مطارح الأنظار - ج ١

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-50-5
الصفحات: ٧٧٦

قال السيّد في الذريعة : فصل ـ هل الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به؟

اعلم : أنّ كلّ من تكلّم في هذا الباب أطلق القول بأنّ الأمر بالشيء هو بعينه أمر بما لا يتمّ ذلك الشيء إلاّ به ؛ والصحيح أنّه يقسّم ذلك ، فنقول : إن كان الذي لا يتمّ ذلك الشيء إلاّ به سببا فالأمر بالسبب يجب أن يكون أمرا به ، وإن كان غير سبب وإنّما هو مقدّمة للفعل وشرط لم يجب أن يعقل من مجرّد الأمر به أنّه أمر به. والذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه : أنّ ظاهر الأمر يقتضي ما تناوله لفظه ، وليس يجوز أن يفهم منه وجوب غيره ممّا لا يتناوله اللفظ إلاّ بدليل غير الظاهر ؛ لأنّه إذا قيل : « صلّ » فالأمر يتناول الصلاة ، والوضوء الذي ليس بصلاة إنّما يعلم وجوبه بدليل غير الظاهر.

وممّا يوضّح ذلك : أنّ الأمر في الشريعة قد ورد على ضربين : أحدهما : يقتضي إيجاب الفعل دون إيجاب مقدّماته ، نحو الزكاة والحجّ ، فإنّه لا يجب علينا أن نكتسب المال لتحصيل النصاب أو نتمكّن به من الزاد والراحلة ، بل متى اتّفق لنا النصاب وحال عليه الحول وجب الزكاة ؛ وكذلك في الزاد والراحلة. والصورة الاخرى : يجب فيه مقدّمة الفعل كما يجب هو نفسه ، وهو الوضوء للصلاة وما جرى مجراها ، فإذا انقسم الأمر في الشريعة إلى قسمين ، فكيف نجعلهما قسما واحدا؟ فإذا قيل : مطلق الأمر يقتضي تحصيل مقدّماته ، فأمّا ما كان مشروطا منه بصفة ـ كالزكاة والحجّ ـ فلا يجب ذلك فيه. قلنا : هذه دعوى ، ما الفرق بينكم وبين من عكسها؟ فقال : إنّ مطلق الأمر يقتضي إيجابه دون غيره ، فإذا علمنا بوجوب المقدّمات كالوضوء في الصلاة علمناه بدليل خارج عن الظاهر. والصحيح أنّ الظاهر محتمل للأمرين احتمالا واحد وإنّما يعلم كلّ واحد منهما بدليل. فإذا تعلّقوا بالسبب والمسبّب وأنّ إيجاب المسبّب إيجاب السبب لا محالة ، قلنا : هو كذلك ، والفرق بين الأمرين أنّه محال أن يوجب علينا المسبّب بشرط اتّفاق وجود السبب ،

٢٤١

وإنّما فسد ذلك ، لأنّ مع وجود السبب لا بدّ من وجود المسبّب إلاّ لمنع ، ومحال أن يكلّفنا الفعل بشرط وجود الفعل. وليس كذلك مقدّمات الأفعال ، لأنّه يجوز أن يكلّفنا الصلاة بشرط أن (١) يكلّفنا الطهارة (٢) ، كما جرى ذلك في الزكاة والحجّ ، فبان الفرق بين المقامين ، انتهى ما أفاده السيّد المرتضى ، عليه الرحمة (٣).

ولا يخفى أنّ كلام السيّد صريح في أنّ المقدمة السببيّة واجبة ، وأنّ المقدّمة (٤) الغير السببيّة ممّا يحتمل الوجوب وعدم الوجوب ، وتشخيص ذلك موقوف على الدليل الخارج عن مقتضى الأمر.

وأمّا الوجه في هذا التوقّف ، فلا يظهر من كلامه شيء ، فيحتمل أن يكون الوجه في ذلك هو ما نسب إليه في حواشي المعالم : من أنّ السيّد حيث ذهب إلى اشتراك الأمر بين المطلق والمشروط ، فبمجرّد ورود الأمر لا دليل على الحكم بوجوب مقدّماته ، إذ يحتمل أن يكون واجبا مشروطا ، والمقدّمة الوجوبيّة لا تقبل الوجوب كما عرفت (٥).

فعلى ذلك لا مانع من أن يكون الأمر بالشيء أمرا بما لا يتمّ إلاّ به إلاّ احتمال أن يكون الواجب مشروطا بوجود (٦) المقدّمة ، وحيث إنّه قد علم اشتراط (٧)

__________________

(١) في ( ط ) زيادة : يكون.

(٢) العبارة في المصدر هكذا : لأنّه يجوز أن يكلّفني الصلاة بشرط أن أكون قد تكلّفت الطهارة.

(٣) الذريعة ١ : ٨٣ ـ ٨٥.

(٤) لم ترد عبارة « السببيّة واجبة وأنّ المقدّمة » في ( ع ) و ( م ).

