مطارح الأنظار - ج ٢

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-51-6
الصفحات: ٦٩٢

ثمّ لا فرق في الوجه الثاني بين أن يكون المطلوب المحدود ملحوظا على وجه يكون فعلا واحدا كما عرفت في الوجه الأوّل ، أو أفعالا متعدّدة فينحلّ إلى مطلوبات متعدّدة لكنّها محدودة بالغاية المذكورة ، أو يكون على وجه التوسعة فيكون المطلوب التخيير في الأفعال الّتي يمكن إيجادها في الوقت المضروب إلى زمان الغاية المفروضة.

لا يقال : لعلّه يدّعى ظهور الجملة المغيّاة بالغاية في الوجه الأوّل. لأنّا نقول : كلاّ! فإنّ كثيرا من الموارد ممّا لا وجه لإرجاعها إليه ، كما في أغلب موارد التحريم والإباحة ، كقوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(١) وقوله عزّ من قائل : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ )(٢) إذ على تقديره يكون المراد تحريم المقاربة التي يكون غايتها الطهر وإباحة الأكل والشرب الذي يكون غايته التبيّن ، وذلك واضح الفساد جدّا. نعم ، بعض الموارد ممّا يصلح لذلك ، كما في بعض الأمثلة ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ مجرّد الصلاحيّة مع ظهور اللفظ في الخلاف ممّا لا يجدي في مثل المقام.

ثمّ إنّه قد أفاد في أثناء احتجاجه على المقام الثاني : أنّ معنى « صم إلى الليل » طلب إمساك مقيّد يكون نهايته الليل ، فلو فرض أنّ المطلوب إنّما هو إمساك ما زاد عليه لم يكن الإمساك إلى الليل مطلوبا لنفسه ، وهو خلاف ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، فلا بدّ حينئذ إمّا من حمل الأمر على الطلب الغيري وهو عندنا وإن كان حقيقة إلاّ أنّه خلاف الظاهر من الإطلاق ، أو حمل الليل على الجزء المتأخّر عنه ... (٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الفصول : ١٥٤.

١٠١

وهو بظاهره يشعر بإمكان دلالة الكلام المذكور على ما زاد على الإمساك إلى الليل ، وإنّما المانع منه ظهور الأمر في الوجوب النفسي. وفساده ظاهر ؛ لما عرفت من أنّ عدم الدلالة على الزيادة على الحكم الخاصّ على تقدير عدم المفهوم من أجلى الضروريّات ، سواء كان الأمر ظاهرا في الوجوب النفسي أو الغيري ، إذ على الثاني أيضا لا يمكن التجاوز عن مدلول اللفظ ، كما هو ظاهر.

نعم ، لو كان الأمر ظاهرا في الوجوب النفسي ، فلو ورد بعد ذلك خطاب آخر يعلم باتّحاد التكليف منه ومن الخطاب الأوّل لا بدّ من حمل الأمر على الوجوب الغيري ، لأنّ دلالة الأمر على النفسيّة ـ على ما صرّح به ـ إنّما هو بالإطلاق ، ومع وجود ما يصلح للتقييد لا يبقى له ظهور كما هو الشأن في جميع المطلقات. ولعلّ ذلك هو الباعث إلى مصيره إليه فأثبت مقامين وزعم أنّ الثاني أيضا من المفهوم جدّا.

ثمّ إنّ ما ذكره بعينه جار في الوصف واللقب وأضرابها. وقد تفطّن به أيضا ، إلاّ أنّه دفعه بأنّه لا يظهر هناك ثمرة ، بخلافه في المقام حيث نعلم اتّحاد التكليف ، كما لو ورد أمر بالصوم إلى سقوط القرص وورد أمر آخر إلى سقوط الحمرة فيحكم بينهما بالتعارض (١).

وفيه : أنّ التعارض إن كان بواسطة دلالة الغاية على انتفاء الأمر ، فعدم مجيئه بالوصف مسلّم ، إلاّ أنّه خلاف المفروض. وإن كان بواسطة ظهور الأمر في النفسي بعد فرض اتّحاد التكليف فهو منقوض :

__________________

(١) انظر الفصول : ١٥٤.

١٠٢

أوّلا : بما إذا علّق الحكم على صفة خاصّة ثمّ علّق على صفة عامّة مع القطع باتّحاد التكليف ، فانّ الظاهر من الأوّل عدم تجاوز الحكم عن موضوعه ، والظاهر من الثاني تجاوزه عن الموضوع الأوّل وإن لم يتجاوز عن موضوعه ، فيقع التعارض.

وثانيا : نقول إنّ ذلك ليس من المفهوم ولا يعدّ من التعارض أيضا ، ضرورة حمل المطلق على المقيّد في الثاني وعدم الاعتداد بظهور الأمر الأوّل في النفسي بعد ورود الأمر الثاني ، كما نبّهنا عليه.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الأظهر في المقام هو القول بالدلالة ، ولا حاجة إلى تطويل الكلام في بيان المرام.

