان شخصية جزئيّة لا تتحمّل العموم ، كما هو ظاهر لمن تدبّر. نعم ، يصحّ ذلك في مدلول مدخول الأداة ، وأين ذلك من اعتبار العموم في مدلول الأداة؟

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بمجرّد الإمكان. وأمّا الوقوع فلا بدّ له من التماس دليل آخر ، ولم نجد ما يقضي به ، فإنّ ما تخيّله البعض من الأدلّة لا يقتضي إلاّ الاشتراك في الحكم ، وأمّا أنّ الخطابات القرآنيّة ممّا لوحظ فيها التنزيل المذكور واستعمل اللفظ في المخاطبة للحاضر ولمن هو منزّل منزلته فلم يدلّ عليه دليل.

ثم إنّه قد احتمل بعض المحقّقين في الخطابات القرآنيّة ـ مع القول باختصاصها بالحاضرين ـ شمولها للغائبين ، لقيام الكتّاب والمبلّغين واحدا بعد واحد مقام المتكلّم بها ، فلم يخاطب بها إلاّ الموجود فكأنّ الكتابة نداء مستمرّ من

__________________

(١) انظر الفصول : ١٨٠.

١٩١

ابتداء صدور الخطاب إلى انتهاء التكليف. والسرّ فيه : أنّ المكتوب إليه ينتقل من الوجود الكتبي إلى الوجود اللفظي ومنه إلى المعنى فمن حيث هو قارئ متكلّم ، ومن حيث إنه من المقصودين بالخطاب مستمع (١) ، انتهى كلامه.

أقول : وما أفاده أمر معقول ، لكنّه موقوف على وجود ما يدلّ عليه ، ولم نقف على ما يقضي بذلك الاعتبار ، مع أنّ ما ذكره في السرّ ليس أمرا ظاهرا لا يقبل المنع ، لاحتمال الانتقال من الكتب إلى المعنى من دون توسيط اللفظ فينتفي اعتبار الخطاب باللفظ. وأما الأمر بالكتابة والحفظ ـ كما هو ثابت ـ فلا دليل فيه على ما ذكره ، لاحتمال فوائد شتّى غير ما ذكره.

ثم إنّه قد طال التشاجر بين القوم في الاحتجاج على الأقوال المذكورة وتصحيحها وتزييفها ، ولا نرى طائلا تحتها.

فالأولى أن نختم الكلام بذكر امور ينبغي التنبيه عليها :

الأوّل :

الظاهر عدم الفرق بين المعدوم والغائب عن مجلس الخطاب في عدم تحقّق المخاطبة لو لا التنزيل ، كما تقدّم إليه الإشارة. واستواء الكلّ بالنسبة إليه تعالى غيبة وحضورا لا يجدي في المقام.

أمّا أوّلا : فلأنّ ذلك مبنيّ على أن يكون المخاطب ـ بالكسر ـ هو الله تعالى ، ولا دليل عليه ، فإنّ ذلك موقوف على تشخيص ما وقع به الخطاب من مراتب القرآن لو كان اسما لجميع مراتبه ، وإلاّ فهو موقوف على تشخيص معنى

__________________

(١) شرح الوافية : ١١٢.

١٩٢

القرآن من أنّه هل هو اسم لوجوده العلمي لله سبحانه ، أو لما هو الثابت في اللوح المحفوظ ، أو لما هو المنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت المعمور كما اطلق عليه القرآن في قوله تعالى : ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ )(١) أو لما هو المنزّل عليه في الوقائع الشخصيّة ممّا نزل به جبرئيل من الألفاظ الخاصّة ، فيكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حاكيا له فيما خاطب به الناس ، أو لما خاطب به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله العباد عن الله تعالى ، فيكون وجود القرآن في عالم الظهور وجوده في لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نظير وجود الكلام في الشجر فقراءته له بعد انقضاء القراءة في مجلس الوحي والتنزيل إنّما هو حكاية عمّا بلغه في مجلس الوحي نظير قراءة غيره أو الأعمّ منه وممّا يظهر عندنا كونه حكاية ، فيكون جميع الألفاظ الشخصيّة الصادرة من القرّاء من حقيقة القرآن ، إمّا بالقول بوضعه لأمر كلّي صادق على جميع ذلك كما احتمله البعض (٢) وإن كان ضعيفا ، وإمّا بالقول بكون كلّ واحد من تلك القراءات (٣) من القرآن ، نظير الوضع في المبهمات ، أو الأعمّ منها ومن المكتوبات على الوجهين فيها أيضا ، أو للأعمّ من الألفاظ والنقوش والمعاني الثابتة في اللوح وغيره ، ويحتمل وجوه أخر أيضا. ومع جميع هذه الوجوه والاحتمالات كيف يقطع بأنّ المخاطب هو الله تعالى؟

