مطارح الأنظار - ج ١

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

مطارح الأنظار - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-50-5
الصفحات: ٧٧٦

قرّره الشارع أوّلا ، وحقائق ظاهريّة وهي ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع ، وهي قد تطابق الواقعيّة وقد تخالفها ، ولمّا لم يكن لنا سبيل إلى الحقائق الواقعيّة ، ولا تكليف فوق الوسع ، فالسبب والشرط والمانع وأمثالها لنا هي هذه الحقائق الظاهريّة.

ومن البديهيّات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة : أنّ ترتّب الآثار على هذه الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فقد يترتّب الأثر بالنسبة إلى شخص ولا يترتّب عليه بالنسبة إلى آخر ، كما أنّ ملاقات النجاسة سبب لنجاسة الماء القليل عند القائل بها ، وليست سببا عند آخر ، ولا شكّ أنّ القليل الملاقي نجس للأوّل وطاهر للثاني. وكذا قطع الحلقوم فقط سبب لحلّية الذبيحة بالنسبة إلى مجتهد دون آخر. وكذا إيقاع العقد بالفارسيّة ـ مثلا ـ سبب للانتقال عند مجتهد دون آخر.

ولم يقل أحد بأنّ كلّ ما هو سبب عند مجتهد وفي نظره أو شرط يجب أن يكون كذلك عند كلّ الناس ، بل مقتضى الأصل أيضا العدم ، فلا يترتّب الأثر إلاّ فيما دلّ الدليل عليه ، وهو في حقّ من ظنّه كذلك خاصّة.

ومن هذا يظهر : أنّ ترتّب الآثار على العقود الظاهريّة وأمثالها ليس من اللوازم الواقعيّة التي لا يتخلّف عنها البتّة.

نعم ، القدر الثابت أنّها من اللوازم بالنسبة إلى مجتهد يعلمها كذلك أو مقلّده ، ولذا يبنى على الصحّة في حقّهما ويترتّب عليهما الآثار بالنسبة إليهما ، بل بالنسبة إلى مجتهد آخر إذا وقع عن المجتهد الأوّل ومقلّده وكان أثرا مترتّبا على ترتّب الآثار بالنسبة إلى المجتهد الأوّل ومقلّده ، كما مرّ مفصّلا.

وأما ترتيب الآثار بالنسبة إلى كلّ مجتهد ومقلّده فكلاّ ؛ إذ لم يقل أحد بأنّ المجتهد الذي لا يكتفي بالفارسيّة إذا أتى بها يترتّب عليه الأثر بالنسبة إليه (١).

__________________

(١) مناهج الأحكام : ٣٠٩.

١٨١

وما ذكرنا من نقل كلامه هذا إنّما هو توطئة لنقل كلام آخر له في تحقيق المقام ، حيث قال : « فنقول ـ ومنه جلّ شأنه التوفيق ـ : إذا استقرّ رأي المجتهد في زمان على فتوى وعمل نفسه ومقلّده (١) ، ثم تجدّد رأيه ، فنقض الاولى في الزمان الثاني يتصوّر على وجوه :

الأوّل : إبطالها من رأس والحكم بعدم (٢) حكم الله فيما مضى ، والحاصل جعلها لاغية بالمرّة حتّى في الزمان المتقدّم ، مثلا إذا أفتى أوّلا بكون استتار القرص مبدأ الليل ، ثمّ استقرّ رأيه بأنّه زوال الحمرة ، يحكم بقضاء الصوم الذي أفطر قبل الزوال.

الثاني : إبطال الآثار المتقدّمة في هذا الزمان الثاني ، يعني أن لا يعمل بالاولى في الثاني ، ويبني أعماله المتجدّدة على الثانية (٣).

الثالث : إبطال الآثار المترتّبة على عمل صادر في الزمان الأوّل بفتواه الاولى التي لو لا تغيّر الرأي لقطع بترتّب هذه الآثار على ذلك العمل ، مثل أن ينكح بالفتوى الاولى باكرة بغير إذن الولي ، فإنّه يترتّب على ذلك النكاح آثار لو لا تجدد الرأي لقطع بترتّبها عليه.

أمّا الأوّل ، فلا خلاف في عدم جواز النقض بهذا المعنى ، والإجماع بل الضرورة ولزوم الحرج واستصحاب عدم شغل ذمته وعدم البطلان يدلّ عليه ، ولولاه لزم على كلّ أحد قضاء عباداته المبنيّة على رأي مجتهد تبدّل رأيه ، وردّ ما اشتراه واسترداد ما باعه ؛ وكذا في الزكاة المخرجة ، وغير ذلك ، وهو ممّا لم يقل به أحد.

__________________

(١) في المصدر : « أو مقلّده بها ».

(٢) في المصدر زيادة : « كونها ».

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : « الثاني ».

