مطارح الأنظار - ج ١

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-50-5
الصفحات: ٧٧٦

هداية

ينقسم الواجب باعتبار تعلّق القصد به وعدمه إلى أصليّ وتبعيّ.

والحقّ أن يعرّف الأصليّ بـ : ما كان مرادا للآمر إرادة مستقلّة ، سواء كانت نفسيّة أو غيريّة ، وسواء كانت استفادة ذلك من الخطاب على وجه الاستقلال كما في دلالة الألفاظ على المناطيق ، أو على وجه التبعيّة كما في دلالة المفاهيم والاستلزامات.

فالعبرة عندنا في صدق الوجوب الأصلي بملاحظة المستفاد : فإن كان مستقلاّ بالإرادة على اختلاف أنحاء الإرادة وتفاوت أقسام الدلالة فهو واجب أصلي ، وإلاّ فهو تبعيّ ، وهو ما لم تتعلّق به إرادة مستقلّة ، بل الطلب فيه ـ على ما ستعرف ـ طلب قهريّ حاصل ولو مع الغفلة عن خصوصيّات المطلوب على جهة التفصيل ، وذلك نظير دلالة الإشارة كدلالة الآيتين (١) على أن أقل الحمل ستة ، فإن لوازم الكلام في المخاطبات العرفيّة غير مقصودة للمتكلم.

ولكن يفترق الوجوب التبعي بأن المدلول التبعي لا يلزم أن لا يكون ذا مصلحة نفسية ، بخلاف الوجوب التبعي فإنّه على أن الإرادة ممّا لا يتعلق به على وجه الاستقلال يجب أن لا يكون ذا مصلحة نفسية ، من حيث استفادة وجوبه من وجوب الواجب الأصلي. ونظيره في المطلوبات لوازم الواجب ، فإن من طلب الاستقبال على وجه الاستقلال طلب وقوع الجدي خلف المنكب في العراق مثلا ، فإنه مطلوب تبعي لم يتعلق به في العرف والعادة طلب مستقل وإرادة على حدة.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣ ، والأحقاف : ١٥.

٣٨١

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا وجه لما عسى أن يتخيل : من أنّ وجوب إنقاذ ولد المولى وإن لم يكن معلوما للعبد ـ على وجه الأمر اللفظي أو الإرادة النفسية ـ من الوجوب التبعي (١) ؛ لما عرفت : من أن المصلحة الداعية إلى الطلب عند الالتفات سواء كان المظهر له لفظا أو غيره مصلحة نفسية ، مع اختصاص الوجوب التبعي بالوجوب الغيري. فإذن ينحصر الوجوب التبعي بالوجوب المقدمي حال عدم الالتفات إلى المقدمة ، وأمّا مع الالتفات وتعلّق إرادة مستقلّة بالمقدمة فلا يكون طلبه إلاّ أصليّا ، كما في قولك : ادخل السوق واشتر اللحم ، فإنّ تعلّق الإرادة المستقلّة بدخول السوق إنّما ينافي التبعيّة ، على ما عرفت.

ومن هنا ينقدح لك : أنّ النسبة بين الوجوب الغيري والوجوب التبعي عموم مطلق ؛ فإنّ الوجوب الغيري أعمّ ، لتحقّقه فيما إذا كان مدلولا لخطاب مستقلّ فيما إذا كان المظهر لفظا أو مفهوما من إجماع خاصّ مثلا أو غير ذلك ممّا يعلم منه تعلّق إرادة مستقلّة بالواجب الغيري.

لا يقال : إنّ وجوب اللوازم تبعي مع أنّه ليس غيريّا ، فيكون بينهما عموم من وجه. لأنّه يقال : إنّ وجوب اللوازم وجوب عرضي من قبيل الإسناد المجازي ولا كلام فيه.

كما أنّ النسبة بين الأصلي والنفسي والغيري عموم من وجه ، كما يظهر بأدنى تأمّل.

هذا ما هو الموافق لكلمات أرباب الاصطلاح في موارد استعمالات الوجوب التبعي ، كما أومأنا إليه في الدلالة التبعيّة.

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) زيادة : بل.

٣٨٢

وأمّا ما يظهر من بعض الأجلّة (١) : من إدخال الوجوب المستفاد من المفاهيم في الوجوب التبعي وإن كان وجوبه مستقلاّ ، فهو ممّا لم نعرف له وجها.

ثمّ إنّه لو شكّ في أنّ الواجب أصليّ أو تبعي ، فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به لا يمكن إثبات الوجوب التبعي لو اريد بذلك ترتيب الآثار المترتّبة على الوجوب التبعي فيما إذا فرض له آثار سوى ما يترتّب على عدم الإرادة ؛ لما قرّر في محلّه. فتدبّر في المقام ، والله هو الهادي.

__________________

(١) الفصول : ٨٢.