وأمّا ثانيا : فبأنّ استواءه غيبة وحضورا لا يجدي مع اختلاف حال المخاطبين بالعلم والسماع ، فإنّ النقص فيهم ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ مضافا إلى أنّ الاستواء إنّما هو موجود في الموجود والمعدوم ، ولم يظهر

__________________

(١) طه : ١١٤.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) في ( ع ) : « المراتب ».

١٩٣

التزامه من المورد ، فبدون التنزيل لا يعقل الخطاب في المقامين ، ومعه لا إشكال فيهما. نعم ، ذلك إنّما نعقله فيما هو بأيدينا من الخطابات. وأمّا خطابه تعالى فلا يعرف وجه التنزيل فيه كما لا يعرف سائر وجوه التصرّف في كلامه تعالى.

اللهم إلاّ أن نقول : إنّ المعلوم عندنا هو تكلّمه بكلام من ينزّل المعدوم منزلة الموجود ، فتدبّر.

الثاني :

ذكر بعضهم : أنّ الغرض من هذه المسألة وذكرها بيان الحقّ فيها ، فلا يترتّب عليها أثر عمليّ ، إذ الظاهر تحقّق الإجماع على مساواة جميع الامّة في الحكم (١). واعترض عليه بعض المحقّقين (٢) بأنّه غفلة ، لوجود الثمرة في مقامين :

أحدهما : أنّه على الشمول لا بدّ من الأخذ بما هو ظاهر من الخطاب ، لامتناع الخطاب بما هو ظاهر وإرادة خلافه من دون دلالة : وعلى العدم فلا بدّ من تحصيل متفاهم المتشافهين والتحرّي في استحصاله ، فإن حصل العلم به فهو ، وإلاّ عملنا بالاجتهاد في تحصيل ما هو الأقرب إليه.

وأورد عليه بعض الأجلّة (٣) بأنّه على العدم لا وجه للفرق بين المخاطب وغيره في حجّيّة الظواهر ، فإنّ ذلك أمر متّضح الفساد منحرف عن منهج السداد ، للإجماع على حجّيّة ظواهر الألفاظ في حقّ السامعين مطلقا ، ولو لا ذلك لم يعتبر ظواهر الأقارير والوصايا والعقود والشهادات ، ونحو ذلك.

__________________

(١) الوافية : ١٣٤.

(٢) انظر المناهج : ٩١.

(٣) الفصول : ١٨٤.

١٩٤

ويمكن ذبّه بأنّه ليس المقصود بيان الفرق في ذلك بين المشافه وغيره في الأخذ بالظواهر ، بل المقصود إثبات الفرق بينهما من حيث احتمال وجود القرينة عندهم واختفائها لدينا أو (١) ثبوت النقل وإن كان يمكن تحصيل متفاهمهم بإعمال الاصول اللفظيّة في اللفظ أيضا. ومحصّل الفرق : أنّ المشافه إنّما يأخذ بالظاهر من حيث هو ظاهر ، وغيره إنّما يأخذ به من حيث إنّه الظاهر عند المشافه وإن كان طريق ثبوته هو الظاهر أيضا ، فليس ذلك تفصيلا في حجّية الظواهر ؛ مع أنّ في احتجاجه لعدم الفرق بظواهر الأقارير والوصايا والشهادات نظرا ذكرناه في محلّه.