١٨٢

وأمّا الثاني ، فلا خلاف في جواز النقض بهذا المعنى بل وجوبه ؛ فإنّه لازم تغيّر الرأي وتعبّد كلّ باجتهاده واجتهاد مجتهده ، وهو ضروريّ أيضا.

وأمّا الثالث ، فيظهر عدم جوازه من عدم جواز النقض بالمعنى الأوّل ؛ لأنّ العمل الصادر في الزمان الأوّل كان صحيحا مستتبعا للأثر وقد صدر في الأوّل ، وبعد تجدّد الرأي لا يجوز الحكم بكون هذا العمل باطلا في الزمان الأوّل وليس حينئذ موجودا ، حتّى يصير موردا للفتوى الثانية ؛ فما وقع لم يرد عليه البطلان ، فلم لا يترتّب عليه أثره؟!

والحاصل : أنّ المفروض أنّ العمل المذكور مستتبع لأثره ما لم يطرأ عليه الفساد ، ولم يطرأ عليه ؛ أمّا في السابق فظاهر ، وأمّا في اللاحق فلعدم وجوده. وأيضا لم يحدث في اللاحق إلاّ استقرار الرأي بأنّ هذا العمل لو وقع في هذا الزمان لم يترتّب عليه الأثر ، ولا تأثير لذلك في ارتفاع أثر العمل السابق (١).

ثم إنّه رحمه‌الله فرّع على هذا بقاء نكاح البكر بحاله بعد التغيّر ، ثمّ استدلّ عليه باستصحاب استتباع الآثار ، واستصحاب نفس الأثر ـ كالزوجيّة ـ وبعمل السلف والخلف ، ثمّ أورد على الاستصحاب بأنّه شكّ في استعداد تلك الآثار للبقاء ، وأجاب بأنه شكّ في تحقّق المبطل.

ثمّ قال بعد ذلك كلّه : والتوضيح أنّ الأفعال الجزئيّة المتحقّقة حال الرأي الأوّل ، من الأسباب والشروط والموانع على قسمين :

أحدهما : ما يكون تأثيره وعدم تأثيره بالنسبة إلى شخص خاص أو أشخاص معيّنين من غير تجاوز منه ـ كالأمثلة الاولى ـ فإنّ العقد الجزئي الواقع على مرأة ، إنّما يصير سببا لحلّيتها على الزوج المعيّن من غير مدخليّة غيره أصلا ، وإذا كان باطلا يكون غير مؤثّر في حقّه كذلك.

__________________

(١) مناهج الأحكام : ٢٨٧.

١٨٣

وثانيهما : ما ليس كذلك ، كغسل الثوب المعيّن من البول ، فإنّه يصير سببا لطهارة هذا الثوب لكلّ من يرى الاكتفاء بالمرّة ، وغير مؤثّر في حقّ كلّ من لا يراه كذلك. وكذلك قطع الحلقوم في التذكية إذا قطعه ، فإنّه يصير المذبوح المعيّن حلالا على كلّ من يكتفي في التذكية بقطع الحلقوم وعلى مقلّديه ، ويكون حراما على كلّ من لا يكتفي فيها به.

فإن كان من الأوّل فلا يجوز النقض فيه ، وما مرّ من الإجماع وسائر الأدلّة يدلّ عليه.

وأمّا ما كان من الثاني فإنّه ينتقض بعد التغيّر ، فيقال : إنّ من يرى غسل المرّة فيه غير كاف إذا غسل الثوب مرّة يكون نجسا ما دام على ذلك الرأي ، وإذا تبدّل رأيه ورأى كفاية المرّة يطهر له هذا الثوب ؛ وذلك لأنّ هذا الغسل الجزئي لذلك الثوب المعيّن ـ مثلا ـ حال ظنّ عدم كفايته كان غير مؤثّر في حقّه ، لأجل أنّ هذا الشخص مندرج تحت عنوان « من يظنّ عدم كفايته » ولذا كان نجسا لكلّ من يظنّ كذلك ، وهذا الغسل بعينه لهذا الثوب بعينه في هذا الحال سبب للطهارة في حقّ كلّ من يرى الكفاية بالإجماع والضرورة ، ولأنّه لا يشترط في طهارة الثوب كون الغسل صادرا عمّن يرى كفاية المرّة ، ولا كون الثوب ملكا له ، فإذا تغيّر رأي الشخص الأوّل واندرج تحت العنوان الثاني ، لا بدّ أن يكون الثوب طاهرا في حقّه. ولا يشترط أن يكون أيضا صادرا حال تغيّر الرأي ؛ لأنّ ظنّه حينئذ حجة في حقّه ، ومظنونه الحاصل بسبب الأدلّة الشرعيّة : أنّ الغسل مرة سبب للتطهير مطلقا ، وليس مقيّدا بأنّ الغسل المتحقّق حال هذا الظن كذلك ، إذ لا تقييد في شيء من الأدلّة الظنّية بذلك أصلا.

