مطارح الأنظار - ج ١

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-50-5
الصفحات: ٧٧٦

هداية

في ذكر احتجاج المفصّل بين السبب وغيره ، وقد مرّ الكلام في المراد من « السبب » فيما تقدّم ، وأنّه لم يظهر لنا وجه في المراد منه بعد عدم إرادة العلّة التامّة منه ، إذ لا يعقل أن تكون واجبة ، لاشتمالها على امور غير اختياريّة خارجة عن مقدرة المكلّف. ويحتمل أن يراد به ما عدا غير المقدور من أجزاء العلّة التامّة الذي يعدّ في العادة سببا.

وكيف كان ، فالمنقول من احتجاجهم وجوه :

أمّا الوجوب في السبب : فلإجماعات نقلها الآمدي (١) والتفتازاني (٢) وغيرهما في خصوص السبب. ولأنّ وجود المسبّب عند وجود السبب ضروريّ وعند عدمه ممتنع ، فلا يمكن تعلّق التكليف به لكونه غير مقدور. ولأنّ التوصّل إلى الواجب واجب إجماعا ، وليس ذلك في الشرط ـ لما سيأتي ـ فتعيّن السبب. ولأنّ الطلب إنّما يتعلّق بفعل المكلّف من الحركات الإراديّة الصادرة عنه التابعة لتحريك القوّة المنبعثة في العضلات ، وأمّا الأمور التابعة لتلك الحركات المعلولة لها فليست فعلا للمكلّف ، بل فعل المكلّف يستتبع لها استتباع العلل للمعلولات أو استتباع الأشياء للامور المقارنة اقترانا عاديّا ، فلا يمكن تعلّق التكليف بها.

وأمّا عدم الوجوب في غيره : فللأدلّة التي اعتمد عليها النافي ، مثل : عدم

__________________

(١) الإحكام ١ : ١٥٣ ، ولكن لم يختص بالسبب.

(٢) لم نعثر عليه.

٤٤١

الدليل على الوجوب ، وعدم دلالة الأمر عليه بوجه من وجوه الدلالة وبخلوّ الخطب والمواعظ (١) والأخبار عنه مع أنّه ممّا توفّرت الدواعي إلى نقله ، فلو كان واجبا كان منقولا إلينا. وغير ذلك من الوجوه التي لا يخفى ضعفها على المتدرّب.

والجواب أمّا عن دليل الوجوب :

فعن الأوّل : بأنّ الإجماع على وجوب السبب خاصّة ، وإن اريد به النفي عن غيره فتحقّقه ممنوع ، سواء اريد به إجماع العقلاء أو العلماء ، والمنقول منه لا يجدي شيئا ولا يورث وهما (٢). وإن اريد به أنّ مورد إجماع العقلاء إنّما هو السبب فقط وأمّا في غيره فيحتمل اختلافهم فيه ـ كما هو مراد المستدلّ حيث إنّه استدلّ للنفي بوجه آخر ـ ففيه : أنّ الإنصاف بحسب ما نجده من الوجدان عموم مورده في حكم العقلاء ، لأنّا لا نجد بعد اشتراكهما في توقّف الواجب عليها فرقا يوجب وجوبه دون غيره ، كما عرفت دعوى الضرورة على ذلك في كلام المحقّق الدواني (٣). وبذلك ينقطع ما استند إليه في النفي عن غير السبب : من عدم الدليل.

وعدم الدلالة فيما إذا كان الدليل على وجوب ذي المقدّمة لفظيّا بوجه من وجوه الدلالة ـ كالتبعيّة ـ ممنوع. وخلوّ الخطب والمواعظ لا يضرّ في ذلك ، لجواز الاتّكال على ما يقتضيه العقل ، مضافا إلى إمكان استفادة ذلك من وجوه لفظيّة ولو بوجه من الإيماء والإشعار ، مثل قوله تعالى ( لا تَسُبُّوا الَّذِينَ ... )(٤) الآية وغير ذلك ممّا لا يخفى على الخبير الماهر ، وبذلك يتمّ اللطف أيضا.

__________________

(١) لم ترد « وبخلوّ الخطب والمواعظ » في ( ع ) و ( م ).

(٢) كذا ، ولا يخفى ما فيه من المبالغة.

(٣) المتقدّم في الصفحة : ٤٠٦.

(٤) الأنعام : ١٠٨.

٤٤٢

وعن الثاني : بأنّ وجوب الفعل كامتناعه بعد وجود علّته وعدمها لا ينافي التكليف به ، وإلاّ لزم سقوط التكليف عن رأس ، لأنّ المفروض أنّ المقدّمة السببيّة أيضا من الأفعال الاختياريّة التي لا بدّ من انتهائها إلى غيرها من الامور الخارجة عن القدرة التي يمتنع تعلّق التكليف بها اتّفاقا.

وعن الثالث : بما مرّ في تضعيف حجّة النفي.