٣٨٣
٣٨٤

هداية

قد عرفت تحقيق الكلام في أقسام الواجب ممّا له مدخل في تحرير النزاع فيما هو المقصود من وجوب المقدّمة وعدمه ، فنقول : إنّ الواجب الّذي وقع الخلاف في وجوب مقدّمته أعمّ من أن يكون واجبا مطلقا أو واجبا مشروطا بالنسبة إلى غير المقدّمة الوجوبيّة. وقد عرفت أنّ تخصيص البعض ذلك بالوجوب المطلق دون الشرطي ممّا لا وجه له ، غاية الأمر أنّ الوجوب اللازم منه هو الوجوب الشرطي التبعي على نحو وجوب ذي المقدّمة.

ومنه يظهر أنّه لا يفرق في ذلك في أقسام (١) الواجب من التعبّدي والتوصّلي والنفسي والغيري والأصلي والتبعي ، غاية الأمر أنّ وجوب المقدّمة في الواجب الغيري والتبعي ممّا يختلف فيه اعتبار الوجوب ، لما عرفت من اختصاص الوجوب التبعي على تفسيرنا بالوجوب الغيري ، وهو مسبوق بوجوب الغير لا محالة ، إذ لا يعقل الوجوب الغيري بدون وجوب الغير ، ووجوب ذلك الغير ممّا يكفي في الحكم بوجوب مقدّمات الواجب الغيري ، لأنّ المفروض وجوب مطلق المقدّمة. ولا فرق في نظر العقل في الوجوب اللازم من وجوب ذيها بين المقدّمة القريبة والبعيدة.

نعم ، إذا قيس الوجوب الغيري بالنسبة إلى ما يتوقّف عليه أيضا يحكم العقل بوجوب مقدّماته أيضا. وقد عرفت أنّ ذلك ليس من تكرار الطلب.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : بين أقسام.

٣٨٥

وهذا هو الكلام في المراد من (١) الواجب الذي يبحث في وجوب مقدّماته.

وأمّا الكلام في وجوب المقدّمة : من أنّ الوجوب المتنازع فيه هل هو وجوب نفسي أو غيري تعبّدي أو توصّلي أصلي أو تبعي؟

فنقول : لا ينبغي النزاع في أنّ وجوب المقدّمة ليس وجوبا نفسيّا ، فإنّ المقدّميّة لا تقضي بتعلّق الطلب النفسي بها ، ولعلّه ممّا لم يذهب إليه وهم أيضا.

ولا وجوبا تعبّديّا من حيث إنّها مقدّمة. نعم ، قد يكون ذات المقدّمة عبادة ، بمعنى أنّها توصل إلى ذيها بشرط الإتيان بها على وجه التقرّب ، كأن يكون الداعي إليه هو الأمر المقدّمي ، كما عرفت تفصيل ذلك في بعض المباحث السابقة.

ولا وجوبا أصليّا ، لأنّ الوجوب الأصلي ممّا لا بدّ فيه من الالتفات التفصيلي إلى ما هو المطلوب ، لأنّ المفروض ـ بناء على ما فسّرنا ـ استقلال الطلب فيه وإن كان استفادته على وجه الاستلزام ، كما في المفاهيم. ومن المعلوم أنّ الطالب لذي المقدّمة قد يكون غافلا عن المقدّمة ، وقد يكون مع الالتفات إلى ذات المقدّمة شاكّا في مقدّميتها لذيها وتوقّفه عليها ، وقد يكون قاطعا بعدم التوقّف مع كونه في الواقع ممّا يتوقّف عليه ، فكيف يمكن القول بأنّ اللازم من وجوب شيء هو وجوب مقدّماته وجوبا أصليّا؟ وكيف يجوز انتساب هذه المقالة الفاسدة إلى المشهور؟

نعم ، يصحّ ذلك بالنسبة إلى أوامر الشارع من حيث إحاطة علمه وامتناع حصول الغفلة له تعالى ، فيكون الكلام في الوجوب التبعي الغيري ، حيث إنّ الكلام في مسألة اصوليّة يعمّ موردها غير أوامر الشارع أيضا وإن كان المراد ظهور الثمرة فيها ، كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ الوجوب الأصلي ليس من محلّ النزاع في شيء ، ولو

__________________

(١) في ( ط ) زيادة : وجوب.

٣٨٦

فرض وقوع النزاع فيه فالقول قول النافين ، إذ لا ملازمة بين وجوب شيء وبين تعلّق إرادة مستقلّة بما يتوقّف عليه ، لما عرفت من إمكان الغفلة. ولذلك من زعم أنّ النزاع في ذلك التزم بعدم الوجوب.

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب المقدّمة بمعنى اللابدّية. والتحقيق : أنّها ليست وجوبا يعدّ في عداد الأحكام التكليفية ، بل الواقع أنّها أقرب إلى الأحكام الوضعيّة ؛ ولذلك لا يختلف ذلك باختلاف الأحكام ، فإنّها ترجع إلى معنى المقدّمية ، وهو ظاهر.