(٥) راجع هداية المسترشدين ١ : ٦٧١ و ٢ : ١١١ و ٢٠٠ ، وحاشية المولى صالح على المعالم : ٧٩.

(٦) في ( ط ) : بوجوب.

(٧) كذا ، والظاهر : امتناع اشتراط.

٢٤٢

الوجوب بالمقدّمة السببيّة ـ لامتناع تحصيل الحاصل ـ قلنا بوجوبه ، لعدم المانع من ذلك ، فيكون كلام السيّد راجعا إلى أنّ الواجب لا يمكن أن يكون بالنسبة إلى المقدّمة السببيّة واجبا مشروطا ، ويمكن أن يكون بالنسبة إلى غيرها مطلقا ومشروطا ، وحيث إنّه لا يعلم الاشتراط والإطلاق فلا يصحّ الحكم بالوجوب ؛ إذ لعلّه يكون الواجب مشروطا ولا يجب تحصيل المقدّمة الوجوبيّة.

وأنت خبير بأنّ المستفاد من كلام السيّد أنّه لا مقتضي لوجوب المقدّمة في الأمر ، حيث إنّه يقتضي ما تناوله. فالظاهر أنّ حكمه بعدم الوجوب لعدم المقتضي له لا لوجود المانع ، وإن كان قد يوهم ذلك الفرق الذي أبداه بين السبب وغيره ؛ حيث إنّه اكتفى بمجرّد ارتفاع المانع والحكم بامتناع الاشتراط فيه ، فالوقف في وجوب غير السبب إنّما هو بواسطة عدم الدليل على الوجوب.

ولا مدخل للاشتراك اللفظي في كلامه ، بل الظاهر منه دعوى وجود الدليل في السبب دون غيره من حيث الملازمة الواقعيّة الموجودة بين السبب والفعل الواجب ، فيعقل أن يكون الأمر به دالاّ على الأمر به دلالة التزامية ، مع عدم (١) احتمال وجود المانع في السبب ، لامتناع اشتراط وجوب الشيء بوجوده ؛ وحيث إنّ هذه الملازمة ليست متحقّقة بين الفعل وسائر المقدّمات لم يجب أن يعقل من مجرّد الأمر أنّه أمر به مع احتمال وجود المانع. وعلى هذا فالمشهور : من استناد التفصيل في نفس المسألة إلى السيّد ، لعلّه في محلّه.

نعم ، بناء على ما حرّر النزاع في الملازمة العقليّة لا يعدّ قول السيّد فيها تفصيلا ؛ لأنّ الظاهر من تحريره أنّ النزاع في الدلالة اللفظيّة ، فلا ينطبق عليها على ظاهره ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لم يرد « عدم » في ( ع ).

٢٤٣

وأمّا على الوجه الذي أشار إليه في المعالم (١) ، فإسناد التفصيل إنّما هو مبنيّ على أن يكون المنع الصغروي تفصيلا. وفيه بعد ظاهر.

وبالجملة ، فكلام السيّد كما ترى خال عن الاشتراك اللفظي ، فلا يدرى من أين يستفاد ذلك من كلامه! ولعلّهم تنبّهوا لذلك من موضع آخر.

ويحتمل قريبا أن يكون مراد السيّد الحكم بالوقف فيما إذا ثبت الاشتراط في الجملة. ولكن لا يعلم أنّ الشرط من شرائط الوجوب أو شرائط الوجود ؛ فإنّ القائل بالاشتراك المعنوي أيضا لا بدّ من أن يتوقّف في هذا المقام. كما إذا شكّ في أنّ الإقامة من شرائط وجود الصوم لمن يجب عليه الصوم مضيّقا كقضاء رمضان قبل دخول السنة اللاحقة ، أو من شرائط الوجوب ، فعلى الأوّل يجب تحصيله ، وعلى الثاني لا يجب. نعم ، إذا أقام يجب عليه.

وليس المقام من موارد الأخذ بالإطلاق عند الشكّ في التقييد ؛ لدوران الأمر بين أن يكون القيد راجعا إلى الأمر أو إلى المأمور به ، ولا مزيّة لاحدهما على الآخر ، فلا بدّ من التوقّف بناء على مذهب المشهور أيضا.

ويرشدك إلى هذا الاحتمال ما أورده السيّد في الشافي (٢) في نقض استدلال المعتزلة على أنّ نصب الإمام واجب على الرعيّة : من أنّ إقامة الحدود واجب على الإمام لتوجّه الآيات الدالّة على وجوب إقامتها إلى الإمام ، ولا يمكن التوصّل إلى ذلك إلاّ بنصب الإمام ، إمّا من الله أو الرسول ، والمفروض انتفاؤه ، فلا بدّ من نصبنا الإمام ، لأنّ الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به. فإنّ وجوب نصب الإمام مثل وجوب الإقامة للصوم ؛ فكما يحتمل أن يكون الإقامة واجبة ، فكذلك يحتمل أن

__________________

(١) المعالم : ٦٠ ـ ٦١.

(٢) الشافي ١ : ١٠٧.

