مطارح الأنظار - ج ١

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-50-5
الصفحات: ٧٧٦

كما زعمه ، لا وجه للتعدية إلى ما ليس نظيرا له بحكم العرف ، فإنّ المجاز مع القرينة لا يوجب رفع اليد عن أصالة الحقيقة عند عدمها. وبعد ظهور التركيب في نفي الذات عرفا يصير دليلا على الصحيح من دون توقّف ، فلا دور. والتخصيص ممّا لا ينكر في العمومات ونحوها ، فلا وجه لرفع اليد عنها بواسطة لزوم التخصيص ، مع أنّ التخصيص لازم على كلّ حال (١).

الرابع : ظواهر جملة من الأخبار والآيات الواردة في مقام بيان خواصّ العبادات وآثارها ، كقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ )(٢) وقوله عليه‌السلام : « الصلاة خير موضوع » (٣) ونحو ذلك ؛ فإنّ هذه ـ بحكم عكس النقيض ـ تدلّ على أنّ ما لا تنهى ليس بصلاة.

وفيه : أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون تلك الخطابات واردة في مقام بيان أحكام تلك العبادات على وجه الإطلاق ، وذلك وإن لم يكن منافيا للإجمال المفروض فيها عند المستدل ؛ إذ لا ينافي الإجمال مع كون الحكم ساريا في جميع أفراد المجمل ، إلاّ أنّه غير معلوم ، بل قد عرفت فيما تقدّم أنّها غير واردة في هذا المقام.

وقد يستكشف ورود قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ )(٤) في مقام البيان عن كونه تعليلا لقوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) ولا وجه لذلك ؛ لاحتمال عدم وروده أيضا في مقام البيان ، فينطبق التعليل على مورده ، كما لا يخفى.

__________________

(١) في « ط » بدل « حال » : « تقدير ».

(٢) العنكبوت : ٤٥.

(٣) مستدرك الوسائل ٣ : ٤٣ ، الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٩.

(٤) العنكبوت : ٤٥.

٨١

الخامس : أنّه قد تقرّر في محلّه : أنّه إذا علم اختلاف أمرين في حكم ـ كأن يكون ثابتا لأحدهما دون الآخر ـ وشككنا في أنّ الفرد الذي انتفى عنه الحكم ، هل هو من أفراد الأمر الذي ثبت له الحكم ، ليكون ذلك تقييدا لإطلاقه أو تخصيصا لعمومه؟ أو أنّه خارج عنه مباين له ليس من أفراده ، لئلاّ يكون ذلك تقييدا؟ فبأصالة عدم التقييد يستكشف كونه مباينا له وخارجا عنه.

وإذ قد عرفت ذلك ، فنقول : إنّ الأمر دائر بين أن يكون الفاسدة من حقيقة الصلاة ، ليكون عدم جريان حكم الصلاة عليها من الوجوب وغيرها تقييدا للإطلاق ـ كما أنّ عدم جريان حكم البيع على البيع بالفارسيّة تقييد لإطلاقه ـ وبين أن لا تكون من حقيقة الصلاة وتكون مباينة لها خارجة عنها ، ولذلك لم نشاركها في الحكم ، فبأصالة عدم التقييد يستكشف أنّ الصلاة ليست مطلقة شاملة للفاسدة الخارجة ولو لم يكن بهذا العنوان ؛ لما مرّ من أنّ الفاسدة ليست عنوانا للمقيّد. وفيه تأمّل.

السادس : أنّ هذه الألفاظ لو كانت موضوعة للصحيحة كان لها وجه ضبط في المعنى الموضوع له كـ « الصحيحة » و « المبرئة للذمّة » و « المطلوبة للشارع » ونحو ذلك من المعاني التي يمكن تعقّلها والوضع بإزائها ، بخلافه على القول بالأعم ؛ لعدم انضباط الموضوع له على وجه يمكن تعقّله ثمّ وضع اللفظ.

وفيه : أنّ المحذور إن كان مجرّد عدم الانضباط ، فيمكن دفعه على القول بالأعم : بأنّ المفاهيم العرفيّة ممّا لا يمكن ضبطها في الأغلب ، والأمر فيها محال إلى العرف. وإن كان مع عدم المعقوليّة فما جعله وجه الضبط على القول بالصحيح أولى بعدم التعقّل ؛ لأنّ الصحّة وما يشابهها لا يعقل أن يكون داخلا في الموضوع له ، ومع ذلك فالأمر أيضا غير منضبط ؛ لاختلاف الصحّة باختلاف الموضوعات الطارئة على المكلّفين ، كما تقدّم في تصوير القول بالصحيح.

٨٢

اللهمّ إلاّ أن يقال (١) : بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم ، وهو المركّب المستجمع للأجزاء والشرائط ، وهذا أمر يعقل أن يكون موضوعا له ، بخلاف القول بالأعم ، إذ الموضوع له فيه غير معقول ؛ ضرورة بطلان القدر المشترك بين الناقص والزائد ، وهو المراد من قولهم : بأنّه على الأعمّي يلزم بقاء الكلّ مع انتفاء الجزء.