وعن الرابع : فبأنّ ما ذكره إنّما يتمّ فيما إذا كان المسبّب الّذي تعلّق به الأمر من غير مقولة الحركة والفعل كأن يكون من مقولة الكيف أو غيره ، كالأمر بالعلم فيما إذا لم نقل بكونه من مقولة الفعل ، فإنّ قولك : « اعلم » بناء على ذلك لا بدّ وأن يكون المطلوب النفسي في ذلك الأمر هو التحصيل والنظر. وأمّا إذا كان المسبّب من مقولة الحركة والفعل كتحرّك المفتاح المسبّب عن تحريك اليد وإن لم يكن وجود المسبّب مغايرا لوجود السبب في الخارج ، فلا وجه للمنع عن تعلّق التكليف به ، لكونه فعلا من أفعال المكلّف. وأمّا كونه تابعا لفعله الآخر فلا ينافي تعلّق التكليف به ، كما عرفت في الجواب عن الثاني.

وتوضيحه : أنّ الامور التوليديّة التي يتولّد من فعل المكلّف تارة يكون من مقولة الفعل والحركة الصادرة عنه ، سواء كان اختلافهما بمجرّد العنوان مع اتّحاد الموجود منهما في الخارج كالإحراق الحاصل بالإلقاء في النار وكتحريك المفتاح الحاصل بتحريك اليد ، أو كان الموجود منهما أيضا متعدّدا كحركة المفتاح وحركة اليد بناء على أنّ تلك الحركة القائمة بالمفتاح صاردة عن الفاعل أيضا ، كما لا يخفى.

واخرى يكون من غير مقولة الفعل والحركة ، كالعلم الحاصل بالنظر والتحصيل الذي هو من مقولة الفعل والحركة.

فعلى الأوّل ، لا مانع من تعلّق التكليف بعنوان المولود من فعله الآخر ، سواء

٤٤٣

كان متّحدا مع عنوان المولّد (١) أو مغايرا. أمّا الثاني فظاهر ، وأمّا الأوّل فلأنّ مدار التكليف وصحّته على القدرة على ذات الفعل بالعنوان الذي تعلّق به الأمر ، والمفروض كون الذات مقدورة ، وإلاّ لم يصحّ التكليف بالسبب أيضا لاتّحاد الذات فيهما ، وكونها معنونة بعنوان المسبّب ـ كالإحراق مثلا ـ لا تأثير له في الامتناع ، إلاّ من حيث توهّم وجوب وجود المسبّب مع وجود السبب ، سيّما إذا كان الذات فيهما متّحدة ، وقد عرفت الجواب عن ذلك فيما تقدّم.

وعلى الثاني ، فلا يعقل أن يكون العنوان المولّد من الفعل موردا للتكليف والأمر ؛ ضرورة توقّف صحّته على أن يكون المأمور به فعلا من المأمور ، وأمّا إذا لم يكن فعلا له فلا وجه للأمر والطلب ، إلاّ أن يكون المأمور به حقيقة والمطلوب النفسي هو عنوان السبب ويكون المسبب الحاصل به داعيا إلى الأمر به. ولا ينافي ذلك وجوبه النفسي ـ كما تقدّم في تحديده ـ إذ المطلوب النفسي غير منحصر فيما هو غاية الغايات.

فإن قلت : الأمر بالعلم لا بدّ وأن يكون مجازا على ما ذكرت ، وهو بعيد في الغاية.

قلت : لا نسلّم ذلك ، فإنّ قولك : « اعلم » يشتمل على مادّة وهيئة ، والهيئة تدلّ على طلب إيجاد العلم الذي هو المادّة وهو بعينه مفاد قولك : « حصّل العلم » ، فلا مجاز فيه.

نعم ، لو كان المتعلّق للطلب من مقولة الفعل ـ كالضرب مثلا ـ فإن لوحظ من حيث إنّه فعل ومصدر ، لا حاجة إلى تقدير الإيجاد في متعلّق الطلب ، فيقال : إنّ مدلول الهيئة في قولك : « اضرب » طلب الضرب ، إذ الإيجاد مأخوذ في المتعلّق ،

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) : المولود.

٤٤٤

وهو الفعل والمصدر. وإن لوحظ من حيث إنّه حاصل بالفعل والمصدر ـ كأن يكون اسم مصدر ـ فيحتاج إلى التعبير بالإيجاد وتقديره في متعلّق الطلب ، وهو عبارة اخرى من وجوب تحصيل الضرب.

ولعلّ ما ذكرنا مراد القائل بأنّ الأمر بالمسبّب عين الأمر بالسبب ، وإلاّ فهو بظاهره فاسد جدّا ، إلاّ أنّه مع ذلك ليس قولا بالتفصيل في المقدّمات السببيّة وغيرها ، بل هو قول برجوع الأمر النفسي إلى بعض الأسباب ، لعدم قابليّة المسبّب للأمر ، لا لأنّه بعد حصول السبب خارج عن القدرة ، بل بواسطة أنّه ليس فعلا حتّى يتعلّق به التكليف.