واحتجّ النافي بما قدّمناه في مفهوم الوصف ، من انتفاء الدلالات الثلاث.

والجواب : أنّ العرف شاهد على ثبوت الدلالة الالتزاميّة ، فبطلان التالي ممنوع.

ثمّ إنّ الدلالة المذكورة كما هي ثابتة في « إلى » و « حتّى » فالظاهر ثبوت نظيرها (١) في « من » الابتدائيّة أيضا كما صرّح به جماعة (٢).

والظاهر استفادة الترتيب أيضا من الكلام المشتمل على الكلمتين إلاّ ما أخرجه الدليل ، فيصار إلى المجاز بدليله ، كما في آية الوضوء. والله الهادي إلى سواء السبيل.

__________________

(١) في ( ع ) : « ثبوتها ».

(٢) مثل صاحب الفصول في الفصول : ١٥٤ ، والمحقّق الكلباسي في الإشارات : ٢٤٣.

١٠٣
١٠٤

هداية

في ما يفيد الحصر ، سواء كان الدالّ مادّة كـ « إنّما » و « بل » الإضرابيّة ومادّة الحصر والقصر وأشباهها ، كتقديم ما هو حقّه التأخير.

ومنها : الاستثناء ، وهو من النفي يفيد إثبات الحكم للمستثنى فقولك : « ما جاءني أحد إلاّ زيد » ومن الإثبات يفيد انتفاء الحكم له كقولك : « جاءني القوم إلاّ زيدا ».

ولم نعثر على حكاية خلاف في الحكمين إلاّ من « أبي حنيفة » ، حيث إنّه ذهب ـ فيما حكي (١) ـ إلى عدم الإفادة. والمعقول من كلامه أن يقال : إنّ المستفاد من قولك : « ما جاءني إلاّ زيد » ليس إلاّ عدم دخول زيد في الحكم المذكور ، وأمّا حكمه فيحتمل أن يكون موافقا أو مخالفا ، إلاّ أنّ شيئا منهما غير مستفاد من الكلام المذكور ، فغاية ما يفيده الاستثناء خروج المستثنى عن كونه مخبرا عنه بالنفي والإثبات.

واحتجّ (٢) بمثل قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » ، فإنّه على تقدير عدمه يلزم أن يكون الطهارة المقرونة مع فقد الشرائط صلاة.

__________________

(١) حكاه الآمدي في الإحكام ٣ : ١٠٦ ، والمحقق القمّي في القوانين ١ : ٢٥١.

(٢) انظر المستصفى من علم الاصول ١ : ٣٢٩ ، ونهاية الوصول ( مخطوط ) : ١٥٨ ، وشرح مختصر الاصول ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

١٠٥

وهو ضعيف جدّا ؛ فإنّ الحصر إضافيّ بالنسبة إلى حالة فقدان الطهارة مع فرض نفي (١) الأجزاء والشرائط ، ومجرّد الاستعمال أعمّ.

وشواهد خلافه كثيرة ، أقواها التبادر كما يحكم به الوجدان السليم وادّعى جماعة الإجماع على ذلك ، ومنهم العضدي (٢).

وقبول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إسلام من قال « لا إله إلاّ الله » من أعدل الشواهد على ذلك. والقول بأنّ ذلك للقرينة أو أنّها تدلّ على التوحيد شرعا بمكان من السخافة.

ولا ينافي الإجماع المذكور ذهاب جماعة في دفع التناقض في الاستثناء : بأنّ الاستناد إنّما هو بعد الإخراج ، لأنّ الكلام في دلالة الإخراج سواء كان قبل الاستناد أو بعده ، وعلى تقدير التنافي فذهابهم إلى ذلك باطل ، كما اعترض عليهم المحقّق القمّي رحمه‌الله أيضا (٣).

ثم إنّهم اختلفوا في كلمة الطيّبة التوحيديّة بين من يقول باستغناء « لا » عن الخبر كما ذهب إليه التميميّون (٤) ، وبين من يقول بأنّ الخبر « موجود » أو « ممكن » (٥).

والأظهر الأوّل ، وتحقيقه : أنّ الوجود كما قد يؤخذ محمولا وقد يؤخذ رابطة ، فكذلك العدم قد يكون محمولا كقولك : « زيد معدوم » وقد يكون رابطة كقولك : « زيد ليس قائما » ، والثاني يحتاج إلى الطرفين ، لامتناع تحقّق الرابط

__________________

(١) في ( ط ) : « نفيه » ، ولعلّ الصواب : « بقيّة ».

(٢) انظر شرح مختصر الاصول ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٣) القوانين ١ : ٢٥١.

(٤) نقله عنهم في شرح الكافية ١ : ١١٢ ، والبهجة المرضيّة ١ : ١٣٤.

(٥) كما في المستصفى ١ : ٣٣٠ ، والبهجة المرضيّة ١ : ١٣٤.