ولا وجه لما يقال في دفعه : من أنّ الجزء تارة يكون جزءا في حالتي الوجود والعدم ، واخرى يكون جزءا ما دام موجودا ، فإنّ قضيّة ارتفاع الكل بارتفاع الجزء ضروريّة لا يعقل فيها الفرق بين الحالتين ، كما لا يخفى على المتدبّر المتدرّب.

السابع : أنّه لو كانت تلك الألفاظ موضوعة للأعم لكان الرجوع إلى عرف المتشرّعة كافيا في معرفة تفاصيل هذه المعاني المقرّرة في الشريعة ، مع أنّه ليس كذلك ، بل لا يعرف تلك التفاصيل إلاّ بالرجوع إلى الأدلّة التفصيليّة المقرّرة في الكتب الاستدلاليّة ، وهذا هو المراد من كون العبادات توقيفيّة موقوفة على بيان الشارع ، وبهذا يفرق مع المعاملات المحالة إلى العرف. ومجرّد الرجوع في المعاملات إلى العرف العام وفي العبادات إلى عرف المتشرّعة لا يصلح فارقا ؛ لما عرفت من عدم الكفاية ، للاحتياج إلى مراجعة الأدلّة بعد الرجوع إليهم أيضا.

والسرّ في ذلك : أنّ تشخيص الموضوع في العبادات راجع في الحقيقة إلى تشخيص الأحكام التي لا مسرح للعرف فيها ، فإنّ (٢) معنى جزئيّة السورة ليس إلاّ وجوب قراءتها والإتيان بها في عداد الأفعال المقرّرة في الأوقات

__________________

(١) في « ط » و « ع » بدل « يقال » : « يقول ».

(٢) في « ط » زيادة : « المحصّل من ».

٨٣

الخاصّة ، بناء على ما قرّرنا في محلّه (١) : من أنّ الجزئية واشباهها أحكام انتزاعيّة من الأحكام التكليفيّة.

واجيب عنه (٢) تارة بالنقض : بأنّ رجوع الصحيحي إلى العرف والتمسّك بالتبادر أيضا ينافي التوقيفيّة.

وثانية : بأنّ المراد من التوقيفيّة هو أنّ المرجع فيها ليس العرف العام ، ولا ينافي ذلك استعلام الموضوع له من عرف المتشرّعة ، وهو يوجب الانتهاء إلى الأخذ من الشارع ولو بواسطة عرفهم.

وممّا ذكرنا يظهر (٣) اندفاع الجواب :

أمّا الأوّل ، فلأنّ الحقّ ـ كما عرفت ـ أنّه لا وجه للتمسّك بالتبادر ، مع إمكان الفرق أيضا ـ كما تكلّفه بعض المحقّقين (٤) ـ من الإجمال الحاصل بالعرف ، والتفصيل الحاصل بالرجوع إلى الأدلّة ، وقد مرّ ما فيه.

وأمّا الثاني ، فلأنّ انتهاء الرجوع إلى عرف المتشرّعة إلى الأخذ من الشارع لا يجدي في رفع المحذور ، وهو : لزوم عدم الاحتياج إلى الكتاب والسنّة وإعمال القوة النظريّة في استخراج الأجزاء والشرائط من الأدلّة. ولعلّ ما ذكرنا يظهر بأدنى التفات.

فإن قلت : إنّ غاية ما يتصوّر على القول بالأعم أن يتحصّل له من الرجوع إلى العرف إطلاق ، ومن المقرّر عندهم عدم جواز الرجوع إلى الإطلاق إلاّ بعد

__________________

(١) راجع فرائد الاصول ٣ : ١٢٦.

(٢) انظر هداية المسترشدين ١ : ٤٥٥.

(٣) في « ط » و « ع » زيادة : « وجه ».

(٤) انظر هداية المسترشدين ١ : ٤٤٥ ـ ٤٥٦.

٨٤

الفحص عن مقيّداته ، وذلك يوجب الرجوع إلى الكتاب والسنّة ، ولأجل ذلك لا يخرج العبادات عن التوقيفيّة.

قلت : المفروض عند الأعمّي دخول القيد في مفهوم الصلاة أيضا ، والمفروض إمكان استكشاف المفهوم من عرف المتشرّعة ، فلا وجه للرجوع إلى الكتاب والسنّة. نعم ، لو لم يكن القيد داخلا في المفهوم بعد العلم الإجمالي بطروّ التقييد للإطلاق لا بدّ من الرجوع إلى الكتاب والسنّة ، ومع ذلك لا يكون ذلك المطلق من التوقيفيّات ، كما أنّ الحال في المعاملات كذلك ، وليست منها.

الثامن : أنّ العبادة مطلوبة للشارع ، ولا شيء من مطلوبه بفاسدة ، فلا شيء من العبادة بفاسدة ، فلا شيء من الصلاة بفاسدة ، لأنّها عبادة.