٢٤٤

يكون نصب الإمام أيضا واجبا ، لاحتمال إطلاق الأمر. ويحتمل أن لا يكونا واجبين لاحتمال إطلاق المادّة وتقييد الهيئة ـ على ما ستعرف المراد من تقييد الهيئة ـ وإلاّ فعلى ما ذكرنا سابقا لا وجه للقول بتقييد الهيئة ، إذ لا يتصوّر في مفاد الهيئة إطلاق كما عرفت.

وبالجملة ، ففيما دار (١) الأمر بين المتباينين لا يصحّ التمسّك بالإطلاق ؛ لعوده إلى الترجيح من دون ما يقضي بذلك.

فإن قلت : إنّ تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادّة من دون عكس ، فتقييد المادّة أولى ، لقلّة التقييد على تقديره.

قلت : ذلك يتمّ بناء على ما احتملنا من رجوع المقدّمة الشرعيّة إلى المقدّمة العقلية ، وأمّا على المشهور فلا وجه لذلك. وسيجيء ما يفيدك توضيح هذا المقال بتوفيق الله وهدايته.

__________________

(١) في ( ط ) : إذا دار.

٢٤٥
٢٤٦

هداية

إذا ثبت وجوب شيء وشكّ في كونه مشروطا أو مطلقا بملاحظة أمر من الامور المحتملة لذلك ، فهل الأصل الإطلاق؟ أو الاشتراط؟ أو فيما إذا كان الوجوب ثابتا باللفظ فالأوّل ، وفيما إذا كان من الوجوه الراجعة إلى غير اللفظ فلا بدّ من التعلّق بما هو قضيّة الاصول العمليّة في مواردها؟ وجوه ، أقواها الأخير ، كما ستعرف وجهه. وتوضيح المقال في موردين :

الأوّل

فيما إذا كان الدليل لفظيّا ، فنقول : إذا تعلّق الأمر بشيء ، فهناك وجوه :

أحدها : أن يكون الأمر غير معلّق على صفة مع إطلاق الفعل المأمور به ، كأن يكون الأمر مطلقا مادّة وهيئة ، نحو قولنا : « أكرم رجلا » فإنّه ليس في المقام ما يحتمل رجوعه بحسب القواعد العربيّة إلى الهيئة ليكون قيدا للأمر بحسب ما هو الظاهر ـ وإن كان راجعا إلى تقييد المادّة كما عرفت ـ ولا ما يحتمل أوله إلى المادّة ، فعند الشكّ في قيد سواء كان قيدا للوجوب أو للفعل يجب التمسّك بالإطلاق في دفع الشكّ ، كما هو الشأن في الأخذ بالإطلاق عند احتمال التقييد فيما إذا كان المطلق في مورد البيان ؛ حذرا من الإغراء بالجهل القبيح ، فيحكم العقل بملاحظة ذلك بوجوب إكرام الرجل ، سواء طار الغراب أو جرى الميزاب أو أمطرت السحاب أم لا ؛ فإنّه لو كان الواجب هو وجوب إكرامه عند حدوث حادثة خاصّة (١) كان على المتكلّم

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) : عند حدوث حادث أو عارض.

٢٤٧

الحكيم إيراد لفظ يكون وافيا بتمام مقصوده ، لا التكلّم بما لا يفيد إلاّ بعضا منه ، وذلك ظاهر في الغاية ؛ فيجب على المكلّف حينئذ إيجاد المقدّمات الوجوديّة للإكرام وتحصيل المأمور به ، من دون حالة منتظرة من الامور المحتملة اشتراطه بها. هذا على مذاق المشهور القائلين بالاشتراك المعنوي.

وأمّا على ما هو المنسوب إلى السيّد من الاشتراك اللفظي (١) فيكون اللفظ مجملا ؛ لاحتمال إرادة وجوب الإكرام على تقدير خاصّ من تقادير الفعل المأمور به ، وعدم البيان لا يقضي بتعيّن المطلق ؛ فإنّ القرينة المعيّنة إذا انتفت يصير اللفظ مجملا بلا خفاء في ذلك ، من غير فرق بين اشتراك اللفظ بين معنيين لا ربط بينهما بالإطلاق والتقييد ـ كما في لفظ العين بالنسبة إلى الذهب والفضة ـ وبين اشتراكه بين معنيين أحدهما أعمّ من الآخر ، كما في لفظ « الإمكان » فإنّ انتفاء قرينة الخاصّ لا يوجب تعيّن إرادة العامّ ، فإنّه في هذه الملاحظة في عرض الخاصّ ، فسقط ما قد ينساق (٢) إلى الوهم : من أنّ الاشتراك اللفظي بين الإطلاق والتقييد ـ كما في هيئة الأمر ـ لا يقضي بالإجمال.