١٠٦

بدونهما ، والأوّل لا يحتاج إليهما. فالعدم المستفاد من كلمة « لا » على طريقة التميميّين عدم محمول (١) ولا يحتاج إلى تقدير خبر. والمعنى : نفي عنوان الإلهيّة مطلقا إلاّ في الله ، كما في قولك : « لا مال ولا أهل » فإنّه يراد منه انتفى المال والأهل ، وهذا المعنى لا يحتاج إلى خبر ، لتمام الكلام بدونه.

إلاّ أنّه يشكل أنّ كلمة « لا » لم نجد من صرّح بأنّها ترد اسميّة ، وهذا المعنى ـ على ما عرفت ـ ليس معنى رابطيّا ومدلولا حرفيّا. واحتمال أن يكون استعارة عمّا يصلح لإفادة ذلك ضعيف.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ قولك : « لا رجل ولا مال » وأضرابهما غير محتاج إلى تقدير الخبر ، بل الكلام المذكور في قوّة أن يقال : لا شيء ورجل ، ولا شيء ومال ، ولا شيء وإله ، ففي الحقيقة يكون اسم « لا » محذوفا.

إلاّ أنّه مع ذلك لا يخلو عن إشكال ، فإنّ التزام ذلك في المقام إنّما هو بواسطة ما يلزم على القول بالاحتياج إلى الخبر من المحاذير ، كما هو المشهور. وتلك المحاذير على تقدير عدم الحاجة أيضا ثابتة ، فإنّ إثبات عنوان الإلهيّة لله تعالى إمّا أن يكون بالفعل أو بالإمكان ، فعلى الأوّل لا يدلّ على نفي إمكان الغير ، وعلى الثاني لا يدل على ثبوت العنوان له تعالى فعلا. غاية ما يتصوّر الفرق بينهما أنّه على تقدير الاحتياج إلى الخبر إنّما يتوجّه الترديد المذكور بالنسبة إلى نفس الخبر ، وعلى تقدير عدمه إنّما يتوجّه بالنسبة إلى مادّة القضيّة وكيفيّة ثبوت المحمول للموضوع ، وذلك لا يجدي في دفع المحذور قطعا. ومن هنا التجأ بعضهم إلى القول بالنقل الشرعي في الكلام المزبور.

__________________

(١) في ( ع ) : « محمولي ».

١٠٧

فالأوجه على ما صرّح به بعض المحقّقين (١) : أنّ المنساق من ذلك ليس إلاّ إثبات عنوان الإلهيّة لله تعالى فعلا. وأمّا نفي إمكان غيره فإنّما هو بواسطة ملازمة واقعيّة بينهما ، ولا يضرّ خفاء تلك الملازمة ، فإنّ ما اختفى منها إنّما هو الالتفات اليها تفصيلا ، بمعنى عدم الشعور بعلمها ، وأمّا العلم بنفس الملازمة فإنّما هو ممّا فطر الله تعالى عليه عامّة الخلق ، كما ذهب إليه جماعة من العرفاء والحكماء الالهيّين (٢). وعلى تقدير الاختفاء فلا مانع من القول بكفاية ذلك في الحكم بالإسلام ، سيّما في صدر الإسلام كما صرّح به جماعة أيضا (٣).

ثمّ إنّهم اختلفوا في كون الدلالة المذكورة هل بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فإن أرادوا بذلك ترتيب أحكام أحد القسمين عليها عند التشخيص ، ففيه : أنّا لا نعرف حكما يخصّ بأحدهما ، إذ ليسا مأخوذين في عنوان دليل شرعي. وأمّا تقديم المنطوق عند التعارض فقد عرفت ما فيه ، إذ المدار على الأقوائيّة والظهور ، ولا دليل على دورانهما مدارهما. وإن أرادوا بذلك تشخيص ما هو الواقع بحسب الاصطلاح ، فالظاهر أنّه من المفهوم.

وتحقيق ذلك : أنّ قولك : « ما زيد إلاّ قائما » يشتمل على حكمين : أحدهما سلب جميع المحمولات عن زيد ، وثانيهما : إثبات القيام لزيد. والأوّل مستفاد منطوقا ، والثاني مفهوما ، نظرا إلى ما وجّهنا حدّيهما فيما تقدّم ، إلاّ أنّه مع ذلك لا طائل تحته.

ومنها : الإضراب بكلمة « بل » ، وأمّا ما جيء به للترقّى فلا يفيد الحصر قطعا ، إذ لا وجه لاستفادة الحصر منها. ولعلّ من جزم بعدم إفادتها الحصر

__________________

(١ ـ ٣) لم نعثر عليه.

١٠٨

فيما إذا دخلت على الجملة وادّعى الوفاق فإنّما أراد ما ذكرنا ؛ نظرا إلى أنّ الأغلب كونها للترقّي ، بخلاف ما إذا كان بعدها مفرد ، فيحتمل الوجهين.

وكيف كان ، ففيما إذا كانت إضرابيّة اختلفوا فيها على أقوال :

أحدها : إفادتها الحصر مطلقا سواء كان في الإيجاب أو النفي ، وهو المنسوب إلى الحاجبي (١).