وفيه : أنّ الأعمّي لا يسلّم أنّ مسمّى الصلاة على وجه الإطلاق عبادة ، بل المسلّم عنده أنّ من الصلاة ما هي عبادة وهي ليست بفاسدة قطعا ، مع إمكان استكشاف كون مطلق الصلاة عبادة من إطلاق قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) إلاّ ما خرج بالدليل ؛ إذ لا يراد بالعبادة إلاّ الفعل المأمور به مع النيّة ، والإطلاق على تقدير سلامته عن الموانع دليل على ذلك ، إلاّ أنّ الكلام في السلامة ، كما عرفت. فليتدبّر في المقام ، لكي يهتدى إلى المرام ، والله الهادي.

٨٥
٨٦

هداية في ذكر احتجاج القائلين بالأعم

وهو وجوه :

أحدها : دعوى وجود الأمارات الدالّة على الوضع للأعم : من التبادر ، وعدم صحّة السلب عن الفاسدة ، وصحّة التقسيم إليها وإلى الصحيحة الظاهرة في أنّ لفظ المقسم حقيقة فيه.

وقد بالغ في تقرير هذه الأدلّة بعض أرباب هذه المقالة (١) ، ولا حاجة إليه ، فلعلّه يبالغ في تعقّل المراد من الأعم ، وقد عرفت فيما تقدّم (٢) أنّه لم يعقل ذلك القول بوجه (٣) حتّى يدّعى عليه التبادر ، والوجه المعقول منه ـ وهو الوجه الرابع ـ مشارك مع القول بالصحيح في عدم صحّة التعويل على التبادر ، كما يظهر بالرجوع إليه.

وبالجملة : فالإطلاق على الفاسدة في العرف وكلمات الشارع والعلماء ممّا لا ينبغي إنكاره ، إلاّ أنّ تعقّل المراد منه بعد لم يثبت (٤) ، فيا ليتنا كنّا نعقل المراد منه.

والوجه في هذه الإطلاقات ـ على ما هو المظنون عندنا ـ هو ما عرفت مرارا : من أنّها مبنية على المسامحة والتنزيل. وأمّا التزام حصول الوضع فيما يترتّب

__________________

(١) كالقزويني في ضوابط الاصول : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) راجع الصفحة ٥١ ـ ٥٦.

(٣) في « ط » بدل « ذلك القول بوجه » : « لذلك القول وجه ».

(٤) لم ترد عبارة « إلاّ أنّ تعقّل المراد منه بعد لم يثبت » في « ط ».

٨٧

عليه الأثر بعد التنزيل المذكور وعدمه فيما لا يترتّب عليه الأثر فبعيد جدا ؛ لاستلزام كونه حقيقة من جهة ومجازا من جهة اخرى ـ كما عرفت ـ وإن تقدّم منّا احتمال حصول الوضع في المركّبات الخارجيّة الكمّية ـ من المعاجين ونحوها ـ بل قد لا يصحّ ذلك في استعمال واحد للفظ « الصلاة » فيما هو كذلك مع قطع النظر عن ملاحظة حال الموضوع الذي يترتّب عليه الأثر والموضوع الذي لا يترتّب عليه الأثر ، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيما ذكرنا سابقا.

الثاني : أنّه يلزم على القول بالصحيح ألف ماهيّة للصلاة مثلا ، باعتبار الاختلافات المعهودة في الصلاة بواسطة الحالات الطارئة على المكلّف ، من الحضر والسفر والصحّة والمرض والأمن والخوف ونحوها ؛ لعدم القدر المشترك بين تلك الماهيّات المختلفة ، فلا بدّ من الالتزام بالاشتراك اللفظي ، وهو ممّا لم يلتزم به أحد فيما نعلم (١). وأمّا على القول بالأعم فلا يلزم ذلك ؛ لأنّها أحكام مختلفة تعتور على ماهيّة واحدة لوجود الجامع القريب بينها ، وهو ما يطلق عليه لفظ « الصلاة » ، فإنّ هذا المعنى موجود في الكل.

والجواب عن ذلك هو ما عرفت مفصّلا : من أنّ ذلك مشترك الورود ؛ إذ لا يعقل وجود القدر المشترك بين الزائد والناقص ، ولا يعقل تبادل أجزاء ماهيّة واحدة. والاستناد في دفع ذلك إلى العرف وبعض الأمثلة المتشابهة ـ كالأعلام الشخصيّة ونحوها ـ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها بعد ضرورة بطلان ذلك بالعقل.

ولا معنى لما قد يتوهّم : من أنّ العرف يغاير حكمه حكم العقل ؛ بل العرف هم العقلاء من حيث انسهم بالأوضاع اللغويّة واستفادة المعاني بواسطتها ، فما يستحيله العقل يستحيل عند العرف أيضا.

__________________

(١) في « ط » بدل « لم يلتزم به أحد فيما نعلم » : « لم يظهر من أحد التزامه ».