وبمثل ما ذكرنا تقدر على إرجاع الأمر المتعلّق بالمسبّب إلى الأمر بالسبب فيما إذا كان الذات فيهما متّحدة ، من دون لزوم تجوّز ؛ فإن قولك : « أحرق » عبارة عن طلب إيجاد الحرق ، وتحصيله في الخارج عن الإلقاء في النار ، فلا مجاز في اللفظ ، مع أنّ المأمور به في الواقع هو الإلقاء. ولا يجري ذلك بالنسبة إلى الشروط ، فإنّ الأمر بالصعود على السطح لا يرتبط بنصب السلّم ، بل كلّ من النصب والصعود من الأفعال الصادرة من الفاعل على وجه المباشرة.

وأمّا بالنسبة إلى الأسباب التي تغاير المسبّبات في الخارج ويكون المسبّبات أيضا من الأفعال فلا داعي إلى التزامه وإن كان له وجه صحّة ، كما عرفت في قولك : « اضرب » إذ يمكن تجريد المادّة عن الإيجاد بجعلها حاصل المصدر ، فيكون مدلول الهيئة طلب الإيجاد ، وهو يرادف الأمر بالسبب في اللبّ ، إلاّ أنّ الظاهر من الفعل المتعلّق للأمر هو كونه مصدرا ، فلا حاجة فيه إلى الإيجاد ، وعلى تقديره يجب إبقاء الأمر على ظاهره ، لجواز تعلّق التكليف بالمسبّبات ، لأنّ الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، والمسبّب أيضا فعل لا مانع من تعلّق التكليف به.

٤٤٥

فإن قلت : إنّ ما ذكر موجود بعينه في الأسباب المتّحدة كالإحراق ، فإنّه أيضا فعل ظاهر في كونه مصدرا.

قلت : نعم ، ولكن الفرق من حيث إنّ الحرق ليس فعلا في الواقع ، بل هو من مقولة اخرى ، كما لا يخفى.

فإن قلت : ما الوجه في اختلاف الموارد ، فتارة يحتاج إلى تقدير الإيجاد ، واخرى لا يحتاج؟

قلت : لمّا كان تعلّق الطلب بغير الفعل محالا فاحتاج أن يكون متعلّقه فعلا ، فإن كان فهو ، وإلاّ فبدلالة الاقتضاء يجب تقديره. واختلاف الموارد في كون بعضها فعلا دون الآخر هو الوجه في ذلك. والله الهادي.

٤٤٦

هداية

في ذكر احتجاج المفصّل بين الشروط الشرعيّة وبين غيرها في الوجوب (١) في الأوّل وبعدمه في الثاني ، كما هو المحكيّ عن الحاجبي (٢).

فاستدلّ على الوجوب في الشرط : بأنّه لو لم يكن واجبا لم يكن شرطا ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله. أمّا الملازمة ، فلأنّه لو لم يجب لجاز تركه ، وحينئذ فإمّا أن يكون الآتي بالمشروط دون الشرط آتيا بتمام المأمور به أو لا ، والتالي باطل ؛ إذ المفروض أنّه لم يتعلّق أمر بالشرط وانحصار الأمر بالمشروط ، فيجب الالتزام بالأوّل ، ولازمه عدم توقّفه على الشرط مع أنّه شرط ، وهو المراد باللازم. وأمّا بطلان التالي ، فلأنّه خلف.

وعلى عدم الوجوب (٣) في غيره : بما مرّ في أدلّة النافين.

والجواب عنه أوّلا : أنّ المحذور مشترك الورود ؛ لإمكان أن يقال : إنّه لو عصى بالترك على تقدير وجوبه ، إمّا أن يكون آتيا بالمأمور به أو لا. لا سبيل إلى الثاني ؛ لأنّ لوجوب الشرط ليس مدخل (٤) في الإتيان بحقيقة المشروط وعدمه ، إذ المفروض خروجه عن المشروط على الوجهين ، فتعيّن الأوّل ، وهو المراد باللازم.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : بالوجوب.

(٢) حكاه عنه المحقّق السبزواري في رسالة مقدّمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٤٧ ، والشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين ٢ : ١٠٤ ، وراجع شرح مختصر الأصول : ٩١.

(٣) متعلّق بقوله : فاستدلّ.

(٤) في ( ع ) و ( م ) : مدخلا.

٤٤٧

قولك : إذ المفروض أنّه لم يتعلّق أمر بالشرط لانحصار الأمر بالمشروط.

قلنا : قد عرفت أنّ الوجوب لا يؤثّر في دخول شيء في شيء وخروجه عنه ، غاية الأمر أنّه على تقدير تعلّق الأمر يكون هو موردا للأمر من غير دلالة على أمر زائد عليه ، كما لا يخفى.

وثانيا : أنّه تقدّم أنّ الشرط الشرعي في معنى الشرط العقلي. وبيانه إجمالا : هو أنّ حقيقة الصلاة واقعا ممّا لا يحصل في الواقع إلاّ بعد تلبّس المصلّي بالطهارة ، إذ الصلاة ليست هذه الحركات والسكنات التي هي بمرأى منّا ومسمع من غيرنا ، وإنّما هي حقيقة واقعيّة غير حاصلة إلاّ بما اعتبره الشارع فيها من الأجزاء والشرائط ، بناء على مذهب الصحيحي ـ كما هو الصحيح ـ ويكون بيان الشارع لها كشفا عمّا هو الواقع.