واعترض عليه أيضا بأنّه على الشمول لا وجه للأخذ بالظواهر ، للعلم بطريان النسخ والتجوّز والتخصيص والتقييد ممّا مرّ الإشارة إليها في بحث الفحص ، فلا بدّ من البحث والتحرّي (٢).

وزاد عليه بعض آخر بأنّه مع ذلك يحتمل السهو من الراوي والغلط منه والسقط والتحريف والتصحيف والزيادة ، مع اختلاط الصادق بالكاذب ، لدسّ الكذابة ، إلى غير ذلك ، فعلى الشمول أيضا لا بدّ من التحرّي والاجتهاد في دفع تلك المحتملات (٣) انتهى.

وفسادهما غنيّ عن البيان ، إذ ليس المقصود أنّه على تقدير الشمول لا يعقل وجود الفرق بين الحاضر وغيره من جميع الجهات حتّى يتمسّك بهذه الوجوه الواهية ، فإنّ هذه الموانع كما هي مانعة من حمل الغائب على تقدير

__________________

(١) في ( ع ) : « و ». وعلى أيّ حال فالعبارة مختلّة.

(٢) انظر الفصول : ١٨٤.

(٣) لم نعثر عليه.

١٩٥

وجودها ، كذلك هي مانعة عن حمل المشافه أيضا. بل المقصود أنّه على تقدير ارتفاع الموانع من سائر الجهات ، كأن لا يكون الخطاب بواسطة العلم الإجمالي بوجود المخصّصات مجملا ، كما مرّ في المسألة المتقدّمة. وبعد أن أحرزنا قول المعصوم بإعمال الاصول المعتبرة في إحرازه ـ كأصالة عدم السقط والتحريف وغيرها ، واعتبار سند الرواية لعدالة الراوي أو ما هو بمنزلته ـ يجب القول بالمساواة بين الغائب والحاضر ، وأنّ الغيبة والحضور لا ينهضان فرقا في الاعتبار وعدمه ، وذلك من الامور الوضحة التي لا تكاد تخفى على أحد كما هو ظاهر ؛ ومع ذلك فلا يتمّ الثمرة المذكورة كما نبّه عليه إجمالا بعض أجلّة السادة المحقّقين (١).

وتحقيقه : أنّه على القول بالشمول ، إمّا أن يعلم الاختلاف بين المشافه وغيره فيما هو الظاهر عند كلّ منهما ، أو يعلم الوفاق ، أو يشكّ في ذلك.

فعلى الأوّل : إمّا أن يكون وجه الاختلاف قرينة مخفيّة عليهم موجودة عندنا ، كما مرّ نظيره في العامّ المخصّص بمخصّص متأخّر ، أو خطائهم في تشخيص الظواهر لو فرض ، ونحو ذلك ممّا لا يوجب تعدّد الحكم الواقعي. وإمّا أن يكون وجه الاختلاف ما يوجب ذلك ، مثل اختلاف الأوضاع ونحوه.

فعلى الأوّل : نقول إنّ المشافه إنّما لم ينجّز في حقّه الحكم الواقعي ، لاختفاء القرينة عليه أو لخطائه إذا لم يكن على وجه التقصير ، وليس ذلك من حجّيّة الظواهر في حقّه ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الظاهر أنّه هو السيّد الصدر في شرح الوافية : ١١٢ ، حيث قال : أقول قد عرفت أنّ بعد تسليم جواز الاستعمال لا ثمرة للاصولي.

١٩٦

وعلى الثاني : نقول : لا يجوز إرادة كلّ من الظاهر ، لا لأجل عدم جواز استعمال اللفظ في أزيد من معنى واحد ، بل ولو قلنا بجوازه أيضا ؛ لأنّ ذلك لا يستلزم استعمال اللفظ في معان غير محصورة ، ولا سيّما لو فرضنا إلحاق المعاني المستحدثة الظاهرة أيضا. ولا يتعقّل استعمال اللفظ في كلّ ما يفهمه المخاطبون على أنحاء اختلاف أفهامهم ومراتبهم على وجه يكون كلّ واحد منهم مخصوصا بإرادة ما فهمه في حقّه من غير مشاركة الآخر له في ذلك.