ولذا ترى المجتهدين إذا حدثت الوقائع قبل اجتهادهم فيها واستفتي منهم ، يتأمّلون في حكم المسألة بعد حدوثها ، ويحكمون على الحادثة السابقة بما استقرّ

١٨٤

رأيهم بعد الاجتهاد. وليس المراد أنّ الغسل السابق صار سببا حينئذ ، بل سببيّته تحقّقت أوّلا ، ولكن لم يكن هذا الشخص داخلا في عنوان « من تحقّقت في حقّه السببيّة » ، ودخل فيه حينئذ ، كما أنّ من وقف شيئا على ضيفه فصار شخص بعد مدّة ضيفا له ، فإنّ الوقفيّة عليه لا تتحقّق حينئذ ، بل الدخول في العنوان تحقّق في هذه الحالة. وعلى هذا فلا أثر للاستصحاب المذكور ؛ لثبوت السببيّة في حقّ من دخل في هذا العنوان ، ولأنّ عدم السببيّة أوّلا كان لمن دخل في عنوان آخر ، فقد تغيّر الموضوع.

وأمّا الإجماع المذكور فاختصاصه بالأوّل ظاهر ، بل يمكن دعوى الإجماع على النقض في الثاني. وكذا الحال في غير هذا المثال (١) ، انتهى ما أفاده في توضيح المقام.

وأنت بعد ما عرفت من مبنى النقض وعدمه تعرف مواضع الفساد في هذه الكلمات. ولا بأس بالإشارة إلى بعض وجوه النظر فيه :

فنقول : أمّا ما أفاده أوّلا : « من أنّ الأسباب الشرعيّة وشرائطها وموانعها لها حقائق واقعيّة وحقائق ظاهريّة » فهو ممّا لا يطابق الواقع ؛ إذ ليس الطرق الشرعيّة إلاّ مثل الطرق التي يستعملونها العقلاء والعرف في استكشاف مقاصدهم واستظهار مطالبهم ؛ فكما أنّ المسترشد من الطريق الموصل إلى بلد ، لو اتّكل في سلوك سبيله إلى قول من يورث له الظنّ بالطريقيّة والوصول إلى ذلك البلد ، لا يعقل له القول بأنّ ما يوصل إلى ذلك البلد له حقيقة واقعيّة وحقيقة ظاهريّة ، فكذلك في الطرق الموصلة إلى الأحكام الشرعيّة ، فإنّ كلّها يكشف عن تلك الأسباب الواقعيّة والأحكام الموجودة في نفس الأمر المخزونة عند أهلها.

__________________

(١) مناهج الأحكام : ٢٨٨.

١٨٥

ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ الأحكام الوضعيّة كالشرعيّة التكليفيّة التي يتحقّق بواسطة الإنشاء والجعل المساوق له ، وبين القول بانتزاعها من الامور التكليفيّة ، أو كونها امورا واقعيّة كما هو مقتضى مذاق التحقيق ـ على ما قرّر في محلّه (١) ـ ولا (٢) يعقل أن يكون للطريق مدخل فيما هو طريق إليه ، فليس عندنا إلاّ الأسباب الواقعيّة التي يستكشف عن وجودها وتحقّقها في محالّها تارة بالعلم واخرى بالظن ، غاية الأمر أنّ العلم غير محتاج في الأخذ بما يترتّب على كشفه عن الواقع إلى دليل ، بخلاف الظن ، فإنّ ترتيب الآثار الواقعيّة على المظنون بواسطة الكشف الظنّي يحتاج إلى دليل. وهذا الفارق ليس قاضيا بما زعمه : من اختلاف الماهيّات على وجه الظاهريّة والواقعيّة.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الوجه في عدم جواز الأخذ بالأسباب الظاهريّة لكلّ أحد ، ليس لما زعمه : من أنّ تلك الماهيّة إنّما تكون سببا بالنسبة إلى شخص دون آخر ، بل الوجه هو وجود الدليل على جواز الاعتماد على ذلك الكشف الظنّي وعدمه (٣).

وأمّا ما أفاده في التقسيم إلى الأقسام الثلاثة فكلامه فيه متهافت ؛ فإنّه صرّح في القسم الثاني بالنقض ، وقضيّة ذلك النقض بالنسبة إلى الوقائع الحادثة في القسم الثالث أيضا ، فإنّ جواز الوطي في البكر المعقود عليها بغير إذن الولي بعد تغيّر الرأي لا وجه لإلحاقه بالقسم الأوّل مع إمكان إلحاقه بالقسم الثاني ،

__________________

(١) راجع فرائد الاصول ٣ : ١٢٥ ـ ١٣٠.

(٢) في « م » : إذ لا.

(٣) لم يرد « وعدمه » في « ع » و « م ».