كما أنّه لا ينبغي النزاع في إسناد الوجوب الحاصل لذيها إليها مجازا وبالعرض ، كما قد يتحقّق ذلك بين المتلازمين ، كما عرفت : من أنّ الاستقبال إلى القبلة يلازم استقبال أبي قبيس ووقوع الجدي خلف المنكب الأيمن في بعض البلاد ، وعند التحقيق يكون الوجوب المسند إلى اللازم وجوبا عرضيّا ، لعدم اتّصاف المورد حقيقة بالوصف ، بل الموصوف هو اللازم الآخر ، فيكون ذلك من قبيل الواسطة في العروض.

والعجب من بعض الأساطين! حيث حرّر نزاعهم في هذا المقام ومع ذلك اختار القول بعدم الوجوب (١) ، مع أنّ ذلك على هذا التقدير ينبغي أن يعدّ من الضروريّات.

وكذا لا ينبغي النزاع في الوجوب الإرشادي ، بمعنى أنّ العقل بعد ملاحظة وجوب ذي المقدّمة مع امتناع التوصّل إليه بدون الإتيان بالمقدّمة ـ كما هو اللازم من معنى المقدّمة ـ يقوم مقام الناصح الأمين ويحكم بالإتيان بما يتوقّف عليه الواجب ، إلاّ أنّ ذلك منه إراءة طريق المصلحة مع كونه في مقام بذل النصح. ولا ينبغي أن ينازع في ذلك ، فإنّه بمكان من البداهة.

__________________

(١) راجع القوانين ١ : ١٠٤.

٣٨٧

وبالجملة ، فالقائل بالوجوب إن أراد الوجوب النفسي أو الأصلي ففساد المقالة ممّا يغني بواسطة بداهتها عن إفسادها ، والنافي إن أراد نفي اللابدّية أو الوجوب العرضي أو الوجوب الإرشادي فالضرورة قاضية بخلافه.

فما ينبغي أن يكون مورد النزاع هو الوجوب التبعي الغيري ، بمعنى أنّ وجوب شيء وإرادته هل يستلزم إرادة إجمالية لمقدّمته ، على وجه لو اريد كشف ذلك الأمر وتفصيله لكان الحاصل منه طلبا أصليّا موجودا في نحو قولنا : « اذهب إلى السوق » أو لا؟

وبعبارة اخرى نقول : لا شكّ في أنّ الطلب في قولنا : « اذهب إلى السوق » طلب غيري وإن كان أصليّا. ولا فرق بين هذه المقدّمة وغيرها من المقدّمات من حيث توقّف الواجب عليها ، فيكون النزاع في أنّ المريد لشيء هل يثبت له حالة نفسانيّة بعد الإرادة بالنسبة إلى المقدّمات على وجه لو التفت إليها صحّ له طلبها على نحو الطلب في قولنا : « اذهب إلى السوق » أو لم يثبت؟ فالنافي يقول بعدمها ، بل الموجود هو أحد المعاني المذكورة من الإرشاد والوجوب العرضي والوجوب العقلي بمعنى اللابدّية. والمثبت يقول بوجودها مضافا إلى الوجوب بأحد المعاني السابقة.

وبالجملة ، فنسبة الطلب الموجود في قولنا : « اذهب إلى السوق » عند القائل بالوجوب إلى الحالة النفسانيّة الطارئة بعد حدوث الطلب النفسي بالنسبة إلى المقدّمة نسبة التفصيل إلى الإجمال ، وعند القائل بالعدم يكون موجودا بنفسه لا يقاس بالنسبة إلى حالة نفسانيّة.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون النزاع في أنّ هذه الحالة الإجماليّة التي يفصّلها الطلب الموجود في « اذهب إلى السوق » هل هي من مقولة الطلب لتتّصف المقدّمة بالوجوب والطلب ، أو لا يكون من معنى الطلب والوجوب فهي موجودة ولكنّها لا توجب وجوب المقدّمة؟ والأظهر أنّ النزاع إنّما هو في وجود تلك الحالة ، لا في أنّها من الطلب أولا.

٣٨٨

وبالجملة ، فعلى ما ذكرنا يظهر أنّه ليس القول بالوجوب أو القول بالعدم ضروريّ الفساد ، كما قد يظهر كلّ من الدعويين من الفريقين ، بل التحقيق : أنّ المسألة نظريّة لا وجه لإرسالها في الضروريّات ، كما ادّعاه المحقّق الدواني (١).

نعم ، لو كان المراد بكونها ضروريّة أنّه يكفي في رفع التشاجر ملاحظة الوجدان الخالي عن شوائب الأوهام ـ وإن لم يكن وجود تلك الحالة بمرتبة من الظهور على وجه يعدّ منكرها من المكابر المتعسّف ـ كان لها وجه ؛ فإنّ الإنصاف أنّا نجد من أنفسنا من بعد حدوث الإرادة المتعلّقة بالواجب نسبة متعلّقة بمقدّماته على وجه لم يكن لتلك النسبة قبل تعلّق الإرادة به في أنفسنا عين ولا أثر. ونظير ذلك في وجود النسبة مع الغفلة أنّ العبد يجد من نفس المولى حالة نفسانيّة وإن لم يكن من حقيقة الطلب بالنسبة إلى قتل ولده أو إكرامه.