ومنه يظهر الفرق بينه وبين استعمال العين في معنييه ، فإنّه على تقديره إنّما هو مرادان بالنسبة إلى الكلّ ، وذلك خارج عن حدّ المحاورات ، ولا يبعد نسبته إلى الغلط عند أربابها ، بل هو كذلك قطعا ؛ مضافا إلى استلزامه تعدّد الأحكام الواقعيّة ، وهو خلاف الصواب عندنا ، فلا بدّ من القول بإرادة معنى واحد من تلك الظواهر وإحالة من ليس ظاهرا عنده إلى من هو ظاهر عنده. ولعلّ الظاهر إحالة من عدا المشافه إليه ، لقيام أدلّة الاشتراك قرينة عليها وكفايتها في ذلك ، بل ولا يعقل (١) إحالة المشافه إلى غيره في بعض الصور المتقدّمة ، كما إذا كان المعنى المراد من المعاني الظاهرة المستحدثة بعد زمان المشافهة. اللهم إلاّ أن ينصب قرينة عليه وكشفه لديه ، لئلاّ يلزم القبح (٢) وعند الشكّ في وجود القرينة يحكم بعدمها ، كما هو قضيّة الأصل.

فثبت بذلك وجوب الرجوع إلى متفاهم المشافه عند العلم بالاختلاف وعدم قيام قرينة على تعيين أحد المعاني.

__________________

(١) في هامش ( ع ) : « بل ولا يبعد » ، خ ل.

(٢) في ( ط ) : « القبيح ».

١٩٧

وعلى الثاني (١) ـ وهو العلم بالوفاق ـ لا إشكال في وجوب الأخذ بما هو الظاهر عندهم ، إلاّ أنّه ليس مورد ظهور الثمرة.

وعلى الثالث (٢) : فلا بدّ من الأخذ بما هو ظاهر عند غير المشافه والحكم بأنّ الظاهر عندهم أيضا هو ذلك بإعمال الاصول اللفظيّة. وبالجملة ، لا نعرف فرقا بين القول بالشمول وعدمه من هذه الجهة.

الثالث (٣) :

أنّ شرط اشتراك المشافهين وغيرهم هو اتّحاد الصنفين لعدم الإجماع عليه عند الاختلاف ، والأدلّة القائمة عليه غير الإجماع أيضا يمكن القول بأنّها محمولة على صورة اتّحاد الصنف ، كما لا يخفى. فوجوب صلاة الجمعة مثلا على الحاضرين لا يدلّ على وجوبها على الغائبين ، لاحتمال اختلافهم في الصنف كأن كان وجوبها مشروطا بحضور السلطان أو نائبه الخاصّ المفقود ذلك الشرط في حقّ الغائبين. ولا وجه للتمسّك بإطلاق الآية بعد احتمال اختلاف الصنف.

واعترض عليه تارة : بأنّ اعتبار الاتّحاد في الصنف ممّا لم يحدّه قلم ولا يحيط ببيانه رقم. واحتمال مدخليّة كونهم في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو كان صلاتهم خلفه وأمثال ذلك في الأحكام ممّا يهدم أساس الشريعة.

واجيب بأنّ اللازم إحراز الاتّحاد ، إمّا بدعوى القطع على عدم المدخليّة كما في كثير ممّا يقبل أن يكون وجها للاختلاف. ولا يلزم من ذلك القطع بالحكم

__________________

(١) عطف على قوله : فعلى الأوّل في الصفحة : ١٩٦.

(٢) وهو صورة الشكّ في الاختلاف والوفاق.

(٣) في جميع النسخ ( الثاني ) ، والصواب ما أثبتناه ، فقد تقدّم التنبيه الثاني في الصفحة : ١٩٤.