وبوجه أظهر بعد الإغماض عمّا ذكرنا : أنّه لا إشكال في أنّ الشارع إنّما قيّد المشروط بالشرط الذي جعله شرطا ، ومن المعلوم أنّ الآتي بذات المقيّد بدون القيد لا يكون آتيا بالمقيّد من حيث إنّه مقيّد ، وخروج الشرط عن المشروط إنّما هو باعتبار ذاته ، وأمّا تقييده فلا بدّ من التزام دخوله في المشروط ، وبذلك يصير جزءا عقليّا للمشروط ، ولا ضير فيه ، فنختار أنّ الآتي بالمشروط فقط لا يكون آتيا بتمام المأمور به ، ولا ينافي ذلك فرض خروج ذات الشرط عن المشروط. ولو لا أنّ الشرط باعتبار تقيّده معتبر في المشروط يلزم أن يكون الشرط العقلي أيضا مأمورا به ـ كما زعمه المفصّل ـ لجريان الدليل فيه حرفا بحرف ، كما هو ظاهر.

نعم ، يمكن توجيه الاستدلال بأنّه قد تقرّر في محلّه : أنّ الشرطيّة اعتبار عقليّ منتزع عن مطلوبيّة شيء في شيء على وجه خاصّ ، ولا معنى لجعل الشيء شرطا لشيء إلاّ طلبه في ضمن طلبه ، فلا بدّ من أن يكون الشرط الشرعي مأمورا به من الشارع ، وإلاّ لم يعقل كونه شرطا له ؛ لعدم الارتباط. إلاّ أنّ فيه أيضا : أنّ بيان

٤٤٨

الشرطيّة إمّا أن يكون ممكنا بدون الأمر ـ كأن يقال بأنّ الماهيّة الفلانيّة يتوقّف حصول أثرها على الأمر الفلاني ، وهذا هو الوجه في انتزاع معنى الشرطيّة من الأمر الفلاني ـ وإمّا أن لا يكون ممكنا. فعلى الأوّل لا إشكال في فساد الدليل ، وعلى الثاني لا وجه للفرق بين الشرط الشرعي وبين الشرط العقلي ، وعلى تقديره فاللازم التفصيل بين المقدّمات الشرعيّة وغيرها ، شرطا كانت أو جزءا أو سببا أو غيرها ، كما لا يخفى.

وقد يتوهّم الانتصار لمذهب المفصّل بما أشعر به العضدي في تقريب حجّة النفي في غير الشرط الشرعي ، حيث قال : لو استلزم وجوبه وجوبه لزم تعقّل الموجب له ، وإلاّ أدّى إلى الأمر بما لا يشعر به (١) ، فإنّه يظهر منه أنّ وجه الأمر في الشرط هو شعور المشترط به ، فإنّ المفروض أنّ الآمر إنّما يأمر بالصلاة مع الطهارة لا مطلقا ، وهو في قوّة أمره بالصلاة. ولعلّه يرجع إلى ما ذكرنا في توجيه الاستدلال ، وإلاّ فمجرّد الشعور لا يستلزم الأمر. وعلى تقديره فاللازم الأمر بالأجزاء أيضا ، لأنّها أيضا مشعور بها على تقدير وجوب الشعور بالشرط ، لا سيّما إذا كان جزءا شرعيّا ؛ على أنّ فتح هذا الباب يوجب انسداد باب إنكار وجوب المقدّمات في الأوامر الشرعيّة ، لامتناع الذهول والغفلة في حقّه تعالى.

ثمّ إنّ ظاهر التفصيل أن يكون قولا في قبال التفصيل المقدّم وأن لا يكون المفصّل قائلا بوجوب الأسباب شرعيّة كانت أو غيرها وإن كان منافيا لما تقدّم من نقل الإجماع عن الآمدي والتفتازاني (٢) على وجوب السبب ، فإن التزم المفصّل بوجوب الأسباب فهو ، وإلاّ فاللازم إمّا التفصيل في الشروط في إخراج بعض أقسامها ، وإمّا القول بوجوب بعض الأسباب الشرعيّة.

__________________

(١) شرح مختصر الاصول : ٩١.

(٢) تقدم عنهما في الصفحة : ٤٤١.

٤٤٩

بيان ذلك : أنّ الشروط الشرعيّة على قسمين :

أحدهما : ما يكون من الأفعال ، كالاستقرار في الصلاة واستقبال القبلة.

والثاني : ما يكون من قبيل الأحوال ، كالطهارة ، فإنّها هي الحالة الحاصلة بالأفعال المخصوصة من الوضوء وأخويه في نفس المكلّف المقارنة لأفعال الصلاة وأكوانها. وأمّا نفس تلك الأفعال فهي ليست من الشروط لانتفاء مقارنتها مع المشروط ولزومها في الشروط ، وقد عرفت فيما تقدّم أنّ الأمر الحاصل من الأفعال فيما إذا لم يكن فعلا فالتكليف إنّما يجب تعلّقه بأسبابه وإن كان مورد الأمر نفس تلك الحالة.