١٨٦

فإنّ ذلك هو لازم تغيّر الرأي بعد القول بوجود الواقع أوّلا (١) ، فلا وجه للنقض في القسم الثاني (٢) أيضا.

وأمّا ما ذكره في التعليل ـ من أنّ العمل المذكور مستتبع لأثره ما لم يطرأ عليه الفساد ، ولم يطرأ عليه ؛ أما في السابق فظاهر ، وأما في اللاحق فلعدم وجوده ـ فهو بمكان من الوهن والضعف ؛ فإنّه لو فرض فساد العقد الواقع أوّلا ولو بمقتضى الاجتهاد الأوّل ، فيجري فيه الكلام المذكور ، فإنّه غير موجود ، وما نحن فيه إنّما يظهر فساده من أوّل الأمر.

وأما ما استدلّ به على عدم النقض فقد عرفت فيما تقدّم عدم الملازمة في بعض منها ، وعدم الدليل على بطلان اللازم في الآخر ، وعدم تحقّق بعض آخر ، كما مرّ مفصّلا.

وأمّا ما أورد في السؤال والجواب عن الاستصحاب فكلاهما ضعيفان ؛ فإنّه ليس شكّا في مقدار الاستعداد ، ولا شكّا في حدوث المبطل ، بل الواقع أنّه ظهور فساد بدليل معتبر ، فيكون من الشكوك السارية ، كما هو ظاهر.

وأمّا ما أورده في التوضيح ، فملخّصه يرجع إلى التفصيل بين الامور التي لا مدخل لها (٣) إلاّ لشخص معيّن أو أشخاص معينين فلا يحكم فيها بالنقض ، وبين غيرها فيحكم فيها به. وليت شعري! ما الفرق بينهما بعد الغضّ عمّا فيه من حيث الموضوع؟ فإنّ ما زعمه من القسم الأوّل كالنكاح ليس من الامور المختصّة ؛ فإنّ أحكام زوجيّة هند لزيد ـ مثلا ـ لا تختصّ بزيد فقط أو بهند كذلك ، بل من جملة أحكامها حرمتها على غير زيد ، وهو يعمّ جميع الآحاد.

__________________

(١) لم يرد « أوّلا » في « م ».

(٢) في « م » : « بالقسم الثاني ».

(٣) في « ط » و « ع » بدل « لها » : « فيها ».

١٨٧

وكيف كان ، فالمطّلع على وجوه النظر واختلاف الأنظار في الصحّة والسقم لا ينبغي له الإصغاء إلى هذه الوجوه.

وأضعف من الكلّ ما قد نسب إلى بعض أجلّة السادات (١) : من التفصيل بين المجتهد فحكم بالنسبة إليه بالنقض ، والمقلّد فحكم فيه بعدمه. واستدلّ على العدم بالاستصحاب والحرج. وعلى تقدير التماميّة لا يعقل الفرق بين المجتهد وغيره. والله الهادي.

__________________

(١) انظر مفاتيح الاصول : ٥٨٢.

١٨٨

هداية

قد أشبعنا الكلام في الإجزاء وعدمه وترتيب الآثار وعدمه بالنسبة إلى من ظهر له فساد العمل السابق بأمارة ظنّية معتبرة ، ولنذكر طرفا منه بالنسبة إلى فعل الغير ، كما إذا اعتقد المجتهد أو المقلّد خلاف ما يراه المجتهد الآخر أو المقلّد الآخر ، فنقول : إنّ قضيّة ما قرّرنا في الهداية السابقة ـ من أنّ الطرق الشرعيّة إنّما هي طرق إلى الواقع من دون تصرّف لها فيه ـ هو عدم ترتيب آثار الواقع على فعل الغير المخالف في الاعتقاد له ، فلا يجوز الأكل من الدبس المشترى بالبيع معاطاة لمن لم يجوّز ذلك ، ولا يجوز الاقتداء بمن لا يعتقد وجوب السورة مع العلم بمطابقة عمله لاعتقاده. وأمّا عند عدم العلم فيحتمل جواز الاقتداء ؛ نظرا إلى أصالة الصحّة في فعله ولو لم يكن الصحّة معتبرة في اعتقاده ، كما قرّر في محلّه.

والمسألة في غاية الإشكال نظرا إلى بعض اللوازم ؛ إذ على تقديره يجوز العقد على المعقودة بالفارسيّة لمن لم يجوّز ذلك وأمثاله ، كما لا يخفى.

إلاّ أنّه لم نجد مصرّحا بالخلاف أيضا ، بل يظهر ممّا في تمهيد القواعد كونها مفروغا عنها بعد القول بالتخطئة ، حيث ذكر في ثمرات التخطئة لزوم إعادة الصلاة إلى القبلة الاجتهاديّة إذا انكشف كونها خطأ ، وعدم جواز الاقتداء عند مخالفة الإمام والمأموم في الأجزاء والشرائط (١) بل المحكي عن العلاّمة في التذكرة (٢)

__________________

(١) تمهيد القواعد : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) التذكرة ٤ : ٢٨٣.