وثانيها : أن يكون الهيئة خالية عمّا يحتمل رجوعه إليها بحسب القواعد العربيّة ، لكنّ المطلوب فعل مقيّد بقيد خاصّ ، كما إذا أمر المولى بأداء فعل خاصّ في مكان خاصّ ـ كالصلاة في المسجد أو الطواف بالبيت ـ فيجب على المخاطب بخطاب الحجّ السعي إليه لتحصيل الطواف المأمور به ، وعند الشكّ في قيد من القيود الغير الثابتة للمادّة فالحكم ما عرفت في الوجه الأوّل. ومن ذلك ما إذا شكّ في اشتراط الوجوب بالقيد المذكور أيضا ، فإنّ الأصل في المقام هو الإطلاق أيضا.

__________________

(١) كما تقدّم في الصفحة ٢٤٢.

(٢) في ( ع ) : ينسبق.

٢٤٨

وتحقيق ذلك : أنّ وجوه مصالح الفعل ـ بناء على ما هو التحقيق عندنا من اختلاف الحسن والقبح في الأفعال الاختياريّة بالاعتبارات ـ مختلفة.

فتارة : يكون الفعل مع قطع النظر عن التكليف به حسنا مقتضيا للأمر به أو قبيحا موجبا للنهي عنه.

وتارة : يكون الفعل على وجه لو امر به وأتى به المكلّف امتثالا لأمر المولى صار حسنا ؛ وحيث إنّه لا يعقل الأمر بالفعل أوّلا على ذلك الوجه ، فما يحمله في إيصال المكلّف إلى المصلحة المكنونة في الفعل على الوجه المذكور أن يأمر بالفعل أوّلا تحصيلا لموضوع الفعل الحسن ، ثمّ تنبيه المكلّف بأن يأتي بالفعل المذكور على وجه الامتثال.

وتارة : يكون الفعل حسنا على تقدير عدم الإلزام به ، فيختلف حكمه بحسب اختلاف مراتب عدم الإلزام.

وقد يكون الفعل المقيّد بقيد ذا مصلحة ملزمة على وجه يكون متعلّق التكليف كلاهما.

وقد يكون ذا مصلحة لكن على تقدير وقوع القيد لا على وجه التكليف.

ففي كلّ من هذه الصور ينبغي للحكيم أن يعبّر عن المقصود بلفظ يكون وافيا لمقصوده ، فيستكشف من اختلاف التعبيرات ـ بعد ما عقلنا اختلاف (١) المعاني ـ أنّ مقصود المولى هو ما يمكن أن يكون مفاد ذلك التعبير بحسب القواعد الثابتة في اللغة.

وإذ قد عرفت ذلك ، فنقول : إنّ الأمر إذا كان مشروطا بشرط ـ كما إذا قيل : « إن جاءك زيد فأكرمه » أو « إن دخلت الدار فافعل كذا » أو « إن استطعت فحجّ » مثلا ـ فيستفاد منه وجوب الفعل المتعقّب بالشرط المذكور. وحيث إنّ الدالّ عليه

__________________

(١) لم يرد « اختلاف » في ( ع ) و ( م ).

٢٤٩

هو حرف الشرط المستفاد منه في العرف واللغة العلقة الذاتيّة بين وجود الشرط والمشروط وبين عدمهما ، فنقول : إنّ الواجب هو ذلك الفعل عند حصول الشرط ، فلا يجب عند عدمه بمقتضى اللفظ ، فيكشف ذلك عن وجود المصلحة في الفعل المقيّد بالقيد المذكور ، لكن (١) على وجه كان وجوده غير متعلّق للتكليف ، وإذا عبّر عن القيد المذكور لا على هذا الوجه ، كأن يقول : « صلّ في المسجد » فيستكشف ذلك عن وجود المصلحة في الفعل المقيّد بالقيد المذكور مطلقا ، بمعنى أنّ عدم التكليف ممّا لا مدخليّة له في إيراث الفعل حسنا ، فيكون من المقدّمات الوجوديّة ويجب تحصيلها عند إرادة امتثال تكليف ذيها ، فالآمر لا بدّ أن يكشف عن مقصوده في جميع هذه المراتب بلفظ قابل لذلك المطلب. وذلك ظاهر.

ففيما نحن بصدده نقول : إنّ تقييد المأمور به ثابت وتقييد الأمر ليس ثابتا والأصل عدمه. ولا ينافي ذلك ما قلنا : من أنّ قيد الأمر يرجع إلى المأمور به ، فإنّ المقصود بالأصل المذكور هو ما عرفت : من أنّ التقييد ثابت على الوجه الذي لا يستفاد منه عدم الوجوب عند عدم القيد ـ كما في الجمل الشرطيّة أو فيما يقوم مقامها في الإفادة المذكورة ـ بل المستفاد منه هو الوجوب المطلق التابع للمصلحة على وجه الإطلاق ، فظهر المراد بأصالة الإطلاق في المقام.

وثالثها : عكس الثاني ، كأن يكون الهيئة مقيّدة دون المادّة. ومرجعها ـ على ما عرفت ـ إلى تقييد المادّة بقيد لا يحسن أن يكون القيد موردا للتكليف ، فالواجب المشروط بالنسبة إلى المقدّمة الوجوبيّة والواجب التعبّدي في طرفي الخلاف ، فإنّ المصلحة في الأوّل على وجه لا يكون المقدّمة المقدورة موردا للتكليف ، والمصلحة في الثاني على وجه يحتاج إحرازها للمكلّف وإيصاله إليها إلى التكليف لطفا ، كما ستعرفه في محلّه.