وحينئذ نقول : المفصّل إمّا أن يقول بوجوب القسمين فلا بدّ من التزامه وجوب هذا القسم من الأسباب ، وإمّا أن لا يقول بوجوبهما فلا بدّ من التفصيل في الشروط. إلاّ أن يقال : التزام وجوب هذا السبب إنّما هو بواسطة تعلّق الأمر الأصلي حقيقة به ، وهذا ليس تفصيلا في المسألة كما تقدّم ، لعدم اختصاصه بالأسباب الشرعيّة بل يجري في غيرها أيضا ، فلا ينافي اقتصاره في المسألة على وجوب الشرط الشرعي.

على أنّه يظهر من العضدي التزامه بوجوب مطلق الأسباب ، حيث قال رادّا على ما احتجّ به القائل بالوجوب مطلقا : إنّ المستدلّ بذلك إن أراد بـ « لا يصحّ » و « واجب » اللابدّيّة فمسلّم ، وإن أراد أنّه مأمور به ، فأين دليله؟ وإن سلّم الإجماع ففي الأسباب بدليل خارجي (١).

والعمدة ما ذكرنا : من أنّ الأمر الأصلي حقيقة متعلّق بالسبب من دون لزوم تجوّز ، كما عرفت مفصّلا. وهو الهادي.

__________________

(١) شرح مختصر الاصول : ٩١ ـ ٩٢.

٤٥٠

هداية

قد عرفت أنّ الحاكم بوجود الملازمة بين طلب المقدّمة وذيها هو العقل. ولا فرق في نظر العقل بين أقسام الطلب من الوجوبي والتحريمي أو الاستحبابي وطلب ترك الشيء على وجه الكراهة والتنزيه ، لوجود ما هو المناط في الوجوبي في غيره ، فلا بدّ من القول بأنّ التحريم إنّما يترشّح من المحرّم الذاتي إلى ما يوجب وجوده ويوصل إليه ، مثل ترشّح الوجوب إلى ما به يتوصّل إليه ، وأمّا وجوب ما يتوصّل به (١) إلى ترك الحرام فهو ثابت ممّا (٢) تقدّم من وجوب مقدّمة الواجب ، لعدم تعقّل الفرق بين أقسام الواجب من الفعل والترك.

ولا إشكال في ذلك ، وإنّما المهمّ بيان ما هو الموصل إلى ترك الحرام وتوضيح ما هو الموصل إلى فعله.

وتحقيق ذلك في مقامين :

المقام الأوّل : في بيان ما هو الموصل إلى ترك الحرام ، ولعلّه موقوف على تمهيد ، فنقول :

إنّ العلّة التامّة لوجود الشيء قد تكون أمرا واحدا لا تركّب فيه بوجه ، وقد تكون امورا متعدّدة تجمعها وحدة اعتباريّة أو غيرها.

فعلى الأوّل : لا إشكال في أنّ وجودها يوجب الوجود ومع ارتفاعها لا بدّ

__________________

(١) لم ترد « إليه وأمّا وجوب ما يتوصّل به » في ( ع ) و ( م ).

(٢) في ( ط ) : فيما.

٤٥١

من ارتفاع المعلول ، ضرورة امتناع الممكن مع ارتفاع العلّة ، سواء قلنا باستناد العدم إلى علّة أو لم نقل ، إذ على تقديره لا إشكال في ارتفاع المعلول وامتناعه ، غاية الأمر عدم جواز استناده إلى العدم.

وعلى الثاني : فوجود المعلول إنّما يستند إلى جميع أجزاء العلّة التي جمعها وحدة ، كما تقدّم. وأمّا عدمه فيقع بانعدام المركّب الذي فرض كونه علّة تامّة له ، وارتفاعه إمّا بارتفاع جميع الأجزاء وهو ظاهر ، أو بارتفاع بعض الأجزاء. وليس هذا من تعدّد العلل في جانب العدم ، بل علّة العدم على تقدير استناده إلى العلّة هو عدم العلّة التامّة ، وهو أمر واحد ، وإن ظهر في موردين ، كما إذا فرض تعدّد أفراد العلّة في جانب الوجود ، فإنّه لا يوجب تعدّد العلّة ، لأنّ القدر المشترك لا تعدّد فيه. فالمعلول في جانب العدم دائما إمّا مستند إلى انعدام جميع أجزاء العلّة دفعة من دون سبق ولحوق ، وإمّا يستند إلى انعدام الجزء الأوّل من أجزاء العلّة المقتضية للوجود ، إذ بانعدامه ينعدم المركّب ، ومع ذلك يمتنع تحقّق المعلول ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون المعلول المعدوم من الامور الاختياريّة والأفعال الإراديّة أو غيرها.