١٩٨

ليلزم عدم الحاجة إلى دليل الاشتراك ، إذ اتّحاد الصنف بمجرّده لا يقضي بالتكليف ، فلا بدّ من التماس دليل الاشتراك. أو بإقامة دليل خاصّ عليه (١) من الأدلّة اللفظيّة أو غيرها. والمفروض في المقام عدم القطع باتّحاد الصنف حتى أنّه قال الأكثر : بأنّ شرط وجوب الجمعة حضور السلطان أو نائبه ، فلا بدّ من انهدام أساس الشريعة فيما لو لم يؤخذ بعدم الاتّحاد في مثل المقام.

واخرى : بأنّ في المقام ما يدلّ على اتّحاد الصنف من أصالة عدم القيد وأصالة الإطلاق. ومجرّد كونهم واجدين للشرط لا يمنع من جريان الأصل ، كما أنّه لا يمنع منه كونهم في المدينة أيضا.

ويمكن أن يناقش فيه بأنّ الأصل المذكور لا يجري في المقام ، إذ مرجعه إلى قبح إرادة المقيّد (٢) من المطلق ، ولا قبح لإطلاق الخطاب فيما إذا كان المخاطب واجدا للشرط ، فإهمال القيد لا يوجب قبيحا. نعم ، على القول بالشمول لا بدّ من إظهار القيد لئلاّ يقع الغائب في خلاف المراد ، لما قرّرنا فيما تقدّم من بطلان اختلاف تكليف المشافه والغائب بالإطلاق والتقييد (٣). ومجرّد وجدان الحاضر للشرط ـ وهو الحضور ـ لا يكفي في تقييد الإطلاق بالنسبة إلى الغائب المقصود بالخطاب أيضا ، فلا بدّ من إعمال أصالة الإطلاق عند الغائب. ومنه يستكشف عدم مدخليّة الحضور في حقّهم أيضا ، لأنّ المفروض اتّحاد التكليف.

__________________

(١) عطف على قوله : إمّا بدعوى القطع.

(٢) في ( ع ) : « القيد ».

(٣) في ( ع ) : « التقيد ».

١٩٩

الرابع (١) :

لا إشكال في ثبوت اشتراك كلّ الامّة في ما إذا لم يكن الخطابات مصدّرة بإحدى أدوات الخطاب كـ « يا أيّها الناس » ونحوه كأن كان الخطاب عامّا لجميع المكلّفين ، مثل قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... )(٢) ونحوه من الأدلّة العامّة الغير المختصّة بصنف خاصّ من المكلّفين الشاملة لجميع الأزمان والأحوال ، وأمثال ذلك كثيرة في الأحكام الشرعيّة على وجه لو لم نقل بالاشتراك فيما ثبت بعناوين الخطاب للمشافهين لا أظنّ لزوم (٣) انهدام أساس الشريعة وبطلان الطريقة ، لا سيّما بعد انضمام الخطابات الخاصّة الواردة بالنسبة إلى أشخاص معلومة يقطع بعدم اعتبار ذلك الشخص المعيّن كخطابه لزرارة « لا تنقض اليقين » (٤) ونحو ذلك. وليس القطع بعدم مدخليّة خصوص السائل في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هلكت وأهلكت » (٥) بعد سؤال الأعرابي من مواقعة أهله في نهار رمضان أخفى من القطع بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع.

وممّا ذكرنا يظهر عدم ورود ما أفاده المحقّق القمّي رحمه‌الله ـ على من تأمّل ـ في قاعدة الاشتراك : من لزوم انهدام أساس الشريعة (٦).

__________________

(١) في جميع النسخ ( الثالث ) ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) لم يرد « لزوم » في ( ع ).

(٤) الوسائل ١ : ١٧٥ ، الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث الأوّل.

(٥) كذا ، والصواب : « أعتق رقبة » لأنّ « هلكت وأهلكت » من قول السائل ، راجع الوسائل ٧ : ٣٠ ، الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٦) القوانين ١ : ٢٣٤.

٢٠٠