وكيف كان ، فالأظهر في النظر أنّه مع قطع النظر عن الوجوب العقلي والوجوب العرضي والوجوب الإرشادي يكون في المقدّمة وجوب آخر بالمعنى الذي ذكرناه ، والدليل على ذلك هو الوجدان وإن لم يكن ظهوره في الوجدان بمثابة يعدّ منكره مكابرا ، فإنّ مراتب الوجدانيّات في الظهور والخفاء بل ومطلق الضروريّات ممّا لا ينبغي التأمّل في اختلافها.

واعلم أنّ الاقتضاء المستعمل عندهم في عنوان هذه المسألة قد عرفت أنّ المراد به هو الاستلزام العقلي ، ولا مدخل للّفظ فيه ، لعموم الكلام في المقام فيما إذا ثبت الوجوب بالعقل. نعم ، إذا كان الدليل المفيد للوجوب لفظا صحّ الاقتضاء اللفظي ، فيكون وجوب المقدّمة من جهة الدلالة الالتزاميّة فيما لو لم يعتبر فيها اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ أو مطلقا ، إذ اللزوم على القول به ليس على وجه يكفي في

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق النراقي في المناهج : ٤٩.

٣٨٩

التصديق به تصوّر الملزوم ، بل يحتاج إلى تصوّر اللازم أيضا ، لا من حيث توقّف التصديق على تصوّر الأطراف فإنّ ذلك في اللازم (١) البيّن بالمعنى الأخصّ أيضا ، بل من حيث إنّ له مدخلا في حصول التصديق ، كما قرّر في محلّه. والله الهادي.

__________________

(١) في ( ط ) : فإنّ ذلك لازم في البيّن.

٣٩٠

هداية

قد ذكروا للنزاع في وجوب المقدّمة وعدمه وجوها من الثمرة (١) :

أحدها : حصول البرء من النذر فيما لو أتى الناذر لإتيان الواجب بمقدّمة من مقدّماته على القول بالوجوب ، وعدمه على القول بعدمه.

وفيه ـ بعد الإغماض عن انصراف الوجوب في مقام النذر إلى الواجب النفسي ؛ بدعوى تعلّق الحكم على الماهيّة مع قطع النظر عن جميع ما عداها ـ أنّ أمثال ذلك لا يعدّ من ثمرات المسألة الاصوليّة ؛ فإنّها مهّدت لاستنباط الأحكام الشرعيّة ، وحصول البرء وعدمه في نذر خاص لا يعدّ منها ، كما لا يخفى.

ومنه يعرف الوجه في عدم صحّة جعل ترتّب الثواب والعقاب من الثمرة ، فإنّها أيضا ليست من الأحكام الشرعيّة. على أنّك قد عرفت فيما مرّ بما لا مزيد عليه : أنّ العقل المستقلّ يدلّ على عدم استحقاق الثواب والعقاب ؛ ومن هنا التجأنا إلى تأويل الأخبار الدالّة على ترتّب الثواب (٢) ، وكذا الآيات (٣). وقد مرّ تحقيق القول في ذلك بما لا مزيد عليه ، فراجعه (٤).

__________________

(١) انظر القوانين ١ : ١٠١ ، والفصول : ٨٧ ـ ٨٨ ، وهداية المسترشدين ٢ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) انظر البحار ٧٠ : ١٩١ ، و ١٠١ : ٢٨.

(٣) سورة النور : ٥٢ ، والنساء : ١٤٠.

(٤) راجع الصفحة : ٣٤٠ وما بعدها.

٣٩١

الثاني : ترتّب الفسق على تركها على القول بوجوبها ، وعدمه على عدمه ، كذا ذكره بعضهم (١).

فإن أراد بذلك أنّ ترك واجب واحد ولو لم يكن من الكبائر من حيث إنّه يوجب ترك مقدّمات عديدة له فيتحقّق بواسطة ذلك الإصرار في الصغيرة فيؤول إلى الفسق ، فهو باطل.

أمّا أوّلا : فلعدم الملازمة بين ترك الواجب وبين ترك مقدّماته على وجه يتحقّق موضوع الإصرار ، فإنّه ربّما يستند الترك إلى انتفاء مقدّمة واحدة مع وجود غيرها ، اللهمّ إلاّ بالقول بكفاية صورة واحدة في المقام.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الحكم بأنّ تارك المقدّمة فاسق بواسطة الإصرار يوجب ارتفاع الفرق بين الصغيرة والكبيرة في الأغلب ؛ لأنّ ترك الصغائر في الأغلب يوجب ترك المقدّمات على وجه يستلزم الإصرار فيها وإن قلنا بعدم الملازمة ، إلاّ أنّه الأغلب كما لا يخفى. ومع الغضّ عن ذلك فلا نسلّم أنّ الإصرار الحاصل بواسطة ترك المقدّمات يوجب الفسق ، إذ المنساق ممّا دلّ على ذلك إنّما هو فيما إذا كان الواجب واجبا نفسيّا لا غيريّا ، لعدم صدق الإصرار بالمعصية في غيره عرفا. وهو ظاهر بعد ما عرفت من أنّ وجوب المقدّمة لا يورث ثوابا ولا عقابا.