الثاني : العدم مطلقا ، وهو المنسوب إلى الزمخشري (٢) ، فقولك : « جاءني زيد بل عمرو » إنّما يدلّ على صرف الحكم المقصود بالكلام إنشاؤه عن زيد وإثباته لعمرو من غير دلالة على حكم المتبوع.

الثالث : التفصيل بين النفي فيدلّ ، والإثبات فلا يدلّ. ذهب اليه جماعة منهم نجم الائمّة (٣) والتفتازاني (٤) ـ على ما حكي ـ واختاره بعض أعاظم المتأخّرين (٥). واستند في ذلك : بأنّ احتمال الغلط في النفي بعيد ، بخلافه في الإثبات.

ثمّ إنّه ينبغي أن لا يكون من موضع الخلاف ما إذا كانت مسبوقة بـ « لا » ، فإنّه حينئذ كالنصّ في ثبوت المفهوم. ولا يبعد دعوى الوفاق ، إلاّ أنّ ابن هشام جعله لتأكيد الإضراب (٦) فلو كان لمجرّد الصرف عنده كان مخالفا.

__________________

(١) حكى عنه الكلباسي في إشارات الاصول ١ : ٢٥٢.

(٢) المصدر المتقدم ، وراجع شرح الأنموذج من كتاب جامع المقدمات ٢ : ٤٠١.

(٣) شرح الكافية ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٤) انظر شرح التلويح على التوضيح ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٥) الظاهر أنه هو الكلباسي صاحب إشارات الاصول ، فراجع.

(٦) مغني اللبيب : ١٥٣.

١٠٩

ومنها : الحصر بإنّما ، كقولك : إنّما زيد قائم. واختلفوا في ذلك ، والمشهور على الإفادة ، وذهب بعضهم إلى العدم (١).

واحتجّوا بامور ، أقواها تصريح اهل اللغة كالأزهري (٢) بذلك. وقال بعضهم : لم أظفر بمخالف فيه (٣). ونقل بعضهم إجماع النحاة على ذلك (٤) ، وهو المنقول عن أئمة التفسير أيضا (٥). وحكي عن المبرّد في جواب من سأله عن اختلاف قولهم : « إنّ زيدا قائم » و « إنّما زيد قائم » : أنّ الأوّل إخبار عن قيامه فقط والثاني إخبار عن قيامه مع اختصاصه به (٦). وظاهره اختلاف المدلول باختلاف الدلالة. وأيّد ذلك بدعوى التبادر عند استعمال تلك اللفظة.

والانصاف أنّه لا سبيل لنا إلى ذلك ؛ فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتّى يستكشف منها ما هو المتبادر منها ، بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة قطعا لبعض الكلمات العربيّة ، كما في أداة الشرط ونحوها.

وأمّا النقل المذكور فاعتباره في المقام موقوف على اعتبار قول اللغوي في تشخيص الأوضاع على تقدير أن لا يكون ذلك منهم اجتهادا ، ولم يثبت ذلك إلاّ على تقدير اعتبار مطلق الظنّ كما قرّر في محلّه.

__________________

(١) مثل الآمدي في الإحكام ٣ : ١٠٦ ، والمحقّق النراقي في المناهج : ١٣٢.

(٢) راجع لما احتجّوا به ولما حكي عن الأزهري ، مفاتيح الاصول : ١٠٥ ، وإشارات الاصول ١ : ٢٤٨.

(٣) قاله الطريحي في مجمع البحرين ١ : ٩١.

(٤) نقله المحقّق الكلباسي في الإشارات ، ١ : ٢٤٨.

(٥) انظر مفاتيح الاصول : ١٠٥.

(٦) لم نعثر عليه.

١١٠

وقد يتمسّك بأنّ العلماء لا يزالون يتمسّكون بحديث « إنّما الأعمال بالنيّات » (١) بفساد العمل بلا نيّة ، كاعتمادهم على قوله : « إنّما الولاء لمن أعتق » (٢) في مثله. وهو لا يجدي شيئا ، إذ بعد الغضّ عمّا فيه لا يزيد عن مجرّد الاستعمال.

وأمّا كلمة « أنّما » بفتح الهمزة فقد صرّح بعضهم : بأنّ الموجب للحصر في « إنّما » بالكسر ما (٣) في « أنّما » بالفتح (٤) ، وهو تضمّنها معنى « ما » و « لا » أو اجتماع حرفي التأكيد.

وفيه : أنّ الموجب في « إنّما » على القول ليس إلاّ الوضع ، وإلاّ فمجرّد ما زعمه في الموجب فاسد جدّا ، كما لا يخفى. ودعوى الوضع ممّا لا شاهد عليها.