نعم ، إذا كان المعلول من الأفعال الاختياريّة فالجزء المعدوم من أجزاء علّة وجودها إذا لم يكن من الامور الغير الاختياريّة ، هو إرادة ذلك الفعل والداعي إليه بواسطة وجود معارض له ، إمّا مساويا لما هو الداعي إليه ولازمه الترديد ، أو أقوى منه ولازمه ترجيح العدم على الوجود ، وهو المراد بالصارف. ولا يعقل أن يتقدّم على ذلك جزء بالعدم فيما إذا كان ذلك الجزء من الامور الاختياريّة ، إذ إعدام (١) ذلك الجزء لا يكون إلاّ بوجود الصارف عن ذلك الجزء أو عدم إرادته اللازم لعدم إرادة المعلول ، إمّا لذهول عنه فيما إذا لم يكن ملتفتا إليه بوجه وإمّا لترجيح عدمه على

__________________

(١) في ( م ) : انعدام.

٤٥٢

وجوده بواسطة وجود معارض أقوى لما هو الداعي إليه ، وهو الصارف ، ويعبّر عنه بالكراهة عن ذلك المعلول أيضا ، فأسبق الأجزاء المعدومة لعلّة الوجود في الأفعال الاختياريّة بعد إحراز الامور الغير الاختياريّة التي لها دخل في وجود ما ، هي الإرادة المجامعة مع الصارف تارة والمفارقة عنه اخرى.

وإذ قد عرفت ما ذكرنا تعلم أنّ سبب الترك منحصر في الصارف عن الحرام وما يحذو حذوه من عدم إرادة الحرام ، وأمّا سائر المقدّمات التي لها دخل في وجود الحرام فلا يستند إليها الترك ، وبذلك تخرج عن كونها مقدّمة ، فلا قاضي بوجوبها ، فلا وجه لحرمة فعلها. فإذا تحقّق وجود الصارف عنه أو عدم إرادته لا دليل على وجوب ترك الامور التي يتوقّف عليها وجود الحرام ؛ لامتناع استناد الترك إليها لاستنادها بما هو أسبق منها في العدم ، كما عرفت.

فإن قلت : لا نسلّم انحصار سبب الترك في الصارف ، لجواز عدم تمكّن المكلّف من ترك الحرام إلاّ بارتكاب فعل من الأفعال ، كما إذا علم من نفسه الوقوع في الزنا لو لم يخرج من البيت ـ مثلا ـ ولازمه وجوب ذلك الفعل أيضا وعدم انحصار الواجب في الصارف.

قلت : الخروج في المثال المفروض مستند إلى ذلك الصارف وعلّة لبقائه ، فالصارف كما هو علّة للترك علّة للخروج أيضا. نعم ، بقاء الصارف ووجوده في الزمان الثاني مستند إلى الفعل ولا ضير فيه.

والحاصل أنّ الاشتغال بفعل من الأفعال لأجل الفرار عن ارتكاب الحرام إمّا أن يكون في زمان إرادة ارتكاب الحرام ، أو في زمان خوف حصول الإرادة بذلك الارتكاب. والأوّل محال ، لعدم تعقّل الاشتغال بشيء مع إرادة غيره ، إذ المراد بالإرادة هي الحالة التي تدعو إلى الفعل من دون معارض مساو لها أو راجح عليها ، ومع ذلك يجب صدور الفعل المراد ، ومعه يجب الصارف عن وجود غيره ، ومعه يمتنع

٤٥٣

صدوره ، والمفروض الاشتغال به وهو خلف ، فتعيّن الثاني. وقضيّة ذلك كون الفعل مسبوقا بالصارف عن الحرام ، إذ لو لا الصارف عن الحرام لما تحقق ذلك الفعل ، فهو مقدّم عليه ، والترك مستند إليه ، إلاّ أنّ الصارف أنّ ذلك الفعل ممّا يجب الالتزام بوجوبه ، لأنّه إمّا مقدّمة لإبقاء الصارف لو فرض وجه ارتباط بين ذلك الفعل والصارف عن الحرام ، وإمّا معه يمتنع صدور الحرام وإن فرض انقلاب الصارف إلى إرادة الحرام ، وهو الأقرب ، إذ لا نجد وجها لاستناد بقاء الصارف إلى الاشتغال بفعل من الأفعال ، وإنّما بقاؤه مستند إلى ما يستند إليه حدوثه من خوف ونحوه ، كما لا يخفى. نعم ، هو يجدي في امتناع الفعل الذي بواسطة وجود الصارف عنه في الزمان السابق ارتكبه الفاعل كما هو ظاهر ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