١٨٩

والتحرير (١) ونهاية الإحكام (٢) ، وعن الشهيد في الدروس (٣) والذكرى (٤) والبيان (٥) ، وعن الصيمري (٦) وابي العباس (٧) : أنّ المخالف في الفروع لا يجوز الاقتداء به (٨) إذا فعل ما يقتضي فساد الصلاة عند المأموم ، كترك السورة ، والصلاة في المغسول مرّة ، ولبس السنجاب ، ونحوها.

وهذا الحكم وإن كان بعيدا عن مذاق المعاصرين ـ على ما استكشفناه منهم (٩) ـ فإنّ منهم من يصرّح بعدم النقض في بعض الأمثلة (١٠) ، إلاّ أنّ الإنصاف أنّ ذلك ناش عن عدم التعمّق فيما يوجب ذلك من المدارك ، بل إنّما هو قول منهم بمجرّد الاستبعاد ، وإن كانوا هم غافلين عن ذلك ومتخيّلين أنّ ذلك منهم إنّما هو بواسطة دليل دلّهم على ذلك ، وأنّى لهم بذلك بعد ما عرفت من القاعدة التي لا مخرج عنها؟

والذي يسهّل الخطب عدم وقوع أمثال تلك الوقائع (١١) في الخارج إلاّ نادرا ، وعلى تقديره فلا يعلم به ، فلا يكون من موارد الابتلاء والتكليف ، ولا يجب الفحص عن أمثال ذلك.

__________________

(١) انظر التحرير ١ : ٥٢.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) الدروس ١ : ٢١٨.

(٤) الذكرى ٤ : ٣٩٣.

(٥) البيان : ٢٢٩.

(٦) غاية المرام ١ : ٢١٨.

(٧) الموجز ( الرسائل العشر ) : ١١١.

(٨) « به » من « ق ».

(٩) لم ترد « منهم » في « م ».

(١٠) انظر الجواهر ١٣ : ٣٩٣.

(١١) في « ط » و « م » زيادة : « أوّلا ».

١٩٠

ثمّ إنّ بعض التفاصيل المتقدّمة أيضا يجري فيما نحن بصدده ، كما صرّح به في المناهج عند الاعتراض على ما زعمه المحقّق القمّي رحمه‌الله ، بعد (١) ما نفى الشكّ من مزاحمة مجتهد لمجتهد آخر ومزاحمة مقلّده ، فإنّه أطلق القول بالبناء على الآثار المترتّبة على الاجتهاد (٢) ، حيث قال : والظاهر جواز بنائه على صحّة ما حصل بفعلهما (٣).

فاعترض عليه في المناهج : « انّ عدم المزاحمة حقّ ؛ وأمّا البناء على صحّة ما حصل بفعلهما ، فإن أراد أنّه يجوز له أن يحكم بترتيب جميع الآثار عليه ـ حتّى ما يتعلّق بهذا المخالف وفي حقّه ـ فليس بإطلاقه ، بل الأثر المترتّب عليه إمّا في حقّ الفاعل أو هذا المخالف ، فما كان من الأوّل فيحكم بترتّبه ، وما كان من الثاني فإن كان مترتّبا على صحّته في حقّ الفاعل فكذا ، وإن كان مترتّبا على نفس الفعل فلا » (٤). ثمّ أخذ في بيان الأمثلة لما ذكره.

وذلك التفصيل وإن كان مخالفا في التحرير لما فصّله في الهداية السابقة ، لكنّه يؤول إليه عند التحقيق والاستظهار.

وأنت خبير بأنّ المبنى في الكلّ واحد ، وبعد الاعتراف بأحد الوجهين في كيفيّة الطرق الكاشفة للواقع لا وجه للأخذ بما ينافيه.

ثمّ إنّه يظهر من بعض من ذهب إلى جواز ترتيب الأثر على فعل الغير عند المخالفة ، طور آخر من الاستدلال (٥) ، حيث استند في ذلك إلى عدم الدليل على

__________________

(١) في « ط » و « م » : وبعد.

(٢) في « ق » زيادة : « الأوّل ».

(٣) القوانين ٢ : ٤٠٠.

(٤) مناهج الأحكام : ٢٨٩.

(٥) لم نقف عليه.