ومنها : تعريف المسند إليه (٥) باللام إذا كان الخبر خاصّا ، كقولك : « الانسان زيد » وأمّا إذا كان الخبر أعمّ مطلقا كقولك : « الانسان حيوان » ، أو من وجه كقولك : « الإنسان أبيض » فظاهر التفتازاني إلحاقه بالأوّل ، ونصّ عليه بعض الأفاضل (٦) ، وربّما يؤيّده أيضا قولهم : « التوكّل على الله » و « الأئمّة من قريش » فإنّ الخبر في هذه التراكيب لا يكون أخصّ قطعا. ومنه يظهر عدم اختصاصه بما إذا كان المسند إليه وصفا أيضا.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٤ ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥ ، الباب ٩ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث الأوّل.

(٣) في ( ع ) بدل « ما » : « ثابت ».

(٤) انظر مفاتيح الاصول : ١٠٧ ، حيث نقله عن الچلبي في حاشية المطوّل.

(٥) في ( ع ) : « المبتدأ ».

(٦) هو الفاضل النراقي في المناهج : ١٣٣.

١١١

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الوجه في إفادة الحصر وعدم تجاوز المبتدأ عن الخبر هو التعريف كما يظهر من عنوان البحث ، إلاّ أنّه يلوح من بعض كلماتهم أنّ الوجه في ذلك هو كون المعنى موضوعا لما هو المحمول في الكلام ، وعلى ذلك فعنوان البحث بـ « تعريف المسند إليه » ممّا لا وجه له إلاّ بواسطة ما يتوصّل به إلى جعل المعرّف مسندا إليه ، وهو كما ترى خلاف الظاهر ، سيّما بملاحظة ما ذكروه في تعريف المسند إليه.

فكيف كان فاختلفوا في ذلك ، فالأكثر على الإفادة ، وذهب بعضهم إلى عدمها. والقائلون بالإفادة : بين من صرّح بأنّ ذلك بواسطة المقام وليس لذلك (١) كاشف لفظيّ كما نقله البعض عن إمام الحرمين (٢) ، وهو الظاهر من كلّ من تمسّك في المقام بأنّ العدول عن الترتيب الطبيعي إلى خلافه يحتاج إلى نكتة ، وبين من يرى ذلك بواسطة اللفظ.

واحتجّ الأوّلون ـ بعد ظهور إجماع البيانيّين كما يظهر من إرسالهم ذلك إرسال المسلّمات ، والتبادر على ما يساعد عليه العرف ـ بوجوه ، أقواها أمران :

أحدهما : ما ذكره التفتازاني في المسند المعرّف (٣) ، لكنّه جار في المقام أيضا.

وحاصله : أنّ « اللام » في مثل قولك : « الأمير زيد » إن حملت على الاستغراق فأمره ظاهر ، وإن حملت على الجنس فهو يفيد أنّ جنس الأمير

__________________

(١) في ( ع ) : « كذلك ».

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) انظر المطوّل : ١٤٠.

١١٢

وماهيّته متّحد مع زيد كما هو قضية الحمل وهو المطلوب ، أو يجب حينئذ أن لا يصدق جنس الأمير إلاّ حيث (١) يصدق زيد ، وهو معنى القصر.

أورد على نفسه سؤالا في الخبر المعرّف ، وحاصله : النقض بالخبر المنكّر كما في القضايا المتعارفة.

وأجاب عنه : بأنّ المحمول فيها مفهوم الفرد ، ثمّ تنظّر فيه وبيّنه بأنّ اعتبار مفهوم الفرد خارج عن طريق الحمل. وهو كذلك ؛ لأنّ الفرديّة أمر منتزع من حمل الماهيّة الإنسانيّة على زيد مثلا ، فكيف يمكن اعتبارها في المحمول؟ مع أنّ اعتبار مفهوم الفرد يوجب التسلسل ، فإنّه أيضا كلّي.

فالحقّ : أنّ المحمول هو نفس مفهوم الإنسان ومفاد القضيّة الحمليّة هو أنّ زيدا وجود الإنسان في الخارج ، بمعنى أنّ هذا المفهوم الّذي في الذهن موجود علميّ في الخارج زيد. وبهذا الاعتبار ينتزع الفرديّة من زيد والكلّية من الإنسان.

وتحقيق المقام وتوضيحه أن يقال : الماهيّة الواقعة في مقام المحمول أو الموضوع تارة يمكن اعتبارها على وجه يستفاد من حملها أو وضعها الحصر ، كما إذا اعتبرت على ما هي معتبرة في الحمل الذاتي الأوّلي كقولك : « الإنسان بشر » فيما إذا اريد بيان اتّحاد المعنى دون التساوي في الصدق. واخرى يمكن اعتبارها على وجه لا يستفاد منها الحصر ، سواء كانت موضوعا كما إذا قيل لمن سمع الأسد ولم يشاهد فردا من أفراده : « الأسد هذا » أو محمولا معرّفا كقولك في المقام المذكور : « هذا الأسد » أو منكّرا كما في جميع القضايا المتعارفة ، أو كانت متعلّقة للأمر كما إذا قيل : ( أكرم الرجل ) حيث لا عهد.

__________________

(١) في ( ط ) : « من حيث ».