المقام الثاني : في توضيح الحال فيما يتوصّل به إلى فعل الحرام ، فنقول : إنّ مقدّمة فعل الحرام إنّما يحرم تبعا للحرمة الدائمة الثابتة لذيها ، وقد عرفت أنّ الحرمة التبعيّة لا يستتبع ذمّا ولا عقابا لكلّ فعل يقصد به التوصّل إلى فعل الحرام يكون (١) حراما على ما نحو ما عرفت فيما يتوصّل به إلى الواجب ، فإنّ الحرمة التبعيّة إنّما يلحق عنوان المقدّميّة لا ذوات تلك المقدّمات ، ويمتنع حصول ذلك العنوان على وجه الاختيار إلاّ بعد القصد إلى ما يتوصّل به منها ، من غير فرق في ذلك بين العلّة التامّة لفعل الحرام أو أسبابه أو شرائطه ومعدّاته. نعم ، الحكم بحرمة العلّة التامّة ـ بل والأسباب أيضا ـ قد لا يتوقّف على تشخيص أنّه قصد منه التوصّل إلى الحرام ، نظرا إلى أنّ إيجاد العلّة التامّة لفعل الحرام لا ينفكّ في الأغلب عن القصد إلى المعلول المحرّم ولو إجمالا ، بخلاف سائر المقدّمات ، فإنّ الحكم بالحرمة موقوف على إحراز القصد إلى المحرّم.

__________________

(١) في ( م ) : ويكون.

٤٥٤

والوجه في ذلك : أنّ الفعل إذا حرم بعنوان خاصّ أو وجب ، لا يقع محرّما ولا واجبا إلاّ بعد أن يقع بذلك العنوان في الخارج على وجه الاختيار ، فإن وقع على وجه لا ينتزع منه ذلك العنوان اختيارا لا يكون محرّما ولا واجبا وإن أثّر أثر المحرّم والواجب من ترتّب ما يتوصّل به إليه عليه ، كما لا يخفى.

وقد يتوهّم أنّ مقدّمة الحرام ما لم يكن سببا لم يكن حراما ، لأنّ الحرام ما كان يجب تركه عينا ، ولا يجب ترك شيء منها كذلك بعد السبب ، وهو الإرادة المقارنة بالفعل. وأمّا سائر المقدّمات فيجب تركها تخييرا ، لحصول ترك الحرام بواحدة منها على سبيل التخيير.

وفيه : أنّه إن فرض إمكان ترك الحرام بترك واحدة من المقدّمات غير الإرادة التي جعلها السبب لترك الحرام فلا وجه لجعل وجوب ترك السبب عينيّا ، لقيام ترك غيره مقامه. وإن لم يفرض إمكان ذلك ـ نظرا إلى ما قدّمنا من أنّ أسبق الأجزاء الاختياريّة المعدومة للعلّة التامّة للأفعال الاختياريّة هو الإرادة ـ فلا وجه لجعل ترك غير الإرادة واجبا مطلقا ، لما عرفت من عدم التوقّف حينئذ.

وأمّا الجواب عمّا استند إليه من أنّ الحرام ما يجب تركه عينا ، فنقول على تقدير تسليمه : إنّ ترك جميع المقدّمات التي يقصد بها التوصّل إلى الحرام واجب عينا ، غاية الأمر أنّه عند ترك الإرادة التي هي السبب لفعل الحرام لا يعقل وجود القيد ، فيرتفع موضوع ما هو الواجب ، وذلك لا يوجب العينيّة في الإرادة والتخيير في غيرها ، كما لا يخفى على المتدبّر.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو من حيث عنوان المقدّمة ، وهل هناك عنوان آخر غيرها يوجب تحريمها إذا ارتكبها الفاعل إعانة على فعل غيره أو على فعل نفسه أو غير ذلك من الوجوه والعناوين؟ فهو محلّ الكلام. ولا بدّ في تنقيحه من رسم هدايات لتهتدي بها إلى ما هو الحقّ من المرام ، بعون الله الملك العلاّم.

٤٥٥
٤٥٦

هداية

إذا قصد الفاعل إيجاد معصية مجرّدا عنها وعمّا يتوصّل به إليها فهل فعل محرّما أو لا؟ وعلى الأوّل فهل العفو عنه ثابت في الشرع أو لا؟ ظاهر الأكثر هو الأوّل في المقامين ، بل لم نتحقّق خلافا صريحا في إنكار العفو عنه ما لم يتلبّس بالعمل ، وعنوان « العفو » في كلماتهم دليل على ذهابهم إلى التحريم واستحقاق العقاب أيضا.

نعم ، نسب إلى السيّد (١) وشيخنا الطبرسي (٢) وبعض العامّة بكونه معصية (٣). ولا دلالة فيه صريحا على عدم العفو ؛ لاحتمال إرادة الاستحقاق دون الفعليّة ، كما يظهر من نسبة السيّد الداماد (٤) عدم العقاب إلى فقهاء الفريقين والاصوليّين منهم.

وذهب بعضهم إلى أنّه لم يفعل حراما ، وهو الظاهر من الشهيد ، حيث قال :

« نيّة المعصية لا تؤثّر ذمّا ما لم يتلبّس بها وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه » (٥) فإنّ عنوان « العفو » وإن كان ظاهرا في ثبوت الاستحقاق ، إلاّ أنّ قوله : « نية المعصية لا تؤثّر ذمّا » لعلّه أظهر في الدلالة على عدم الاستحقاق.

وقد نسب ذلك إلى الصدوق أيضا ، حيث قال : « اعتقادنا أنّ من همّ بسيّئة

__________________

(١ ـ ٣) حكاه عنهم الكلباسي في إشارات الاصول ، الورقة ٩٨.