__________________

(١) في ( م ) زيادة : لا.

٢٥٠

وإذا شكّ في اشتراط المادّة بشيء آخر على ذلك أو على وجه آخر ، فالمرجع هو الإطلاق.

ورابعها : ما اجتمع فيه القيدان ، والحكم يظهر ممّا مرّ من غير فرق.

وخامسها : أن يثبت قيد ، ولكن لا يعلم أنّه من القيود الّتي يجب الإتيان بها حتّى يكون من قيود الفعل مطلقا ، أو من القيود التي لا يجب الإتيان بها حتّى يكون من قيود الفعل بوجه خاصّ ، وهو اعتبار وجوده لا على وجه التكليف. وهذه الصورة هي ما قلنا بأنّها يحتمل أن يكون مراد السيّد.

وكيف كان ، فقد يظهر من بعض المتأخّرين : أنّه لا بدّ من التوقّف في مقام الاجتهاد ، ويجب الرجوع إلى ما هو قضيّة الاصول في العمل ، بل لعلّه عليه المشهور (١) أيضا.

أمّا الأوّل ، فللقطع بورود المقيّد على أحد الإطلاقين ، ولا مرجّح لأحدهما ، فلا مناص من التوقّف.

وأمّا الثاني ، فستعرف الوجه فيه في المورد الثاني.

وأمّا التمسّك بأصالة الإطلاق في جانب الهيئة ـ لأنّ تقييد المادّة معلوم على الوجهين ، إذ تقييد الهيئة لا ينفكّ عن تقييد المادّة ، بخلاف تقييد المادّة ، فينبغي (٢) إطلاق الهيئة ـ في محلّه.

فقد يجاب عنه : بأنّ تقييد المادّة غير معقول بما هو مقيّد للهيئة ، لأنّ موضوع التكليف والأمر لا بدّ أن يكون قبل تحقّق الأمر متحقّقا ، وإذا فرض تقييد المأمور به بشيء فلا يتعقّل اعتباره في الوجوب ؛ لأنّه يلزم إتيانه بمقتضى تقييد المادّة به ـ كما في

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) : ولعلّه المشهور.

(٢) في ( ع ) و ( م ) : فيبقى.

٢٥١

نحوه من قيودها ـ ولا يلزم الإتيان به بمقتضى كونه من قيود الهيئة ، فلا يصحّ اعتبار شيء واحد في المادّة والهيئة معا.

نعم ، يصحّ التقييد بالنسبة إلى المقدّمة الوجوديّة الواقعيّة ، لكن لا على وجه يكون تلك المقدّمة معتبرا في المادّة في نظر الآمر ، لما عرفت من التناقض على تقديره.

وبعبارة واضحة : أنّ المقدّمة المعتبرة في المأمور به حكمها من حيث الوجود مثل نفس المأمور به ، فلا يجب الإتيان بالقيد ما لم يتحقّق شرط الوجوب ، والمفروض أنّ من القيود المعتبرة في الفعل نفس المقدّمة الوجوبيّة ، فيلزم وجوبها على تقدير وجودها ، وهو محال.

نعم ، ذلك إنّما يتمّ بناء على ما احتملناه : من رجوع المقدّمة الشرعيّة المأخوذة في المأمور به إلى المقدّمة العقليّة المحضة على وجه لا يكون من قيود الفعل المأمور به ، فلا يجب إيجادها بما هو مفاد الأمر ، وحيث إنّها من المقدّمة العقليّة الواقعيّة صحّ التقييد بها ، فلا يجب عند عدمها. كما هو كذلك بالنسبة إلى القدرة ، فإنّ من شرائط وجود الفعل المأمور به في الواقع هو التمكّن ، مع أنّه من شرائط الوجوب أيضا ، ولكن ذلك خلاف ما يظهر منهم في الموارد ، كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، ففي هذه الصورة بناء على مذاق القوم لا بدّ من الأخذ بالإطلاق في جانب الهيئة والحكم بتقييد المادّة بوجهين :

أحدهما : أنّ تقييد الهيئة وإن كان راجعا إلى تقييد المادّة ـ كما عرفت ـ إلاّ أنّ بين إطلاق المادّة على الوجهين فرقا ، إذ على تقدير إطلاقه من جهة الهيئة يكون إطلاقه شموليّا ـ كما في شمول العامّ لأفراده ـ فإنّ وجوب الإكرام على تقدير الإطلاق يشمل جميع تقادير الإكرام من الامور التي يمكن أن يكون تقديرا للإكرام ، وإطلاق المادّة من غير جهة الأمر إطلاق بدلي ، فإنّ المطلق غير شامل للفردين في

٢٥٢

حالة واحدة. والسرّ في ذلك ما قرّر في محلّه : من الفرق بين الإطلاق الملحوظ في الأحوال أو في الأفراد ، فتأمّل.