وإن أراد بذلك (٢) أنّ ترك الواجب إذا كان من المعاصي الكبيرة حيث إنّه يستند إلى ترك مقدّمة من مقدّماته الاختياريّة ، وإلاّ لم يكن معصية ، فعلى القول بالوجوب يحكم بفسقه حين الترك وإن تقدّم على زمان الفعل ـ كما أنّه يحكم بفسق التارك للحجّ حين عدم خروجه مع الرفقة وتخلّفه عن القافلة ـ بخلافه على القول

__________________

(١) وهو القزويني في ضوابط الاصول : ٨٤.

(٢) عطف على قوله : فإن أراد بذلك أنّ ترك واجب واحد ...

٣٩٢

بعدم الوجوب ، فإنّه يحكم بالفسق في زمان الفعل ، فإنّه هو زمان المعصية ، وأمّا قبل ذلك فلم يكن من زمانها في شيء ، إذ المفروض أنّه ليس وقت الوجوب المتعلّق بالفعل ، والمقدّمة ليست واجبة ، فلا معصية ولا فسق.

وفيه : أنّه لا فرق في ذلك أيضا بين القول بالوجوب وعدمه. أمّا على الأوّل فكما هو واضح من أنّه زمان المعصية. وأما على الثاني فلأن تأثير وجوب المقدّمة في صدق المعصية بالنسبة إلى ذيها قبل مجيء وقته ـ كما في المثال المفروض ـ غير معقول.

والتحقيق : أنّ ترك المقدّمة من حيث إيراثه امتناع الفعل المأمور به يلازم صدق المعصية بالنسبة إلى الواجب ، إذ لا يراد من المعصية إلاّ عدم إمكان الامتثال مع عدم سقوط الأمر بالنسخ وأمثاله وعدم الامتثال له ، كما هو ظاهر. وإلاّ فكيف يحكم بأنّ بعد انقضاء الوقت يكون من زمان المعصية ، وليس ذلك إلاّ بواسطة امتناع المأمور به في حقّه مع عدم سقوط الأمر بالنسخ والامتثال. وبالجملة ، فالمدار على صدق المعصية بالنسبة إلى الفعل المأمور به.

فإن قلنا بإمكان ذلك قبل مجيء الزمان باعتبار أنّ صدق المعصية يدور مدار الامتناع على الوجه المزبور فلا يؤثّر في ذلك تعلّق الوجوب بما يصير سببا لامتناعه ، إذ لا كلام في أنّ الوجوب المقدّمي لا يورث فسقا ولا عقابا. وإن قلنا بعدمه اعتمادا على أنّ امتناع حصول الواجب قبل مجيء الوقت ليس بواسطة امتناع المقدّمة في حقّه ؛ بل بواسطة أنّ المقيّد (١) في (٢) زمان خاصّ يمتنع وجوده في غيره ، ولمّا كان سبب الامتناع حاصلا للفعل قبل ترك المقدّمة فلا وجه لاستناده إلى المقدّمة

__________________

(١) في ( ع ) : القيد.

(٢) لم يرد « في » في ( ط ). والظاهر : بزمان.

٣٩٣

لامتناع تحصيل الحاصل ، فلا فرق في ذلك بين القول بوجوب المقدّمة وعدمه ، إذ لا نرى في الوجوب وعدمه تأثيرا في ذلك.

الثالث : ما ذكره بعضهم من جواز أخذ الاجرة على المقدّمات على القول بالعدم ، وعدمه على القول بالوجوب (١). ولعلّ ذلك مأخوذ من إرسال بعض الفقهاء عدم جواز أخذ الاجرة على الواجب ، كالمحقّق حيث أفاد عند عدّه ما يحرم الاكتساب به : « الخامس ما يجب على الانسان فعله » (٢) ، أو من معاقد بعض الاجماعات المنقولة (٣) وإن لم يقض بذلك على إطلاقه.

وكيف كان ، فالتحقيق أنّه لا أصل لهذا التفريع سواء اخذ بالمقالة المرسلة أو التزمنا بما هو التحقيق عندنا.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ الظاهر من مقالة من حكم بحرمة الاجرة إنّما هو حرمتها سواء كانت مأخوذة في مقابلة نفس العمل أو في مقابلة مقدّماته ، ولا فرق في ذلك بين وجوب المقدّمة وعدمه.