٨٨

نعم ، قد عرفت أنّ العرف ربما يتسامحون في إطلاق اسم الكلّ على البعض ـ على ما ذكرنا في وجه المسامحة بعد الاعتراف بعدم تحقّق المسمّى ـ إلاّ أنّ ذلك لا يحتاج إلى التفات تفصيلي ، بل الوجه في استعمالهم في الناقص إنّما هو مركوز في أذهانهم ، كما هو كذلك في الأغلب ، ولا ضير فيه ولا غائلة.

الثالث : إطلاق لفظ « الصلاة » وغيرها من العبادات في جملة من الأخبار على الأعم ، كقوله عليه‌السلام : « بني الإسلام على الخمس : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه (١) ، فلو أنّ أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية ، لم يقبل له صوم ولا صلاة » (٢) فإنّ قوله عليه‌السلام : « فأخذ الناس بالأربع » ظاهر في الأربعة المتقدّمة ، ولا شكّ أنّ عبادة هؤلاء فاسدة ، فلا بدّ أن يراد منها الأعم من الصحيحة والفاسدة ؛ إذ لو كان المراد هو الصحيحة لم يكن التارك للولاية آخذا بالأربع.

والجواب : أنّ هذا مجرّد استعمال ، ولا دليل فيه على المطلوب ؛ إذ لا وجه لإنكار الاستعمال في الأعم ، كما أنّه لا نفع في إثباته.

مع أنّ المستعمل فيه في الفقرة الاولى لا بدّ وأن يكون هو الصحيح ؛ إذ الإسلام غير مبنيّ على الفاسدة قطعا. وأمّا الفقرة الثانية ، فالمراد من الأخذ بالأربع إن كان هو الاعتقاد بها ـ بقرينة الولاية ـ فلا دلالة فيها على مطلب الخصم ؛ فإنّ إطلاق « الأربع » على ما اعتقدوه صلاة وزكاة وصوما وحجّا إطلاق على ما هو

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٨ ، باب دعائم الإسلام ، الحديث ٣.

(٢) لم نعثر على هذه العبارة في المصادر الحديثيّة ، وإن ورد بمعناها أحاديث كثيرة ، انظر البحار ٢٧ : ١٦٦ ـ ٢٠٢ ، باب أنّه لا تقبل الأعمال إلاّ بالولاية.

٨٩

الصحيح منها باعتقادهم وإن كان غير مطابق للواقع. وإن كان المراد تلك الأفعال فإطلاق الأربع عليها يكون إطلاقا من الإمام عليه‌السلام على الفاسدة ، ولا دليل فيه على الوضع ، كما عرفت.

ومنه يظهر الجواب عن الاستدلال بقوله عليه‌السلام : « دعي الصلاة أيام أقرائك » (١) فإنّه لا بدّ وأن يكون المراد بها الفاسدة ؛ إذ لو كان المراد بها الصحيحة لزم الأمر بترك ما لا يقدر عليه المكلّف ، لعدم تمكّنه من الصلاة المشروطة بالطهارة التي يمتنع حصولها بأقسامها في زمان حصول نقيضها ، وهو الحيض.

وتوضيح الجواب : أنّ الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز ، مع احتمال أن يقال : إنّ المستعمل فيه في الرواية هو خصوص الصحيحة ويكون النهي إرشادا إلى عدم وقوع العبادة المعهودة في أيّام الحيض ، وهل هذا إلاّ مثل قولك : السورة جزء للصلاة ، أو التكفير مانع عنها ، ونحو ذلك؟ ولا ريب أنّ المراد بها في هذه العبارة هي الصحيحة ، فكذا فيما نحن فيه من غير فرق ، إلاّ أنّ التعبير عن ذلك المطلب إنّما وقع بعبارة النهي المفيد للإرشاد ، كما عرفت.

الرابع : ما اعتمد عليه بعض الأفاضل في مناهجه ، حيث قال ـ بعد ذهابه إلى القول بالأعم ـ : لنا الاستقراء المفيد للعلم. بيانه : أنّا نرى أنّ كلّ من اخترع شيئا مركّبا من أجزاء أو مشروطا بشرائط ، ويضع له اسما ، لا يضعه [ له ](٢) بجميع أجزائه وشرائطه ، بل نرى الناس أنّهم يطلقون الاسم عليه ولو انتفى بعض شرائطه أو نقص بعض أجزائه إطلاقا حقيقيّا غير مقترن بقرينة ؛ كما أنّ من وضع معجونا

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٧ ، الحديث ١٢٤.

(٢) من المصدر.