وثانيهما : أنّ تقييد الهيئة وإن لم يستلزم تقييد المادّة ـ لما عرفت من المحذور ـ إلاّ أنّه مع ذلك فالحكم بتقييد المادّة أولى ، لدوران الأمر بين تقييدين : أحدهما يبطل محلّ الإطلاق في الآخر ويرتفع به مورده ، والآخر لا يؤثّر شيئا في مورد إطلاقه ، ولا شكّ أنّ التقييد الثاني أولى.

فلنا في المقام أمران : أحدهما إثبات أنّه متى ما دار الأمر بين هذين التقييدين فالثاني أولى ، وثانيهما إثبات الصغرى.

أمّا الأوّل ، فلا يكاد يستريب أحد فيه بعد ما هو المدار في أمثال المقام من الرجوع إلى قاعدة العرف واللغة ، ولا شكّ أنّ التقييد وإن لم يكن مجازا ، إلاّ أنّه خلاف الأصل ، ولا فرق في لبّ المعنى بين تقييد الإطلاق وبين أن يعمل فيه عملا يشرك مع التقييد في الأثر وإن لم يكن تقييدا ، مثل ارتفاع محلّ بيانه الّذي هو العمدة في الأخذ بالإطلاق.

وأمّا إثبات أنّ المقام من هذا القبيل ، فقد عرفت في محلّه : أنّ الأخذ بالإطلاق ليس إلاّ بواسطة قبح تأخير البيان عن مورد الحاجة ، فإذا فرضنا أنّ مطلقا من المطلقات ليس له محلّ بيان ، فلا يمكن الأخذ بإطلاقه ، فإذا قلنا بتقييد الهيئة لزم أن لا يكون لإطلاق المادّة محلّ حاجة وبيان ، لأنّها لا محالة مقيّدة به ، بمعنى أنّ وجودها لا ينفكّ عن وجود قيد الهيئة ، فبذلك لا محلّ لإطلاقه. بخلاف تقييد المادّة ، فإنّ الأخذ بإطلاق الهيئة مع ذلك في محلّه ، فيمكن الحكم بوجوب الفعل على تقدير وجود القيد وعدمه. ولا ينافي ذلك ما قلناه من رجوع قيد الهيئة إلى المادّة أيضا ، لما عرفت من الاختلاف بين جهتي الإطلاق. نعم ، لو ترتّب على إطلاق المادّة على تقدير رجوع القيد إلى الهيئة فائدة ـ كأن لا يستلزم ذلك التقييد ارتفاع محلّ بيانه مطلقا ـ كان التوقّف في محلّه.

٢٥٣

وتوضيح المقام : أنّ الشيء الّذي يحتمل أن يكون قيدا للمادّة أو للهيئة قد يكون وجه اشتراطهما به واحدا ، كأن يكون حدوثه شرطا فيهما أو يكون وجوده مستمرّا شرطا فيهما. وبعبارة اخرى : أنّ ما يحتمل أن يكون شرطا في المادّة هو حدوث الشيء وهو بعينه يحتمل أن يكون شرطا في الهيئة ، أو يكون ما يحتمل القيديّة في المادّة (١) هو البقاء وهذا بعينه يحتمل القيديّة في الهيئة. وقد يكون وجه اشتراطهما به (٢) متعدّدا ، كأن يكون الشرط في أحدهما حدوث ذلك الشيء وفي الآخر بقاؤه.

ففيما إذا كان وجه الاشتراط واحدا ـ كأن يكون الشرط فيهما هو الحدوث أو البقاء ـ فالحكم هو ما عرفت : من أولوية تقييد المادّة من تقييد الهيئة ؛ إذ العكس يوجب ارتفاع الإطلاقين وإن كان في أحدهما التقييد حكميّا ، وذلك كما فيما إذا شكّ في أنّ الصوم الواجب هل وجوبه مشروط بالإقامة الدائمة أو الحادثة أو وجوده موقوف على أحدهما ، فإنّ تقييد الصوم لا يوجب تقييد الوجوب ، وتقييد الوجوب سواء كان بحدوث الإقامة أو بقائها يوجب تقييد الصوم ولو معنى ـ على ما عرفت ـ إذ لا يمكن تحقّق الصوم بدون الإقامة حينئذ.

وفيما إذا كان وجه الاشتراط متعدّدا ـ كأن يكون الشرط ما يحتمل الاشتراط في الهيئة هو الحدوث وفي المادّة هو البقاء ـ فالحكم في هذه الصورة هو التوقّف ؛ لأنّ تقييد المادّة ـ كما عرفت ـ لا يوجب تقييد الهيئة ، وتقييد الهيئة أيضا لا يوجب تقييد المادّة ، لكن بالنسبة إلى استمرار وجود ذلك القيد المحتمل. وأمّا بالنسبة إلى حدوثه فالتقييد ولو معنى لازم ، كما لا يخفى. وحينئذ ، فيمكن التمسّك بإطلاق

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) : للمادّة.

(٢) لم يرد « به » في ( ع ).