وأمّا على الثاني ، فيتوقّف على بيان ما هو الحقّ عندنا ، فنقول : قد قرّرنا في محلّه أنّه لا منافاة بين الوجوب وأخذ الاجرة على فعل الواجب (٤) ، وإنّما المانع عن ذلك في بعض الموارد ليس وجوب الفعل ، وإلاّ لما جاز أخذ الاجرة على الواجبات الصناعيّة الكفائيّة ، وبطلان التالي كالملازمة ظاهر ، ضرورة جواز ذلك اتّفاقا.

__________________

(١) ذكره الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين ٢ : ١٧٩.

(٢) الشرائع ٢ : ١١.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٣٧ ، والرياض ٨ : ٨٣.

(٤) انظر المكاسب ٢ : ١٣٥.

٣٩٤

وما قيل : من أنّ وجوب (١) اللازم من الإجارة إنّما يؤكّد وجوب الصناعة على الكفاية فلا ينافي ذلك (٢) ، إنّما هو كلام خال عن التحصيل ؛ لجريان ذلك في حقّ الجعل مع أنّه لا وجوب ، بل المانع من ذلك إنّما هو استفادة مملوكيّة العمل الواجب مجّانا للغير من الأخبار الواردة في موارد إثبات تلك الحقوق ، فإنّ المستفاد من الأخبار أنّ المؤمن قد ملك عن أخيه المؤمن امورا ، منها الدفن وما يتعلّق به (٣) ، فأخذ الاجرة في قبال العمل المملوك للغير يعدّ من الأكل بالباطل.

هذا إذا كان الواجب من الامور التوصّليّة. وكذا إذا كان الواجب من الامور التعبّديّة ، فإنّ المطلوب من العبد (٤) هو الإتيان بالعمل على وجه العبادة ، فكأنّه يكون العمل ملكا لله قد استحقّ (٥) عليه بالعمل ، فلا وجه لتمليكه غيره بالعمل المذكور.

وبالجملة ، فالذي قوّيناه في محلّه (٦) اختصاص المنع من الاجرة بما إذا استفدنا من دليل وجوب العمل لزوم وقوعه على وجه المجانيّة ، كالدفن أو الكفن ونحوهما ، فإنّ الساعي في مقدّماتهما مثل الساعي في أداء ما عليه أداؤه من العمل إذا ملكه الغير منه ، أو فيما إذا كان الواجب تعبديّا. وأمّا في غير هذه الموارد فلا دليل على حرمة الاجرة ؛ ولذلك قلنا : قضيّة القواعد جواز أخذ الاجرة على القضاء بين المسلمين ، وكذا على السعي إلى الميقات ممّن وجب عليه الحجّ ، فيكون النسبة بين

__________________

(١) كذا ، والمناسب : الوجوب.

(٢) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ٩٢.

(٣) راجع الأخبار الواردة في حقوق الإخوان ، الوسائل ٨ : ٥٤٢ ، الباب ١٢٢ من أحكام العشرة.

(٤) في ( ع ) ، ( م ) : التعبّد.

(٥) في ( ع ) ، ( م ) : فلا يستحقّ.

(٦) انظر المكاسب ٢ : ١٤٣.

٣٩٥

الوجوب و (١) أخذ الاجرة هو العموم من وجه ، فمورد الاجتماع هي الأفعال العباديّة والتوصّليّة التي استفيد من دليلها مملوكيّتها للغير ، ومورد الافتراق من جانب الوجوب هو القضاء بين المسلمين والصناعات العامّة الكفائيّة ، ومورد الافتراق من جانب الحرمة هو مقدّمات الدفن والكفن ، فإنّك قد عرفت أنّ القائل بحرمة الأخذ على وجه الإطلاق لم يفرّق في ذلك بين المقدّمات وغيرها حتّى على القول بعدم وجوبها ، فلا وجه لتفريع الجواز وعدمه على الوجوب وعدمه ، لعدم الملازمة كما عرفت.

الرابع : ما قد نسبه البعض إلى الوحيد البهبهاني ، من أنّه على القول بوجوب المقدّمة يلزم اجتماع الأمر والنهي في الموارد التي تكون المقدّمة محرّمة ، دون القول بالعدم (٢).

وفيه : أنّ المقدّمة المحرّمة إن كانت مثل قطع المسافة بالنسبة إلى الحجّ أو نصب السلّم بالنسبة إلى الصعود على السطح ، من المقدّمات التي ليست متّحدة مع ذي المقدّمة بحسب الوجود الخارجي ، فلا يثمر القول بالوجوب والعدم شيئا ، لأنّه على كلا التقديرين يحصل الامتثال بأمر ذي المقدّمة إذا أتى بالمقدّمة على الوجه المحرّم ، غاية الأمر أنّه على القول بعدم الوجوب لا يلزم اجتماع الأمر والنهي في المقدّمة ، بل المقدّمة إنّما هي محرّمة صرفة لكن حصل بها الوصول إلى ذي المقدّمة الواجب. بخلاف القول بالوجوب ، فإنّه يلزم اجتماعهما على القول بجواز الاجتماع ، فيكون المكلّف الآتي بالمقدّمة على الوجه المحرّم آتيا بالمأمور به والمنهيّ عنه.