١١٣

وبعبارة ثانية : أنّ مفاد الحمل هو الاتّحاد المفهومي في الأوّل ، والخارجي مع بقاء اختلاف المفهومين في الثاني. ولم يظهر لنا اختلاف المفهومين (١) على وجه لو كان اللفظ موضوعا لأحدهما لم يكن استكشاف الآخر منه إلاّ على وجه المجاز ، بل الظاهر أنّ هذا الاختلاف بواسطة اختلاف الأحكام في الواردة على الماهيّة ، وإنّما اللفظ موضوع لنفس الماهيّة الّتي هي هي في المقامين ، كما يظهر بملاحظة الأمثلة المتقدّمة.

فالمستدلّ إن أراد تعيين أحد الوجهين من اللفظ مع قطع النظر عمّا يفيد ذلك من المقام والحكم ونحوهما ، ففيه : أنّ ذلك تحكّم صرف. ولا سبيل إلى دعوى ظهور الحمل في الحمل الذاتي ، إذ لو لم نقل بظهوره في المتعارفي فلا أقلّ من التساوي. وإن أراد أنّ تعيين ذلك إنّما هو بواسطة التعريف بـ « اللام » حيث إنّها وضعت للإشارة إلى نفس الماهيّة من حيث إنّها معهودة ، ففيه : أنّ مجرّد التعريف لا يقضي بذلك ، كما يظهر بملاحظة ما إذا وقع علم الجنس محمولا ، كقولك : « زيد اسامة ».

فإن قلت : التعريف في العلم الجنس على تقدير كونه تعريفا معنويّا كما يراه البعض (٢) ـ لا تعريفا لفظيّا كما يراه نجم الأئمة (٣) وبعض آخر (٤) ـ ليس بالإشارة ، بخلاف التعريف في المعرّف باللام ، فإنّ أداة التعريف يشاربها إلى نفس الحقيقة ، ومن المعلوم أنّه إذا فرض اتّحاد نفس الحقيقة مع شيء يلزمه القصر كما هو المفروض في الدليل.

__________________

(١) في ( ع ) : « الاعتبارين ».

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) شرح الكافية ٢ : ١٢٩ و ١٣٢ ـ ١٣٥.

(٤) انظر البهجة المرضيّة ١ : ٥٧ ، وشرح ابن عقيل ١ : ١٢٦.

١١٤

قلت : اتّحاد نفس الحقيقة قد عرفت عدم اقتضائه الحمل الذاتي ، بل هو أعمّ منه ومن المتعارفي ، والمطلوب الأوّل.

لا يقال : إنّهم ذكروا أنّ « اللام » لتعريف الجنس ، وهذه الجهة إنّما تلحق الماهيّة من حيث عمومها وكلّيّتها ، وكذلك لا يسري الحكم بالجنسيّة إلى أفرادها ، ضرورة اختلاف اعتبار الماهيّة على وجه ينتزع منه الجنسيّة واعتبارها فيما إذا كان محمولا لمصاديقها ، وإذا فرض اتّحاد شيء مع الماهيّة بالاعتبار الأوّل فلازمه القصر.

لأنّا نقول : ذلك وهم باطل.

أمّا أوّلا : فلأنّ الجنس في قولهم إنّما هو عنوان لنفس الماهيّة ، كما يشعر بذلك تعبير غير واحد بلفظ « الماهيّة » و « الحقيقة » وأشباهها (١).

وأمّا ثانيا : فلأنّ المقصود في مقام الحصر ليس دعوى اتّحاد الشيء مع الماهيّة الملحوظة بهذه الملاحظة ، فإنّها في هذه المرتبة ليست إلاّ أمرا اعتباريّا ومعقولا ثانويّا ، كما هو ظاهر جدّا.

وزعم بعض الأجلّة أنّ الوجه في التبادر المدّعى في المقام هو : أنّه قد اخذت حقيقة الرجل في قولك : « أنت الرجل » و « زيد الأمير » مثلا مقيّدة باعتبار الخارج ، فاعتبرت من حيث تمام تحقّقها فيه بقرينة الإشارة إليها باللام ، فإنّ الإشارة تستدعي تعيّن المشار إليه ، ولا تعيّن للماهيّة الخارجيّة عند عدم العهد إلاّ بهذا الاعتبار ، وبنى على ذلك في الردّ على ما ذكره التفتازاني من ظهور الحصر ، بناء على حمل « اللام » على الاستغراق (٢).

__________________

(١) كذا في ( ع ) و ( ط ) ، والظاهر : « أشباههما ».

(٢) الفصول : ١٥٥.

١١٥

أقول : بعد تسليم أخذ الطبيعة خارجيّة ـ حيث إنّه لم نقف على ما يكشف عن ذلك مع قطع النظر عن الأحكام الواردة على الطبيعة ـ لا وجه لما أفاده إلى آخره ، فإنّ أخذ الطبيعة مقيّدة باعتبار الخارج إمّا على وجه الاستغراق وهو لا يقول به ، أو العهد الخارجي أو الذهني وشيء منهما لا يقضي بما ذكره ، كما لا يخفى. ولا نعقل اعتبار الماهيّة الخارجيّة عدا ما ذكرنا.