(٤) السبع الشداد المطبوع ضمن ( اثني عشر رسالة ) : ٨٩ ، المقالة السابعة.

(٥) القواعد والفوائد ١ : ١٠٧.

٤٥٧

لم يكتب حتّى عملها ، فإن عملها كتب عليه سيّئة واحدة » (١) ولعلّه ليس في محلّه ، فإنّ قوله : « لم يكتب » ظاهر في العفو ، إذ على تقدير عدم الاستحقاق ليس موردا للنفي والإثبات ، كما لا يخفى.

وقد نسب بعضهم إلى المحقّق الطوسي القول الأوّل ، حيث قال في التجريد : « وإرادة القبيح قبيحة » (٢) وظنّي أنّه ليس المراد بالإرادة في عبارته قصد الفاعل ، بل الظاهر المراد منها هو طلب القبيح والأمر به ، كما يظهر بمراجعة شروحه (٣).

فكيف كان فيمكن الاستدلال على الحرمة بالأدلّة الأربعة.

أمّا العقل ، فلقضاء صريح الوجدان باستحقاق الذمّ لمن همّ بمخالفة المولى واعتقدها في ضميره وعقد عليها في قلبه ، ولذا يحسن من المولى الإقدام على عقاب من همّ بقتل ولده وهتك حريمه على وجه لا يمنعه منه إلاّ عدم تمكّنه منه. وهذا ممّا لا ينبغي إنكاره من أحد.

وأمّا الإجماع ، فيمكن استكشافه ممّا نسب إلى شيخنا البهائي : من أنّ كون ذلك معصية ممّا لا ريب فيه عندنا وكذا عند العامّة ، قال فيما نسب إليه : وكتب الفريقين من التفاسير وغيرها مشحونة بذلك ، إلاّ أنّ العفو أيضا ثابت ، بل هو من ضروريّات الدين (٤) وممّا ستقف عليه في الحكم بالعصيان في التجرّي.

وأمّا الكتاب ، فتدلّ عليه آيات :

__________________

(١) راجع الاعتقادات للصدوق المطبوع مع مصنّفات المفيد ٥ : ٦٨ ، وراجع البحار ٥ : ٣٢٧.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) انظر كشف المراد : ٣٠٧ ، وشرح تجريد العقائد للقوشجي : ٣٤٠.

(٤) نسبه الكلباسي في إشارات الاصول ، الورقة ٩٨.

٤٥٨

منها قوله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ )(١) فإنّه يعمّ العزم على الحرام.

ومنها قوله تعالى : ( لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ )(٢) فإنّ العزم على المعصية من الأخير.

منها (٣) قوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(٤) سيّما بعد ملاحظة ما عن العيّاشي عن الصادق عليه‌السلام : أنّه يسأل عن السمع عمّا سمع (٥) والبصر عمّا نظر إليه والفؤاد عمّا عقد عليه (٦).

ومنها قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )(٧) وجه الاستدلال : أنّ الحبّ من مراتب الميل والإرادة ـ كما حقّق في محلّه ـ إلاّ أنّه يجامع الموانع التي تمنع عن صدور الفعل ، فيكون المراد به القصد المجرّد أو الأعمّ منه ومن الإرادة التي يترتّب عليها الفعل.

ومنها قوله تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً )(٨) وقد ورد في تفسيرها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها » (٩).

__________________

(١) البقرة : ٢٨٤.

(٢) الانعام : ١٥١.

(٣) كذا ، والمناسب : ومنها.

(٤) الإسراء : ٣٦.

(٥) في ( ع ) و ( م ) زيادة : إليه.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٢٩٢.

(٧) النور : ١٩.

(٨) القصص : ٨٣.

(٩) انظر تفسير الصافي ٤ : ١٠٦.

٤٥٩

ومنها قوله تعالى : ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )(١).

وأمّا الأخبار ، فهي كثيرة جدّا ، ومع ذلك فهي على أصناف :

الأوّل : ما يدلّ على وجود المؤاخذة في النيّة.

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « نيّة الكافر شرّ من عمله » بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « نيّة المؤمن خير من عمله » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : « إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّدوا أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيات خلّد هؤلاء. ثمّ تلا قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ )(٣) قال : على نيّته » (٤).

وفي العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه كان يقول : « نيّة المؤمن أفضل من عمله وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه ، ونيّة الكافر شرّ من عمله وذلك لأنّه لينوي من الشرّ ما لا يدركه » (٥).

وعن الصادقين عليهما‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن أبلغ من عمله ، وكذلك الفاجر » (٦).

__________________

(١) البقرة : ٢٣٥.

(٢) الوسائل ١ : ٣٥ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٣.

(٣) الإسراء : ٨٤.

(٤) الوسائل ١ : ٣٦ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٤.

(٥) الوسائل ١ : ٣٨ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١٧.

(٦) الوسائل ١ : ٤٠ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٢٢.

٤٦٠