__________________

(١) في ( ط ) زيادة : حرمة.

(٢) القوانين ١ : ١٠١.

٣٩٦

كما أنّه على القول بعدم الجواز يكون حاله كحال المنكر للوجوب في كون المقدّمة محرّمة صرفة مسقطة عن الواجب وإن كانت متّحدة مع ذيها ، كالصلاة في المكان المغصوب ، فإنّ الكون الخاصّ الذي هو مقدّمة لمطلق الكون الذي هو جزء الصلاة ـ بناء على كون الفرد مقدّمة للكلّي ـ محرّم متّحد معه في الوجود ، فلا يثمر أيضا القول بوجوب المقدّمة وعدمه شيئا من الصحّة والفساد ، بل مناط الحكم بالصحّة والفساد على أنّه هل يجدي تعدّد الجهات التقييديّة في الموجود الواحد الخارجي في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه أم لا؟ فعلى القول بعدم إجداء تعدّد الجهات مع وحدة الموجود الخارجي لا بدّ من الحكم بفساد الصلاة ، سواء قلنا بأنّ الفرد مقدّمة وإنّ المقدّمة واجبة أو لم نقل ، ضرورة أنّ قضية الاتّحاد اجتماع النهي في المقدّمة مع الأمر بذيها على تقدير الصحّة ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان من لزوم الاجتماع الباطل كما هو المفروض. وعلى القول بأنّ تعدّد الجهات في اجتماع الأمر والنهي مجد فلا بدّ من الحكم بالصحّة على تقدير القول بالمقدّمة والوجوب معا وعدمه.

ومن هنا ينقدح لك فساد ما ذهب إليه المحقّق القمّي : من جواز اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في الدار المغصوبة ونحوها ، على ما زعمه من أنّ المحرّم إنّما هو خصوص الفرد الذي هو مقدّمة للكلّي الواجب وأنّ مقدّمة الواجب ليست بواجبة (١). إذ بعد تسليم المبنى لا وجه للابتناء أصلا ، فإنّ مدار (٢) لزوم محذور وليس وجوب المقدّمة ، بل ملاك ذلك إنّما هو الاتحاد في الوجود المفروض في مثل الفرد والكلّي.

__________________

(١) القوانين ١ : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٢) في ( ع ) ، ( م ) : « فإنّه لا » وعلى أيّ حال العبارة غير خالية عن الإشكال.

٣٩٧

كما يظهر غرابة ما قد نسبه إلى العلاّمة في ذلك وإن لم نتحقّقه منه رحمه‌الله ، قال في قوانينه : الظاهر أنّ الكلام في دلالة الواجب على وجوب جزئه كالكلام في سائر مقدّماته ، والقدر المسلّم من الدلالة هو التبعي ، إلاّ أن ينصّ عليه بالخصوص بعنوان الوجوب ، كما مرّ في حكم المقدّمة الخارجيّة ، وربّما نفي الخلاف عن الوجوب في الجزء لدلالة الواجب عليه تضمّنا ، وهو ممنوع. وقد جعل العلاّمة من فروع المسألة الصلاة في الدار المغصوبة من جهة أنّ الكون الذي هو جزء الصلاة واجب بسبب وجوب الواجب فلا يجوز أن يكون منهيّا عنه (١).

وفيه : ما عرفت (٢) في بعض الهدايات السابقة ، من أنّ الجزء باعتبار كونه متّحدا مع الواجب فيما لوحظ لا بشرط شيء لا ينبغي التشاجر في وجوبه بهذا الاعتبار ، وذلك كاف في عدم جواز اجتماعه مع الحرام ، فلا حاجة إلى القول بوجوب المقدّمة في لزوم المحذور.

لا يقال : إنّ أجزاء الصلاة ليست بأجزاء عقليّة متّحدة مع الكلّ في الوجود الخارجي ، ضرورة تباينها فيه ، كما في أجزاء البيت والسرير ، ومع ذلك فكيف يعقل القول بالاتّحاد؟

لأنّا نقول ـ بعد الغضّ عن ذلك في خصوص الكون ، فإنّه لا نسلّم فيه المغايرة ، كما لا يكاد يخفى على المتأمّل ـ : إنّ ذلك لا ينافي ما نحن بصدده.

وتحقيق ذلك : أنّ المركّب ما لم يلاحظ فيه جهة وحدة لا يعقل أن يكون مركّبا (٣) ، فتلك الجهة تارة تكون حقيقة كما في المركّبات الحقيقيّة التي لها صورة

__________________

(١) القوانين ١ : ١٠٨.

(٢) في ( ع ) ، ( م ) زيادة : ممّا.

(٣) في ( ط ) زيادة : ولعلّ ذلك ظاهر.