وبالجملة ، فبيان وجه الإفادة كما هو المتبادر بحسب القواعد اللفظيّة المقرّرة في غاية الإشكال.

وما توهّمه بعض المعاصرين (١) في دفع ما أورده التفتازاني من النظر ، من قوله : « إنّ أراد بالمفهوم معنى حاقّ اللفظ بدون ملاحظة ما تعتوره من اللواحق كالتنوين واللام ونحوهما فلا نسلّم اعتباره في المفهوم ، وإن أراد به مفهومه مع ملاحظة ما لحقه من التنوين فاعتباره مسلّم لكن الفرق ظاهر حيث إنّ المحمول على التعريف هو نفس الطبيعة بخلافه على التنكير » فهو ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ؛ ضرورة أنّ التنوين اللاحق لاسم الجنس ليس في الأغلب إلاّ تنوين التمكّن وهو لا يقضي بالفرديّة. سلّمنا كون التنوين للتنكير ، لكنّه لا ينافي الحصر أيضا ، فإنّ القائل بوضع اسم الجنس للفرد المنتشر لا يمنع من الحصر كما هو ظاهر. وصرّح المحقّق الشريف بإمكان استفادة الحصر على القولين (٢). وبالجملة ، لا بدّ من ملاحظة ما وقع في جانب المحمول على الوجه الّذي أشرنا إليه عند إرادة الحصر. ولا نفرّق في ذلك كون المحمول هو الصفة أو الفرد المنتشر ، فتدبّر.

الثاني : أنّ المعرّف إذا وقع محكوما عليه ولم ينحصر في المحكوم به لزم الإخبار بالخاصّ على العامّ والتالي باطل. أمّا الملازمة فظاهرة ، إذ المفروض

__________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه.

١١٦

فيما لم يفد الحصر هو الأعمّيّة وعدم اختصاص الوصف المحكوم به. وأمّا بطلان التالي فلأنّ ما ثبت للشيء ثبت لجميع جزئيّاته.

وفيه أوّلا : أنّ ذلك لا مدخل له في التعريف ، والمقصود في المقام استفادة الحصر منه. وثانيا : أنّ ذلك يتمّ فيما إذا اريد من الحمل بيان اتّحاد المحمول بحسب المفهوم لما جعل موضوعا ، والحمل لا يستدعي ذلك.

لا يقال : فحمل العبارة في (١) جعل العام محمولا كما في القضايا المتعارفة ، ولو قدّم واريد منه المعنى المذكور فلا بدّ من القول بأنّه خبر مقدّم.

لأنّا نقول : قد عرفت فيما تقدّم صحّة ذلك بدون اعتبار التقديم كما في « الأسد هذا » لمن عرف الأسد ولم يشاهده. ولا سبيل إلى جعله للعهد ، كما لا يخفى.

لا يقال : إنّ ذلك خلاف الظاهر.

لأنّا نقول : الكلام إنّما هو في بيان وجه الظهور ولا سبيل إليه ، ولذلك عدل المحقّق الشريف في الخبر المعرّف إلى وجه آخر (٢) ، وهو : أنّ المقصود بـ « الحمل » عند تعريف المحمول باللام ، لو كان مجرّد الاتّحاد في الوجود يصاغ التعريف لاستفادته من الخبر المنكّر أيضا ، فالعدول منه إليه دليل على أنّ المقصود الاتّحاد في الحقيقة والمفهوم ولو ادّعاء. وهو بظاهره أيضا فاسد ، لأنّ العدول لا يتحقّق من تركيب إلى تركيب لأجل إفادة أمر إلاّ بعد فرض دلالة التركيب الثاني على ذلك الأمر بخلاف التركيب الأوّل ، والمفروض انتفاء الدلالة في المقام. اللهمّ إلاّ بالقول بأنّ التعريف يلازم قرينة تفيد ذلك ، وهو أيضا إحالة على المجهول ، كما لا يخفى.

__________________

(١) في محتمل ( ع ) : « حينئذ » وعلى أيّ حال ، العبارة لا تخلو عن إشكال.

(٢) لم نعثر عليه.

١١٧

وقد يتمسّك في المقام بما ذكره الشيخ عبد القاهر واختاره الزمخشري على ما نسب إليهما (١) في مثل قولك : « الأسد زيد » ، من أنّ المراد اتّحاد الجنس مع الفرد مبالغة في كماله في الفرديّة ، يعني : هل سمعت بالأسد وتعرف حقيقته؟ فزيد هو بعينه ، وهو الحصر بل أعلى منه ، لأنّ قضيّة الحصر ليس إلاّ انحصار المسند إليه في المسند ، وهذا يفيد التساوي وعدم تجاوز المسند منه أيضا.