١٩١

اشتراط الصحّة الواقعيّة في ترتيب الآثار ، مثل الاقتداء في الصلاة مع تخالف الإمام والمأموم ، وجواز الأكل من الخبز المشترى بالمعاطاة ، ونحو ذلك ، بل زعم كفاية الصحّة في الجملة ولو في نظر الشخص ، وكون الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمريّة لا يقضي بالصحّة الواقعيّة ـ بعد التسليم ـ فإنّ ذلك فرع كوننا مخاطبين بالخطابات المزبورة ، وهو خلاف التحقيق ؛ لما حقّق في محلّه : من أنّ الخطابات مختصّة بالمشافهين ، واشتراكنا معهم إنّما هو في الأحكام الثابتة بالنسبة إليهم ، لا في العمل بظواهر الخطابات ، وقاعدة الاشتراك في التكاليف الواقعيّة وإن كانت قاضية بالفساد ؛ ضرورة تعلّق تكاليفهم بالامور الواقعيّة ، إلاّ أنّ العمدة في إثبات تلك القاعدة هو الإجماع ، وفقده في محلّ الكلام غنيّ عن البيّنة.

وفيه ـ بعد الغضّ عن جميع ما في تفاصيل كلامه ـ : أنّ الاجماع ثابت على الاشتراك ، وهذه قاعدة لا بدّ من الخروج عنها إلى دليل ، وليس يكفي في ذلك مجرّد وجود الخلاف ، بل لا بدّ من دليل قاض بذلك ، وهو ظاهر في الغاية ، كما يوضّحه ملاحظة القواعد الإجماعيّة في مواردها ، كموارد الاشتغال ، فإنّ وجود الخلاف في مورد لا يقضي بعدم الاستناد إلى تلك القاعدة ، بل لا بدّ من إقامة الدليل على المخالفة.

١٩٢

تذنيب

قد ذكر غير واحد منهم في باب الحجّ (١) : أنّه لو أحرم بغير غسل الإحرام أو صلاتها عامدا أو جاهلا أو ناسيا أو ذاكرا يستحبّ له التدارك لما تركه من الغسل والصلاة وإعادة الإحرام (٢).

والوجه فيه ما ورد في الصحيح (٣) ، بعد السؤال عما تقدّم من لزوم الإعادة ، فإنّه محمول على الاستحباب عند المشهور ، ومنهم الشيخ (٤).

وأورد عليه ابن ادريس ـ كما هو المحكيّ عنه (٥) ـ : بأنّه إن أراد أنّه نوى الإحرام وأحرم ولبّى من دون صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه ، وأيّ إعادة تكون عليه؟ وكيف يتقدّر عليه؟ وإن أراد أنّه أحرم بالكيفيّة الظاهرة من دون النيّة والتلبية فيصحّ ذلك ويكون لقوله وجه (٦) ، انتهى.

أقول : إنّ بعد ما عرفت فيما تقدّم : من أنّه يمكن الأمر بإعادة الفعل المأتيّ به على وجه الصحّة الواقعيّة استيفاء لما هو الأكمل من الفعل المأتيّ به ، لا وجه لما

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٣١٥ ، والعلاّمة في المنتهى ( الطبعة الحجرية ) ٢ : ٦٧٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) لم يرد « وإعادة الإحرام » في « م ».

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨ ، الباب ٢٠ من أبواب الإحرام ، الحديث الأوّل.

(٤) المبسوط ١ : ٣١٥.

(٥) حكاه عنه في المختلف ٤ : ٤٩.

(٦) السرائر ١ : ٥٣٢.

١٩٣

أورده الحلّي على الشيخ ؛ فإنّ انعقاده لا ينافي استحبابه (١) ثانيا ؛ لما في الفرد الثاني من الكمال ما ليس في الأوّل.

على أنّ ما ذكره أخيرا ـ على تقدير الإحرام الظاهري بدون النيّة ـ غير موجّه ؛ إذ على تقديره فيجب الإعادة ، إذ لم ينعقد إحرامه بمجرّده ، وذلك نظير استحباب الإعادة في الصلاة التي لم يؤذّن فيها بعد انعقاد إحرام الصلاة. ولا ينافي ذلك كون إحرام الحج بعد انعقاده ممّا لا ينقطع إلاّ بمثل الصدّ والإحصار ونحوه ؛ لورود النصّ بذلك أيضا في خصوص المقام (٢).

ومن هنا قد التزم سيد الرياض بوجوبه (٣) ، إلاّ أنّ ذلك منه في غير محلّه ؛ فإنّ إفادة الأمر (٤) الاختياري للإجزاء أمر لا يقبل أن ينازع فيه ، والوجوب ثانيا ينافي ذلك. نعم ، استحبابه غير مناف لذلك ، كما لا يخفى على المتدبّر فيما ذكرنا.

وقد يقال : بإمكان الأمر الوجوبي بالفرد الكامل ، كما في الواقعي الاضطراري.

وليس بشيء ؛ لأنّ المنشأ لو كان ترك الواجب في حالة الإجزاء صحّ ذلك ، بخلاف ترك الأجزاء المستحبّة.

هذا آخر ما أفاده الاستاذ المحقّق في هذه المسألة الشريفة المذكورة ، أعني مسألة الإجزاء.