٩٠

مركّبا من أجزاء معيّنة بأوزان مقرّرة وسمّاه « أيارج » (١) ولو نقص وزن جزء أو زاد أو نقص جزء منه يطلق الاسم عليه عرفا (٢) ، ولا يجوز السلب عنه في العرف. وكذا من صنّف كتابا وسمّاه باسم ونقص عنه ورقة أو ورقتان ، أو بنى بلدة أو دارا أو بستانا أو حفر قناة وسمّاه باسم ، أو وضع اسما لعبد ، ثمّ نقص عنها دار أو بيت أو شجر أو بئر أو إصبع أو أزيد ، فلا يشك أحد في صحّة الإطلاق الحقيقي للاسم على الناقص وعدم صحّة السلب ، بل لا يشكّ في الوضع للأعم مع عدم مشاهدته للواضع ولا علمه بكيفيّة الوضع ، وهذه عادة الناس سلفا وخلفا. ولو بقيت لك شبهة ، فتأمّل في أنّك لو سمعت وضعا لأحد المذكورات من غير مشاهدتك للواضع ولا إسماعك بكيفيّة الوضع ، تقطع بالوضع للأعم من غير تشكيك ، حتّى لو سلب أحد الاسم عن بعضها بنقص شيء يسير منه يستهزئ عليه ؛ فمن أيّ طريق حصل لك العلم بذلك فهو جار في المتنازع فيه ، من دون تفاوت (٣) ، انتهى كلامه.

ثمّ أكّد ذلك بالاستعمالات الكثيرة الغير المحصورة التي يعلم بالتتبّع في الأخبار وكلمات علمائنا الأخيار في أبواب مبطلات الصلاة وخللها وأبواب العبادات والمحاورات العرفيّة.

أقول : إنّ ما ادّعاه أوّلا : من أنّ المخترع للمركّب لا يضع الاسم لجميع الأجزاء ، الظاهر أنّ مراده أنّ جميع الأجزاء لا يكون مورد الوضع بخصوصه على وجه يكون الاستعمال في غيره مجازا ، وإلاّ فاللازم أن يكون استعمال اللفظ في جميع الأجزاء مجازا ، ولا أظنّ أحدا يلتزم بذلك.

__________________

(١) « الأيارج » باللغة اليونانية دواء ، الفوائد الحائريّة : ٤٨٠.

(٢) في « ط » و « ع » زيادة : « حقيقة ».

(٣) مناهج الأحكام : ٢٧.

٩١

وحينئذ فنقول : إنّ الموضوع له إمّا خصوص المراتب المتفاوتة بالزيادة والنقصان ، أو القدر المشترك بين المراتب.

فعلى الأوّل ، يلزم الاشتراك اللفظي لو كان الأوضاع متعدّدة أو بمنزلتها (١) ، والوضع العامّ والموضوع له الخاصّ لو كان الوضع واحدا ، وكلّ منهما قطعيّ الفساد لمن أنصف ؛ يكفيك شاهدا ملاحظة الوجدان في أوضاعك لما تخترعه من المركّبات.

وعلى الثاني ، يلزم أن يكون الموضوع له هو القدر المشترك بين المراتب ؛ ونحن إلى الآن لم نقف على وجه يمكن معه التصوير للقدر المشترك بين الزائد والناقص على وجه تكون الزيادة داخلة في حقيقة المسمّى.

ومنه يظهر أنّ عدم صحّة السلب في تلك المراتب إنّما هو مبنيّ على ضرب من التأويل ونوع من التسامح ، وما ذكر من الاستهزاء إنّما هو في الامور التي مبناها على المسامحة على وجه لو استعمل فيه الدقّة من أيّ أنواعها يصير المستعمل للدقّة موردا للاستهزاء عندهم. وعليه يتفرّع ما ذكره : من التأييد والتأكيد والتشديد في الاستعمالات العرفيّة وكلمات الفقهاء.

وبالجملة : فنحن في ضيق من تصوير القول بالأعم ، فيا ليت هذا المستدلّ يبيّن المراد منه ، وما بالغ في بيان الحجّة ممّا لا حاجة إليه بعد بيان المراد ، كما لا يخفى على من أنصف.

الخامس : أنّها لو كانت أسامي للصحيحة لزم فيما إذا حلف أن لا يصلّي في مكان مكروه أو مباح ، من وجود الشيء عدمه ، وبطلان التالي قاض ببطلان المقدّم.

بيان الملازمة : أنّه على القول بالصحيح يكون متعلّق الحلف في كلام الحالف

__________________

(١) لم يرد « أو بمنزلتها » في « م ».

٩٢

هو الصحيح ، فيصير منهيّا عنه لحصول الحنث بفعله ، والنهي يقتضي الفساد ، فيكون متعلّق الحلف فاسدا ، وذلك يوجب عدم تعلّق الحلف به ، فلزم من تعلّق الحلف به عدم تعلّق الحلف به.

وبوجه آخر : أنّ ثبوت اليمين ـ كما هو المفروض ـ يقتضي النهي ؛ لعدم جواز الحنث ، والنهي يقتضي الفساد ، والفساد يقتضي عدم تعلّق اليمين ؛ لأنّ المفروض تعلّقه في كلام الحالف بالصحيح ، وهو يقتضي الصحّة لعدم تعلّق الحلف به ، وهو يقتضي الفساد ؛ لما تقدّم.