فإن أرادوا التمسّك بقولهم من حيث إنّهم من أئمّة اللغة فله وجه على تقدير الاكتفاء بأمثاله في مثل المقام ، وإلاّ فإن اريد استفادة المعنى المذكور من قولك : « الأسد زيد » بمقايسة العبارة المذكورة فهو ممّا لا سبيل لنا إليه ، إذ الكلام إنّما هو في وجه ذلك بحسب قواعد اللغة وظهور قولك : « هل سمعت بالأسد وتعرف حقيقته » في التساوي. والحمل الذاتي لا يقضي بالظهور في محلّ النزاع.

ثمّ اعلم أنّ المقصود في المقام إنّما هو بيان أنّ تعريف المسند إليه يفيد الحصر ، حتّى إذا وردت رواية مشتملة على ذلك يحكم بعدم تجاوز المسند إليه عن المسند ، كما في قولك : « الأئمّة من قريش » وهذا كما ترى إنّما يفيد فيما إذا لم يعلم أخصيّة المسند إليه من المسند ، وأمّا إذا علم فليس ذلك من الحصر الحقيقي قطعا ، بل الحصر فيه ادّعائي. وأغلب ما يذكر في المقام من كلمات البيانيّين إنّما يلائم الحصر الادّعائيّ ، كما لعلّه ظاهر. والمقصود الأوّل ، لكنّه نجده من العرف إجمالا ولم نحصّله تفصيلا.

احتجّ الخصم : بأنّه لو أفاد الحصر كان تعريف المسند أيضا مفيدا له ، والتالي باطل. أمّا الملازمة : فلاتّحاد الوجه فيهما ، ولأنّه لو لم يفد لزم استناده إلى الهيئة لاتّحاد المادّة وهو غير معهود ، إذ لم يعهد تأثير الهيئة في اختلاف معنى المادّة بحسب اللغة.

__________________

(١) نسبه اليهما المحقّق الكلباسي في الإشارات ١ : ٢٥١.

١١٨

والجواب : تارة بالالتزام ، إذ لا دليل على بطلان التالي ، بل قد عرفت أنّ جملة من كلمات أهل البيان إنّما هو فيه. واخرى بإبداء الفارق : بأنّ الوصف إذا وقع محكوما عليه كان معناه الذات بالوصف العنواني ، وإذا وقع محكوما كان معناه ذات موصوفة به وهو عارض للأوّل ، والاتّحاد مع الذات الموصوفة يقتضي الحصر ، بخلاف الاتّحاد مع عارض له ، فإنّه لا ينافي مشاركة معروض آخر له فيه.

وحيث إنّ الفرق المذكور ممّا لا يرتضيه من يرى الحصر عند تعريف المسند أيضا كالتفتازاني ، فاعترض عليه بأنّ ما ذكر إنّما يتّجه في الوصف المنكّر دون المعرّف ، فإنّ معناه الذات الموصوفة. والظاهر أنّه أراد بذلك الإشارة إلى ما تقدّم نقله منه في الدليل الأوّل ، من الفرق بين المحمول المعرّف والمنكّر ، من اقتضاء الأوّل الحصر دون الثاني. وحمله بعض الناظرين في كلامه (١) على أنّه إذا كان المحمول معرّفا فيراد منه الذات ، وإذا كان منكّرا يراد منه المفهوم (٢). فاورد عليه : بأنّ هذا إنّما يراد إذا كانت اللام موصولة ، وأما إذا كانت للتعريف فلا فرق بين حمل المعرّف بها وحمل المنكّر في كون المحمول فيهما المفهوم دون الذات.

وأنت خبير بأنّ ذلك ممّا لا مساس له بكلامه ، إذ لم يظهر من كلامه الفرق المذكور ، كيف! وذلك لا يجدي في دفع الجواب ، وأنّ اعتبار الذات في المحمول أو المفهوم ممّا لا دخل له بالجواب المذكور كما هو ظاهر ؛ مضافا إلى أنّ ما ذكره من الالتزام ـ أخذ الذات في المحمول إذا كان اللام للموصول ـ فهو مناف لما قد اشتهر عندهم ، من أنّ المعتبر في المحمول هو المفهوم دون الذات مطلقا.

__________________

(١ و ٢) راجع مفاتيح الاصول : ٢١٥.

١١٩

ولبعض الأجلّة في المقام كلمات لا تخلو عن مناقشة يظهر بعضها ممّا ذكرنا ، فراجعه (١).

ثمّ إنّا في غنية عن التعريض لتعريف المسند أيضا ، كما تجشّمه البعض في المقام.

كما أنّه يظهر الوجه في إفادة الحصر من قولك : « صديقي زيد » ونحوه من كلّ تركيب يقدّم فيه ما حقّه التأخير. ولعلّ الكلّ بواسطة أمر خارج عن الوضع والموضوع. وقد تقدّم ما يغني عن الإطالة ، فتدبّر جدّا والله الهادي إلى سواء السبيل.

__________________

(١) الفصول : ١٥٥.

١٢٠