٣٩٨

واحدة وحقيقة متّحدة خارجيّة ، واخرى تكون اعتباريّة كما في البيت والسرير. فعلى الأوّل يكون الكثرة اللازمة للمركّب كثرة في مرتبة (١) من الاعتبار والتعمّل. وعلى الثاني يكون الكثرة حقيقية ، والأجزاء في المركّب الحقيقي ظاهر اتّحادها في الوجود الحقيقي ، وفي المركّب الاعتباري إنّما تتّحد مع الكلّ في الوجود الاعتباري الثابت للمركّب من حيث هو مركّب. وذلك ظاهر عند المتأمّل المنصف.

وكيف ما كان ، فالمقدّمة إمّا أن تكون متّحدة الوجود مع ذيها أو لا ، وعلى التقديرين ، فإن أراد القائل بالثمرة المذكورة أنّ ذلك يجدي في الحكم بالصحّة والفساد ، فلا وجه لما تخيّله. أمّا في صورة الاتّحاد ، فلما عرفت من إمكان الحكم بالفساد ولو على القول بعدم وجوب المقدّمة كما هو قضيّة الاتّحاد. وأمّا في صورة التغاير ، فعند الانحصار فهي حرام قطعا ولا وجوب فيها ، ومع ذلك لا تؤثّر في الفساد ، بل الواجب حاصل بعد حصوله ، لكونها موصلة إلى ما هو المقصود حقيقة ، كما في الركوب على دابّة مغصوبة في الحجّ. وعند التعدّد فغاية الأمر هو الوجوب في الجملة أيضا ، إلاّ أنّ ذلك لا تأثير له في الفساد أيضا ، كما هو ظاهر. وإن أراد بذلك مجرّد ثبوت مورد قد اجتمع فيه الأمر والنهي وإن لم يكن لذلك مدخل في الصحّة والفساد فهو في محلّه ، إلاّ أنّه بعيد عن مقاصد العلماء ، إذ غاية ذلك تكثير الأمثلة التي اجتمع فيها الأمر والنهي.

الخامس : ما قيل : من أنّ القول بوجوب المقدّمة يؤثّر في صحّتها إذا كانت عبادة ، كما أنّ القول بعدم الوجوب يقضي بفسادها حينئذ (٢).

ولعلّ وجهه ما قد يتخيّل : من أنّ صحّة العبادة متوقّفة على الأمر ، والقول بالوجوب يوجب تعلّق الأمر بها فيمكن وقوعها صحيحة ، بخلاف ما إذا لم تكن

__________________

(١) في ( ع ) بدل « مرتبة » : ماهيّته.

(٢) هداية المسترشدين ٢ : ١٧٨ ـ ١٧٩ ، والفصول : ٨٧.

٣٩٩

واجبة ، إذ الكلام إنّما هو في المقدّمة العباديّة التي ليست براجحة في حدّ ذاتها ، كالتيمّم عند البعض (١). فعلى الأوّل يمكن الإتيان بالواجب الموقوف على مثل المقدّمة المفروضة وإن لم يتعلّق بها سوى ما يترشّح من الأمر بذيها. وعلى الثاني لا يمكن ، لعدم الاقتدار عليه بعد توقّفه على مقدّمة موقوفة على أمر غير حاصل.

وفيه ما عرفت سابقا : من أنّ الأمر المقدّمي لا يؤثّر صحّة ولا شيئا آخر. وإن كنت على ريبة فراجع ما تقدّم.

السادس : ما يقال : من أنّ القول بوجوب المقدّمة يؤثّر في فساد العبادة التي يتوقّف على تركها فعل الضدّ ، بخلاف القول بعدمه ، فإنّ الترك ليس مقدّمة فلا يكون واجبا فلا يكون فعله حراما فلا يكون فاسدا (٢) ، ولذلك قد التجأ بعض من لم يقدر على حلّ الشبهة المعروفة في فساد العبادة إلى منع وجوب المقدّمة (٣).

وكيف كان ، هذه الثمرة ـ التي قد زعمها بعضهم من أهمّ الثمرات ـ أيضا ممّا لا يرجع إلى حاصل ولا يعود إلى طائل (٤).

أمّا أوّلا : فللمنع من كون الترك مقدّمة ، والسند ممّا ستعرفه في محلّه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ اللابدّية التي يرجع معنى المقدّمة إليها يكفي في الحكم بالفساد ، إذ لا يعقل الأمر بشيء مع الأمر بما ليس للمكلّف بدّ من تركه لو اريد الامتثال به ، وعند عدم الأمر لا معنى للصحّة ، إذ الكلام في العبادات. وأمّا المعاملات فيبنى على أنّ النهي التبعي هل يستلزم فسادا؟ وستعرف تحقيق القول في ذلك. والله هو الهادي.

__________________

(١) انظر القوانين ١ : ١٠١ ، والفصول : ٨١.

(٢) انظر الفصول : ٩٥ ، وهداية المسترشدين ٢ : ٢٦٩ وما بعدها.

(٣) انظر الفصول : ٩٥.

(٤) العبارة في ( ع ) و ( م ) : ممّا لا يرجع إلى طائل.

٤٠٠