والجواب عنه أوّلا : أنّ الفساد إنّما يقتضي عدم تعلّق الحلف به فيما إذا كان متعلّقه مع قطع النظر عن تعلّق الحلف به فاسدا ، كما إذا كان المحلوف على تركه فعل الصلاة بدون الركوع مثلا ، وأمّا الفساد الذي جاء بواسطة تعلّق الحلف بتركه فهو لا يقتضي عدم تعلّق الحلف به ، بل هو من آثار تعلّق الحلف به ، فهو لا ينافي تعلّقه به بل يؤكّده ، كما لا يخفى على من أمعن النظر.

فإن قلت : فهل يحصل الحنث بفعل الصلاة في ذلك المكان أو لا؟ فلو قيل بالأوّل يلزم عدم اقتضاء النهي الفساد ؛ لأنّ الحنث لا يحصل إلاّ بفعل المحلوف على تركه ـ والمفروض أنّه الصحيح ـ ووقوع الصلاة صحيحة يقضي بعدم اقتضاء النهي الناشئ من حرمة الحنث الفساد. ولو قيل بالثاني يلزم عدم إمكان الحنث ، مع أنّ الفريقين لا يقولان به ، فلا بدّ من التزام إرادة الأعم ، ليحصل الحنث بفعله.

قلت : لا نسلّم أنّ القائل بالصحيح يلتزم بإمكان الحنث ، ولو سلّم فلا ينافي إرادة الصحيح ؛ لأنّ متعلّق الحلف لا يراد بصحّته إلاّ كونه تامّ الأجزاء والشرائط بحيث لو تعلّق به الأمر وقع صحيحا ، غاية الأمر أنّ قبل تعلّق الحلف به كان متعلّقا للأمر ، وبعد تعلّق الحلف ارتفع الأمر ؛ لورود نقيضه وهو النهي عليه ، فاقتضى الفساد ووقوع الحنث لو وقع تامّ الأجزاء والشرائط كما كان متعلّقا للأمر قبل تعلّق النهي به.

٩٣

نعم ، لو فرض أنّ متعلّق الحلف هو الصحيح بمعنى ما يكون متعلّقا للأمر بالفعل ، كان الوجه عدم إمكان الحنث. وهو ممنوع ، بل قد مرّ فساده بما لا مزيد عليه.

نعم ، يشكل ذلك بناء على ما تقرّر عندهم : من أنّ نيّة القربة إمّا جزء للصلاة أو شرط فيها ، وإن كان دخول غاية الشيء في الشيء شرطا أو شطرا أيضا ممّا لا يعقل ، فتدبّر.

وثانيا : أنّ ذلك لا يجدي نفعا في إثبات المطلوب ؛ إذ لا يزيد على مجرّد الاستعمال بعد الغضّ عمّا ذكرنا ، مع إمكان المعارضة بما لو صرّح الحالف بوصف الصحّة في متعلّق الحلف ، كما لا يخفى ، فتدبّر.

السادس : أنّ قضية وضع اللفظ للصحيح أن يكون المراد منه في موارد النهي هو الصحيح الجامع لجميع الأجزاء المعتبرة والشرائط المقرّرة ، ولا شكّ أنّ الإتيان بالماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط كاف في انتزاع وصف الصحّة ، فيلزم أن يكون المنهي عنها صحيحة ، وهو بعينه ما ذهب إليه أبو حنيفة (١) : من اقتضاء النهي للصحّة.

والجواب : أنّه إن اريد من الصحّة المنتزعة استجماع الماهيّة للأجزاء والشرائط من دون أن يكون موافقة للأمر ، فالملازمة مسلّمة ، وبطلان اللازم ممنوع بحسب القواعد اللفظيّة. وإن اريد من الصحّة موافقة الأمر فلا نسلّم أنّ الإتيان بالماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط كاف في انتزاع الصحّة بهذا المعنى ، بل هو موقوف على الأمر المضادّ للنهي المرفوع بواسطة ورود الضدّ على المحلّ القابل لهما.

فإن قلت : إنّ الماهيّة الواحدة من دون اختلاف فيها يمتنع أن يكون مأمورا بها تارة ومنهيّا عنها اخرى ، فالمأمور بها لا بدّ وأن يكون مغايرا للمنهيّ عنها ، إمّا

__________________

(١) انظر الإحكام للآمدي ٢ : ٢١٤ ، ونهاية الوصول : ١٢٢ ، والقوانين ١ : ١٦٣.

٩٤

باعتبار زيادة جزء أو نقص شرط ونحوه ، فالمنهيّ عنها لا يعقل أن تكون صحيحة بمعنى استجماع الأجزاء والشرائط. وأمّا ما تقرّر عندهم : من صحّة الصلاة في الدار المغصوبة إذا وقعت في حالة النسيان (١) ، فلا دليل فيه على تعلّق الأمر والنهي بطبيعة واحدة ، بل المنهي عنه يغاير المأمور به ، غاية الأمر أنّ الذي أوجب بطلان الصلاة ـ وهو الغصب ـ إنّما يرتفع في حال النسيان ؛ لاختصاص وجوده واقعا بحالة الذكر ، كما لا يخفى. ولذا لا يرتفع الكراهة بمعنى قلّة الثواب في الصلاة في الحمّام إذا وقعت حال النسيان (٢) ، كما يشعر بذلك تصريح بعضهم بثبوت الكراهة في التوضّؤ بالماء المشمّس إذا كان منحصرا (٣).