ولعمري ، إنّ هذه المسألة من أهمّ المسائل ، وتكلّم الاستاد فيها من أعظم الكلمات. خذها واغتنم ، فلله الحمد ، إنّه خير موفّق.

__________________

(١) عبارة « فإنّ انعقاده لا ينافي استحبابه » من « ط » ، وفي « ع » و « م » ذكرت العبارة بعد قوله « إحرام الصلاة » الآتي بعد سطور.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) انظر الرياض ٦ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، وفيه : « وكيف كان فلا ريب في الاستحباب ».

(٤) في « ع » زيادة : « الواقعي »

١٩٤

القول في وجوب مقدّمة الواجب

١٩٥
١٩٦

وتحقيق الكلام على وجه يرتفع به غواشي الأوهام في طيّ هدايات.

هداية

اعلم : أنّ من الامور التي ينبغي مراعاتها في التعاليم هو معرفة المسألة التي يقع البحث فيها قبل الخوض في الاستدلال نفيا أو إثباتا ، من حيث دخولها في أيّ فنّ من الفنون المدوّنة ، ثمّ في لحوقها بأيّ باب من أبواب ذلك الفنّ ، ليكون الطالب على بصيرة من ذلك من حيث ملاحظة أخواتها في الحكم ومقايستها عليها. وذلك وإن لم يكن من الامور اللازمة ، إلاّ أنّ فيها جدوى كثيرة.

فنقول : ربّما يتوهّم دخول المسألة في المسائل الفرعيّة ، لرجوع البحث فيها إلى البحث عن العوارض اللاحقة لفعل المكلّف من حيث الاقتضاء والتخيير ـ كما في البحث عن وجوب الصلاة والزكاة ونحوهما ـ فيكون من المسائل الفرعيّة.

ولكنّه ليس على ما يتوهّم ؛ إذ مرجع البحث فيها إلى أنّ العقل هل يحكم بوجوب المقدّمة عند وجوب ذيها أو لا؟ فيرجع البحث فيها إلى البحث عن تحقّق (١) الملازمة بين الإرادة الجازمة المتعلّقة بشيء وبين إرادة مقدّماته. وذلك كما ترى ليس بحثا عن فعل المكلّف ، بل هو بحث عن اقتضاء نفس التكليف والطلب وإن استلزم العلم بها العلم بكيفيّة عمل المكلّف من حيث وجوب الإتيان به وإباحته ، كما هو الشأن في جميع المسائل الاصوليّة ، فإنّها مهّدت لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعيّة منها.

__________________

(١) في ( م ) ، ( ع ) بدل « تحقّق » : نفس.

١٩٧

ومن ذلك يظهر شمول الحدّ المذكور للاصول لها أيضا. ويتّضح ما ذكرنا غاية الاتّضاح عند ملاحظة أنّ علم المقلّد بهذه المسألة ممّا لا يجديه في شيء من أعماله وأفعاله. وذلك ظاهر لا سترة عليه بعد ملاحظة أنّ تشخيص موضوعها موقوف على الاجتهاد الذي ليس للمقلّد فيه حظّ ولا نصيب ؛ مضافا إلى ما يشاهد من درجها في مسائل الاصول في كتب مهرة الفنّ وأساطين الصناعة ؛ وبذلك يكفي شاهدا ودليلا.

ثمّ إنّ من هنا ينقدح لك القول بأنّ الترتيب الطبيعي يقضي بأن تكون ملحقة بالمسائل المذكورة في المبادئ الأحكامية ـ كما صنعه العضدي تبعا للحاجبي (١) ـ فإنّ من المناسب عند تحقيق الحكم الشرعي وتقسيمه إلى الوضعي والتكليفي وتنويعه إلى الأنواع الخمسة المعروفة تحقيق لوازم تلك الأحكام ، من حيث إنّ الوجوب المتعلّق بشيء يستلزم وجوب مقدّماته أو لا. أو مذكورة (٢) في مباحث الأدلّة العقليّة ـ كما صنعه آخرون (٣) ـ من حيث ثبوت حكم العقل (٤) في هذه المسألة ، كما في مسألة ثبوت حكمه في أصالة الإباحة ؛ إذ لا اختصاص لها بما يتفرّع على قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين ولا بما يستقلّ العقل باستفادة حكمه ولو من غير توسيط للخطاب الشرعي ، بل قد عدّت (٥) في عدّة مواضع من كلمات المحقّقين الملازمات العقليّة في عداد أدلّتها (٦).

__________________

(١) راجع مختصر الاصول وشرحه للعضدي : ٣ و ٩٠ ، حيث جعل علم الاصول في امور أربعة أوّلها في المبادئ ، وأورد البحث عن مقدّمة الواجب في الأمر الأوّل.

(٢) عطف على قوله : ملحقة.