٢٥٤

المادّة ، ففي المثال المذكور يحكم بوجوب الصوم ولو بعد ارتفاع الإقامة ، ويحكم بوجوب الحجّ ولو بعد ارتفاع الاستطاعة. وأمّا عكس هذه الصورة فالتقييد أيضا لازم ، كما لا يخفى.

أقول : ويمكن الحكم بعدم التوقّف في الجميع ؛ لأنّ التقييد ولو في وقت ما لازم. فتأمّل فإنّ المقام من مضطرب الأفهام.

المورد الثاني

فيما إذا كان الدليل الدالّ على الوجوب لبّيا ـ كالإجماع ، والشهرة على القول بها ـ فهل الأصل هو الإطلاق أو الاشتراط؟

فنقول : إنّ الموارد في ذلك مختلفة باختلاف صور الشكّ ، فإنّ أحكام الشكّ متفاوتة في الشريعة.

فتارة : يجب الأخذ بالاشتراط ، كما إذا ثبت وجوب شيء إجمالا مع القطع بعدم اشتراطه باستمرار الشيء المشكوك اشتراطه حدوثا (١) في المأمور به ، لأنّ عند عدم الشرط (٢) يرجع الشكّ في الحقيقة إلى ثبوت التكليف مع عدم ما يقضي به.

والأصل في المقام البراءة ، إلاّ أنّ بعد الوجود لا بدّ من الإتيان بالواجب وإن طرأ له العدم ، لأنّ المفروض حصول العلم بعدم اشتراط الواجب ببقائه وأنّ حدوثه يكفي في ثبوت التكليف.

نعم ، لو شكّ في اشتراطه ببقائه أيضا ، فعند عدم الشرط ولو كان عدمه حادثا بعد وجوده فالأصل أيضا البراءة ؛ لرجوعه إلى الشكّ في نفس التكليف.

__________________

(١) لم يرد « حدوثا » في ( ع ) و ( م ).

(٢) في ( ع ) و ( م ) : الاشتراط.

٢٥٥

لكن ذلك يتمّ بناء على ما هو التحقيق : من عدم صحّة الاستناد إلى الاستصحاب في مثل المقام ، لاختلاف القضيّة المشكوكة مع القضية المعلومة. وأمّا بناء على مذاق القوم : من أنّ أمر الاستصحاب في وحدة القضيّة موكول إلى العرف ويكفي في وحدة الموضوع اتّحاده العرفي ، فالمورد حينئذ من موارد الاستصحاب. ولا يعارضه أصالة البراءة كما قرّرنا في محلّه (١).

وتارة : يشكّ في كون الشيء شرطا للوجوب حدوثا أو شرطا للوجود بقاء ، فعند عدم ذلك الشيء لا إشكال في الأخذ بالبراءة إذا لم يكن مسبوقا بالوجود. وأمّا بعد الوجود فمع بقائه أيضا لا إشكال في الوجوب ، وأمّا مع عدمه ثانيا فهل يجب إيجاده في المأمور به أولا؟ وجهان مبنيّان على الأخذ بالبراءة أو الاشتغال فيما إذا شكّ في اشتراط الواجب بشيء ، ونحن رجّحنا القول بالبراءة في محلّه (٢) ، فلا يجب إيجاده ثانيا في المأمور به. والتفصيل موكول إلى محلّه.

وتارة : يعلم الاشتراط في الجملة ولكن لا يدرى المشروط به ، فلا إشكال قبل الوجود ، لأنّ الأصل الاشتراط والبراءة. وبعد حدوثه فالحكم ما عرفت : من رجوع الأمر إلى الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة فيما إذا انعدم ثانيا.

وتارة : يشكّ في اشتراط الواجب بشيء مع كون نفس الواجب من أطراف العلم الإجمالي ، كما إذا علمنا إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة مع الشكّ في اشتراط الأخير بوجود الإمام عليه‌السلام. ولا بدّ من الأخذ بالاحتياط والجمع بين الصلاتين ، ولا وجه لإعمال البراءة ؛ لأنّ الاصول العمليّة ممّا لا حكم لها في قبال العلم الإجمالي.

__________________

(١) انظر فرائد الاصول ٣ : ٣٧٨.

(٢) انظر فرائد الاصول ٢ : ٣٥٩ و ٤٠٠ ـ ٤٠١.

٢٥٦

وقد يقال : بأنّ العمل بالبراءة في أحد أطراف العلم الإجمالي ممّا لا ضير فيه إذا لم يكن العمل بها من حيث الشكّ الموجود في أطراف العلم الإجمالي ، كما في المقام ، فإنّ إعمال البراءة في صلاة الجمعة ليس من حيث إنّها واقعة في أطراف العلم الإجمالي ، بل من حيث الاشتراط بشيء وعدمه. فتأمّل.

وكيف كان ، ففيما إذا كان الدليل غير اللفظ لا بدّ من الاقتصار على المعلوم في مقام الاجتهاد والعمل بالاصول المشهورة في الشريعة للشاكّ على حسب مواردها.