قلت : قولك أمر يجب الالتزام به بواسطة دليل عقليّ خارج عن مفاد اللفظ بحسب الأوضاع اللغويّة ، وأمّا بملاحظة القواعد اللغويّة يجب المصير إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة بالمعنى الذي ذكرنا ، كما ذهب إليه فخر الدين ، ونبّهنا عليه في مبحث اقتضاء النهي للفساد (٤). نعم ، ذلك ليس من مقتضيات النهي ـ كما زعمه أبو حنيفة ـ بل بواسطة وضع اللفظ للمعنى الجامع للأجزاء والشرائط. هذا بحسب القواعد اللفظيّة ، وأمّا بحسب الدليل العقلي فلا بدّ من الالتزام بأنّ المستعمل فيه هو الأعم ، ولا دليل فيه على الوضع لكونه أعم.

السابع : أنّها لو لم تكن موضوعة للأعم لزم أن لا يكون فرق بين الجزء والشرط ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٧١ ، والمدارك ٣ : ٢١٩ ، والجواهر ٨ : ٢٩٣.

(٢) لم ترد عبارة « لاختصاص وجوده ـ إلى ـ حال النسيان » في « ع ».

(٣) صرّح به الشهيد الثاني في الروض ١ : ٤٣٠.

(٤) راجع مطارح الأنظار ٧٦٣ ـ ٧٦٤.

٩٥

أمّا الملازمة ، فلأنّ معنى الوضع للصحيحة هو اعتبار الأجزاء والشرائط في الماهيّة على حدّ سواء.

والجواب أوّلا : أنّ ذلك المحذور على تقدير لزومه وكونه محذورا ممّا لا دخل للوضع فيه ، بل لو فرض عدم اللفظ والوضع كان اللازم من اعتبار الشروط في الماهيّة عدم الفرق بينها وبين الأجزاء.

وثانيا : أنّ ذلك غير لازم ؛ إذ وجه اعتبار الشرط في الماهيّة ليس وجه اعتبار الجزء فيها ؛ فإنّ المعتبر من الجزء نفسه ومن الشرط تقييده.

وثالثا : أنّ ذلك لا نسلّم كونه محذورا ، بل التحقيق أنّ الفرق بين الشرط والجزء اعتباريّ ، يمكن أخذه جزءا أو شرطا في الواقع بحسب ما بأيدينا من الموارد ، وأمّا بحسب الأدلّة فالتميّز موكول إلى الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة وعناوينها ، كما لا يخفى.

الثامن : أنّه لو كانت للصحيحة لزم تكرار الطلب في الأوامر المتعلّقة بها ؛ لرجوع الأمر إلى طلب المطلوب ، بل هو دور صريحا ، كما لا يخفى.

والجواب : ما تقدّم مرارا من المراد من الصحّة المعتبرة في المقام ، وعليه فلا تكرار ولا دور. نعم ، يرد ذلك فيما إذا كان المراد من الصحّة هنا موافقة الأمر ، كما لا يخفى.

وأجاب عنه بعضهم (١) : بعدم لزوم التكرار ؛ نظرا إلى استفادة خصوص الوجوب أو الاستحباب من الأوامر ، واستفادة مطلق المطلوبيّة من الوضع.

__________________

(١) الجواب وما يليه من الإيراد عليه هو من الشيخ محمّد تقي ، انظر هداية المسترشدين ١ : ٤٧٦.

٩٦

واورد عليه : بأنّ الأمر حقيقة في الطلب المطلق فيلزم التكرار.

وكلّ واحد من الجواب والإيراد وهم في خلط ، كما لا يخفى على من تدبّر.

التاسع : ما ادّعاه بعض سادات مشايخنا (١) ـ طاب ثراه ـ من إطباق الفقهاء جلاّ على التمسّك بالإطلاقات الواردة في العبادات ، على حسب اختلاف المطالب المتعلّقة بها في إثبات مشروعيّتها أو رفع توهّم اعتبار شيء فيها شطرا أو شرطا ، وذلك دليل على اتّفاقهم على الوضع للأعم بحسب العمل وإن كانوا لا يعتقدون ذلك بحسب القول ، فالصحيحيّون أعمّيون من حيث لا يشعرون.

والجواب عن ذلك : أنّ هذه الدعوى محتاجة إلى بيّنة عادلة من كلمات أرباب القول بالصحيح ، وإلاّ فبمجّرد الدعوى لا يتمّ المطلب (٢) ، ونحن لم نقف إلى الآن على تمسّك أرباب القول بالصحيح بالإطلاق وإن لم يكن من أرباب التتبّع ، فلا بدّ من الرجوع إلى كلماتهم في تشخيص ذلك.