(٣) كالفاضل التوني في الوافية : ٢٩١ ، وانظر هداية المسترشدين ٢ : ٨٤ ، وضوابط الاصول : ٨٣.

(٤) في ( ع ) و ( م ) : الحكم للعقل.

(٥) في « م » بدل « عدّت » : حقّق.

(٦) راجع الفصول : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، وهداية المسترشدين ٣ : ٤٩٦.

١٩٨

وأمّا ذكرها في مباحث الألفاظ ـ كما صنعه صاحب المعالم (١) وتبعه في ذلك جماعة (٢) ـ فليس على ما ينبغي ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال فيه هو : أنّ الوجوب لمّا كان من مداليل الألفاظ صحّ ذكرها في مباحثها.

وذلك ظاهر الفساد ، إذ فيه ـ بعد الغضّ عن أنّ الوجوب كما قد يكون الدليل عليه هو اللفظ فكذلك قد يكشف عنه العقل أو الإجماع أو الضرورة ونحوها ممّا ليس بلفظ ، والنزاع المذكور كما يتأتّى فيما يدلّ عليه اللفظ يجري في غيره أيضا من غير اختصاص بأحدهما ، كما أشار إليه المدقّق الشيرواني (٣) ـ أنّه لا يعقل أن يكون البحث في المقام بحثا لغويّا ونزاعا لفظيّا.

وتحقيقه : أنّ المتعارف في الأبحاث اللغويّة هو تسليم المتخاصمين لوجود المعنى المتنازع في وضع اللفظ له وعدمه ، وإنّما التشاجر بينهم في ثبوت العلقة الجعليّة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى على وجه يصحّ أن يكون اللفظ مرآة وكاشفا عن ذلك المعنى الثابت في محلّ ثبوته.

وذلك كما في نزاعهم في أنّ الأمر للوجوب أو لا؟ فإنّ المعقول من هذا النزاع هو أنّ هيئة الأمر على نحو وضع الهيئات هل هي موضوعة لمعنى يلزمه الوجوب أو لا؟ مع اعتراف المتخاصمين بتحقّق هذا المعنى في الواقع وتسليمهما لاختلاف مراتب الطلب والإرادة ، فتارة يتأكّد الطلب فيصير

__________________

(١) المعالم : ٦٠.

(٢) كالمحقّق القمّي في القوانين ١ : ٩٩ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٨٢ ، والفاضل النراقي في المناهج : ٤٨.

(٣) في حاشيته على المعالم المطبوعة مع المعالم ، انظر المعالم ( الطبعة الحجريّة ) : ٦٠ ، ذيل قول المصنّف : لنا.

١٩٩

في تلك المرتبة منشأ لانتزاع الوجوب من الفعل ، وتارة لا يصل إلى تلك المرتبة فلا يصحّ انتزاع الوجوب من الفعل الذي تعلّق الطلب به. وبالجملة : فلا اختلاف بينهم في اختلاف مراتب الطلب ، كما لا خلاف في تحقّق المرتبة الملزومة للوجوب وثبوتها ، وإنّما النزاع في أنّ هيئة الأمر هل هي موضوعة لأيّ مرتبة منه؟

وكذلك القول في المفاهيم ، فإنّ العلقة بين التالي والمقدّم تارة تلاحظ على وجه يتفرّع وجود أحدهما على الآخر ، وتارة ملحوظة على وجه يلازم عدم أحدهما عدم الآخر أيضا ، فمع قطع النظر عن النزاع في مفهوم الشرط لا كلام في تحقّق هذين المعنيين ؛ وإنّما النزاع في أنّ لفظة « إذا » مثلا هل هي موضوعة للعلقة المذكورة على وجه يلاحظ أحدهما معلّقا على الآخر وجودا فقط أو وجودا وعدما؟

والنزاع في المقام ليس بهذه المثابة ؛ إذ الكلام في ثبوت أصل الملازمة العقليّة وتحقّقها بين الإرادة المتعلّقة بشيء وبين إرادة مقدّماته ، فالقائل بالوجوب يدّعى ثبوتها ، والقائل بالعدم ينفيها. وليس الوجوب في الواقع تارة على وجه يحكم العقل بثبوت الملازمة وتارة على وجه لا يحكم العقل بها ، فيكون النزاع في أنّ اللفظ موضوع لأيّ الوجوبين ، كما لا يخفى.

فظهر : أنّ البحث عن الملازمة المذكورة لا يشبه الأبحاث اللغويّة والنزاعات الراجعة إلى تشخيص مسمّى اللفظ. نعم ، على القول بتحقّقها يكون من المداليل الالتزامية للّفظ الدالّ على وجوب ذيها فيما إذا قلنا بأنّها من اللوازم التي لا يحتاج التصديق بها إلى وسط في الإثبات ، ومجرّد ذلك لا ينهض وجها لدخولها في مباحث الألفاظ.

٢٠٠