ولا يخفى أن إطلاق الدليل كما يعتبر في جانب الواجب فكذلك يعتبر بالنسبة إلى الدليل الدالّ على الاشتراط عند الشكّ في وجوه الاشتراط (١).

__________________

(١) في ( ع ) و ( م ) : الاعتراض.

٢٥٧
٢٥٨

هداية

قد عرفت في تضاعيف ما قدّمنا القول فيه : أنّ المقدّمات الوجوديّة للواجبات المشروطة ممّا يتّصف بالوجوب على نحو اتّصاف ذيها به. وقضيّة ذلك عدم وجوب الإتيان بها قبل وجوب الإتيان بذيها ؛ إذ لا يعقل أن يكون المقدّمة أعلى شأنا من ذيها ، كأن يكون موردا للوجوب التخييري من دون اتّصاف ذيها بالوجوب التخييري.

ومع ذلك فقد يظهر منهم في موارد مختلفة الحكم بوجوب الاتيان بالمقدّمة قبل اتّصاف ذيها بذلك ، كحكمهم بوجوب الغسل قبل الصبح في ليالي رمضان (١) ، وقولهم بوجوب السعي إلى الحجّ قبل أن يهلّ هلال ذي الحجّة (٢) ، وحكمهم بوجوب تحصيل العلم بأجزاء الصلاة وشرائطها قبل دخول الوقت (٣) ، وحكمهم بوجوب حفظ الماء وإحرازه للعالم بتعذّره له بعد دخول وقت الصلاة (٤) ، كما هو صريح الاستاذ الأكبر في شرح المفاتيح (٥) ـ على ما حكي عنه ـ وحكمهم بوجوب معرفة القبلة لمن حاول المسافرة إلى البلدان النائية ، كما يظهر من الشهيد الثاني فيما حكي

__________________

(١) راجع المقنعة : ٣٤٥ ـ ٣٤٧ ، والنهاية : ١٥٤ ، والسرائر ١ : ٣٧٧ ، والشرائع ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٢) راجع الروضة البهية ١ : ٤٣٧ ، والذخيرة : ٥٤ ، وكشف الغطاء ١ : ١٦٩.

(٣) لم نعثر عليه بعينه ، نعم حكموا بوجوب التعلّم من باب المقدّمة في العاجز عن الصحيح في التكبير والقراءة ، راجع جامع المقاصد ٢ : ٢٣٨ ، وروض الجنان ٢ : ٦٨٨.

(٤) راجع البيان : ٨٤ ، والجواهر ٩ : ٨٩ ـ ٩٠ ، ومستند الشيعة ٣ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

(٥) شرح المفاتيح ( مخطوط ) الورقة : ٢١١.

٢٥٩

عن الروض (١) ، ومنها حكمهم بوجوب تعلّم مسائل القصر والإتمام للمسافر ... إلى غير ذلك من الموارد التي تظهر جملة منها للمتتبّع في مطاوي كلمات الفقهاء.

ولهم في التفصّي عن هذه العويصة طريقان :

الأوّل : ما سلكه بعض أعاظم المحقّقين في تعليقاته على المعالم ، ولعلّه تبع في ذلك غيره. وملخّصه : أنّ وجوب الإتيان بهذه المقدّمات ليس من حيث استلزام وجوب ذيها وجوبها كما هو المراد بوجوب المقدّمة ، بل وجوبها نفسيّ وإن كانت المصلحة في وجوبها النفسي إمكان التوصّل بها إلى ذيها.

قال فيما حكي عنه : إن فسّر الوجوب الغيري بما يكون وجوب الفعل منوطا بوجوب غيره وحاصلا من جهة حصوله من غير أن يكون له مطلوبيّة بحسب ذاته بل يكون مطلوبيّته لأجل مطلوبيّة غيره ، لم يتعلّق وجوبه الغيري قبل حصول الوجوب النفسي للغير ؛ لتفرّع حصوله على حصوله وتقوّيه به وإن تعلّق به أمر أصلي. وإن فسّر الوجوب الغيري بما لا يكون المصلحة الداعية إلى وجوبه حاصلة في نفسه بل يكون تعلّق الطلب له لأجل مصلحة تحصل بفعل غيره لا يجوز تفويت المكلّف لها فيجب عليه ذلك ليتمكّن من إتيانه بذلك الغير ، أمكن القول بوجوبها قبل وجوب ذيها ، لا من جهة الأمر الذي تعلّق بذيها ، بل بأمر أصلي يتعلّق به ، ويكون الحكمة الباعثة على تعلّق الطلب به تحصيل الفائدة المترتّبة على فعل آخر يكون ذلك الفعل موصلا إليه إن بقي المكلّف على حال يصحّ تعلّق التكليف به عند حضور وقته ، وقضيّة ذلك استحقاق المكلّف للعقاب عند تركه. لكن عدّ ذلك من الوجوب الغيري محلّ تأمّل. بل لا يبعد كونه من الوجوب النفسي (٢). انتهى ما أردنا نقله من كلامه.

__________________

(١) روض الجنان ٢ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤.

(٢) هداية المسترشدين ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١.

٢٦٠