وبعد تسليم ذلك فالمسألة ليست ممّا ينفع فيه الإجماع على تقدير تحقّقه ؛ إذ لا بدّ للمدّعي أوّلا من تصوير القول بالأعم وإمكانه ، ثمّ دعوى الإجماع والاستدلال عليه.

فإن قلت : إنّ المركّبات الخارجية ـ كالسرير والبيت والطبيخ والمعاجين ونحوها ـ إنّما حقائقها مركّبة من أجناس وفصول لا نعرفها ، وهذه الأجزاء الخارجيّة ليست بأجزاء لتلك المركّبات ، بل إنّما هي أجزاء لما يحصل في ضمنها ذلك الجنس والفصل ، على وجه يكون ذلك الجنس والفصل محفوظا (٣) في تلك

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) في « م » بدل « فبمجرّد الدعوى لا يتمّ المطلب » : « فمجرّد الدعوى لا يثبت المدّعى ».

(٣) في « ع » بدل « محفوظا » : « ملحوظا ».

٩٧

الاختلافات الحاصلة بواسطة ارتفاع الأجزاء وتبادلها ، فالباب على هذا لا يكون جزءا لماهيّة الدار ، كما أنّ الأخشاب ليست أجزاء لماهيّة السرير المحفوظة في أنواع التقلّبات الحادثة عليه ، فالقائل بالأعم يدّعي أنّ لفظ « الصلاة » أيضا ـ كأحد ألفاظ هذه المركّبات ـ موضوعة لماهيّة صادقة مع الكثير والقليل من الأجزاء. ولا يلزم من ذلك اختلاف الماهيّة ؛ إذ لزومه موقوف على أن يكون الماهيّة هي تلك الأجزاء الخارجيّة ، وهو غير مسلّم.

قلت : ذلك على تقدير صحّته في ما ذكره من المركّبات الخارجيّة ؛ إذ نجد من أنفسنا الوضع لتلك الأجزاء الخارجيّة (١) بعينها ، فهو ممّا لا ينبغي القطع بفساده في خصوص لفظ « الصلاة » وما شاكلها من العبادات ؛ حيث إنّهم مطبقون على أنّ السورة ـ مثلا ـ من أجزاء الصلاة ومقوّمات ماهيّتها ، وليست من مقوّمات الفرد ، من غير فرق في ذلك بين القائل بالصحيح والقائل بالأعم. وقد تقدّم فساد ذلك بما لا مزيد عليه.

وإن كنت في ريب ممّا ذكرنا ، فعليك بالتتبّع في كلمات الأعميّين ، حيث تراهم مطبقين بحسب ظواهر كلماتهم على أنّ الأجزاء الزائدة في الصلاة الجامعة لجميعها من حقيقة الصلاة.

العاشر : أنّ الفقهاء قد أطبقوا على بطلان الصلاة بزيادة أحد أركانها عمدا أو سهوا كالركوع مثلا ، ولا ريب في كونه منهيّا عنه ، مع أنّهم يعدّونه ركوعا ويطلقون عليه اسم الركوع ، وهو لا يتمّ إلاّ بكون الركوع حقيقة في الأعم ؛ إذ لا معنى لزيادته على القول بالصحيح ؛ لعدم تحقّقه من أصله.

لا يقال : إنّ مرادهم من الركوع صورته.

__________________

(١) لم ترد عبارة « إذ نجد من أنفسنا الوضع لتلك الأجزاء الخارجيّة » في « ع » و « م ».

٩٨

لأنّا نقول : إنّ زيادة صورة الركوع لا توجب بطلان الصلاة ؛ ألا ترى أنّهم جوّزوا الانحناء لأخذ شيء من الأرض أو (١) لقتل العقرب وإن كان بقدر المكث في الركوع ، بل ولو احتاج إلى وضع اليدين على الركبتين على وجه يظنّ كونه راكعا.

والجواب أوّلا : أنّ لفظ « الركوع » لم يثبت تصرّف من الشارع فيه لفظا أو معنى (٢) ، وقد عرفت عدم جريان النزاع على تقدير إمضاء أحد التقديرين.

وثانيا : أنّ المراد من الركوع صورته لكن بقصد أنّه ركوع (٣) ، وبذلك يفترق مع الانحناء لأجل قتل العقرب أو لأخذ شيء من الأرض ، فعلى تقدير جريان النزاع فيه لا يثبت منه إلاّ الاستعمال ، وهو أعمّ من الوضع.

ثمّ إنّ بعض هذه الوجوه المتقدّمة ـ على تقدير تماميّتها ـ لا يجدي في إثبات المطلوب على وجه الكلّية ، ولا سبيل إلى دعوى الإجماع المركّب في هذه المسائل ، كما لا يخفى على من أمعن النظر. وهو الهادي.

__________________

(١) لم يرد « أو » في « ع » و « م ».

(٢) في « ط » بدل « فيه لفظا أو معنى » : « في لفظه أو معناه ».

(٣) في « م » بدل « أنّه ركوع » : « الركوع ».

٩٩
١٠٠